في ليموريا، بدأت تنتشرُ أخبارا عن موافقةِ الملك بيرت على زواج ابنتهِ ريبيكا بشخصٍ من العامةِ يُدعى ريس كالنارِ على الهَشيم، تلكَ الشائعاتُ قدْ جعلتْ عائلة مارسيل تَنفَجِرُ غضبا، مطالبين الملكَ بتفسير وشرحٍ لهذا الأمر وضغطوا عليه بشكلٍ متواصل بأن يخرُجَ بخطابٍ إلى سكان ليموريا لينفي ويدحضَ كل هذه الشائعات، مما حتمَ على الملك التحركَ والقيامَ بخطوته القادمة بسرعة ودون إنتظار أي أخبارا عن كريغ واضعا ثقتهُ في إبنه ليكونَ بخير، ليعقدَ مع المارسيل مؤدبة عشاءٍا بعد أربعة أيام يشرح لهم فيها الوضع الراهن، وفي نفس الوقت يُعلِمُ إبنتهُ وحبيبها بذلك أيضا، إذن المؤدبةُ ستكون بعد أربعة أيامٍ داخل رواق القصر الملكي بحضور أفراد عائلة المارسيل والملك إضافةً إلى ريبيكا و ريس حينها سيحسمُ الملكُ قرارهُ وسيقررُ من يكون زوج ابنته المستقبلي،

إلى بيتفورت وبالتحديد في قصر العائلة الحاكمة للبلاد "بيدرفورد"، حيثُ نادى الملكُ "إيثان بيدرفورد" أو كمَا يحلو لشعبه مناداتهُ بالأمير البني على نائبه وساعده الأيمن "كارتر"، دخلَ الأخيرُ إلى القاعةِ الملكية قبلَ أن يركعَ للملك قائلا

- فيما تريدني أيُها الملك؟

رد الملك على نائبه قائلا :

- قف يا كارتر، أنت تعرفُ أنك لست بحاجةٍ للركوعِ أمامي

وقفَ بعدها كارتر ثم سألهُ الملكُ :

- منذ عدتَ أنت وأختي ديالا من رحلتكما لم أسئلكَ عما حصل، أشعرُ أنها فعلت شيئا غبيا مرة أخرى!

تطلعَ كارتر إلى وجه ملكه مخبرا إياهُ بما حدث معهم في غودزلاند وأنهُ قد دفعَ كريغ من فوق أحدِ المنحدرات بعدَ أنْ حاولَ الأخيرُ قتْلَ ديالا، وقفَ إيثان من على عرشهِ مفزوعا مما سمع صارخا في وجه نائبه :

- ماذا! أقلتَ أنكَ دفعت الأمير كريغ ماتين؟

طمأن كارتر ملكه قائلا بكل ثقة :

- لا تقلق أيها الملك، لن يموتَ من مجرد سقوطٍ من منحدر سخيف

أطال الملك النظر في نائبه ثم حذره قائلا :

- من الأحسن ذلك، لو مات سأظطر لمواجهة ذاك الوحش المسمى بيرت ونائبه الذكي ألفونس ليبرت، ولأكون صريحا أنا غير قادر على ذلك

وقبلَ أن يجلسَ إيثان على عرشِهِ من جديد، بدا وكأنهُ تذكر شيئا مثيرا لإهتمام، فعلت الصدمةُ وجهه ليقفز من على كرسيهِ ويقولَ لكارتر :

- لكن مهلا لحظة!، أليس كريغ هو...

وقبلَ أن يُنهي إيثان جملته هذه قاطعهُ كارتر قائلا والجدية تعلو وجهه :

- أعرفُ ذلك حقَ المعرفة أيها الملك، لذلك لن أجعلهُ يموت، حتى ولو كلفني ذلك حياتي

ليتوجه بعدَها السيافُ الأقوى في القارة مغادرا مستأذنا من الأمير البني، تاركا خلفهُ إيثان واقفا متجمدا في مكانهِ ويتكلمَ بعد أن نظر نحو الأعلى قائلا :

- لقد كُنتَ محقا يا أبي

لَقد غرِقتُ بين تلك الأمواج التي طارتْ مع الرياح وودتُ لو أنها تركتْ أنفاسي مُقيدةً بدلا من ربط شعرها، كانَ ذلكَ حالُ لسان كريغ بعدما لمحَ نالي تربطُ شعرها المتموجِ كأمواج البحر هائمةً في التفكير، ولمْ يشعُر بقدميهِ تتحرك حتى وجدَ نفسهُ أمامها يتأملُ خصلاتها، قبلَ أن تسأله عن ما يفعله مدركا حينها إلى أي مدى قد وصل، لكنهُ قد أنقذ نفسهُ قائلا لها :

- لقدْ رأيتُك تجلسين لوحدك تبالغين في التفكير فأردتُ معرفةَ سبب ذلك!

