كان القدرُ مرةً أُخرى يعاكسُ ويرفضُ هذه العلاقة ففي الصباح اليوم التالي وقبل موعدِ الهُروبْ، وجِدتْ جُثَةُ رجلاٍ بالقربِ من السوقِ المركزي لليموريا، نَعم لقد كانت تلك الجُثة ليوچين پارد والتي انتشر صيتُها كالنار على الهشيم في جميع أنحاء المملكةِ لوحشية القتل، فَوجدَ رأسُ يوچين منفصلا عن جسده، وكانتْ الناس تتداولُ ذلك مباشرة وكانت الكثير من الأقاويل تروج بين حول الجثة مثل:
"هل رأيت كيف قتل ذاك الرجل؟"
"يا لها من طريقةٍ وحشية ثم التعامل بها مع الجثة "
"تُروج بعد الاخبار أن الجثة تعود إلى إبن عائلة پارد"
والعديد من الاقاويل الاخرى التي تكلمت حول الموضوع لأن مملكة ليموريا أصبحت مملكة سلمية بعد توحيد الممالك عن طريق ملكهم بيرت ماتين ومثل هذه الاشياء لا ثحدت إلا نادرا لذلك كان لوقع هذه الفاجعة صدى كبير، وصلتْ هذه الاقاويل مسامع كريغ الذي لم يُصدق الخبر في البداية حتى ذهب إلى عين المكان، ثم رأى ذلك المشهد الصادمْ والمُحزن، حمل جسد ورأسَ يوچين ثُم قام بذفنهِ لوحدهِ قُربَ مكان دفن أمه إيڤا كان ذلك لأن كريغ أحب يوچين كأخٍ له بعد رؤيته لمقدار حبه لأخته، أما تارا فقد كانت في غُرفتها تُجهز للهروب دون معرفةِ أي شيءٍ عن الفاجعة، ليدخُل عليها كريغ إلى غُرفتها ورأسهُ منحني لأرض، تَنظُرُ إليه تارا مُحطماً فتشعرُ بشعورٍ مقلقٍ ومحزنٍ وتقولُ لأخيها وهي تعرفُ أن امرا ما قد حصل :
- أهلا يا كريغ هل حان الوقت؟
مُبتسِمةً إبتسامة متصنعةً ، لكن كريغ واصل النظر إلى الأرض ليتكلمَ أخيرا بقوله الذي جعل تارا تذرِفُ دموعا مرافقةٍ إياها بإبتسامةٍ حزينة:
- لمْ تَعُد هناكَ حاجةٌ للهروب بعد الآن!
لِترُد عليه وهي تدفعهُ ذهابا ومجيئً :
- ارفع رأسك يا كريغ أخبرني بماذا تقصد، ماذا حدثَ منذ الأمس إلى اليوم، أخبرني...أخبرني أخبرني أرجوك
أمسكَ كريغ يد تارا ثم رفع رأسهُ للمرة الاولى ناظراً إلى عينيها:
- يوچين قدْ وُجِد مقتولاً في السوق المركزي
تلكَ الكلمات التي قالها كريغ بدتْ كوابلٍ من السهام قد أصابت تارا تباعاً في برهةٍ من الزمن، وبعد ان استوعبت كلامَ كريغ تراجعتْ بخطواتٍ إلى الوراء ، ودار بها الزمن ُ فلم تعرِف ما تقولُ أو تفعلْ، لم تعرف هل يجبُ أن تبكي ام تضحك، اختلطت على تارا كل تلك الامور والتي بدت كأنها حدثت في رمشة عينٍ ثم أخذت ترددُ :
- ماذا تقول يا كريغ كفاك مزاحا، هيا بنا لنذهب الان لنلتقي يوچين، لا بد أنه ينتظرنا
تحملُ الأخيرة أغراضها وتتوجه نحو الباب للخروج ليمسك كريغ يدها قائلا بجدية جعلها تصدق كلامه:
- تارا، يوچين قد مات
تُسقِطُ تارا الحقيبةْ الذي تحمل، ثم تسقطُ هي ايضا على ركبتيها، تتساقط من عينيها دُموعٌ صامتة دون صراخٍ أو نواح، إنها دموع الفراق، دموع أحر من لهيب الشمس، تلك دموع أصدقُ الحب، تلك الدموعُ عبارةٌ عن رثاءٍ من تارا لحبيبها المقتول، عرفَ كريغ من خلال تلك الدموعْ أن تارا استوعبتْ أن يوچين قَدْ رَحَل عن هذا العالم بدونِ رجعةٍ، فحاول مواساتها بعد ذلك، لكنَ تارا أخذت تجري نحو قاعةِ العرش حيثُ يتواجدُ الملك ليلحق بها كريغ، تفتحُ تارا باب القاعة وتقفُ مقابلةً لأبيها الذي يجلسُ على العرشِ بعد أن أخبرهُ أحد حرسه أن يوچين قد وجِدَ مقتولاً، رأى الملكُ ابنته ودموعها الصامتة التي تعكسُ الالامهَا وقبل أن ينطقِ بأي كلمة، تصرُخُ تارا في وجهِ أبيها للمرة الاولى فحياتِها
- لماذا...لمااذا ،لماذاا..قد فعلت ذلك ألم أخبرك أنني سأتزوجُ أيما تُريدْ لماذا...! لماذا قتلته أنا أكرهك، أنا أكرهك!
