شارف الليل على أحتلاله و هذا يعني بداية اللعبة التي ستحدد مصير الأربعة، آدم كان جاهزاً نفسياً للأمر و إيان من حزمه و ارادته القوية لإنقاذ و استرجاع شقيقته كان مستعد كذلك رغم خوفه الشديد من المجهول الذي سيطرق الابواب قريباً، و بشأن داميان ف كان يجلس بهدوء و بوجه خالٍ من الملامح و كأنه رجل عجوز ينتظر مماته بعد ان أصبحت دنياه بلا ألوان، و لكن لا يمكن نكران نظراته الخاطفة لصوفيا المنهارة و التي لاحظاها رفيقيه، و أخيراً صوفيا الشخص الوحيد الذي بان عليه الأنهيار و الخوف أشد الوضوح، تبكي و تنتحب و تنطق " لا أريد الموت، لا أريد الموت " و في كل دقيقة تنقضي يزداد نحيبها و خوفها
كانت هذه أحوال اللاعبين الأربعة و هم ينتظرون أشارة البداية، اشارة اللعبة التي ستحكم مصير حياتهم ...
{ آدم }
الى الآن منظر ذلك الشيئ و تجسيده لم يفارق ذاكرتي؛ بقي شكله مطبوع في دماغي و كلما أراجع منظره في رأسي أشعر و كأني أعيش تلك اللحظة المرعبة من جديد، من حسن الحظ لم يمس أي أحدٍ منا بأذى بالرغم من حالة الرعب التي سببها لنا
" لم يتبقى الكثير من الوقت لدينا لذلك اصغوا الي جيداً "
و جهت كلامي لهم و أنا أنقل نظري من فردٍ الى آخر
" يجب أن نبقى معاً مهما حدث، هكذا سنستطيع النجاة جميعاً من دون خسارة اي احدٍ منا، حاولوا مهما واجهتكم من صعوبات أن تبقوا صامتين، لا تخافوا، لا تهلعوا، لا تُصدِروا أي صوت ! ف بهذه الأمور الثلاث سنتمكن من النجاة و معنا آن كذلك "
رأيت ملامح الخوف و الأضطراب تعتريهم جميعاً، اردت أن أوجه لهم كلمة أخرى تساعدهم في تخفيف مشاعرهم عليهم، و لكن مع علمي بأنها لن تفيد بأي شيئ نطقتها لهم
" لا تخافوا .. سوف نكون بخير بالتأكيد، و سنخرج من هنا سالمين، انا متأكدة من هذا "
تركتهم بعدها منهمكين مع أنفسهم في عالمهم الخاص
و انتهى الوقت و بدأت اللعبة !
" إيان "
انطلقت اللعبة بصوت جرس كلاسيكي قُرِع لخمس مرات متتالية، و كما قالت قوانين ذلك الشيئ لم نُصدِر اي صوت، ألتزمنا جميعاً بهذه القاعدة، مرت دقيقة على الهدوء الذي أكتسح المكان بعد أن توقف صوت الجرس، و ازداد دقيقة أخرى، و بعدها هاجم سرب من الاصوات المختلفة و المرعبة المكان !
أصوات ضاحكة، اصوات باكية، اصوات صارخة، اصوات تتكلم بكلمات غير مفهومة ، كل هذه الأصوات هاجمت في نفس الوقت و كأنها سربٌ من الطيور أنتظر الحرية طويلاً
كانت مرعبة بحق، لدرجة جعل الخوف يظهر على أجزاء أجسادنا، ك التعرق و الأرتعاش و شحوب لون الشفاه، بعد هذه الموجة المرعبة من الأصوات التي دامت لعدة دقائق هدأت أخيراً، تبادلنا النظرات فيما بيننا من دون فعل أي شيئ
أخذت هاتفي و كتبت به ما اريد قوله للثلاثة و لكن قبل ان انتهي من الكتابة ظهر صوت ذلك الشيئ مجدداً !
