الفصل السابع :- لا تخبرني ماذا أفعل!
" مأدبة الخطوبة؟ "
تحت حديث كلاوديا الهادئ , بينما عينيه مركزتين بعمق نحو تلك الطاولة المليئة بالأطعمة الشهية و تدفق الرائحة الزكية, يستمر في تذوق واحدة تلو الأخرى , مستمتعا بها وتلك الفواكه اللذيذة التي تجعله يمتص عصارتها في فمه لآخر قطرة .
رغم أن كل الخدم المتمركزين بجانب الطاولة يتهامسون من تصرف كلاوديا المفاجئ , في العادة الإمبراطور كلاوديا لا يظهر أي تعبير عندما يتناول وجبة ما .
" اجل جلالتك , ستقام بعد غد . "
تحدث كادين واقفاً بجانبه بهدوء وابتسامة عالقة في شفتيه , بينما يحمل في ذراعه لفافة قماش ذو لون أبيض .
لا يستطيع التوقف عن ابتسامته اللطيفة عندما يرى كلاوديا سعيداً كهذا .
" هكذا إذا ... "
' هل الإمبراطور كلاوديا عقد خطبة على فتاة ما تنتمي لعائلة نبيلة ؟ هل يمكن ان يكون زواج سياسي ؟ '
' قد تكون عائلة الفتاة لديها نفوذ كبير في الإمبراطورية , الإمبراطور كلاوديا ليس من النوع الذي يفضل النساء ! هل يكون قد انتابه الخوف نحو نفوذهم الكبير ؟ أم ما هو سبب ؟ '
الكثير من الأسئلة تراود كيم وو سوك , يشعر بأن عقله مشتت بينما يحاول التذكر ما حدث في الرواية .
الغريب في الأمر , يستطيع تذكر الأحداث المتعلقة بالإمبراطور كلاوديا بوضوح شديد أكثر من غيرها .
لكنه يشعر بشيء ما مفقود !
كانت إجابة كلاوديا هادئة , جعل رئيس الخدم كادين يشعر بالقلق كثيرا .
كان يعلم كايدن شخصية الإمبراطور كلاوديا أكثر من غيره , لقد كان يبغض الإمبراطور حتى سماع اسم الفتاة المدعوة بـ ليسيا فتكور ابنة الأرشيدوق فكتور , تصرفاته المختلفة في الأونة الآخيرة التي تجعله شخصا آخر , جعل كادين يتساءل هل حقا يعلم شخصية كلاوديا كما يعتقد ... ام انه تغير حقا !
رغم ذلك , كان يعلم كادين سبب استبداد الإمبراطور كلاوديا , هذا ما جعله لا يكن ضغينة اتجاهه مثل معظم عامة الناس . فالإمبراطور كلاوديا لديه ماضٍ لاذع لا يعلمه سوى رئيس الخدم كادين .
" جلالتك , هل لا زلت تمقت تلك الفتاة ؟ "
التفت كلاوديا إليه بسرعة بتعابير غير مفهومة واضحة عليه .
" امقتها ؟ "
" جلالتك ...؟ "
أدار كلاوديا رأسه ناحية الطاولة وأفكار تراوده .
' أكان لا يحب تلك الفتاة ؟ '
" كايدن , لماذا أمقتها ؟ إن كان هذا زواج سياسي ماذا يجب علي فعله ؟ "
يمكن سماع صوت تكسير بعض الزجاج في الجانب الأخر من الطاولة .
أسقطت أحدى الخادمات أحد الأطباق الفارغة التي أرادت جمعها من على الطاولة , أسرعن الخادمات الأخريات يساعدنها بينما ينظفن تلك الفوضى التي أختلقنها تحت ارتكابهن الشديد .
التفت كلاوديا يحدق بهن بتوتر , نظر ناحية كايدن الذي كان متصلباً في مكانه ويده العالقة في الهواء التي كانت ترغب إمساك ذلك الكأس الفارغ من النبيذ على الطاولة , ليمتلئه بنبيه آخر .
' ما الأمر؟ هل قلت شيء خاطئ ! '
تتردد بعض الكلمات والتي تفوه بها كيم وو سوك في باطن عقل كادين .
' زواج سياسي ؟ سياسي !! '
" جـ .. جلالتك ؟ أ - أنت بخير حقاً ! "
كانت عيني كايدن مرتبكة قليلاً بينما ينظر لكلاوديا .
لدقائق مضت , أدرك كيم وو سوك شيئًا ما أخيراً ! الإمبراطور كلاوديا من المستحيل أن يتفوه بهذا الهراء الذي تحدث به قبل قليل .
'حسنا , يجب أن افعل شيئا بشأن هذا الوضع . '
" كايدن في الحقيقة , كنت أخفي شيئا عنك . "
أدار كادين بسرعة نحو كلاوديا , عينيه التي تقول الكثير , تحدث بسرعة .
