ليُصبحَ بعدها الفريقُ مكونا من أربعة اشخاصٍ في طريق البحثِ عن مخْرجا من الغابة، وبعدَ بحث طويل لم يجد الاربعةُ أي مؤشرا عن المخرج وكأن المكان عبارةٌ عن متاهةٍ كبيرة، ليلمحوا نهرا صغيرا، فقرروا الاسترخاءَ بالقُربِ منهُ فوق صخرةٍ كبيرة، وبعد جلوسهم توجهَ سينساتي إلى النهر بغرض شرب بعض من الماء لإسترجاع قليلا من الطاقة نزل سينساتي على رُكبَتيه ليروي عطَشهُ فإذا به يسمع خُطى أقدامٍ بالطرفِ المُقابِل للنهر، يرفَعُ بنظرهِ نحو مصدر الصوت ليرى إمرأةً عجوز باكية تدخُل النهر، عرفَ سينساتي من خلال النَظرِ في وجهها أنها من أشباحِ الغابةِ ليتراجعَ ببطئٍ محاولا أن يعُودَ إلى كريغ والبقية دون إحداث صوت، لكنه داسَ على غُصن صغير، وصل صوته مسامع العجوز الشبح لتنظُر صوبهَ وتقول له بصوتٍ خافت ومرعبٍ {إغفر لي يا بُني!}، ارتعبَ سينساتي من ذلك راكضا وهو يصرُخ نحو مكان البقية :
- إهربوا!
رأى الثلاتةُ عجوزا تبكي تلاحق سينساتي فوقفوا راكضين وراءه هم كذلك وصوتُ بكاءِ العجوزِ يَتبعُهم، نظر سينساتي خلفه فوجد ان العجوز الباكية لا زالت تُلاحقهم فصرخ يائسا :
- من تكون هذه العجوز بحق چيرمن؟ إنها لا تنفك عن ملاحقتنا!
رد إريك على تساؤل سينساتي وهم يركضون :
- لا بُدَ أنها la llorona
نظر كريغ ولأول مرة نظرةَ إعجابا نحو إريك، وبعد أن ظلت العجوز الاربعة، اختبئوا خلف أحد الاشجار تاركين إياها تبحثُ عنهم وهي تبكي مرددة {أطفالي..أطفالي...!!}، وفور أن أضاعوها، جلسوا مسترخين خلف الشجرةِ ليسئل سينساتي عن من تكون هذه la llorona، ليحكي لهُ كل من إريك و كريغ قِصة هذه العجوز وأنها أُسطورة من إختراع الاريسيين (وهم سكان مملكة سوريين )، وكانت قصة ُ la llorona كما حكاها اريك و كريغ كالتالي:
مملكة سوريين وهي أحد الممالك الاربعة في قارة ميروبس، وهذه المملكةُ هي أصغر الممالك والمعروفة بالأنهار والجداويل الكثيرة بالإضافة إلى أنه تعرفُ حرارة حارقة لذلك يقضي الناسُ مُعظم أوقاتهم في هذه الأنهار لكن في مرحلةٍ ما أصبح أطفال المملكة يتوجهون إلى النهر حتى بالليل مما فرض على السُكان إختراعَ أُسطورةٍ شعبية ترعبُ الأطفال وتجعلهم لا يذهبون إلى النهر ليلا وقد كانت la llorona هي الشخصيةُ المُبتكرة، أما بعد فإن قصةَ هذه الاسطورة تبدأُ بأنه كانت هناك إمرأةٌ حسناء تدعى (ماريا) متزوجة ولها أولاد، لكنَ زوجها تركها وأحبَ إمرٱة أُخرى تفوقها حُسناً وتصغرها سناً، لذا قرَرَت (ماريا) الانتقامَ من زوجها بإغراقِ أولادهم في أحد الأنهار وبعد أن أدركت أنها قد قتلتْ أولادها أُصيبتْ بإكتئابٍ شديد فأغرقت نفسها هي أيضا وبحسب ما تروي الحكايات فإن (ماريا) ارتقت إلى السماءِ، لكن لم يُسمَح لها بالدخول قبلَ أن تَجد أولادَها، ولهذا السبب يضطر شبحُ (ماريا)الباكي للبحثِ عن أولادها ليلا في الأنهار ويُقال أنها تختطِفُ أولادا أخرين يُشبهونَ أطفالها وتطُلبُ منهم المغفرةَ لما فعلتهُ بهم ثم تغرقُهم مجددا لكي تدخل السماء لكن دون جدوى.
