لم يبد أهل القرية أي خوف تجاه الإخوة الثلاثة عند وصولهم، مما يعني أنهم كانوا صادقين فيما أخبروني به. وخصوصًا الآن، حين رأيت كيف ارتبكوا أمام والدتهم، وهو ارتباك لا يصطنع.
عندما بدأ الأخ الذي يحمل القوس في التلعثم، تقدمت بخطوة، وضعت قبضتي على راحتي، وانحنيت قليلًا.
"مرحبًا سيدتي، اسمي ليو فنغ. أعتذر إن لم يتمكن أبناؤك من الصيد اليوم. لقد كنت تائهًا، وقد عرضوا مساعدتي بلطف."
كان واضحًا أن الإخوة يقدرون والدتهم كثيرًا، وكانت نظراتها الحنونة وملامحها الهادئة تشير إلى أنها لن تتغاضى عن أفعال إجرامية من قبل أبنائها. يمكنني استخدام هذه المعلومة يومًا ما كورقة ابتزاز، إن احتجت لشيء منهم.
قالت بهدوء:
"لا تقلق. أولادي دائمًا يساعدون من يحتاج، وأحيانًا يكافأ الإنسان على طيبته. لكن المكافأة الحقيقية لا تكون في هذه الحياة، بل في الآخرة."
الآخرة؟ هل يؤمن عامة الناس في هذا العالم بالحياة بعد الموت أو بوجود إله ؟
وفقًا لذكريات ليو فنغ، كان عشيرته يوقرون الأسلاف ومؤسس العشيرة، لكن دون الإيمان بآلهة أو مفاهيم مشابهة. يبدو أن سكان هذا العالم العادين لديهم معتقدات لا يعبأ بها المزارعون الساعون للخلود.
سألتها:
"أعتذر على التطفل، لكن هل يمكنني قضاء هذه الليلة هنا؟"
كان الظلام قد بدأ بالهبوط، والمبيت في غابة مجهولة لا يبدو خيارًا آمنًا، حتى لو كانت الطائفة قد نظفت المنطقة من الوحوش الخطرة. لكن نفوذها لا يمكن أن يكون مطلقًا.
أجابت:
"لا بد أنك مثل الفتاة التي زارتنا اليوم. كانت تبحث عن شخص، لكنك لا تشبه الوصف." ثم تابعت، "على كل حال، لقد أعددت بعض عصيدة الأرز. يمكنك أن تتناول بعضًا منها."
فتاة؟ هل سبقني أحد إلى هنا؟ كنت أظن أن هذه القرية نائية ولا يزورها إلا من يعرف أين يبحث .
كان واضحًا أنهم فقراء، وأخذ الطعام من عجوز طيبة لا يبدو صوابًا، فهززت رأسي.
"شكرًا لك، لكن لا داعي. أخبرني المعالج الذي زرته مؤخرًا بالصيام لمدة يومين بعد أن أكلت طعامًا فاسدًا في مدينة العشب الأخضر."
بدت قلقة:
"هذا فظيع. هل أنت بخير الآن؟"
شعرت بوخزة ذنب بسبب كذبي عليها، لكن الوقت فات للتراجع.
"نعم، مجرد بائع طعام عديم الضمير. يبدو أن السلطات أغلقت كشكه بعد أن اكتشفوا أنه يبيع لحم فاسد استخرجه من نفايات محل جزارة."
لكن أكثر ما أقلقني لم يكن الكذبة، بل تلك الفتاة التي كانت تبحث عن شخص ما. قرب هذه القرية من طائفة الشمس الملتهبة يجعل الأمر مقلقًا، وربما كانت تلك الزائرة مزارعة.
(هل يجب أن اخير اسم الطائفة ؟)
هل يعقل أن عدوا من طائفة منافسة تجرأ على الاقتراب؟ لا يبدو محتملًا، لكن الحذر واجب.
"هل ذكرت من كانت تبحث عنه؟"
هزت الأم العجوز رأسها:
"لا علم لي. تحدثت فقط مع شيخ القرية. بدت وكأنها تبحث عن شيء ما."
"وأين يمكنني أن أجد شيخ القرية؟"
أشارت إلى أعلى التل:
"بيته هناك. ليس أفضل من بيوتنا، لكنه في موقع مرتفع." وضحكت وكأنها تتذكر نكتة قديمة.
أومأت لها:
"سأذهب للتحدث معه، فليس من الأدب دخول قرية دون علم شيخها. أنا غريب، في النهاية."
قالت بتطمين:
"لا تقلق، لا أظنه سينزعج."
