"إذاً أنت تقول أنك استيقظت فجأة بلا أي ذكريات؟ ولا حتى عن نفسك؟ وبسبب الرخصة التي معك افترضت أنك جمبري قشطة"
"نعم، ولم استيقظ إلا من فترة وجيزة. كل ما مررت به منذ استيقاظي هو خداعي من قبل أحدهم حتى أذهب للملعب وتتم محاصرتي"
تحدثنا بينما نصعد على ارتفاع صخري عالي. غربت الشمس منذ مدة، وأحاطنا الظلام إلا من الفوانيس التي كانت تنير الطريق. كان الجد يسبقنا بينما أنا ورزين نتحدث.
"ماذا عنكما؟ لا أعرف عنكما إلا اسميكما"
أجابني رزين:
"نحن مجرد أقرباء نعيش في قمة هذا الارتفاع. لا تربطنا صلة بأي من الشرطة أو ال م.س.ت. ولكن نملك نفس رأي الأخير.
"م.س.ت؟"
"منظمة الساعين للتخلف، مثلما يوجد من يسعون للعودة لعالمنا المتقدم القديم كأمثال الشرطة، يوجد أيضاً من يحبون حياتنا هذه ويريدون إبقاءها. لا يوجد دليل على أنهم يعملون لدى جمبري لكنهم يملكون نفس أفكاره لذا لطالما حاربتهم الشرطة، باختصار إنهم منظمة إجرامية تسعى لتدمير الحضارة"
"أي أنكما تفضلان هذه الحياة عوضاً عن القديمة؟"
أجابني رزين بالإيجاب مع ابتسامة صغيرة وملامح هادئة لطالما بقوا على وجهه.
"لما؟ هذا غباء"
لم تزول ابتسامته، لكنها أصبحت أبرد،
"أنت وقح"
رفعت كتفاي وأكملنا السير، استطعت أن أرى القمة على بعد خطوات.
لم تكن مسافة طويلة لكننا كنا نمشي على مهل. وقفت على القمة وحينها التفت ليساري لأول مرة حيث كنت مشغولاً بالحديث إلى رزين.
القمة اطلت على منظر المدينة بالكامل، تمكنت من رؤية البيوت البدائية التي تضيء بضوء خافت من الشموع وبنفس الوقت الملعب وكل المباني الحديثة من هذا المكان، كان منظراً غريباً، ومخلوطاً بين القديم والجديد. لكن الأهم أن المنظر كان جميلاً.
"أليس المنظر رائعاً؟ يسعى البعض للحصول على منطقتنا من أجله" قال رزين.
التفت إليه، كان يقف وخلفه مبنى متوسط الحجم، لم يكن كمجمعات الشقق السكنية الحديثة المرتفعة لكنه نوع بدائي أصغر منها.
مشينا نحو المبنى، لافتة كبيرة كتب عليها (نزل الين) علقت عليه.
"أهناك جن في المبنى؟!"
ضحك زين ثم أجاب:
"لا إن (الين) هنا يقصد بها اسمي واسم جدي، كليهما ينتهيا بالين"
رفعت كتفاي واستغربت الاسم الغريب، ثم دخلنا إلى النزل.
كان مرتباً ذو أثاث بسيط، أراني رزين الفندق بينما ذهب الجد لمكان ما، كان الطابق الأرضي عبارة عن استراحة جماعية، قاعة طعام، مطبخ، بالإضافة لغرفتي الجد وحفيده. كان هناك سلم يقود إلى الطابقين الأول والثاني.
صعدنا السلم.. الطابق الأول كان عبارة فقط عن غرف النزل فقط. أشار رزين لغرفة.
"يمكنك استعمال هذه الغرفة من الآن وصاعداً"
"لما.."
"أخبرتك لما، لأننا مدينين لك"
"لا! أقصد لما الغرفة رقم واحد؟ لا أحب الأرقام الفردية سأخذ الرقم اثنين"
نظر لي لثواني ثم أكمل:
"انتهينا من رؤية المكان، أما الآن، فإنه وقت التحدث عن ما لا تذكره"
"ألم يكن ما قلته صحيحاً؟"
"أبداً!"