ردَ الملكُ على ابنتهِ الغاضبة والحزينة
- اعرِفُ أنكي لن تُصَدقي ذلك لأن الغضبَ يعمي بصيرتك الان ،لكنني لستُ من قَتلهْ
وقَبْلَ أنْ يُنهي المَلكُ حديثهُ حتى ركضَت تارا مُسرِعةً لغُرفَتها، يَنْظُرُ كريغ إلى أبيه فتلتقي أعينهمْ ليعرفَ كريغ فورا أن الملكَ لا يدَ لهُ في قَضيةِ مقتَلِ يوچين، وبعدها يلْحقُ بأُخته الذي يجدُ غرفتها مُغلقة من الداخلِ، مناديا إياها من خلفِ باب غُرفَتها قائلا
- تارا أَنْتِ تعرفين جيدا بأن أبي ليسَ هو قاتل يوچين، أنتِ تعرفين ذلك جيدا
بَعْد سماعها لهذا الكلام انفجرتْ تارا باكيةً، سمعها كريغ تبكي فتأسف على ذلكَ وغادر لكن قبل مغادرتهِ أمر أحدَ الحُراس بمراقبة الغُرفة وكأنهُ أحس بشيءٍ سيء قد يحدثْ، وَلمُدةِ ثلاتة أيام كان كريغ يأتي بالطعامِ لأخته لغرض الاطمئنان عليها لكن تارا ترفُضُ الطعامْ وترفضُ فتح الباب له فيرجعُ كريغ خائبا إلى غُرفَتِه، وقد لاحظ كل من كاثرين وريبيكا الحالةَ النفسية المحَطمةِ لكريغ فحاولوا أكْثر من مرة أنْ يُخْرجوه من ذلك الشعور الكئيبْ، لكنهم فشلوا في ذلك في كل مرة، وفي اليوم الرابعِ وبعد أن كان كريغ يتوجه بالإفطار إلى تارا يلمحُ باب غُرفَتها مفتوحا ليُسقط الطعام أرضا ويركضُ إلى الغرفة وفور دخوله لها، لا يجدُ كريغ أُخته فيركض مسرعا إلى الحارس الذي كلَفهُ بحراستها مُمسكا به بقوةٍ شديدة حتى كادَ أن يقْتُلهُ
- أينَ تارا؟ لقدْ كَلفتُكَ بحراستها
ردَ الحَارِسُ والذي كان يَخْتنقُ:
- لقد أخبرتني أنها تُريدُ أن تستنشقَ بعض الهواء النقي وسمحتُ لها بذلك
ضَربَ كريغ الغاضبُ الحارسَ صارخا في وجهه
- في أي إتجاه ذهبت؟
أَجابهُ الحارسُ أن تارا أَخذتْ طريقَ جسر كايدن وفور سماعهِ لذلك خطرت ْ على كريغ تخيلات وأفكارٌ سوداويةٌ وبدون أن يشعر أفلت الحارس وأخذ يَرْكُض في اتجاه الجسر، وَفي نفسِ تلك الاثناء يلاحظُ هونتر أن غرفةَ شقيقته مفتوحة فيذهبُ فورا لإخبار ريبيكا وكاثرين بالأمر، استغربَتا الاختين من الأمر، ثم ذهبوا إلى الغرفة ليتأكدوا من كلام هونتر فشعروا بشيء سيء قد يَحصُل ليروا بعدها الحارس الذي يمسكُ عنقه من شدة الالم الذي سببه له كريغ، فتتوجهُ إليه كاثرين مُستفسرةً إياهُ عن الذي حدث فأخبرها الحارسُ بالقصة كاملة، لتطفو على السطح أفكار سوداوية في عقل الاختين كما طفت في عقل كريغ، لتُخبر كاثرين أُختها ريبيكا بأن تَسْبقها إلى الجسر في حين تدخلُ هي إلى غُرفة تارا لتجد رسالةً فوقَ سرير أُختها تحملها كاثرين لتقرأها فتتغيرُ ملامحُ وجهها ويعتليها غَضبٌ وحزن عارمين، تُمزق تلك الرسالة وتركضُ هي كذلك باتجاه الجسر بأقصى سُرعةٍ لها، في تلكَ الاثناء