استطعت رؤية أنفاسي من شدة برودة الجو.
على الرغم من أننا في الظهيرة إلا أن ضوء الشمس غير ظاهر، والسماء مختفية خلف الغيوم. بدى أنها ستمطر قريباً.
ارتديت معطفاً رمادياً. لم يكن لدي أي ملابس لذا استعرتها من رزين الذي كان يملك نفس مقاسي.
بقيت في الخارج انتظر...
كشخص ليست لديه أي وجهة لم يكن لي خيار أفضل من البقاء في هذا النزل. الحفيد طالبني بدفع المستحقات طالما لم أكن مِن مَن يدين لهم، يدين لهم بماذا مجدداً؟
لست جمبري ولست من ذوي البيجاما أو على الأقل هذا ما أذكره. وبالطبع لست أملك أي مال. بالنهاية، سمح لي الاثنين بالبقاء بشرط أن أعمل لديها. والآن أنا انتظره..
"أسف على التأخير! سَجي!" قال الجد وهو يخرج من النزل.
نعم.. سجي..
كان سجي هو الاسم الذي اخترته لنفسي كوني لا اعترف بنفسي كجمبري ولا أتذكر اسمي الحقيقي. من الآن اسمي هو سجي.
لما سجي؟ اكتشفت أني أحب اللون البنفسجي، هو حقاً يناسب ذوقي. ففكرت بأخذ الجزء الأخير من اللون وهكذا وجدت اسمي، سجي!
كذلك اكتشفت حبي للطعام الحلو! أخبرني رزين أن ذوقي كذوق الأطفال. في الحقيقة، ذوق الناس هو الغير طبيعي.
من المفترض أن أقوم اليوم بمهمتي الأولى، مجرد أعمال بسيطة للنزل. المسافة بعيدة من الأسواق فتكاسل أحدهم من الذهاب.
بصراحة، لا يمكنني أن اشتكي فهذا عمل.
قرر الجد أن يرافقني لأنها أول مرة. على عكس الانطباع الأول، لاحظت أن شخصية الجد لطيفة على عكس حفيده.
مظهر الجد يعطي انطباع الرجل القاسي الجاد. لكنه دمر هذا المظهر بابتسامته الخرقاء.
"سأتولى تعليمك عن المدينة اليوم!"
أو ربما أراد مرافقتي ليتفاخر بمعلوماته؟
نزلنا من الصخرة، واتجهنا للمدينة. كان علينا أن نشتري بعض الحاجيات فقط اليوم. لم يكن من المفترض أن يأخذ هذا وقتاً طويلاً.
منذ دخولنا للمدينة، بدأ الجد يشرح لي كل ركن ومتجر، هو حتى عرفني على أجداد أخرين مثله. تعابيره فضحت حماسه لشرح كل شيء لي. أكملنا سيرنا بينما استمع له.
"يجب علينا شراء الحطب وبعض الخضار اليوم، محل الحطب في آخر هذا الشارع، لنتجه إليه أولاً"
أومات برأسي. مشينا وقبل أن نصل لآخر الشارع لاحظنا تجمعاً رهيباً من الناس أمام أحد المحلات. بدى الحشد غاضباً.
وقفوا أمام المحل يصرخون بغضب. لم استطع سماع ما قالوا بوضوح فاقتربت لأفهم. أمسك الجد بكتفي مانعاً إياي من إكمال طريقي.
"اسمع سجي، لما لا نقسم العمل؟ أنت تحضر الحطب وأنا الخضار؟ هكذا سنتمكن من إنهاء العمل بشكل أسرع. أخبرتك بالطريق واعتقد أنك تستطيع أن تبلي حسناً بدوني!"
اقترح الجد اقتراحاً رائعاً. كلما أنهينا العمل أسرع كلما ارتحت أكثر.
لكن المسكين لم ينتبه أنه أعطاني مهمة الحطب الأقرب لي، سأنتهي أسرع منه وأعود فوراً للنزل! لكني لم أفهم ملامحه المتوترة وهو يقترح هذا الاقتراح...
"موافق"
"رائع! أراك لاحقاً إذاً، وتأكد أن لا تعود دون الحطب!"
"بالتأكيد، لا تقلق"
ثم لوحنا لبعضنا.. مسكين...
***
ذهبت للتجمع، واكتشفت أنه كان يحدث أمام محل الحطب الذي أقصده. سألت شخصاً ما عن سبب التجمع.
"إنه بسبب هذا الانسحابي! لقد سيطر على كل متاجر الحطب وطرد المُلاك، والآن يطالبنا بأربع أضعاف السعر السابق! لا يمكن للأغلب تحمل هذا السعر!"
نظرت إلى المحل، كان مغلقاً وأمامه رجل بملابس عصابات مليئة بالسلاسل يجلس على كرسي مثل الحارس على المكان بينما يشرب الشاي.
