{ داميان }

" آدم ! إيان ! صوفيا ليست هنا ! صوفيا قد أختفت !! "

مذعوراً فزعاً أخبرتهما، كنت خائفاً، متوتراً، قلقاً، لا أستطيع التفكير جيداً بسبب كل هذا !، ... واجهاني بملامح مستفهمة فهما لم يفهما الأمر في البداية و لكن عندما أخذا نظرة في المكان و لم يجدا أي شي يدل على وجود صوفيا هنا أُستُبدِلَت ملامحهما بأخرى مستغربة و مذهولة

' ما هذا ؟! أين صوفيا ؟!! '

خاطبني إيان متسائلاً عنها ف أجبته صارخاً مذعوراً

" أنا لا أعلم !! لو كنت أعلم هل سآتي لكما بهذه الطريقة ؟!!! "

تفاجئ إيان عندما سمع اجابتي؛ و قبل أن يرد أو يقول شيئاً تدخل آدم

' داميان اهدء .... "

قاطعته صارخاً

" كيف تريدني أن أهدء بحق السماء و صوفيا قد أختفت و كأن لا وجود لها ! لقد كانت أمام ناظري و عندما أبعدت عيني عنها لثانيةٍ واحدة فقط أجدها غير موجودة !! كيف تريدني أن أهدء بحق الجحيم آدم ؟!! "

' داميان لابد أنها ذهبت لتستكشف المكان و أنت لم تلاحظها حينها، .. سوف نبحث عنها و نجدها فقط لا تذعر هي لم تختفي، بالتأكيد أنها في مكان قريب من هنا '

رغم تأكدي من أنها أختفت كما تختفي الهلوسة فجأة إلا أني كذبت على نفسي بتصديق كلام آدم، كنتُ فقط أريد شيئ يجعلني أتماسك عقلياً، كنتُ على حافة الأنهيار من الأرهاق و الأعياء الذي يشعر به جسدي

' دعنا نبحث عنها الآن '

نظرت في عيني آدم لثوانٍ معدودة قبل أن اومأ له موافقاً، كنتٌ متردداً .. ليس من البحث عن صوفيا بل من تصديق هذه الكذبة فأنا أعلم تماماً بأنها لن تذهب بمفردها مهما كان السبب، و لكن لسلامتي قررت أن أستسلم للكذبة و أصدقها و أتقبلها أيضاً

تفرقنا نحن الثلاثة لثلاث طرق من أجل البحث، و عندما أبتعدنا قليلاً من بعضنا تسرب دخان كثيف بشكل سريع من فتحات التهوية، جميعها سربت هذا الغاز من خلالها ! خنقني الغاز و أستنشقت جزءً منه رغماً عني و عندما دخل لجسدي بدأت أشعر بعدها بفترةٍ قصيرة جداً بالدوار و النعاس، فقدت مقدرة التوازن على جسدي و أصبحت أترنح ك المخمور ! و من دون نسيان عينَي التي لم أعد أرى بهما جيداً ف كل شيئ أصبح يبدو مظلماً بالتدريج، أستدرت لناحية رفيقَي فوجدتهما طريحَي الأرض ! حاولت أن أتقدم إليهما و لكن في أول خطوة أستسلم جسدي و عقلي، و آخر ما أتذكره بعدها هو مقاومتي البائسة المؤلمة .

___________________

{ صوفيا }

و أخيراً أنتهت هذه الليلة، كنتُ أشعر بالدوار و الغثيان و الإرهاق و أخيراً و ليس آخراً كنتُ أشعر بنعاسٍ شديد، و أثر ذلك جلستُ على الأرض و أسندت ظهري على الحائط، أخذت نظرةً أخيرة على الثلاثة قبل أن أغمض عينَي قليلاً لأحجب الرؤية عني، و من دوم قصد لم أستطع أن أفتح جفناي مرة أخرى و سقطتٌ نائمة، و عندما أستيقظت وجدت نفسي في مكان مختلف عن الذي كنت فيه !

المكان مظلم و بارد ! و أستطيع أن اسمع صوت همس شخصٍ ما، شخص يبدو و كأنه يتكلم مع نفسه ! أخذتُ هاتفي من حقيبتي و التي كانت لحسن حظي معي، فتحته فوجدت الساعة تشير الى العاشرة مساءً !!

سقطت علي الصدمة بطريقةٍ جعلتني أقطع أنفاسي لثوانٍ عدة، أتسعت عيوني و أنا أنظر الى الساعة، بحق السماء هذا يعني أن هذه هي الليلة الثانية من اللعبة .... و أنا وحدي في هذا المكان المظلم و الذي لا أعلم ماذا يوجد فيه هذا الظلام !