' ما بكم متصنمين في أماكنكم هكذا ؟؟ هذا لن يكون مسلياً ابداً ! '
لم نجبه و لم نرد عليه، بينما هو صمت لثوانٍ قبل أن يكمل كلامه
' حسناً إن لم تبدأوا بالمرح ف حيواناتي اللطيفة سوف تفعل '
بنبرةٍ حقيرة مستمتعة نطق كلامه جاعلاً الخوف يُجَن في قلوبنا أكثر ! بحق إن الموت ك ظلنا الآن !
' لا انصحكم بالبقاء ساكنين في أماكنكم فذلك سيسهل على حيواناتي مهمة العثور عليكم .. اعتبروها نصيحة من صديق جيد يريد مصلحتكم '
و اختفى صوته بعدها و عرفت حينها بأنه رحل، ابتلعت ما في جوفي بكل خوف فما قاله يقشعر الأبدان ! و بحق السماء حيواناته !! إن كان هو بهذا الرعب ف كيف ستكون حيواناته !! و بعد ثوانٍ قام عقلي بربط شيئ ف أسرعت لأكتب كلامي في الهاتف
" ربما كان يقصد بحيواناته تلك الاصوات التي سمعناها قبل قليل ! "
اخرج آدم هاتفه و كتب فيه
' هذا احتمال واردٌ للغاية، و لكننا لا نستطيع اثبات ذلك بعد، ربما تكون اشياء مثل ذلك الكيان المرعب و بمثل خطورته ! '
ف رد داميان هذه المرة
' بكل الأحوال يجب علينا أن نبقى معاً دوماً لأجل زيادة الحماية، مهما حدث لا يجب أن نتفرق '
فقالت أو كتبت صوفيا بعدها :
' و ما الذي سنفعله الآن ؟ هل نتحرك أم نبقى هنا ؟! '
و في حين هذه اللحظة سمعنا اصواتاً كانت عبارةً عن ضحكات تقترب منا أكثر و أكثر، اصوات ضحكات مجنونة ! تمتزج معها أصوات العديد من الخطوات المهرولة كذلك
' أظن التحرك من مكاننا سيكون خيارنا الانسب '
أخبرنا آدم و وافقناه جميعاً في الرأي و قررنا أن نتجه للأسفل على امل أن نجد مكان آن أيضاً
____________________
مضت ساعتان منذ بداية الليل، كل ما فعلناه هو الأبتعاد عن مصادر الأصوات المرعبة، لم يكن الأمر سهلاً ابداً، الأمر يكون في غاية الصعوبة عندما تحرص على عدم اصدار أي صوت من تحركاتك
في أثناء تحركاتنا أكتشفنا أن هنالك العديد من الطوابق تحتنا، كان كل طابق له طريقته الخاصة في الرعب، كان المكان اشبه بالبرج العالي و لكنه يتجه الى الأسفل !
نتواجد الآن في الطابق الخامس تحت الأرض، المكان هادئ و نظيف و خالٍ من أي فوضى عكس باقي الطوابق التي امتلأت بالفوضى، كان هدوء هذا الطابق يثير رعبنا كثيراً، مكان يرسل لك رعشات باردة و تحديداً لقلبك
كانت هناك اضواء خافتة للغاية تجعلنا نرى الطابق و تفاصيله، وفجأة من حيث لا نعلم باغتتنا موجة من النسمات الباردة التي تجعل أبداننا تقشعر ! أقتربنا من بعضنا حينها و كل واحد منا اخذ جهة يراقبها بخوف و حذر، مترقبين لظهور أي شيئ
لم يظهر لنا أي شيئ في البداية، بل ظهر صوت يغني و يهمهم و من الواضح أن صاحبه يكون فتاة صغيرة، كان صوتها يأتي من جميع الاتجاهات فلم نستطع معرفة مكان تواجد مصدره
كنا نرتجف خوفاً حينها ف الصوت وحده كفيل بجعلك تتخيل اسوء المشاهد التي من الممكن أن تكون فيها ! و على حين غفلة مني بسبب تركيزي مع الغناء المرعب هاجمتني موجة من الرياح الباردة جعلت الرعب يقتحم قلبي اقتحاماً مما جعله مجنوناً بنبضه !
