انطلقت موسيقى هادئة في المكان. ومن عمق الصوت الممتلئ الذي يميز الآلات الوترية، بدا أنها آلة كمان.
كانت الآلة الوحيدة في العزف، عزف منفرد. بالنسبة لأشخاص العصر الحديث المعتادين على الموسيقى المصنوعة من عدد لا يحصى من الآلات والأجهزة الإلكترونية، بدا اللحن مسطحًا ورتيبًا.
> "آه…؟"
ومع ذلك، توقفت في مكاني. كان لحنًا خافتًا، لم يكن شيئًا ضخمًا، ولم يستخدم العازف أي تقنيات خاصة. ومع ذلك، شعرت بالدموع تتجمع في عينيّ فقط من الاستماع إلى هذا اللحن. لست أتباهى، لكنني مثل الكثير من الناس في هذا العصر الحديث الذين يفتقرون إلى الجانب العاطفي، فلم يكن أي فيلم حزين أو موسيقى أو كتاب يثير مشاعري يومًا.
لكن…
سروووووونغ…
ارتجف جسدي مع ذلك الصوت الذي يشبه حبات الرمل المتدحرجة. كان ذلك جوهر الموسيقى ذاته – لحن بدا وكأنه من عالم آخر، جماله لا يوصف إلا بكونه يمس قلوب البشر. أجرؤ على القول إنه حتى لو كان بيتهوفن أو موزارت أو شوبان هنا، فلن يستطيعوا سوى الاستسلام أمام هذا اللحن. رغم أنني لا أملك فهمًا عميقًا للموسيقى، لكن حتى كهواة نعرف قليلًا من التقدير.
بدأ اللحن بالتسارع تدريجيًا، حتى بلغ ذروته، وأخيرًا انتهى.
استمر اللحن لفترة طويلة، لكنني لم أستطع التحرك حتى انتهت القطعة، وبقيت واقفًا مذهولًا عند المدخل أراقب والدي وهو ينهي العزف ويفتح عينيه ببطء.
> "آه، لقد عدت؟"
> "نعم. هذه القطعة… ما اسمها؟"
لقد كانت قطعة مذهلة. لم يكن العزف وحده مبهرًا، بل حتى اللحن ذاته كان مليئًا بالروح. بالطبع، لو عزفها غير والدي، لانخفض تأثيرها كثيرًا، لكنها ستظل بلا شك قطعة موسيقية رائعة. لم أستطع تصديق أنها ليست من الأعمال المعروفة عالميًا.
لكن والدي أجاب:
> "هذه القطعة؟ ألفتها هذا الصباح، لذا لم أسمها بعد."
قطعة من تأليفه الشخصي؟!!!
> "ها… ها…"
لم أجد سوى ابتسامة باهتة ارتسمت على وجهي. حقًا؟ كيف يمكن أن يوجد إنسان هكذا؟ الله غير عادل، أليس من الظلم أن يمتلك شخص واحد كل هذا معًا؟
شعرت أنه لو تم توزيع موهبته على الآخرين، لظهر ألف "عبقري تاريخي" في مجالات متعددة.
> "ما الأمر؟"
> "لا، لا شيء. لم يحدث شيء اليوم، صحيح؟"
> "كان يومًا هادئًا كالمعتاد. لقد مر وقت طويل منذ أن فكرت بالماضي، مرّ الوقت سريعًا." قال ذلك وهو يضع آلة الكمان داخل حقيبتها ويغلقها. كان بإمكاني رؤية الخطوط الملساء لعضلاته المدربة بوضوح تحت قميصه العادي.
أحيانًا كنت أفكر، هذا الرجل، مهما فعل، يمتلك… كيف أصفها؟ هيبة؟ هالة؟ على أي حال، يمتلك شيئًا كهذا. حتى لو ارتدى مريلة المطبخ وكان يطهو، لمجرد النظر إليه يتبادر إلى ذهني فجأة: "ألن يستطيع هذا الرجل الفوز في قتال ضد فيدور؟" [1]
فخرجت مني الكلمات بلا وعي:
> "أبي، هل تعرف شيئًا عن السحر أو الكائنات الفضائية أو الفنون القتالية أو شيء من هذا القبيل؟"
> "همم… آسف."
> "هاه؟"
تفاجأت باعتذاره المفاجئ بينما تابع كلامه:
> "لست مطلعًا على النكات الحديثة هذه الأيام. هل هذه من برنامج تلفزيوني؟"
> "…لا، كنت أتحدث فقط." لوحت بيدي لأطمئنه، فقد كان سؤالًا سخيفًا من الأساس. ولو أجابني قائلًا: "صحيح، في الحقيقة أنا ساحر من الدرجة التاسعة وخبير مطلق في استخدام السيفين!" لكان ذلك أغرب.