تحرك واتبعته. اتجهنا للخارج مجدداً. أشعل الجد نار ووضع بعد الكراسي الخشبية الصغيرة وجلس على أحدها.
"سنتكلم هنا" قال رزين.
ما فائدة المجلس الذي بالداخل إذاً؟
جلسنا حول النار الدافئة. سألته عن ما إذا كانوا يفعلون حركات التخييم هذه دائماً. فأجابني أنها عادة يفعلونها كل ما جاء لهم مقيم. يجلسون ويحكون قصة. اعتاد رزين على أن يحكي هو القصص دائماً.
"الآن سأحكي قصة تغير عالمنا! فلاش باك~ فلاش باك~ فلاش باك~"
أيفترض أن أدخل الجو هكذا؟
***
كان يوماً جميلاً من أيام شهر محرم، الإجازة الصيفية كانت في منتصفها، والناس يستمتعون بقضائها بسلام.
صادف يومها الجمعة، لذا كان أغلب الناس في إجازات في هذا اليوم، لذا ازدحمت المولات والأسواق بشدة.
بعد عام دراسي شاق، أردت أن احظى بالمرح لذا هربت من المنزل.
"هربت؟!"
أنت تعلم كطفل ابتدائي، كنت حبيس المنزل دائماً وأردت الحرية، لذا هربت.
"وكنت طفلاً أيضاً!"
لا يهم، دعني أكمل!
ذهبت إلى أحد المولات القريبة من المنزل، حيث كانت تقام هناك فعالية للأطفال وبعض أصدقائي تواجدوا فيها.
التقيت مع أصدقائي هناك وذهبنا للفعالية التي أقيمت في افتتاح مطعم. ويالروعة! أحظروا دمية سبونجبوب ترقص هيب هوب، كان هناك أيضاً دمية لشفيق لكن من يحبه؟
كما عرضوا لنا حلقات الكرتون على التلفاز. قضيت وقتاً ممتعاً مع أصدقائي وقبل أن ينتهي الحفل وزعوا ألعاباً علينا! حصلت على لعبة بسيط، ما زلت احتفظ بها إلى الآن.
ثم قررت أن أسرع بالعودة إلى المنزل قبل أن يكتشف والدي هربي. لذا اتصلت على سائقي الذي أوصلني للمول سابقاً وقال أنه سيأتي ليأخذني من المطعم وأن علي انتظاره في الداخل حتى يأتي لنذهب معاً بالليموزين.
"هربت من المنزل بليموزين لتتابع سبونجبوب! وما دخل هذه القصة بتغير العالم؟"
فلتصبر سنصل للحدث الرئيس الآن.
خلال انتظاري، أكملت متابعة حلقات سبونجبوب، وفجأة، تغيرت الشاشة.
رجل بقناع غاز وملابس سوداء تغطيه ظهر فجأة على الشاشة. لم تكن شاشة المطعم فقط، لاحظت تغير الشاشة في المحلات الأخرى وكذلك هاتفي! صدم الجميع بمظهره المريب مما جذب أنظار الجميع له.
[ كيف حالكم؟ أو من الأفضل أن أقول كيف سيكون حالكم؟]
صوت رجل بالغ خرج من التلفاز.
[ أتقضون وقتاً جيداً؟ أتمنى ذلك.. لا أريد أن أدمر اللا شيء]
[أعرفكم بنفسي، اسمي جمبري قشطة، قد لا يكون اسمي مألوفاً لكن سيكون. قد تتسألون ماذا يريد شخص مثلي حتى يسيطر على كل الشاشات في جميع أنحاء العالم، ما أريده هو أن يصل صوتي قبل أن أبدأ ما كنت أخطط له لسنوات]
تعالت همسات الناس بين ضاحك ومتوتر. ما قاله عن السيطرة على كل شاشات العالم كان مضحك بما فيه الكفاية لكن حقيقة أنه لم يمكننا أن نتأكد من هذا بسبب سيطرته على هواتفنا كانت مثيرة للأعصاب.
