في زقاقٍ غير واضحٍ على جانب الطريق المضيء و النابض بالحياة ، وقفت شخصيتان تراقبان المارة بصمت
يبدو أن لا أحد من المارة قد لاحظ وجود هذه الشخصيتان في الظلال...
" إذاً؟ ، ما رأيك في القصة؟ "
كسر جولدن شوي الصمت بسؤاله ، تحركت عيناه قليلاً لتتحقق من تعابير شين نو
" لم يكن هذا الشخص مجنوناً "
" كان محقاً ، أنه مختلفٌ عن البقية فقط "
" لكن هذا ليس أمراً مفيداً له ، فهو لم يمتلك الإرادة ليكون الشخص المختلف "
" - لم يقتلني الملك ، كل ما فعله هو فصل رأسي عن جسدي الفارغ ، الناس هي من قتلتني عندما قطعت أحلامي و طموحاتي ، و بقي جسدي يحوم بلا هدفٍ أو إتجاه في هذه الحياة - تستطيع الشعور بيأسه من هذه الكلمات التي قالها قبل أعدامه "
" في رأيي ، هذه ليست حالةً نادرة ، الكثير من الأشخاص مختلفون أو يريدون أن يكونوا مختلفين ، لكن هذا المجتمع و هذه الحضارة الطبقية تعطي هذا الخيار فقط لمن لديه خلفيةٌ قادرة "
" و هنا يأتي الفرق ، إذا لم تكن لديك الخلفية ، فالتجعل من إرادتك هي مفتاح أختلافك ، الإرادة ، الإرادة لقيادة الطريق إلى المجهول بلا ندمٍ أو خوف ، هكذا يُخلق النجاح "
" المجنون لم يكن سوى جباناً لم يملك الإرادة ليكون مختلفاً و يتحمل هذا الثقل "
أستمع جولدن شوي إلى حديث شين نو بينما كانت عيناه تضيق قليلاً
" الإرادة هاه؟ "
تمتم جولدن شوي قليلاً دون أن تعرف بما يفكر ، عاد الصمت ليخيم على المكان بينما تحرك شين نو من جانبه سائراً في الطرقات النابضة بالحياة مندمجاً مع الحشد
....
في جزءٍ آخر من المدينة ، كان هناك مبنى ضخمٌ و مضيء يطل على احدى الشوارع الرئيسية ، كان المارة قليلين هنا و حتى الذين يمرون بالمكان يتحركون بسرعةٍ مع تجنب النظر إلى المبنى
الكثير من الزخارف زينت المبنى المتكون من حجارةٍ سوداء و زرقاء مع بعض الخطوط الذهبية
كان هذا المكان أحد المواقع الخطيرة في مدينة الشعب بالنسبة لأهل المدينة ، أنه احد معاقل أمبراطورية أورا في مدينة الشعب
يمكنك رؤية مقدار النفوذ الذي تملكه امبراطورية أورا داخل امبراطورية روتاتورا من مجرد وجود معقلٍ خاصٍ لها في وسط عاصمتها
و حالياً ، داخل هذا المعقل الضخم ، في إحدى الغرف الخاصة في الطابق الثاني تحديداً ، كان صوت الصراخ الغاضب يطغى على هدوء هذه الليلة الجميلة
" هل انتم مجموعةٌ من الخنازير الصغيرة؟! "
" كيف بحق الجحيم سمحتم للثوار بتدمير المنجم و الحصول على تلك المادة الخاصة؟! "
" هل تعلمون كم عانيت في المفاوضات مع أمبراطورية أيزفوليز حتى حصلت على هذا المنجم؟! "
" كيف سأفسر الأمر للقادة الآن؟!!! "
جالساً خلف مكتبٍ فخمٍ و كبيرٍ و ناصع البياض ، رجلٌ يبدو في منتصف العمر بملامح حادةٍ مع بعض التجاعيد التي تدلُ على تأثره بمصاعب الحياة
كانت ملابسه الخضراء و السوداء مع الخطوط الذهبية ، توضح مكانته في الجيش ، خاصةً الرتبة على كتفه ، كان قائد هذا المقعل الضخم و المسؤول عن العمليات المتعلقة به
مرتدياً زياً عسكرياً أخضر و أسود ، وقف القائد الذي كان مسؤولاً عن الذهاب و القبض على الثوار الذين فجروا المنجم بينما يحني رأسه للأسفل و يتقبل الصياح بصمتٍ خالص
بجانبه ، كان جسدُ جون شوي يرتجف بخوفٍ على عكس هدوء القائد بينما لم تجرأ عيناه على مغادرة الأرض
بعد بضعة دقائق من التنفيس عن غضبه ، هدأ قائد المعقل قليلاً و نظر نحو جون شوي بحدة
" سيتم وضعك تحت الإقامة الأجبارية حتى تستلم أوامراً جديدة ، لا أريد أن يصل إلى مسامعي انك غادرت شبراً واحداً خارج هذه القاعدة "