ابتسمت وقلت:
"أفضل أن أكون حذرًا. تعرضت لتجربة سيئة في قرية سابقة، لذلك أحب أن أتأكد دائمًا. كما أنني أرغب في معرفة إن كان هناك تجار أو قوافل قد وصلت حديثًا، فقد أتمكن من السفر معهم إلى بلدة قريبة."
قالت موافقة:
"معك حق. الغابات أصبحت أكثر خطرًا هذه الأيام. هل تعلم أن أحد الحطابين مات قبل بضع أشهر؟"
بالطبع لا أعلم، فأنا وصلت لتوي.
لكنني حافظت على ابتسامتي وأومأت باهتمام، مستفيدًا من خبرتي السابقة في التعامل مع كبار السن.
"حقًا؟ مسكين."
تابعت:
"زوجته كانت حاملًا بطفلهما الثالث. اضطرت للعودة إلى بيت أهلها، لكن والدتها أيضًا توفيت في الشتاء الطويل. مصائب فوق مصائب."
واستمرت في سرد قصصٍ حزينة عن أهل القرية.
كبار السن يحبون القصص. وآمل إن وصلت لمرحلة أروي فيها القصص بهذا الشكل، أن يكون من أمامي مهذبًا. كما يقال عامل الآخرين كما تحب أن تعامل.
كنت لأود أن أعرف إن كان أبنائي لصوصًا، لكن مجرد المعرفة لن تصلح شيئًا.
قال توفي:
"أمي، سأخذ ليو فنغ لرؤية شيخ القرية. فوتو كسر فأسه أثناء تقطيع الأشجار، وأوفتو سيساعده في إيجاد واحدة جديدة. نراك لاحقًا."
أمه لم تعلق، ربما لأن بصرها لم يعد كما كان. أومأت لنا وأعادت دعوتي لتناول الطعام، ورفضت مجددًا.
وبعد أن ابتعدنا عن الكوخ بعشر خطوات، اقترب توفي وهمس:
"شكرًا لأنك لم تخبر أمي بما فعلناه."
قلت:
"لا حاجة لأن يدفع الكبار ثمن حماقات أولادهم. وفي مثل سنها، معرفة أن أبناءها يتصرفون كالأوباش قد تقتلها من الحزن."
أومأ شاكرًا من جديد.
بيت شيخ القرية لم يكن مختلفًا كثيرًا عن بقية البيوت، سوى أنه بني في موقع أعلى على الجبل.
إما أن شيخ القرية كان فاسدًا حقًا، أو أنهم كانوا جميعًا فقراء إلى هذا الحد. وعلى الأرجح، كان الاحتمال الثاني هو الصحيح.
تقدم توفاي أمامي وطرق الباب الخشبي الخشن. فتح الباب رجل مسن نحيل، له لحية طويلة وشعر أبيض يتساقط، وكان يتكئ على عصا ليسير. بدا وكأنه على مشارف الموت.
"ماذا تريد؟" عبس الشيخ في وجوهنا.
تقدمت خطوة وقلت، "مرحبًا سيدي، اسمي ليو فنغ، وكنت أتساءل.... "
"لا يهمني اسمك." قاطعني الرجل العجوز.
كان من أولئك العجائز العبوسين الذين يغضبون من كل شيء. لكنني كنت أعرف كيف أتعامل مع أمثاله، فلم أظهر أي ردة فعل لاستفزازه. قلت بهدوء: "سمعت أن فتاة زارت المكان بحثًا عن شخص ما. هل يمكنك أن تصف لي مظهرها أو مظهر الشخص الذي كانت تبحث عنه؟"
تعمق عبوس شيخ القرية، وألقى نظرة فاحصة علي من الأعلى إلى الأسفل. "تلك لم تكن مجرد فتاة. كانت مزارعة. قالت إنها تبحث عن شاب ذو شعر أحمر قرمزي يتحدث مع الهواء كثيرا ."
سرت قشعريرة في جسدي.
شخص يتحدث إلى الهواء ؟ وكانت مزارعة؟ هل وقعت دون قصد في وسط طائفة زراعة مجنونة أو ميدان معركة على وشك الاشتعال بين بطل محتمل وسيد شاب من نوع ما ؟ فهذا ما يكون عليه معظم أولئك المزارعين الخطرين.
حاولت أن أهدئ نفسي وسألته، "إن لم يكن في الأمر إزعاج، هل يمكنك أن تصف لي شكلها؟"
ابتسم الشيخ، وقال: "أوه، كانت جميلة، لا شك في ذلك. لكن ليست كأي فتاة جميلة، بل تميزت بشعر أسود فيه خصل فضية. كانت جميلة كاليشم... نعم، جمال يشبه الأساطير."
وبمجرد أن نطق الشيخ بكلمة "جمال يشبه اليشم"، كان قراري قد حسم.