'لكن…'
رغم ذلك، كانت فكرة تراودني من حين لآخر:
"هل والدي ليس إنسانًا عاديًا؟"
كنت أفكر أحيانًا، هل والدي وجود خاص؟ هل هو شخص أو كائن يتجاوز حدود الخيال؟ كأن يكون كائنًا فضائيًا، أو محاربًا أنقذ العالم في الماضي، أو حتى شيطانًا، أو تجسيدًا لنجم يحمل قوة كوكب؟
في بعض الأحيان، عندما أرى جانبًا من شخصيته، يكون استثنائيًا لدرجة العبث، حتى يصعب علي رؤيته كشخص عادي. ومع ذلك، عندما كنا نأكل معًا، أو عندما أجريت تصنيف القدرة عليه، لم تظهر عليه أي ألقاب تدل على أنه ليس إنسانًا عاديًا.
وفقًا لعمره، كان بالتأكيد يبلغ ٣٦ عامًا، وجنسه "بشري". لم يكن هناك أي لقب يشير إلى كونه ساحرًا أو خارقًا، ولا حتى لقب يدل على امتلاكه أي طاقة داخلية.
لكن بالطبع، كان لديه العديد من الألقاب الغريبة. لم يكن هناك إنسان يحمل هذا العدد من الألقاب الغريبة مثله. وللأمانة، معظم الألقاب التي يحملها والدي غير مفهومة أصلًا. باستثناء اللقب الدائم الذي يكون ظاهرًا فوق رأسه عادة، كان لديه العديد من الألقاب الأخرى الغريبة.
> عازف من السماء
من يرسم العالم
طباخ المعجزات
حداد الحاكم
كان لديه سلسلة من الألقاب الدائمة في حين أن الآخرين بالكاد يمتلكون لقبًا واحدًا، وما كان أكثر رعبًا هو أن مستوى كل لقب دائم لديه يتطلب من الآخرين عمرًا كاملًا لتحقيقه.
لكن هل يمكن القول إنه عبقري حقًا؟
> ممثل البشرية
ماذا يعني هذا أصلًا؟ ممثل البشرية؟ هل والدي هو ممثل الجنس البشري…!!
> "حسنًا، لا يبدو أن هناك أحد أفضل منه، ولا سيكون."
> "هاه؟ عن ماذا تتحدث؟"
> "لا شيء. آه، هل تعرف شخصًا يُدعى كانغ بورايم؟"
> "كانغ بورايم؟ همم. أنا أتذكر كل اسم سمعته من قبل، لكن لست متأكدًا. هل يمكنك إعطائي مزيدًا من المعلومات؟"
بالتأكيد، طريقة كلام والدي كانت غريبة دائمًا. طلبه إعطائي المزيد من المعلومات، وكأنه ليس إنسانًا بل جهاز كمبيوتر. لكنها لم تكن المرة الأولى التي يتحدث فيها هكذا، لذا أومأت برأسي.
> "هي أصغر مني بعام، وقالت إن أختها عملت معك من قبل."
> "آه. الآن تذكرت من هي."
أجل، كان يتذكر فورًا إن سمع الاسم سابقًا. كان لدى والدي ذاكرة مذهلة تمكنه من تذكر أخبار من ثلاث سنوات مضت، ليس فقط المحتوى بل حتى وجه المذيع ولون قميصه في ذلك اليوم وكل شريط الأخبار أسفل الشاشة.
> "من هي؟"
> "عندما كنت أعمل في ناسا حينها، كان هناك فتاة تدعى أونه-ها. قالت إن أختها اسمها بورايم. لقد ساعدتهن قليلًا، لكن تلك الفتاة يجب أن تكون هناك حتى الآن. ما الأمر؟"
اندهشت من كلماته.
بـ "ناسا"، كان يقصد المقر المعروف بـ "أول قاعدة فضائية"، أليس كذلك؟
حسنًا، السيد "يوان رونغ" من ناسا (قال إنه صيني لكنه كان يتحدث الكورية بطلاقة حتى لم ألاحظ ذلك في البداية. على الأرجح كان يتحدث خمس لغات أيضًا) كان غالبًا ما يتصل ليسأل والدي عن أمور متعددة. كان والدي يرفض تمامًا حمل الهاتف المحمول، لذا كنت مضطرًا للرد على مكالمات أشخاص ذوي نفوذ كبير. لهذا السبب أصبحت أكثر جرأة… حتى أنني كنت أخشى عندما أحصل على وظيفة ألا أرى مديري كشخص مهم.
> "على أي حال، ستأتي لأنها تريد توصيل شيء بناءً على طلب أختها. ويبدو أنها تريد سؤالك عن أمر ما أيضًا."
> "أونه-ها… كانت تخاف مني لسبب ما حينها ولم تستطع النظر إلى وجهي أثناء حديثها."