حين أستوعبت هذه الكارثة وضعت يدي على ثغري بسرعة أثر هذه الصدمة المرعبة و لا ننسى عيناي اللتان كانتا المرآة لعواطفي التي أشعر بها الآن، أخذت عيناي بكل حذر تنظر يميناً و شمالاً تحاول معرفة طبيعة هذا المكان الذي أتواجد فيه حالياً، أستخدمت اضاءة هاتفي لتساعدني، .. قررت أن أمشي في المكان فهذا أفضل بكثير من أن أبقى في مكاني ساكنة بلا حراك

كان خيار خلع الاحذية جيداً ف أنا استطيع التحرك و المشي ببعض السهولة، ف لو كنتُ مرتديةً حذائي كان قد أصدر صوتاً بكل وضوح، ... هذا ما فكرتُ به و أنا أستكشف هذا الطابق، كان شديد الهدوء و لا يوجد به أي صوت بإستثناء صوت قطرات الماء المتساقطة و التي لا أعرف مصدرها

دخلت الى ممرٍ معتم لا يبدو أن له نهاية قريبة، كان بالنسبة لي يبدو أفضل من المكان الواسع المظلم الذي كنت فيه منذ قليل، لا أعرف ماذا سيظهر لي أو من أين

" أشعر بالبرد "

ظهر صوتي في عقلي عندما أشتدت برودة المكان، و مع أزدياد البرد كان الوضع أيضاً يزداد غرابة، كلما تقدمت أكثر يصبح الممر أوسع و أشد ظلمة، و اصوات قطرات المياه تصبح أقرب

شعرتُ حينها بالخوف يزداد و يجعلني أتردد في الأستمرار الى الأمام، اصبحتُ أفكر " هل استمر ؟ أم أعود أدراجي ؟ " الظلام أمامي يزيد الرعب في قلبي و المجهول كذلك و الخلف كان اقل رعباً

" سوف أعود "

قررتٌ في عقلي و عندها أستدرت لأعود ف وجدت شيئاً طويلاً اسوداً ك الظل يقف بعيداً ! ... كنت على وشك اصدار صوتاً من الرعب و لكني لم أفعل من الرعب كذلك، ارتعبت لدرجة أني فقدت مقدرة النطق بأي صوت حينها، كان الأمر أشبه برمي دلو من الماء المثلج عليك في حين غفلة، حدث نفس التأثير لجسدي و لكن من الخوف و ليس من البرودة

أردتُ أن أصرخ، أركض، أهرب، أنجو بحياتي و لكن لم يكن بوسعي فعل أي شيئ من هذا و إلا مصيري الموت بكل تأكيد، ... تجمدت حائرة بأفكاري بينما أرمق الظل الطويل بخوفٍ مترقب و حذر

" يجب أن استدير و أهرب، و لكن ماذا لو فور إستدارتي قام بالإنقضاض علي ؟ ما الذي يجب عليَ فعله ؟! أهرب أو أبقى في مكاني ؟ و لكن من الممكن أن أموت في كلتا الحالتين ! ماذا أفعل ؟ ماذا أفعل ؟ ماذا أفعل ؟!!! "

أصبح الخوف و الرعب ساكِنَي قلبي الوحيدين؛ تفردا بي و أصبحتُ ضحيتهما، ما زلت أرمق الظل الطويل بنفس النظرات و بنفس الحالة المرعوبة المترقبة و في أثناء لحظات صراعي تلاشى الظل الطويل ببطئ كما يتلاشى السراب ! تلاشى و تلاشى معه تأثيره المرعب الثقيل، و رغم أني ما أزال متواجدة في منطقة الخطر إلا إني شعرت بالراحة قليلاً، ... بالطبع بعد هذا الموقف قررت أن أستمر بالتقدم الى الأمام، أكملت طريقي بكل حذر و كما قلت سابقاً استمر الممر بالأتساع أكثر ف أكثر، و في النهاية عدت الى نقطة البداية ! عرفت هذا من مساحة المكان الكبيرة و صوت التمتمة التي تبدو و كأن شخصاً ما يخاطب نفسه

فقدت القدرة على التعبير بالكلمات في هذا الموقف، و من دون أي تذمر مع نفسي و مماطلة سلكت طريقاً مختلفاً عن الأول، كنت فقط أريد أن أخرج و لا يهم أي طريق سآخذه؛ المهم فقط أن أخرج من هنا بسرعة و أنقذ نفسي

و كما الممر الأول حدث بالممر الثاني، كلما تقدمت يتسع أكثر، و في منتصف الطريق يظهر الظل الطويل ذاته، و بنفس وضعيته، صامتاً بلا حراك، و كما المرة الأولى لم تأتيني الشجاعة حتى أعود أدراجي ف أقرر الإستمرار للأمام، و ها قد عدت للمرة الثانية لنقطة البداية !