ليجلسَ بجانبها بعد ذلكـ لتُبلغهُ نالي بأنها ومنذُ خروجهم من غابة الخلود وهي تُفكر بشيء غريب قد أخبرهم بها صوت الغابة المرعب، اعتبرَ كريغ ذلكَ شيئا عاديا بقوله :

- وما المنطقي في كل ذلك أصلا؟

ضمت نالي قدميها إلى صدرها ووضعت جبينها على ركبتيها ثم قالت :

- أعرفُ أن كل ما صادفناهُ في الغابة كان غريبا، لكن الشيء الذي أفكرُ فيه هو لماذا قد كذبت روح الغابة في أمر أنه لم يسبق لأحدا الخروج منها غير رجل واحد!

استغرب كريغ قليلا من ذلك ثم قال متسائلا :

- ماذا تعنين بأنه كذب؟

تنهدتْ نالي وبدت منهارةً ومتعبة من التفكير ثم قالت بحيرة :

- قبل شهر تقريبا وعندما كنت عائدة إلى القبيلة بعد سقي الماء رأيت إمرأتان تخرجان من الغابة، لكن صوت الغابة قد أخفى ذلك!

تَعجب كريغ لكلامها حقا، وبينما هما جالسان معا، جاء إليهم إريك مناديا عليهم بصوتٍ عالي :

- هوي! أنتُمَ الاثنان تعاليا إلى هنا، لقد استفاق سينساتي من غيبوبته

وفي تلك اللحظة التي حاول فيها كريغ الوقوف ،ركضت أمامهُ نالي وهي تقفزُ فرحا بكلام أخيها، فتسمر مكانهُ يراقبها من الخلف تركض بسعادة كفتاة صغيرة قد أحضر لها والدها هدية ما، بدا كريغ وهو ينظر إلى نالي كشخص مقيدا بسلاسل شديدةٍ تمنعهُ من الحراك، ولم يعُد إلى رُشده إلى على أنغام صوتها الذي بدى كمعزوفةٍ وهي تقول :

- هاي كريغ، ما الذي تفعله عندك، هيا بنا!

ليلحق بهم بعدها، لأول مرة كان شيءٌ أخر يتحكمُ في كريغ غير عقله ووعيه، شيءٌ داخلي غامض لم يفهمه قد تحكم به في تلك اللحظة، دَخلَ إريك والبقية إلى الخيمة حيث يتعالجُ سينساتي، ليجدوه قد استيقظ أخيرا من غيبوبته وبجانبه رون، يتراجعَ الأخيرُ للوراء فاسحا المجال للثلاتة من أجل الإطمئنان على صحة سينساتي، قفزت نالي إليه تعانقهُ دونَ شعور وهي توبخه :

- لقد أخفتنا حقا!

شعرَ إريك بالغضب من ذلك ليذهبَ إلى سينساتي موجها له بعضا من اللكمات إلى مكان إصابته، لكنهُ في نفس الوقت بدا سعيدا بتحسن حالة سينساتي قائلا له :

- هوي، يبدو أنك قد عدت إلى وعيك أيها الحثالة!

صرخَ سينساتي ألما من قبضات إريك المتواصلة

- ماذا تفعل أيها الحقير!

تراجعَ إريك بعد أن أعرب عن فرحته لشفاء صديقه على طريقته الخاصة، ليتقدمَ كريغ ويجلس باالقربِ من سينساتي ويربث على كتفيه قائلا :

- أنا سعيدا للأنك بخير يا سينساتي

إبتسمَ الأخير فرحا مصافحا كريغ :

- شكرا لك يا كريغ، أنا أقدر ذلك حقا

استفسره كريغ بعد ذلك قائلا :

- يبدو أنكَ لا زلت غير قادرا على الحراك!