أنا متأكد أنها لم تكن تخاف منك. متأكد تمامًا. أستطيع الرهان على رأسي…
حسنًا، لم أحتاج إلى قول ذلك بصوت عالٍ. أزلت هذه الأفكار من رأسي وسألت:
> "بالمناسبة، هل تواصل هيونغ معك؟"
> "قال إنه سيعود متأخرًا. هل تريد تناول العشاء؟"
> "لست جائعًا الآن."
> "حسنًا. سأجهز لك شطيرة وأضعها في الثلاجة، يمكنك تسخينها لاحقًا إن شعرت بالجوع."
كان والدي شخصًا عطوفًا دائمًا، يتوقع جميع الاحتمالات ويحترم قراراتنا، ويقدم تحذيرات صارمة عندما يرانا نسلك الطريق الخطأ. كان من الصعب أن ننحرف ونحن نكبر مع أب مثله.
كليك.
> "هاه…"
لنكن صادقين، كنت أشعر بنوع من عقدة النقص تجاه والدي. ولكن، كان يجب أن يكون لهذا حدود. الفارق بيني وبينه كان كالفارق بين الحوت والأنشوفة. سيكون من المضحك أن تشعر الأنشوفة بالغيرة من الحوت وتشعر بالنقص تجاهه.
> "انسَ فكرة أن أكون شخصًا عظيمًا. عليّ فقط أن أعيش حياة هادئة."
مهما فعلت، فلن أستطيع تجاوزه، ومهما أصبحت، فلن يندهش مني. فلماذا أجهد نفسي إن كان كل هذا بلا جدوى مهما حاولت؟ بالطبع، كان من الممكن أن أستخدم هذه القدرة الغريبة، التي حتى والدي لا يمتلكها، لارتكاب جميع أنواع الجرائم، لكنني كنت متعبًا جدًا من الحياة حتى أفكر في ذلك.
> "متعب من الحياة؟"
ضحكت بسخرية من هذه الفكرة التي خطرت في بالي.
متعب من الحياة…
يا لها من كلمات ثقيلة لطالب في المدرسة الثانوية.
كم عامًا عشت وكم صعوبة مررت لأقول إنني متعب من الحياة؟
لكن في الوقت نفسه… من المضحك أن هذا هو الواقع فعلًا.
على أي حال، لم يكن هذا شعورًا حقيقيًا، بل مجرد كلمات تمتمت بها لنفسي.
> - مذهل. مذهل حقًا! عشرة ملايين، عشرة ملايين شخص… كياهاهاها!!! أنت حقًا عبقري!
نبض.
أمسكت رأسي وتأوهت من الألم المفاجئ الذي اجتاحني.
> - أبي، سيدي. يا خالقي.
رأيت عددًا لا يحصى من "أشياء ما" تركع أمامي.
> - فقط أعطنا أمرًا واحدًا. بكلمة واحدة منك سنفعل أي شيء!
> - لا تكن أحمقًا يستخدمونك! يمكننا حل كل شيء من أجلك فقط قل ذلك!
رأيت رجلًا يبدو قويًا يتوسل، وامرأة غاية في الجمال تلقي نوبة غضب وهي تمتلك قوة بلا حدود.
> - يا صاحب الحكمة العظيمة، أعطنا إجابة…
> - أنت تعرف! أنت تعرف كل شيء!
> - يا من تحتضن معرفة كل شيء، من فضلك أعطنا…
كما رأيت آخرين، وكانت عيونهم مليئة بالرغبة المجنونة تجاهي.
> "آه… اللعنة. لقد كانوا هادئين لفترة، فلماذا عادوا مجددًا؟"
ترنحت وأنا أضع يدي على جبهتي، أجزاء من الصور والمعرفة والقوة تتدفق إلى داخلي، ممزوجة بالغضب والقرف والحزن والخوف والألم والندم والولع، حتى شعرت بالغثيان وأردت التقيؤ.
> "هاه… هاه…"
لحسن الحظ، زال الألم سريعًا بعد فترة قصيرة، لكن العرق البارد كان يتصبب من جبيني، وارتعشت أطرافي. ظننت أن الأمر انتهى بعد أن اختفى لقرابة نصف عام، لكن يبدو أنني كنت مخطئًا.
> "يا له من يوم مزعج."
ألقيت زِيّ المدرسة على الأرض ورميت بنفسي على السرير. كنت أظن أن أول يوم في المدرسة سيكون ممتعًا، لكنني التقيت بكائن فضائي وفتاة ساحرة. وفوق ذلك، عادت هذه الذكريات المزعجة مجددًا.
> "يا له من أسوأ يوم."
نمت وسط تذمري. كان الوقت لا يزال مبكرًا، لكن لم يكن يهم.