{ آدم }

أنا على يقين من أن إيان لم يعد بيننا و لكن .. هل من المنطقي أن ألمحه بين الساعة و الأخرى ؟؟ لم أستطع النوم عندما حل الصباح ف بقيت يقظاً، و طوال هذه الساعات كنت ألمح إيان هنا و هناك، يدخل من هنا و يخرج من هناك

نبتت بعض الشكوك في رأسي عن صحتي العقلية، بت لا أنكر أحتمالية جنوني و فقداني لعقلي، هذا المكان سيجعلك تجرب متلازمة " ماري أنطوانيت " ف ليس صعباً عليه أن يُفقِدك عقلك و رشدك

الآن لا يُحيلَ بيننا و بين الليلة الثالثة إلا ساعة واحدة و بضع دقائق، اليأس أسرنا جميعاً و قيدنا بأغلاله و لكننا ما زلنا عازمين على الأكمال في طريقنا

............

............

............

اول طابق أجتزناه هذه الليلة لم يكُن أقل رعباً من سوابقه، كان خاصاً بالمهرجين و الكائنات المصابة بالسايكوباثية، أحد المواقف التي مررنا بها في هذا الطابق هي ك الآتي :

كنا ثلاثتنا معاً متجهين في طريقنا، و من أحشاء الظلام ظهر من أمامنا شخص - أو يجب أن أقول كائن تركيبه يشبه التركيب البشري - يسحب جثةً متعفنة من ساقيها و تظهر من ثغره ضحكات سعيدة خبيثة، تجاهلنا و عاد الى أحشاء الظلام و معه تلك الجثة و كل ما بقيَ هو بعض الأشلاء التي تناثرت من الجثة - لقدمها - على الأرض

نجونا من جنون ذلك الطابق و توجهنا لوجهةٍ أكثر جنوناً برأيي، الطابق الثاني لهذه الليلة كان مضيئاً دافئاً ك بيت الجدات، فيه الأثاث المريح و فيه الرائحة التي تَنتُج من طهوِ شيئ ما، هذا الطابق مشبوه لحدٍ غير معقول

نظرت الى صوفيا و داميان ف لمحت لهما ان يتبعاني، اتجهت ناحية مصدر الرائحة، كانت آتية من حجرةٍ شبيهة بالمطبخ، و في هذه الحجرة كان يتوسطها كائن ضخم آخر، هذه المرة كان أشبه بالجدات، و بين احدى يديها سكين خاصة بتقطيع اللحم تقوم به بتقطع شريحة لحم - او ضحية - بكل قوة و صخب لدرجة أن ذلك اصدر صوتاً مزعجاً و مرعباً في آنٍ واحد

أستدارت الجدة المسخ ناحيتنا و رسمت لنا أبتسامة لم أشهد أوسع منها من قبل و رمت على مسامعنا بنبرةٍ جعلت القشعريرة تصعقنا صعقاً :

" كونوا هادئين يا أولاد، ف العشاء لن يتأخر كثيراً "

و عادت بعدها الى وضعيتها السابقة و أستأنفت التقطيع، فعلها جعل الرعب يعبث بنا عبثاً ف بدأنا البحث عن السلالم بسرعة حتى نفرَ بأرواحنا و عقولنا التي بالكاد حافظنا على سلامتها الى الآن

توغلت في الطابق الذي لم أمر على أوسع منه حتى الآن و أخذت أتوغل أكثر و أكثر و لا أجد أي سلالم تقودنا لوجهتنا التالية، وضعنا الحالي إن أردت تشبيهه ف هو سيكون مثل بضع فئران دخلت في متاهةٍ تخص البشر .