" جلالتك ! هل أنت بخير حقا ! "
" في الواقع , بعد الحادثة الأخيرة أشعر بأنني فقدت جزءً من ذاكرتي ."
اصبح كلاوديا يحرك شفتيه يتمتم ببعض الترهات .
" هل كان هذا من الأثار الجانبية للسم ...؟ أم أصبت رأسي بمكان ما ..."
فتح كلاوديا عينيه ببطء بعد انتهاء حديثه , لكنه صدم أكثر من الذي يراه !
تحدث كايدن بينما يضع يده على شفتيه , وتلك العينين التي تملؤها الكآبة الشديدة .
" آه - جلالتك لماذا كنت تخفي أمرًا مؤلم كهذا ! "
" ماذا ؟! "
حدق كلاوديا للخادمات الذين يقفن خلف رئيس الخدم كايدن , عيونهم الحزينة , وسعادة مشرقة تملئ محياهم .
" جلالتك ! ألهذا أصبحت لطيفاً جداً ؟"
" لا أصدق جلالتك , لم ألاحظ قبلا بأنك وسيم هكذا."
' ما مدى سوء الإمبراطور في نظرهم ؟ '
لم تعد شفتي كلاوديا تتحرك أبدا, حتى لو أراد الحديث, يشعر بأن لسانه تصلب حقا!
' ماذا يحدث بحق الجحيم!'
- - - -- - - - - -- - -- -- - - - - ----------------
بينما الشمس تغرب يمتد سطوع ضوءها على احدى نوافذ قصر الأرشيدوق فكتور , تقف فتاة جميلة تنظر لنفسها أمام المرآة بإبتسامة دافئة, ترتدي فستان واسع ذو لون سماوي, ترتكز بعض الزخرفة في أكمامه, بينما احدى الخادمات تحدق بإطراء شديد بجمال الأنسة ليسيا.
" أنستي, انك فائقة الجمال."
" اشكرك لونا."
تحدثت لونا بتألق شديد جعلت عيني ليسيا تنخفض من شدة تألقها.
" أنتِ تذكرين اسمي ؟ "
تحت ضحكة ليسيا الخفيفة والممزوجة بتوتر , كان من الصعب تجاهلها .
سرعان ما تبددت ملامح ليسيا , بينما تمتلك ابتسامة ماكرة , عينيها المليئة بالبغض الشديد التي تشعرك عند النظر إليها بثقل في كاحلك , تحدق في تعابير لونا المشرقة .
' بالطبع كيف استطيع نسيانك ؟ '
في حياتها السابقة , تذكرت ليسيا كيف تتجرأ تلك الخادمة بخيانتها , كانت تذل ليديا باستمرار , حتى أصبحت في عداد الموتى , لم تكف عن مضايقتها لدرجة انها لم تتردد بدفع جثتها الهادمة الغارقة في الدماء .
في ذلك الوقت , كانت ليسيا في حالة يرثى لها في هذا المنزل , حيث كان في تلك اللحظة فارغ تماماً من وجود أحد .
و اختفاء اخيها الغامض و الذي لا وجود لتفسير له بعد حادثة حصلت في مأدبة الخطوبة , بالتأكيد يجب عليها اكشاف ما حدث لذا قررت الحضور في هذه المأدبة ! وأيضا ستقوم برفض الخطوبة اثناء المأدبة !
' ضرب عصفورين بحجر واحد .'
علاوة على ذلك , لم تعلم ليسيا حتى الآن ما هو هدف لونا في الحقيقة , لما هي موجودة في قصر الأرشيدوق فكتور ؟ مما تعتقده ليسيا أنها ربما قد تكون جاسوسة لأحد ما ! هل هي جاسوسة الإمبراطور ؟
أصبحت ترتجف ليسيا بينما تفكر في ذلك , يجب عليها الحذر في كل خطوة تخطوها في هذا القصر وما تفعله يجب ان يكون سراً .
هناك شيء ما يثير فضول ليسيا , في حياتها السابقة كان هناك الكثير من الأسرار في هذا القصر تسربت للخارج ! هل هذا بفعل لونا ؟
' يجب علي معرفة من يقف خلفها بسرعة و إلا ستتدمر عائلة الأرشيدوق فكتور إلى قطع شظايا مثلما حصل في حياتي السابقة . '
المكائد استمرت تحاصر عائلة فكتور مما جعل نفوذها و مدى قوتها المعروفة في الإمبراطورية تنهار في آن واحد . تقدمت ليسيا نحو السرير بهدوء , تجلس بفستانها البراق بينما تشعر بدوار خفيف .
' دعونا لا نفكر كثيرا . '
عند التفكير في هذا الأمر , لم ترى ليسيا اليوم ليديا .