أجابَ رون على تساؤل كريغ بدلا من سينساتي كونهُ من عالجه قائلا :

- لا تقلقَ سيستطيعُ الوقوف بعد يوم أو يومين

أمسكَ سينساتي يد كريغ الذي كان يستمعُ إلى كلام رون ليلتفتَ إليه قبل أن يسأله :

- كريغ أريد أن أسألك عن تفسير لتلك الأساطير والمخلوقات التي رأيناها في الغابة، هل هي حقيقية؟

رد كريغ قائلا :

- لا إنها ليست كذلك، تلك مجرد أوهام تظهر بسبب تصديق الناس لها والإيمان بها هذا ما أخبرنا به صوت الغابة

في تلك الأثناء كانَ الجزء العلوي لجسد سينساتي عاريا، لكن كريغ لم يلفت نظره عضلاتُ سينساتي المفتولة بل ما اثار اهتمامهُ هو الندباتُ الثلات الكبيرة على صدره والتي تبدو كأن من سببها دبٌ ضخم، استفسرَ كريغ سينساتي عن ذلكَ، فغطى الأخير عن جرحه بسرعةٍ كبيرة وثوتر شديد سبب استغراب جميع من هناك وبالأخص كريغ قائلا :

- لا شيء حقا، لا داعي للقلق يا كريغ!

انصَرفَ بعدهَا الجميعُ تاركين سينساتي من أجل أن يحظى ببعضِ االراحة متمنين لهُ الشفاء العاجل ليستطيعَ العودة إليهم بسرعة، انفردَ كريغ بنفسه ليلا يتأملُ النجوم المتلائلة في السماء الصافية، يشغل باله ما حدث له سابقا عندما حُبست أنفاسهُ وقيدت يداهُ وقدميه ونالي تقفزُ أمامه، لقد حاول فهم ذاك الشعور وتحليله، لكن هذه المرة قد فاق ذلك إدراكَ كريغ ومعرفته، إنهُ شيء لا يمكنُ أن تكون عقلانيا فيه، هذا الأمر هو الحب، وبعدَ تفكير وتأمل مطولين، وصل كريغ إلى استنتاج انهُ قد أعجبَ بنالي، وتزامنا مع هذا كانت الأخيرة تتردد ذهابا ومجيئا بغرفتها تعيدُ نفس الكلام مرارا وتكرارا :

- علي إخباره، علي إخباره!

بدتْ كالحمقاء وواصلت كلامها وكأن شخصا بجانبها :

- علي أن أفصح له عن مشاعري تجاهه

ولم يدرك الاثنين إلى أي مدى قد غاصوا وخاضوا في الامر حتى فاجأهم بزوغ شمس اليوم التالي، فقرروا حينها التوقف عن التفكير والذهاب إلى النوم، في ذلك اليوم مساءا وبينما كان كريغ يُراقب غروب الشمس، جلستْ نالي بقربه ثم قالت له :

- أنا أحبُ الغروب فلونه يشابهُ لون عيناك!

لم يُبدي هذا الأخير أي ردة فعل وبقي مُركزا على الغروب، وبعدَ مدةٍ ليست بالقصيرة من الصمت والتأمل، تجرأت نالي أخيرا على كسره موجهةً كلامها إلى كريغ الجالس بجانبها :

- كريغ، يجب علي إخبارك بشيء ما، إنه يثقل كاهلي ونفسيتي!

لم يظْهَر عليها التردد كما كان يبدو عليها في السابق، نظر إليها كريغ للمرة الأولى نظرةٌ أربكتها ثم قاطعها قائلا :

- أظنُ أنني أعرفُ ما ستقولينه، أنا أيضا معجبٌ بك!

اختلطتْ على نالي مشاعرُ الفرحة والذهول، شعرت وكأن أنفاسها قد حُبست، لقد حلقت في السماء، كانت الفرحة بادية عليها لكنها ناقضت نفسها لكونها لم تتوقع جوابا مبهجا كهذا وأخذت تقول كلاما لا معنى له، لكن كريغ قد أسكت ثرثرتها بعدما قبلها فجأةً قائلا :

- لا داعي لقول أي شيء

2024/01/12 · 35 مشاهدة · 1309 كلمة
Hafidmatin
نادي الروايات - 2025