[إلى البشرية التي أكره، من اليوم فصاعداً أعلن... ماذا؟]
شخص أخر ظهر على طرف الشاشة، كان يرتدي زي مختبر بالإضافة إلى كمامة خبأت ملامح وجهه. همس للمسمى جمبري.
[ مع البيجاما؟! كيف! متى؟!]
همس همس همس همس
[ أوقف الخطة! فلتأمر الجميع بالتركيز على عملية الإعادة الآن! فلتراقب الجهاز، وأخبرني فوراً إن ظهرت أي علامات للاستيقاظ]
همس همس همس همس همس
[ استيقظ بالفعل؟!! مستح-]
وفي تلك اللحظة ارتفع هاتفي للأعلى، والشاشات، والأجهزة وكلهم سحبوا في اتجاه واحد في ثواني قليلة مع الكثير من الوش! والبوم! والكلاااك!
أغمضت عيني وفتحتها. لم يتبقى شيء، كل المول اختفى، لم يبقى سوى الناس وكل ما هو ليس اختراعاً متقدماً.
كانت صدمة للبشرية. كل ما بنوه اختفى في لحظة. كانت السنوات الثلاث الأولى بعد الحادثة صعبة على الجميع. كافح الجميع للتأقلم مع الوضع. وخلال كفاحنا اكتشفنا شيء.
مع عيشنا بلا مظاهر التطور تلك. شعرنا جميعنا بملامح الشوق لها. تأثر جسمنا لهذه المشاعر مكوناً تأثيرات انسحابية حدثت بسبب الفقدان المفاجئ للتطور البشري.
وهنا اكتشفنا الانسحابية! قدرة تعوض عن فقدانك لتقنية وجدت في حياتك بكثرة ثم اختفت! من اعتادوا النوم في الليل مع الإنارة طوروا قدرة تجعل من أجسامهم تنير في الظلام. ومن اعتادوا على مراقبة الساعة على الدوام أصبح لديهم إحساس عالي بالوقت!
"هذا كالملعب الذي كنا فيه؟"
صحيح، إنه من صنع انسحابي أيضاً. أغلب البشر هم انسحابين لكن ليست كلها ذات فائدة. لذا الانسحابين ذوي المهارات المفيدة هم كنز للدولة.
بنت البشرية نفسها مجدداً بمساعدة الانسحابين وتمكنا من الوصول لهذه المرحلة المستقرة بعد عشر سنين من العمل.
"عشر سنين؟! ألم تكن سنتين؟"
أخبرتك أن القصة التي أخبروها لك كاذبة. حتى مع الانسحابين، لا يمكن لأحد بناء كل هذا في سنتين...
خلال العشر سنين، إن هناك شيء كان يزداد أكثر من تطوراً أكثر من أي شيء أخر فسيكون كره البشر لجمبري. تم وضع ذنب كل ما حصل عليه. ورغم أنه لم يظهر نفسه مجدداً إلا أنه أكبر مجرم مطلوب.
وتوتة توتة خلصت الحدوتة!
عدنا إلى الحاضر~ الحاضر~ الحاضر~
"عشرة من عشرة! سرد رائع من حفيدي" قال الجد مع ابتسامة فخر وابتسم الحفيد خجلاً.
لا أعرف ما الجميل بذاك السرد؟
"فهمت الكثير من القصة، لكن لم أفهم.. من أنا؟"
"لا أعلم ربما أنت فقط تشبه جمبري. أما الرخصة فربما سقطت في جيبك بالخطأ"
"والبيجاما؟ ألم يذكروا أن لجمبري أتباع يرتدون البيجاما"
"ليس دليلاً، من الممكن أن تكون بيجاما مشابهة فحسب"
"رائع! أي أنني لست مجرماً! كان سوء فهم وأنا مجرد مواطن عادي"
"صحيح أنت مواطن عادي... عادي؟ أنا لست مديناً لك إذاً، ادفع أو أخرج من الفندق!"
"لا خلاص اعتبرني مجرم"