"هذه صالة الاستقبال، سنتناوب أنا وأنت وجدي على الجلوس هنا لاستقبال المقيمين"

"هذا المطبخ، سنتناوب على الطبخ أيضاً"

"الغرف المشتركة كالاستراحة تكون في الطابق الأرضي، الطابق الأولى والثاني للغرف الخاصة"

"لا يزورنا أحد إلا نادراً لذا جعلنا الطابق الأول فقط للضيوف، أما الطابق الثاني..."

"سجي، لا تدخل الطابق الثاني أبداً، مفهوم؟"

"لا يوجد شيء مهم لرؤيته في الخارج سوى منظر المدينة."

"كانت هناك نباتات كثيرة فوق المرتفع الصخري. أزلناها لكي نبني المبنى لكن بعضها يستمر بالنمو. النبتة ذات الكيس الدهني التي تراها هناك اسمها بلوطة الوفاء. لا تأكلها وإلا ستصبح مستكلباً"

"أنا سعيد بمجيء من يساعدنا في العمل، ستزيد ساعات راحتي الآن"

"هل أنا انسحابي؟ ... سر"

"سجي، لا تقترب حتى من الطابق الثاني، حسناً؟"

***

استيقظت وعادت ذكرياتي المفقودة، لقد نسيت أن أعود بالحطب! كيف نسيت السبب الذي أدخلني في كل هذه المعمعة؟

ودعت شخص ما، رجل ما، وحليف العدالة، سعدت بلقائي بهم لكن لم أستطع البقاء أكثر. غادرت حالما طلعت الشمس حاملاً معي الحطب.

ازداد الجو برودة، خصوصاً مع الثلج الذي انهمر ليلاً وما زال يغطي الأرض بكثافة، حال هذا الثلج بيني وبين الإسراع للنزل فلم يكن من السهل التنقل في وجوده.

بذلت جهدي حتى أصل في أقرب وقت، لا أريد أن اطرد.

بعد مدة وصلت أخيراً للمرتفع وكان علي أن أبدأ التسلق وثم سأكون وصلت لوجهتي.

بدأت التسلق وأنهيت ثلث المسافة تقريباً. وهنا احسست برائحة تتداخل مع رائحة الثلج. رائحة لم اعتد وجودها في النزل، رائحة مألوفة جداً.

حديد؟ لا.. إنها رائحة دم!

لم استطع استعادة ذكرياتي لكني تمكنت من معرفة قدراتي على الأقل، أملك حاسة شم قوية وحساسة، من المستحيل أن أخطئ هذه الرائحة، ليس كأن الرائحة تعود لقليل من الدم بل لكمية كبيرة!

لما تصدر هذه الرائحة من النزل؟ حيوان ميت؟ لا، لا تعيش أي حيوانات بالقرب من هنا.

بدأ العرق يتصبب من جبيني مع ازدياد دقات قلبي، هذه الرائحة قد تدل على إصابة!

رميت الحطب من على ظهري، وهرعت للنزل، مع كل خطوة للأعلى ازادت كثافة الرائحة، بالإضافة لتضاعف رعبي من حقيقة ما حصل في الأعلى.

حادث؟ هجوم من لصوص؟

عقلي أخذ يفكر في جميع الاحتمالات...

أخذت الخطوة الأخيرة ووصلت للأعلى.

...

كانت الرائحة صحيحة.

الدم الذي لون الثلج المتراكم بالأحمر، الباب المكسور، والهدوء القاتل.

ما الذي حدث؟!

ركضت للداخل لأبحث عن الجد ورزين. مسحت الطابق الأرضي ولم أعثر على أحد. صعدت للطابق الأول وبدأت أبحث في كل مكان.

لا أثر!

لم يتبقى سوى غرفتي. فتحت الباب ووجدت الجد منهاراً على الأرض وملابسه ملطخة بالدماء.

"جدي!" صرخت.

لم اسمع رداً بالطبع، اتجهت إليه وتفحصت أنفاسه.

ما زال حياً!

حملته على ظهري، يتوجب علي الإسراع للطبيب، لم تكن المسافة قريبة لكن هذا أفضل ما يمكنني فعله.

هل سيكون على ما يرام حتى نصل؟ وماذا عن رزين؟ أين هو؟

خرجت من النزل مع الجد وأنا افكر لكن سرعان ما توقفت بسبب الحركة التي شعرت بها في ظهري.

"جدي! هل أنت بخير؟!" قلت بينما نظرت للخلف لأراه.

أنياب وأسنان حادة، عيون وحش مخيفة، وملامح غاضبة، هذا ما رأيته قبل أن يهجم الجد علي ويحاول عضي.

ما هذا المخلوق؟ أهو جدي؟ مظهره هذا! هل أصبح وحشاً؟!

وقف الجد وركض نحوي بشراسة، لم تكفه محاولة عضي، بل حاول قطعي بمخالب طويلة ظهرت على يديه. استطعت تجنبها بصعوبة مع خدوش سطحية.