أُعجِب سينساتي بقصةِ la llorona، ثُمَ سأل إريك :
- إن هذه حقا قصة رائعة، لكن إن كنت تعرف ذلك فهذا يعني أنكَ من مملكة سوريين؟
رد إريك على تساؤل سينيساتي وهو ينظرُ إلى أخته التي بدت حزينةً بعد سؤال سينساتي كان جوابُ إريك قائلا :
- صحيح لقد ولدتُ أنا ونالي في مملكة سوريين في أحد القبائل ثم عشنا فيها بضعة أعوام وقد كانت أُمنا تحكي لنا قصصا قبل النوم عن هذه الاساطير
نظر كريغ إلى نالي الحزينة مُتفاجئا من كلام إريك قبل أن يسألهُ هو أيضا سينساتي عن كيفية معرفتهِ لقصة العجوز رغم أنه ولد وترعرع في ليموريا، ليخبرهُ كريغ أن مربيتهُ التي اعتنت به عندما كان صغيرا كانت من مملكة سوريين وقد كانت تُخبره بالحكايات والخرافات الاسطورية الذي اخترعها الاريسيون، براءةُ سينساتي وتأخرهُ في إدراكِ الوضع السائد جعلهُ يواصل أسئلتهُ موجها سؤالهُ هذه المرة لنالي قائلا
- إذن وأينَ أُمكم الان؟
تغيرت ملامحُ نالي بعد هذا السُؤال والتزمت الصمت مُتسمرة مكانها غير قادرة على الإجابة، وكادتْ أن تباغتها دمعةٌ قبل أن يتدخل إريك مُجيبا على تساؤل سينساتي :
- لقد ماتت منذ سنين طويلة
وفورها فقط أدرك سينساتي الوضعَ مُتأخراً فتأسفَ لنالي و شقيقها على ذلك، وبالخصوص نالي الذي يبدو أن ذاك السُؤال قد حرك مشاعِرهَا وأيقظ عاطفتها وكانت على وشك البكاء، أنقذ كريغ الوضع وغير الجو السائدَ من الحزن بعد أن وقفَ قائلا :
- قفوا الأن علينا أن نبحث عن المخرج من هذه الغابة اللعينة!
وقف بعدها البقية من على الارض عازمينَ على الخروجِ والنجاةِ من (غابةِ الخلود)، لكن وبشكلٍ مفاجئٍ ظهرَ ضبابٌ كثيفٌ بالقرب من الجميع لدرجة أنهم لم يتمكنوا فيها من رؤيةِ بعضهم البعض، صرخَ كريغ أمرا الاخرين بالبقاءِ بجانبِ صوته لكن ما من مُجيب له، لقد انفصلَ الاربعةُ عن بعضهم البعض وكل ما يتواجدُ أمامهم هو ضبابٌ كثيف يلتفُ حولَ كل شخصٍ منهم، بالنسبةِ لسينساتي فقد رأى أمامهُ خيالَ رجُلا كبير، اقتربَ منهُ ثم نظرَ إليه سينساتي ليملأه الفرح ويقفزَ مُعانقا الرجل قائلا وهو يبكي فرحا :
- لقد اشتقتُ لك يا أبي أنا سعيدا لرؤيتك مجددا
لكنَ الرجلَ والذي اتضحَ أنهُ أبُ سينساتي قد قامَ بدفعِ الأخير، صُدمَ سينساتي مِنْ فعلِ والده ثم نظر إلى ذراعيه ليرى الاب يحملُ جثةَ طفلٍ صغير يبدو في الخامسة من عمره، يتلفظُ الأب بكلامٍ جعل سينساتي يسقُط أرضا جاثما على ركبتيه والدموع تملأُ عينيه، كلام الاب كان تذكيرا لإبنه بخيانة وعده له (لقد أخلفت بوعدك لي يا سينساتي، لقد سمحتَ لنيغ بأن يموت، أنت فشلتَ في مُهمةِ حماية أخيك، إنك شخصٌ فاشل يا سينساتي أنا وأمك لن نسامحك أبدا، أنت لا تستحق حمل فأس العائلة)
صُدمَ سينساتي من هذا الكلام وردد باكيا :
- أرجوك سامحني يا أبي، أنا حقا متأسف لموت نيغ لقد كان وقعُ ذلك صعبا علي أنا لا أستطيعُ مسامحة نفسي
مد الاخير يده نحو أباه بغرض الإمساك بيده والإحساس بدفئها، لكنه إختفى من أمامه مثل السراب، لكن الأمر لم ينتهي عند هذا الحد، نقلَ سينساتي نظرهُ إلى اليسار بعد أن سمعَ صوت بكاء، ليجد إمرأة تحملُ شيء على راحة يديها، توجهَ سينساتي نحوها، ليتفاجئ قائلا :
- ماما نيلا، هل هذه أنت؟
نَظرتْ المرأة إلى سينساتي نضرةَ غضبٍ وحقد ثم بدأت بضربهِ مجهشة بالبكاء تُعاتبه (إنكَ عديمُ الفائدة يا سينساتي، أهكذا تجازيني على رعايتك وإنقاذ حياتك لقد كانت أمنيتي الأخيرة هي أن تحمي جانيت كيف يمكنك تركُها تموت وتعذبُ بهذا الشكل أنا أكرهك )، تراجعَ سينساتي للوراء بخطوات مثتاقلة مصدوما يائسا ليرى أن الشيء الموجود في يدي (نيلا) هو جثةُ أخته (جانيث) ردد سينساتي بحزنٍ وحسرةٍ :
- لا، لا يمكن ذلك ليس أنت أيضا يا جانيت لا يمكنني أن افقد شخصا أخر من عائلتي
بعدها تلاشت كل من (نيلا) و(جانيت) كالسراب من أمام سينساتي الجاثم على الأرض يائسا منكسرا وكأن وابلا من السهام قد اخترقَ جسمهُ، لنترُك سينساتي الجاثي على رُكبتيه جانبا ولنتوجه إلى إريك الذي صارَ يلاحقُ صوتا مألوفا وسط الضباب، وصلَ إريك إلى مصدر الصوت فوقفَ مصدوما غير مُصدق لما يرى أمامهُ لقد تجمدَ في موضعهِ وكأن برقا قد صعقهُ، رأى نالي على الأرض وهي مُلطخةٌ بالدماء وخلفهَا يوجدُ شخص لم يُزح نظره عن إريك، نظر إليه الأخير وقال والصدمةُ تعلو وجههُ
- أبي!