" أين هي ليديا ؟ "
أجابت تلك الخادمة لونا الذي يبعث فيها لطف شديد .
" أخبرتني انها ذاهبة لتحضر قبعة لك ! "
"حقا ! "
لا تعلم ليسيا لماذا تحب ليديا القبعات ! في حياتها السابقة كانت ليديا مهووسة بالقبعات لجعل ليسيا ترتديها كل ما أرادت التنزه أو التسوق في المتاجر في العاصمة .
" آنستي , لقد اتيت . "
التفت ليسيا تنظر ناحية باب الغرفة تسرع ليديا مهرولة بينما تبدو شاحبة جداً .
تركع على الأرض بسرعة , عينيها تحدقان بالأرض تملؤها خيبة أمل .
" أعذريني آنستي ! لقد اكتشف الأرشيدوق بأمر خروجك من القصر ! "
تنهدت ليسيا ببطء يبدو أنها كانت تتوقع حدوث هذا !
" لاعليك ليديا انهضي. "
" ولكن اخبرتني بأنه -..."
" ليديا ! كنت أخطط لمقابلته على أية حال . "
صرخت ليسيا فجأة بينما عينيها تلمح الخادمة لونا .
وقفت ليديا ببطء , تمتلك ملامح متوترة بينما استمرت بالحديث .
" انه ينتظركِ على طاولة العشاء . "
" حسنا ... لنذهب . "
سرعان ما وقفت ليسيا متجهة نحو باب الغرفة بينما تتبعها ليديا , استمرت لونا في مكانها , ترتسم ابتسامة خبيثة على شفتيها بينما تصدر صوتًا مليئاً بالثقة .
" هيه ... "
- - - -- -- - - -- - - - - --- -- - -- --- -- - - - --
في مكان ما , ظلمة الليل وهج القمر في منتصف السماء , ينعكس ضياءه على القصر الإمبراطوري , بينما يحلق نسر يفرد بجناحيه بقوة أمام القصر , يصل ناحية شرفة مضيئة , يقف على حافة الشرفة عينيه تنظران نحو شخص مستلقي على السرير بملابس نوم حمراء مريحة , ظهره يلتصق بتلك الوسادة المستقيمة .
" جلالتك , أترغب بالمزيد من النبيذ الأحمر . "
تحدث رئيس الخدم كادين , احدى ذراعيه خلف ظهره و الأخرى تأخذ النبيذ الفارغ من يدي الإمبراطور كلاوديا . ارتسمت ابتسامة واسعة في شفتي كلاوديا بينما ينظر نحو الشرفة .
" كادين , يبدو أن مأدبة الخطوبة ستكون ممتعة ! "
" هاه ؟ "
' لنرى ما الذي سيحدث ... '
" هل أخبرتك الكونتيسة كورنيليا شيئا ؟ "
أجاب كايدن تحت حيرته .
" لم تقل شيئا منذ ذلك اليوم , بل بدأت هادئة جدا. "
زادت ابتسامة كلاوديا اتساعا بينما يقف و يتوجه نحو الشرفة .
كانت أعين كايدن تراقب تحركات الإمبراطور كلاوديا , افكار تراود عقله .
' متى أصبح جلالته غامضًا هكذا ؟ لم اعد استطيع فهمه . '
اقترب النسر نحو الإمبراطور كلاوديا بينما تمركزت قدميه على كتفه .
' اذا أردت الإستمرار العيش في هذا العالم , يجب علي ان أحارب . '
كانت عيني كلاوديا ثابتة على القمر المرتكز في السماء , يسطع ضوءه على وجهه , تتجعد حاجبيه قليلاً يشعر بإنزعاج شديد بينما يفكر شيئا لا يرغب بالتفكير فيه .
' لن اسمح بتكرار ذلك الخطأ اللعين الذي عشته في تلك الحياة اللعينة . '
" كايدن . "
لقد بدى صوت كلاوديا دافئًا من إي وقت مضى , جعل رئيس الخدم كايدن ينظر إليه و الفضول واضح على وجهه .
التفت نحو الغرفة يشاهد كايدن الذي يقف هناك بهدوء شديد .
" لو أخبرتك أن تفعل شيئا ما لأجلي , فهل ستفعل ذلك ؟ "
" جلالتك , لا تخبرني ماذا أفعل ! فقط آمرني بذلك وسأفعل مهما تطلب الأمر . "
اجاب كايدن بينما عينيه تومضان بشدة .
" كايدن , هل قتلت أحداً من قبل ؟ "
سأل كلاوديا او كيم وو سوك تحت ضحكة خفيفة .
رفع كايدن عينيه من الأرض , ينظر إلى كلاوديا بدهشة تعلو وجهه , بينما تهب نسائم الرياح بينهم رويداً ..
—- - - - ——— ———— ——— — — - - - - - - - - —
نهاية الفصل السابع .