_______________

{ داميان }

كما طُرِحَت أوامر آدم علينا باشرت بها بالحرف الواحد، أستكشف كل الزوايا و لا أدع أي جزء صغير من هذا الطابق يهرب من عيني، و كذلك لا أدع صوفيا تبتعد عن مدى بصري، لم أجعلها تبتعد عني كثيراً حتى لا يحدث ما حدث في ليلة الأمس، و هي أنصاعت لرغبتي هذه من دون تردد، على ما يبدو ف إن كلانا لا يحب أن يحدث ما حدث قبل سويعات قليلة

" المكان واسع هنا ك القصور "

خاطبت نفسي عندما تأملت تفاصيل هذا الطابق أثناء البحث، أزحت نظري ليميني من أجل نظرة أخيرةٍ على المنطقة التي أنا بها خشيةً أن شيئاً ما فاتني، و حينها بالذات خرج صوت غريب من أحشاء السكون الذي كان يحيط المكان، كان الصوت يعود لمصعدٍ آلي !! الصوت يبعد عني بمسافة صغيرة جداً لذا إتجهت اليه ببعض السرعة رغم التردد الذي كان يقيد جسدي أثر الخوف

وصلت حيث مصدر الصوت و بالفعل كان ما أعتقدته صحيحاً، الصوت يعود لمصعدٍ آلي، و ها هو ذا المصعد أمامي، رغبت بالضغط على أزراره حتى أرى ما يقبع فيه رغم علمي أن لا شيئ يوجد هناك و لكني - و لا أخفي عليكم - لم أفعلها خوفاً من وجود شيئ ما سيقضي على حياتي بمباغتةٍ لا أستطيع مراوغتها

و في أثناء أفكاري التي تدور في رأسي حالياً لمعت قاعدة " عدم أصدار أي صوت " في ذاكرتي، من المؤكد لو اني ضغطت على ازرار المصعد ف ذلك سيصدر صوتاً و هذا سيختم طريقي في هذه اللعبة، إرتددت خطوة للخلف حين أستوعبت هذا و أردت بعدها أن أهرب من هذا المكان و أكمل بحثي و لكن قبل أن أباشر بما فكرت به ظهرت ذراع سوداء من خلفي و قامت بالضغط على أحد أزرار المصعد ! يد سوداء ملساء ذات أنامل فارعة الطول !

شعرت بأني محاصر من كل مكان و جهة، الخوف أعمى بصيرتي و إرادتي عن الهرب رغم إدراك عقلي بأهمية الفرار في الوقت الحالي، و لكني لم أفعل، تجمدت أوصالي و انا أفكر بالذي خلفي و الذي سيظهر أمامي، و لا ننسى تلك الجدة ذات الأبتسامة الواسعة

محاصر من ثلاثة زوايا و لا أستطيع مواجهة أي زاوية و فوق ذلك كله لا أستطيع أن أظهر أي صوت من ثغري و إلا سيتم تأكيد نهايتي بختمٍ رسمي من صاحب اللعبة

' أظن إني قلت لكم يا أولاد أن تبقوا هادئين لحين موعد العشاء، ألم أفعل ؟ '

من شمالي ظهر صوت أول مخلوق رأيناه في هذا الطابق، و من غيرها الجدة المسخ صاحبة الأبتسامة المرعبة، أدرت رأسي قليلاً نحوها لتتمكن مقلتاي من ألتقاطها

أهذا هو الشعور عندما تواجه الموت ؟؟ ألم في المعدة و غصة تأبى أن تخرج و الشعور بثوران القلب، ف هذا ما شعرت به و أنا أواجهها و كلي علم بما سيحدث لي في الثوانِ القادمة

و لا أكذب عليكم في رمشة عين كانت هذه الجدة المخبولة قد رفعت ذراعها التي تمسك السكين الخاصة بتقطيع اللحم في الهواء و رمتها بأقصى ما لديها و بدقة شديدة لدرجة أنها أصابت هدفها بالضبط و غُرِسَت به غرساً

صرخت بأشد ما لدي معبراً عن الألم الناتج من فلق يدي اليسرى لنصفين، صرخت و أمسكت يدي المدماة التي لا تزال بها السكين من معصمي و أثر هذا الفعل وصلت الدماء التي تخرج ك مياه النافورة لوجهي و ثيابي و لطختني أنا و الأرض