كانت تارا قدْ تَوقفت في حيث ارادت فوق جسر كايدن الجسر الذي استغرق بنائهُ قرناً ونصف اذ يُقدرُ طوله ب 500 كيلومتر ويبلغُ ارتفاعهُ 100 قدم ذلك يعني أن القفز من فوقهِ يعني الموت الأكيد وقد كان الهدفُ من بنائهِ هو تَقصيرُ المسافةِ بين مملكة ليموريا و غودلاند لكن وبالتأكيد لم يكن هدفُ تارا من الذهاب إليه هو السَفرُ إلى غودلاند، بَل وقَفتْ على حباله واستعدتْ للقفز منه، يعني ذلكَ أنها قررتْ الانتحار ووضعِ حد لحياتِها وفي الوقت التي استعدت فيه للقفز، وصلَ كريغ إلى المكان وصرخَ بكل قوته حتى كادت حبالهُ الصوتية أن تتقطع :
- توقفي يا تارا، أرجوك لا تفعلي ذلك!
إلتفتت تارا إلى أخيها المُتسمر مكانه خوفا من أن تقفز قائلة وعيونها يملأها الدمع :
- أبي لم يكن القاتل يا كريغ، لقد اتهمته بذلك لا أستطيع مسامحة نفسي
وبِأخر كلماتهَا ودمُوعُ تنْهمِرُ من عينيها تنظُر تارا إلى كريغ النظرة الاخيرة قائلةً:
- سامحني يا أخي، أنا أسفة لأنك سترى شخص أخر عزيزا عليك يموت امامك، إلى اللقاء كريغ
تلك اللحظة التي قفزتْ فيها تارا رأى فيها كريغ الأمر ببطئ تام وفي الوقت الذي اختفى جسدُ أخته من زاوية نظره سقط أرضا مصدوما جاثيا على رُكبتيه، كانَ ذلك هو الوقت التي وصلت فيه ريبيكا و هونتر إلى المكان مشاهدين أخيهم وهو جاثي على رُكبتيه يكادُ لا يَرمشُ، شعرت ريبكيا بالخوفِ مُتوجهة إلى أخيها قائلة له:
- ما بك يا كريغ ماذا حدث هنا؟ لم أنت مصدوم هكذا؟
اشار كريغ بإصبعه المُرتعش إلى الجِسر وعيونهُ لا تتحركُ من مكانها في مشهدا مرعب لم يعْتدهُ أحدا عن كريغ قائلا:
- تارا، تارا قد قفزت من الجسر
وضعت ريبيكا يديها على فمها غير مُصدِقةٍ لكلام أخيها المُفجِعْ، أعادتْ النظرَ إلى كريغ المصدوم لتعرفَ أن ما قالها هو الحقيقة والتي كان وقعها صعبا على ريبيكا التي سقَطتْ أرضا تَبكي بحُرقة، تصِلُ بعدها كاثرين إلى هُناك ومن خلال رؤيتها لحالة ِ إخوتها فهمت كاثرين ما حدث في جسر كايدن لتباغتها الدموع التي لم تستطعْ كبحها لتلمح بعدها أن هونتر بدى غير مثأترا بالفاجعة وقد اقنعتْ نفسها بأن ذلك سببُه هو صغر سنه وأنه لم يفهم او لم يستوعبه كاملا لتذهب تجاههُ معانقةً إياه، ذاك المشهد بدا مأساويا لإخوة الاربعة فكريغ جاثيِ على رُكبتيهِ دون حراك، أمَا ريبيكا كانت ساقطة ارضا وتبكي وكاثرين تُعانقُ هونتر الذي بدى لها أنه لم يستوعب الحادثة، ودموعها الدافئة تسقطُ على وجهه، كان بين الاخوة الاربعة أمتارٌ قليلة جسديا لكن عقولهمْ وأرواحهم كانت بعيدة كل البعد، هذه إذن قصةُ تارا ماتين الإبنة الكبرى للملك بيرت ماتين أو إن صح القولْ الأميرة الحَزينَة