ركض إلي مجدداً مهاجماً، هذه المرة قد أوقعني أرضاً. لم أستطع إبعاده لقوته. هل سأنتهي هنا!

ركل!

اندفع الجد بعيداً بفعل ركلة. لم أره من قبل، مراهق يرتدي معطف طويل سماوي اللون ووشاح طويل أبيض، شعر أسود قصير جداً ونظارات دائرية.

"ابتعد أيها المدني، سأتولى أمر الوحش"

"إنه ليس وحشاً، إنه جدي!"

اختفى الضوء من نظاراته ونظر للأسفل قليلاً وقال:

"لم يعد بعد الآن... لقد أصبح مستكلباً"

ما زال الجد في الأرض يعاني من ألم الركلة. نظرت إليه، بدى فعلاً كالمستكلب، لابد أنه أكل النبتة!

قال الفتى:

"علينا أن ننهي الأمر، وإلا سيتسبب بأذية الكثيرين"

"لا يمكنك! بالتأكيد يوجد علاج لحالته! سأعيده لبشري مجدداً!"

صمت الفتى قليلاً عندما رأى إصراري ثم قال:

"حسناً، العلاج سيتطلب منك أن تسافر للبلاد الغربية وتحضر زهرة العنكبوت الأزرق، ستستغرق الرحلة سنتين. بالتوفيق!"

ثم لوح إلي وهمَّ بالرحيل.

سنتين؟!! هل علي السفر لمدة سنتين لعلاجه؟!

"غيرت رأيي، تولى أمره أرجوك"

"أليس جدك؟!!"

***

"ليس دماً حقيقياً؟! بل كان من الكيس الدهني؟"

هز الفتى رأسه: "السائل الذي يخرج من النبتة ذو رائحة شبيهة بالدم. تعيش هنا ولا تعرف هذا؟"

كم من النباتات قد أكل الجد ليمتلئ المكان بالسائل هكذا؟

كنا قد ربطنا الجد باستخدام الوشاح الخاص بالفتى، ثم ذهبنا لنرى حال النزل.

كان اسم الفتى ناجي، قال أن هوايته هي زيارة الأماكن الجديدة واستكشافها، وهذا ما أوصله لهنا. تعرفنا على بعض وأخبرته عن كيف وجدت النزل بعدما عدت، لذا جاء ليحقق معي فيما حصل.

بعدما تحققنا من الخارج، دخلنا داخل المبنى. ما عدا الباب، لم يحتوي النزل على أي علامات شجار. كل ما في الأمر أن الجد تناول النبتة وتحول، وهذا ما كسر الباب.

قلقت على لا شيء. قام ناجي الذي بدى مستمتعاً في التحقيق بالمكان بإكمال النظر في أرجاء النزل، بينما راقبته وأنا اسند يدي على طاولة الاستقبال وأنا أفكر بمكان رزين، من النادر أن يخرج هذا الكسول من النزل، هو في الغالب يبقى غرفته.

انزلقت يدي من على الطاولة بفعل شيء ما. ورقة أو على الأرجح رسالة.

...

{ إلى أعزاءي أعدائي،

أحب أن أرسل لكم هذه الرسالة انتقاماً وليس حباً،

أنا المجهول الذي سينتزع حقه منكم انتزاعاً ،

أما بعد،

أرغب في اطلاعكم أني لم انسى ما فعلتموه لي، الأذى الذي سببتموه لي لا يغتفر، ولهذا سأكرمكم بأن تتلقوا كرهي وأرجع لكم الألم نفسه ألف مرة.

كما أفقدتموني شيئاً سأفقدكم أضعافه.

لكني لست وحشاً مثلكم وسأمنحكم فرصة تنجون فيها من فقدان عزيزكم.

أعدكم بأن يرجع لكم إن حللتم لغزي المتواضع.

هذا كل شيء.

مع تحياتي وبصقاتي، ××× }

"يرجع لنا من؟ هل يعني رزين؟!"

تسألت بينما لاحظت قلما تلوين كانا على الطاولة مع الرسالة، أحدهم أزرق اللون والآخر أحمر.

انتبه لي ناجي وطلب مني أن يرى الورقة. أعطيته الأقلام والورقة، قرأها ثم بشكل غريب اتسعت عيناه وبدأ يرتجف بشكل خفيف.

"لا تأخذها بجدية، غالباً سيعود بعد قليل"

انقسام!

القلمين اللذان أمسكهما كسرا بفعل ضغط يده ثم ظهرت ابتسامة مريبة على وجهه.

ما خطبه؟ هل أصبح مستكلباً هو الآخر؟!

"سنحلها"

ماذا؟

"فلتستعد سجي! سنذهب لنحل اللغز لإنقاذ رفيف!"

"رفيف من؟ اسمه رزين!"

2024/06/14 · 19 مشاهدة · 989 كلمة
Paprika
نادي الروايات - 2025