___________

{ صوفيا }

تجمدت في مكاني خوفاً و ذعراً من العرض الذي يُقام أمامي الآن و يترأس بطولته داميان الذي يتجرع الآن نوعاً من أنواع الألم المروع، كنت أريد أن أذهب و أساعده بأي طريقة و لكن عقلي توقف عن العمل و لم يعد بإمكاني رؤية أي طرق، ف بقيت فقط متصنمة في مكاني خائفة حزينة مرتجفة و ما بيدي أي حيلة

و حين وصول العرض للمشهد الرئيسي و الأخير و هو " نهاية اللعبة " كدت أصرخ بأقوى ما لدي رعباً من المنظر و خوفاً على خطيبي و لكن يد ضخمة لثمتني و منعت تلك الصرخة من الخروج أثناء مراسم أعدام داميان

رأيته و هو يموت بواسطة أداة طبخ حادة تمركزت في جمجمته أثر رمية من تلك المسخ المخيفة و لم أفعل له أي شيئ لمساعدته او أصرخ عليه حزناً و فزعاً عليه حين موته

أنهارت دموعي من دون وعي مني و أنا أنظر لذلك المنظر الشنيع، منظر جثة داميان و هي تُسحب لداخل المصعد من قِبل كائن أسود أملس طويل القامة

أستدارت المسخ ناحيتنا و سارت لناحية وجهتها و على محياها أبتسامتها الواسعة التي رأيتها في البداية، أرتعشت جميع أجزاء جسدي من دون أستثناء و أنا أنظر إليها و لشكلها الدميم المرعب

و بسبب ارتعاشي لم ألاحظ أرتعاش آدم كذلك رغم كونه يغطي فمي بهذه اللحظة يمنعني من اصدار أي صوت

ذهبت المسخ ناحية وجهتها و بقينا وحدنا في المكان الذي نتواجد فيه، و حينها أخذ أدم بمعصمي و قادني الى حيث لا أعلم ف أنا لحظتها لم أعد أستطع فعل أي شيئ بدون أن يقودني أي أحد

عرفت لاحقاً أن آدم كان يقودني الى مكان السلالم التي تؤدي للطابق التالي، تبعته و نزلت معه من دون أن معارضات، لقد أصبح الأمر و كأنه يقود دمية مفصلية خلفه ... دمية بإمكانها الحركة و لكنها تفتقر للروح و الإرادة الخاصة

____________

{ آدم }

أقود صوفيا لننزل السلالم بأمان مبتعدين عن ذلك الخطر الذي سلب رفيقنا منا، الدموع تعيق الرؤية لدي و لكني أحاول و بكل جهدي أن أكبحها حتى استمر للأمام، لا علم لي كيف و لكن بعد هذه الخسارتين المفجعتين لا زلت صامداً و عازماً على بلوغ غايتي

رؤية رفيفي و هو يلقى بمصرعه ليست بالأمر الهين أبداً و أظن نفس الشيئ ينطبق على صوفيا ف هي بالأخير خطيبته و قد خسرت للتو الرجل الذي يحبها و الذي كان يقدرها أكثر من حياته، و لابد من أنها كانت تحبه كذلك، حتى إن لم يكن حبها بمقدار حبه ف هي بالتأكيد فُجِعَت لموته و حزنت حزناً شديداً كما حال كل الأحباء

وطأت قدمانا على أرضية الطابق التالي حين أنتهائي من دوران هذه الأفكار بعقلي، كانت يدي ما تزال ممسكة برسغ صوفيا و لم ألاحظ أني كنت اضغط عليها الى أن قامت هي بسحبها من بين قبضتي

نظرت إليها ف وجدت وجهها خالٍ و فارغٍ كل الفراغ من الحياة، شعرت بأني أقابل جسدها من دون تواجد روحها فيه، أخذت بضع خطوات تبتعد عني فيها، و بعدها فرقت شفتيها لتنطق ببعض الكلمات التي ستؤدي بحياتها الى الهلاك بالتأكيد !