" بحق السماء كيف عدت الى هنا ! "

الشيئ الوحيد الجيد من كل هذا أن هاتفي لم تنفد بطاريته بعد، سأستطيع أن استخدم ضوءه لمدة أطول

" من الجيد أن هاتفي لم ... "

حينها لم أستطع حتى أن أكمل جملتي مع نفسي، فحينها وجدت أن الساعة تشير الى نفس التوقيت عندما تفقدتها أول مرة ! الساعة تشير الى العاشرة مساءً !! كيف ذلك بحق السماء ؟!! أنا متأكدة من أن أكثر من نصف ساعة قد أنقضت الى الآن !

" هذا جنون ... هذا الجنون بذاته ! "

سلكت للمرة الثالثة طريقاً مختلفاً، حدث فيه كما الأول و الثاني، و لكن هذه المرة قررت أن أضع عيني على الوقت، كان يستمر و في نهاية الممر الذي اصبح اكثر اتساعاً كانت الساعة تشير الى العاشرة و الرابعة و الثلاثين دقيقة؛ أكملت و عدت للبداية ك المرتين السابقتين، تفقدت الوقت فوجته قد عاد للعاشرة تماماً !

بحق السماء ما هذه الدوامة اللا منطق فيها !! مهما سلكت أي طريق ف النهاية باتت معروفة، و الوقت كذلك، يعود للبداية عند النهاية !

قررت هذه المرة أن أبقى في مكاني الى انقضاء الوقت و بزوغ الفجر، ما دمت لا أصدر صوتاً ف سأكون بخير و سأضمن بقائي على قيد الحياة، و لكن ما لا أضمنه هو مقدرتي على الصمت حين الكثير من الاصوات المرعبة تحيط بي

جلست على الأرض و أخذت ساقاي لحضني و اسندت جبيني على ركبتاي، مر الوقت ببطئ شديد، كنت أتفقده بين الحين و الآخر، و لأكون صريحة بصعوبة شديدة كان يمر الوقت، و بعد أنقضاء ساعة واحدة و أخيراً بدء النعاس يتغلغل الى جفوني، صمدت أمامه لبضعة دقائق و لكن بعدها سقطت منهزمةً أمامه

......

......

......

______________

" أستيقظي .... أستيقظي .... أستيقظي "

أسمع همس أحدهم يأمرني بالأستيقاظ، ... أزعجني ف أنا في قمة التعب و الأرهاق و هذا الآمر المجهول لا يدعني أكمل راحتي بسلام

أبعدت جفناي عن بعضهما فلم أرى أي شيئ بوضوح في البداية، عاودت اغلاقهما و فتحهما أكثر من مرة الى أن أستطعت الرؤية بطبيعية مجدداً

حينها تذكرت أين أنا، و طبيعة هذا المكان، أنقض علي الخوف و الرعب كما تنقض النسور و الصقور على فريستها، أشعر بالذي يجلس أمامي و أرى جزء من جسده الذي أخذ وضعية القرفصاء، رفعت رأسي ببطئ و العرق يتصبب من كامل جسدي، وصلت لوجهه ف وجدته مبتسم ذا تجاعيد كبيرة و مفتقرٌ للأعين !! ... جمجمته كانت تخلو من الأعين !

صرخت، ... نعم صرخت بكل قوتي و تراجعت للخلف، قلبي جُن جنونه و عقلي أصبح غير مجدي في هذه اللحظة، صرخت أكثر من مرة الى أن أستوعبت ماذا فعلت ...

صمت و بدأت الدموع التي تخرج من دون أدراكي لحظتها بجعل الصورة ضبابية، و لكن مع هذا رأيت مفتقر المقلتين و هو يعود الى الخلف بإبتسامة أكثر إتساعاً صادرةً منها قهقهاتٍ مرعبة، و ببطئ يلتهمه الظلام ف لا يبقى أي أثر له

" أنا لم أقصد ذلك .... أنا أقسم أني لم أقصد ذلك "

أنبت نفسي و أنا أرتجف من البكاء، و حينها بدأتُ أتخيل طريقة موتي، أستحضرتُ أبشع الصور التي زادت حالتي سوءً ....

زمجرة ! صوت زمجرة ظهر فجأة من أمامي، أستمرت الزمجرة و عندما سمعتها أكثر من مرة زادت قوتي بالتشبث بالحياة، ف حملت نفسي و بدأت أركض مبتعدةً عن صوت الزمجرة، و لكنها سرعان ما لحقتني و تحول صوتها الى صياح خشنٍ غاضب !