نظرت أمامي بعيونٍ متوسعة من الخوف و معي كذلك الثلاثة الآخرين، و بعد ثوانٍ قليلة و معدودة بدأ شيئ يظهر من احشاء الظلام، جسد صغير يرتدي ثوباً أبيضاً يتقدم نحوي يصدر منه ذلك الصوت الذي يغني
سأكون كاذباً إن قلت أني لم اتحرك لأني لم ارى الحكمة في الهروب او التحرك او الابتعاد، بل لم أتحرك بسبب تخشب اطرافي من الخوف ! من الخوف شعرت بأن جسدي فقد جميع دمائه
كانت تتقدم ناحيتي أكثر و أكثر و أنا أشعر بأني أرى مصرعي يقترب مني أكثر و أكثر ! و حين اصبحت قريبة مني لدرجة وضوح ملامحها شعرت بالغثيان .. شعرت بالغثيان من الخوف و من المنظر الذي رأيته، كان وجهها لطيفاً مثل أقرانها من الأطفال و لكن الذي دب الرعب في قلبي هو جسدها
المكان الذي من المفترض انه يحتوي على أحشائنا جميعنا كان ظاهراً و فارغاً عند هذه الفتاة ! و الشيئ الوحيد الذي كان متبقي هو عظامها المتآكلة ! العمود الفقري و القفص الصدري و الأضلاع جميع هذا كان ظاهراً لأعيننا،المنظر كان مرعباًو مقززاً بحق !
كانت ما تزال تقترب و لم تتوقف عن الأقتراب او الغناء، الى ان أصبحت امامي مباشرةً و قريبة مني لا يفصل بيننا سوى مسافة صغيرة ! رفعت رأسها ببطئ من أجل وضع عينيها مباشرةً امام عينَي، و حين ألتقاء أعيننا أظهرت ابتسامة عريضة رسمتها بهدوء و بتروٍ ! ، أمسكت يدي بخاصتها الباردة و التي وصلت برودتها لقلبي و قالت :
' هل ستلعب معي ؟ '
لم أجبها ف أكملت :
' ألا تريد أن تلعب معي ؟! '
بوجهٍ عابس و بنبرةٍ حزينة قالت كلامها و لم تتلقى أي ردٍ مني
' لماذا لا تجيب ؟ هل أنت تكرهني ؟! '
أجبتها نافياً برأسي هذه المرة، لا أعرف لماذا و لكني ظننت بأن هذه نهايتي إن لم أجبها، تغير محياها العابس الى آخر خالٍ من الملامح و الحياة و هذا مع أفلاتها ليدي، و بنبرةٍ هادئة و صوت قريب للهمس قالت و هي تبتعد و تعود أدراجها :
' كاذب ! جميعكم كاذبين، لا أحد يحبني '
أختفت و كأنها سراب و أختفى صوتها معها و لم يبقى شيئ يؤكد تواجدها هنا قبل لحظات، و لكن بعد ثوانٍ هادئة عاد صوتها فقط باكياً منتحباً قائلاً :
' لا أحد يحبني، لا أحد يحبني، لا أحد يحبني '
و في كل مرة تعيد نطق جملتها تصبح نبرتها أشرس و أكثر رعباً و هذا ما جعلنا نبحث ك المجانين عن المخرج في هذا الطابق، ف كنا نتوقع هجوماً منها في أي لحظة، وجدنا سلالماً تصل للطابق التالي و بالطبع كان تتجه الى الأسفل، أخذناها و حاولنا أن نتجه بسرعة للقادم من دون اصدار أي صوت، ف تلك الطفلة كانت نبرتها تزداد شراسة بطريقة مرعبة ! حين قطعنا نصف مسافة السلالم أصبح صوتها خلفنا ! أستدرت اليها ف وجدتها واقفة في البداية تنظر الي بغضب و حقد شديد ! شعرت بكمية كرهها الموجهة لي، امسكت خصلات شعرها بكلتا يديها الصغيرتين و صرخت بشدة أكبر