" أتركني آدم .. لم يعد لي رغبة بالإستمرار في هذا "

حين سمعتها صعقت بصاعقة من الخوف ف هذه الغبية قد خالفت القاعدة و سوف تلقى مصرعها كما حدث مع داميان قبل قليل !! توسعتا عيناي رعباً عليها و حينها توجهت ناحيتها لأسكتها و لكنها نفرت مني و أبتعدت و أستمرت بتعجيل موعد موتها

" لا تحاول .. لقد تكلمت و هذا لن يغير شيئاً، ف بكل الأحوال سأموت الآن إن إلتزمت الصمت او لا "

نبست حين فتحت حقيبتها و أخرجت شيئاً منها، كان أحمر شفاه، استغربت .. ما الذي ستفعله صوفيا بأحمر شفاه ؟

" لقد كان تأنيب الضمير يلازمني منذ ضحى إيان بحياته من أجلي لذلك و بكل صراحة أشفقت على آن لأنها خسرت أخيها الذي تحبه و أيضاً شعرت بالمسؤولية بسبب كلمات إيان الأخيرة التي طلب بها مني أن أساعد في أنقاذ اخته، ... و هكذا كان لدي سببان حتى أستمر معكما من أجل أنقاذها ، و لكن .... "

أستمعت الى كلامها و أنا أركز في كل كلمة تقولها و بكل فعلٍ تفعله حتى أعرف ما الذي تريد أن تفعله، بعد أن ألقت عدة جمل قطعتها بكلمة " لكن " و قامت بأنتزاع الغطاء و هكذا كشفت صوفيا عن سكين صغيرة و لكن طويلة، الذي بيدها لم يكن أحمر شفاه بل أداة للدفاع عن النفس مخصصة للنساء، و هي أداة قاتلة أيضاً !

" و لكن يا آدم .. بعد أن فُجِع قلبي بموت داميان ف أنا لا أعتزم أكمال هذه الرحلة، و بالنسبة لآن ف أنا حقاً حقاً أكرهها الآن جداً و أمقتها و أتمنى لها الموت بأبشع الطرق، لولاها لما كنا سنموت جميعاً بهذه الطريقة، ... لا ! بل لولاها لما كنا سنموت في الأصل ! كل شيئ يحدث الآن بسببها .. "

بدأ صوت صوفيا يهتز مشيراً الى حرقتها و غصتها و دموعها العالقة في مقلتيها، كانت تعبر عن مشاعرها بينما تدير السكين الصغيرة ناحيتها و تتخذ وضعية مناسبة لقتل نفسها ! وضعتها أمام رقبتها و نظرت ألي بعيون غارقة في الدموع التي تأبى الانسياب ف أكملت :

" لا فائدة يا آدم، سنموت كلانا أيضاً بكل حالٍ من الأحوال و لن نستطيع أنقاذها، أنسى الأمر و ودع حياتك كما سأفعل الآن ف نتيجة اللعبة كانت مقررة منذ البداية، لن يستطيع أي أحد منا أن يعيش بعد الآن لذا أنهي حياتك بسرعة قبل أن تتعذب كما حدث مع داميان و إيان "

في نهاية حديثها أنسابت دموعها و تزامن هذا مع غرسها لكامل السكين في عنقها، لحظتها صرخت بأسمها بأقوى ما لدي و جريت ناحيتها أنقذها من السقوط على الأرض و لكنها سقطت لأني لم أصل إليها في الوقت المناسب

أمام عيناي كانت تحارب الموت و تتجرع لوعته و وجعه، أستمرت في حربها لدقيقتين كاملتين قبل أن تسقط مهزومة لحاصد الارواح هزيمة نكراء

و هكذا صوفيا لحقت برفيقَي و بقيت وحدي في هذا المكان الموحش البارد، وحيد بلا أي أحد معي ليسندني او يخفف عني وحشة هذا المكان و يطمأنني بأن كل شيئ سيكون على ما يرام

فقط الآن أنا وحدي بعد أن كنت مع ثلاثة أشخاص كنت استمد منهم القدرة على الاستمرار و الآن ... جميعهم رحلوا و تركوني بمفردي

تركوني مع نفسي فقط .

الفصل الثامن - إنتهى

2021/10/28 · 84 مشاهدة · 1940 كلمة
Marilyn
نادي الروايات - 2025