لم ألتفت الى الخلف بل زدت سرعتي لأزيد نسبة نجاتي، دخلت أحد الممرات العديدة الموجودة في هذا الطابق، و بأعجوبة لم يتم أمساكي بسرعة، و لكني علمت أن هروبي هذا لا فائدة منه ما دامت النهاية هي نفسها البداية

عدت لنقطة الصفر مرة أخرى و ذلك الشيئ أو الحيوان البشري الذي يطاردني على اربعة أطراف يقترب أكثر مني، .. بدأت ساقاي تبطئ من سرعتها و أستشعر جسدي أرهاق الجري الذي قمت به، و لكن مع هذا أنا إستمررت، تشبثي بالحياة كان اقوى شيئ بالرغم من يأسي

أقترب صاحب الزمجرة مني لدرجة إني شعرت بأنفاسه الحارة و القاسية تضرب عنقي و ظهري، حينها أغمضت عيني مستعدة لمصيري و لكني تفاجأت بضربةٍ أتت من جانبي تموضعت على كتفي و أسقطتني بعيداً، ظهرت أصوات من ثغري توضح ألمي الذي سببته هذه السقطة، .. فتحت عيني و أذني كذلك ف شهدت منظراً جعلني متيبسة في مكاني ...

" إيان .. ! "

نطقت أسمه عندما رأيت هذا الهجين بين الكلاب و البشر يمزق ذراعي إيان الذي يقاوم تحته بكل إستماتة و يأس !

" أنقذي آن ! لا تتركيها أبداً ... أرجوكِ أنقذيها مع البقية ! "

يصرخ بكلماته باكياً أثناء تمزيق جسده من قِبَل الهجين، و عندما نطق آخر كلماته ختم حياته بصرخة متألمة أثر تموضع أنياب الهجين العملاقة و المسننة على رقبته و غرسها بها، و في النهاية أقتلاع رأسه من جسده ...

.......

.......

.......

.......

.......

____________

أخذ إيان مكاني و لم يتبقى منه سوى بضع الأشلاء الصغيرة، كان هذا ما تُرِك من وجبة ذلك الهجين، فقد اتخذ إيان وجبةً له، و إن لم يكن إيان ف كانت ستكون وجبته أنا ...

مر الوقت و أنا اتأمل بقايا إيان و أتذكر آخر طلب له قبل أن يذهب للأبد ( أنقذي آن )

بعد أن أستوعبتُ كل هذا و أخيراً أجهشت باكية، ما هذا المكان بحق الآلهة و لماذا أنا فيه، ما الذنب الذي أقترفته لأُعاقب هكذا ...

كانت هذه الأفكار تدور في رأسي و أنا أبكي بصمت خوفاً من ملاقاة نفس مصير إيان، و بعد لحظات سمعت صوت أقدام سريعة لأكثر من شخص واحد قريبة من هنا، نظرت ناحية مصدر صوتها بخوفٍ شديد و لكن ظهر أن صاحبيها هما داميان و آدم !

شعرت حينها بجزءٍ كبير من الأمان قد عاد إلي

" داميان "

نطقت أسمه من دون وعي مني حين رأيته و سرعان ما تقدم هو إلي ليضمني إليه بذراعيه التي تشد على وثاقي، أزدادت دموعي و اردتُ أن أصرخ و لكني لا أستطيع

' لا بأس، كل شيئ على ما يرام الآن فقد أنتهى الوقت و حل الصباح '

حين سمعت كلامه أطلقت جميع المشاعر التي كبتها على هيئة صرخة متألمة خائفة، أمسك داميان وجنتاي بكِلتا يديه و قام بمسح دموعي بكِلا ابهاميه

' أنا معكِ الآن ف لا داعٍ للخوف '

" صوفيا ... أين إيان ! "

خاطبني آدم ف نظرت إليه، وجدتُ ملامح الدهشة الناتجة من الرعب و الخوف و الهلع على طيات وجهه، يبدو أنه لاحظ أن صاحب الدماء و الأشلاء الصغيرة المتناثرة هنا و هناك هو رفيقه إيان

نظر داميان كذلك الى آدم و حينها لاحظ الأرض المزينة باللون الأحمر المؤلم و الأجزاء البشرية الصغيرة المشوهة، صُدِمَ هو كذلك من المنظر لدرجة أنه افلتني من ذراعيه و أستدار ينظر للأرض بتعبير يوضح عدم تصديقه لهذه الفاجعة

بعد عناء دام لثوانٍ محاولةً فيها تفريق شفتاي لأرمي عليهما كلماتي نبست :

" لقد مات "

الفصل السابع - إنتهى

2021/10/28 · 82 مشاهدة · 2198 كلمة
Marilyn
نادي الروايات - 2025