' لماذا لا تحبني !!!!! '
و هكذا انتهت تجربتنا في هذا الطابق
_____________________
أجتزنا العديد من الطوابق، و في كل طابق كان هناك شيئ جديد اكثر رعباً لنواجهه، و بطريقةٍ ما أستطعنا أن نبقى أحياء الى هذه اللحظة، و ها قد أنتهت الليلة الأولى بعد الكثير من الخوف و حينها أصبح المكان مضيئاً بسبب الأضواء التي اضاءت فجأة و التي لا يوجد مصدر غيرها للضوء لأننا اصبحنا تحت الأرض الآن
' أحسنتم ! أحسنتم ! لقد استمتعت كثيراً، لقد كنتم بارعين بحق، لكم كامل ثنائي '
ظهر صوت ذلك المخلوق الذي أختطف شقيقتي و حينها أكتسح الغضب كامل ملامحي !
' بما أنكم نجحتم في أول ليلة فلكم الآن أحقية لسؤالي سؤال واحد فقط '
عندما سمعت كلامه هذا نطقت من فوري من دون تفكير
" أين هي آن ؟؟ و هل فعلت لها شيئاً ؟!! هل هي بخير ؟!! "
" لا تقلق، ف أنا لا أخلف بكلامي ابداً، انها بخير تماماً و لكني لن اخبرك أين هي، هذا ما عليكم انتم معرفته "
شعرت بالراحة عندما قال أنها بخير بالرغم من عدم وجود شيئ يبرهن مصداقية كلامه
' و الآن استميحكم عذراً، سوف أذهب و أدعكم تنعمون بأستراحتكم، اراكم غداً أعزائي '
نطق بنبرةٍ مستمتعة ك عادته، و عندما رحل تركت جسدي و سقطت على الأرض مفكراً بكل ما مررنا به الليلة الماضيةً بيننا
' لقد كنت شجاعاً، أحسنت عملاً '
خاطبني آدم ف أجبت
" هذا طبيعي ف غايتي هي أنقاذ آن من ذلك الشيئ "
و بعدها اخذ الصمت مطرحاً بيننا، و لكني قاطعته بعد دقائق قائلاً :
" هل تعلم .. أنا لست متفاجئ من كل هذا مع أني لن أكذب و أقول بأني لستُ خائفاً، ف في صغري كنت أرى الكثير من الأشياء التي لا يستطيع غيري رؤيتها او تصديقها ... الكثير و الكثير منها ... و حين وصولي لحدي في التحمل أخبرت أمي بكل ما أراه ف اخذتني هي الى شخصٍ له علم بما ورائيات الطبيعة .. ربما كان راهب، و أخبرته بأني لست ولدها، و انما شيئ شبيه به خارجياً أما من الداخل ف انا لست هو، يبدو أن تلك الأشياء كانت تظهر لوالداي كذلك و لكنهما لم يلاحظاها كما كنت أفعل أنا "
عندما شعرت أني ثرثرت أكثر مما يجب و بأمور لا فائدة منها اعقبت
" لقد ثرثرت كثيراً، لا تلقي بالاً "
' لا بأس، انت لم تفعل رغم انك صدمتني حقاً، لم اكن اعلم ب...'
حينها قاطعه داميان صارخاً ذاعراً !
" آدم ! إيان ! صوفيا ليست هنا ! صوفيا قد اختفت !! "
الفصل السادس - إنتهى