ردَ الرجل على إريك الذي لم يتحرك إنشا واحدا من مكانهِ لهول ما يرى أمامهُ (لقد خُنتَ عهدنا يا إريك!، وعدنا الذي وعدتني به بأن تحمي أختك وان تموت قبلها إن لزم الأمر، حُلمكَ بأن تموت قبل نالي قد تلاشى يا إريك)، ولأول مرة إريك المعروفِ بصلابته وكبرياءه قد بكى كما لم يبكي من قبل، لقد بكى كالجنين، كمن فقدَ كل شيء قد رأى أمام عينيه أقصى مخاوفهِ وهو أن تموت أخته قبله ويرى وفاتها أمام عينيه، دموعهُ الحزينة تلك كانت أحرَ من البركان، أما نالي والتي بدأتْ بالسُعالِ لكثافةِ الضباب المُحيطِ بها فقد رأتْ أمامها شخص غريبا لا تعرفه ولم ترى وجهه في كل حياتها، لكنها شعرت بأنها تعرف ذاك الشخص الذي اقترب منها وقال بصوت بارد أرعش جسدها بالكامل (أنت لي!)، أرعب حضوره نالي التي أخذت تركض بعيدا عنه، لكن الشخص الغريب كان يملك جناحين ليطير نحوها ويمسكها بمخالبه العملاقة كالنسر ويأخذها إلى مكان عال ويطعن بطنها بمخالب يده، كان هذا كله تحت ناظري كريغ الذي اكتفى بالمشاهدة، كان كريغ الذي رأتهُ نالي مُجردَ سراب، فكريغ الحقيقي فقد كان هو أيضا يواجهُ مخاوفهُ في ضبابته الخاصة، وصوتٌ يتردد بقُرب أذنهِ (أنتَ ستبقى مُنطفئا بدون هدفٍ ،شغفك في الحياة لن يَعُود، لن تجدَ هدفك في الحيا..)، لكن وقبل أن يُنهي الصوتُ كلامهُ كان كريغ قد مزقَ الضبابَ حوله، فاختفى الصوتُ أيضا ثم أعادَ كريغ السيفَ إلى غمدهِ قائلا :
- الذي إنهارَ بداخلهِ كل شيء هل تظنهُ ما زال يكثرت؟
عدميةُ كريغ ونظرتهُ نحو الحياة قد أنقذتهُ من فخِ وسلاحُ الغابةِ الأخطر "ضباب المخاوفِ" الذي يُري الاشخاصَ ما يخشونَ حدوثه يحصلُ أمامهم لتكسيرعزيمتهم وروحهم، بلا شكْ هو سلاحُ الغابةِ الفتاكْ، لكنَ شخصاً ليس لديهِ مبالاةٌ بالحياة ويعتبرهُا بدون معنى، لن يوجدَ شيءٌ قد يخشى حدوثه ذاك الشخصُ كان كريغ، نظرَ بعدها الأخيرُ حوله فوجدَ أن سينساتي والبقية لم يبتعدوا عنهُ في الواقع وبينهما بعضةُ أمتارا فقط "ضباب المخاوف" من فرقهُم وجعل كل شخصٍ يغوصُ في مخاوفه لوحده، فوجدهم منكسرينَ مستسلمين تماما، سينساتي كان جاثيا على رُكبتيه، واريك واقفٌ ينظر أمامه دون حراك، أما نالي فقد كانتْ ساقطةً على الأرض مصدومة والدموع تنهمرُ من عينيها، توجهَ كريغ إليهم وضربهم على رؤوسهم، مُخبرا إياهم بعد أن عادو إلى وعيهم أن ما رؤوه ليس مجرد سرابٍ وأوهامْ، شاكرين إياهُ لإنقاذهم من هذا الكابوس المُرعب، لكن نالي لم تكتفي بالشُكر معانقةً كريغ، لكنَ الأخيرَ لم يُعر ذلك اهتماما، فقد ركز نظرهُ على كل من اريك و سينساتي قائلا لنفسه :
- انني حقا أريد أن اعرف ما قد يخشاهُ هذان الاثنان!