نعم، سأغادر هذا المكان اللعين حالًا. لا أريد أن أتورط في هذا النوع من الهراء.
استدرت إلى توفاي وقلت: "بلغ والدتك تحياتي وامتناني لدعوتها للعشاء، لكن أمرًا طارئًا قد استجد."
"أه، حسنًا؟" جاء رده وكأنه سؤال أكثر منه إجابة.
كان مرتبكًا، ولا ألومه على ذلك.
لقد أتيت إلى هنا لأعرف إن كان أولئك اللصوص يملكون من يهتم لأمرهم، ولأضمن أنهم سيسلكون الطريق الصالح من الآن فصاعدًا. وقد تأكدت من الشق الأول؛ فهم ليسوا مجرد أشرار من الدرجة الرابعة كما في روايات الزراعة، بل أناس حقيقيون، لديهم أسر، وأحباء، ودوافعهم الخاصة.
أما عن اختيارهم للطريق الصالح ، فذلك أمر مشكوك فيه بعض الشيء، ويعتمد على مدى تصديقهم للعنة التي ألقيتها عليهم. وهي بالطبع لم تكن حقيقية، بل مجرد تقنية ملفقة ارتجلتها، مدعومة بخلفية خيالية عن منشئها القديسة السادي .
بعد أن أنجزت نصف هدفي، كنت واثقًا إلى حد ما أنهم لن يعودوا إلى طرقهم السابقة، على الأقل بدافع الخوف. وإن فعلوا، فعاجلًا أو آجلًا سيواجهون من لن يتسامح معهم، وحينها لن يكون ذلك من شأني.
لكن حين تدخل فتاة بجمال يشبه اليشم إلى المعادلة، فذلك يعني بداية الجنون. وأنا لا أريد أي علاقة بهذا الجنون. فكما يقول المثل، الفضول قتل القطة، وأنا على عكس القطط بين قوسين بطل القصة، لا أملك تسع أرواح.
أما بالنسبة للراحة أثناء رحلتي، فأنا مزارع. ورغم أنني لا أزال في المراحل الأولى من الزراعة، يجب أن أكون قادرًا على تحمل أيام بدون نوم دون تدهور عقلي أو جسدي.
"حسنًا، سأغادر الآن." أعلنت، ثم دفعت قدمي عن الأرض وانطلقت بسرعة خارقة خارج القرية ودخلت الغابة. توقفت حينما أصبحت محاطًا بالأشجار، بعيدًا عن القرية، وحاولت استعادة أنفاسي وأطلقت زفرة ارتياح.
ركزت حواسي المعززة، أصغيت بتمعن لأي إشارات مطاردة. لكن لم أسمع شيئًا غير حفيف الأوراق في مهب الريح. الغريب هو غياب أصوات الحشرات، لا صراصير ولا شيء آخر.
ثم حدث زلزال صغير، جعل الأرض تهتز بعنف وكاد أن يسقطني أرضًا. تلاه انفجار ضخم أطاح بي على العشب. نهضت بسرعة ونظرت نحو القرية، حيث ارتفعت سحابة فطرية في السماء.
كان الانفجار قريبًا جدًا من القرية. وللحظة، فكرت في الاندفاع للمساعدة، لكن ما خرج من سحابة الفطر جمدني في مكاني ،خنزير عملاق، يفوق الأشجار طولًا، يشبه ام هوك .
هدير الوحش المدوي دوى في الغابة، واقتلع الأشجار بقوة صوته وحده. أمام مخلوق بهذه القوة، بدت أفكاري السابقة عن القوة وكأنها نكتة سخيفة.
الوحوش الروحية تمتلك على الأقل قدرًا من طاقة التشي، وهي عادةً أقوى من المزارعين العادين في نفس المرحلة. هذا الوحش، على الأقل، من مستوى تجميع التشي، ويشكل تهديدًا حقيقيًا. لا فرصة لي في مواجهته.
جزء مني كان يرغب في التدخل ومساعدة القرويين، لكن الوحش لا يزال على مسافة من القرية. ومع ذلك، يبقى احتمال كبير أن ينقض على القرية في أي لحظة.
لكن ماذا عساي أن أفعل؟ حتى لو استجمعت كل قوتي، فالهجوم عليه سيكون مثل قرصة نموس
لقد نسيت للحظة عبثية عوالم الزراعة ،الفوارق الهائلة في القوة حتى بين مرحلتين متقاربتين.
اللعنة!
_________________________
شكرًا لقراءتك روايتي، وأتمنى أن تنال إعجابك. أكتب بشكل مرتجل إلى حد ما، لذا أرجو أن تنبهني إذا لاحظت أي خطأ إملائي أو تناقض.
AMON