لا يليق! لا يليق بشخص ذو مظهر بلطجي شرب الشاي بهذه الطريقة المؤدبة!
سألت شخصاً ما : "لما لا تتصلوا بالشرطة؟"
"لا تتحرك الشرطة إلا بعد مرور ٤٨ ساعة على المشكلة، كثرت جرائم الانسحابين ولا تستطيع الشرطة تغطيتها، لذا وضعوا هذا القانون الفاسد!" أجاب شخصاً ما علي.
همم..
همهمت لمدة ثم استوعبت. أنا المسكين! خدعني الجد!
ترك لي هذه المهمة لأنها الأصعب!
لا أملك أربعة أضعاف المبلغ، ولا يمكنني العودة دون الحطب، أستطيع تخيل طردي إن عدت بدونه! رزين ليس شخصاً رحيماً...
ما الذي علي فعله لحل هذه المشكلة؟
أ: أواجه الانسحابي.
ب: أنتظر بكل لطف حتى تنقضي ال٤٨ ساعة.
ج: أهج من البلد.
د: جميع ما سبق.
الخيار ج مغري، والخيار أ في القائمة السوداء، هل أختار ب؟
"فلتتنحى عن الطريق أيها المجرم"
أخرجني من دوامة أفكاري صوت رجل ذو بنية قوية وشعر بني يرتدي رداء أبيض واسع كتب على ظهره جملة (حليف العدالة) باللون الأحمر.
"لا يمكنني أن اسمح لك باحتكار الحطب في مثل هذا اليوم البارد" قال حليف العدالة بينما يقف أمام الانسحابي بشجاعة.
ظهر لي أن حدثاً مثيراً للاهتمام على وشك الحدوث فتقدمت لمقدمة الحشد.
وضع الانسحابي كوب الشاي على الطاولة بجانبه ووقف. أخذ شيئاً من جيبه ثم مد يده لحليف العدالة.
"خذه إنه مفتاح المحل"
استغرب حليف العدالة من ردة الفعل. نظر لليد المدودة التي تحمل المفتاح، ثم مد يده ليأخذه.
وثم صوت ارتطام بالأرض...
في اللحظة التي تلامست فيها يده بيد الانسحابي، اغشى على حليف العدالة.
اخذ الانسحابي المفتاح ووضعه في جيبه، جلس في كرسيه وأكمل شرب الشاي.
بعد أن حصلوا على القليل من الأمل، عاد المواطنون ليأسهم من الحصول على الحطب، حتى أن الكثير رحلوا من المكان خاليي الوفاض.
بقيت أنا وبضع رجال. وقفنا في مسافة قريبة من المحل ولكن بعيدة بما يكفي لأن لا يسمعنا الانسحابي.
"ما الحل يا رجال؟" قال أحدهم.
"لا فكرة لدي. لابد لي من الحصول على الحطب اليوم"
"أنا كذلك، أتظنون أننا نستطيع هزيمته إن اجتمعنا عليه؟"
"أتمزح؟ ألم ترى كيف هزم ذلك الرجل؟ إن قدرته هي الكهرباء!"
"مستحيل! كيف لديه مثل هذه القدرة القوية وهو مجرد شرير جانبي"
"بحسب رأي الكاتبة، فإن الكهرباء باتت قدرة مستهلكة ومملة لذا أعطتها لشرير غير مهم"
"ذكية!"
"أليس كذلك؟ أفضل من دوستويفسكي وأجاثا كريستي"
من هي هذه الكاتبة؟! عن ماذا تتحدثون فجأة؟؟
تكلم شخصاً ما مع نظرة جدية في عينيه:
"أيها الرجال، لا أدري عنكم، لكني لن أتراجع. يجب أن أحصل على الحطب كما وعدت ابنتي، إنها ترغب في تحضير القهوة المقطرة ولا يمكنني تخيب ظنها!"
يا ليتني مكانك. كنت عدت لبيتي وجعلتها تنام بلا قهوة وارتحت.
"فخر يا شخص ما! سأساندك!" رد رجل ما.
ثم بدأ الرجال واحداً تلو الأخر بإعلان تضامنهم مع شخص ما، لم يبقى سواي لذا سرت مع الموجة وأعلنت تضامني أيضاً.
"شكراً لكم! لدي خطة أتمنى أن تساعدوني بها، لا أضمن نجاحها لكن هذا أفضل من البقاء ساكنين"
قمنا بصنع دائرة وأخبرنا شخص ما بالخطة. وافق الجميع لأنها الحل الوحيد الذي يملكونه. وانطلقت معهم لتنفيذها.
...
هل يا ترى سأنام اليوم في غرفتي أو في الشارع؟