" هل كلامي واضح؟ "
الصوت البارد الخاص بقائد المعقل جلب خوفاً و رعباً إلى قلب جون شوي أكثر من صوته الغاضب ، لم يجرأ على الأعتراض بكلمةٍ واحدة
" كما تأمر سيدي! "
" جيد ، تستطيع الذهاب الآن "
أدى جون شوي التحية الرسمية ثم غادر بسرعةٍ مع مرافقة جنديين إلى مسكنه من أجل مراقبته و التأكد من التزامه بالإقامة الإجبارية
نقل قائد المعقل نظره إلى قائد القوات التي ذهبت للمساعدة و تحدث هذه المرة بهدوء
" إذاً؟ لم تجدوا أي أداة تنصتٍ أو قنبلةً أو أداة تنكرٍ عليه؟ "
" لا سيدي ، لقد فحصته شخصياً "
صمت قائد المعقل قليلاً ثم تمتم
" هناك سببٌ لتركه يعيش ، لن أصدق أنه نجى هكذا ، هل ربما خاننا؟ لكن من الواضح أننا سنجعله تحت الإقامة الأجبارية و المراقبة بعد عودته ، لن يستفيدوا شيئاً من جاسوسٍ واضح "
فكر قائدُ المعقل قليلاً في الأمر ثم أعطى امره
" سيبقى تحت الإقامة الإجبارية مع المراقبة 24 ساعة ، لا أريد أن تكون هناك سكينٌ على ظهري و انا لا اعلم "
" كما ستبحث عن الشخص الذي قاد الثوار في هذه العملية و تحاول القبض عليه ، لقد بدأوا يتحركون كثيراً هذه الأيام لذلك نحتاج لسحقهم قليلاً "
اومأ قائد الفرقة قليلاً
" كما تأمر سيدي "
" جيد ، تستطيع الذهاب الآن "
حتى بعد ذهاب قائد الفرقة ، لم يلاحظ الأثنان شادو الذي كان يتنصت من ظلال الباب...
' أمر السيد بالحصول على المعلومات '
' المعلومات ، يجب أن أجد معلوماتٍ مهمة... '
تنقل شدو في المعقل بينما كانت أفكار امر شين نو داخله ، دخل من غرفةٍ إلى أخرى عبر الظلال دون ترك أثر
بعد بضعة دقائق ، لاحظ وجود غرفةٍ تحت الحراسة المشددة من قبل 5 حراس
تسلل عبر الظلال و دخل الغرفة لتستقبله مختلف الوثائق و الخرائط
كان هناك فتاة بزيٍ عسكري تقوم بتنظيم هذه الملفات و الوثائق و لم تلاحظ شدو الذي كان يتحرك بصمتٍ خلفها...
.....
بالعودة إلى شين نو ، كان يتجول في طرقات المدينة حتى وصل إلى شارعٍ قديمٍ جداً ، كانت المباني المحيطة قديمةً لدرجة ان التصميم يختلف تماماً عن باقي الأماكن في العاصمة
لكن كان الأشخاص يتنقلون بسعادةٍ و فرحٍ في هذا المكان بينما تبيع الأكشاك أطيب الأطعمة و يعزف الرحالة أجمل الأغاني
كانت صورةً جميلةً جداً تعطي مفارقةً كبيرةً عن الأوضاع التي يعيشها أهل هذه العاصمة
لفت انتباه شين نو أثناء تجوله شيءٌ خاص ، بنايةٌ قديمة و كبيرةٌ جداً ، وضعت لافتةٌ بسيطةٌ عليها نُقش عليها
' المكتبة الوطنية '
نظر شين إلى اللافتة لبعض الوقت بينما تأمل قليلاً ، ثم كما لو اتخذ قراره ، تحرك و دخل إلى المكتبةِ ببطئٍ دون أصدار صوت
ما كان في أستقباله هو الأرفف التي عجت بالكتب!
الكثير و الكثير من الكتب!!
نظر حوله و لم يكن هناك شيءٌ غير الأرفف المليئة بالكتب داخل عينيه
في هذه اللحظة دخل صوتٌ عجوزٌ و هادئ أذنه
" هل أستطيع مساعدتك؟ "
نقل شين نو نظره إلى مصدر الصوت ، رجلٌ عجوزٌ بلحيةٍ قصيرة و بطنٍ مستديرٍ و كبير ، كانت هناك أبتسامةٌ هادئةٌ على وجهه مع نظرةٍ ترحيبية
لاحظ شين نو الشارة التي كان يرتديها ، كُتب بوضوحٍ عليها ' امين المكتبة '
" في الواقع ، أردت قراءة بعض الكتب التاريخية عن روتاتورا ، و بالأخص مدينة الشعب "
أومأ امين المكتبة برأسه قليلاً و أستدار بينما يقول
" اتبعني "
سار شين نو خلف أمين المكتبة بينما ينظر أحياناً إلى رفوف الكتب التي اوضحت مدى ثراء هذه المكتبة من الناحية العلمية
" أنت متفاجئٌ من مقدار الكتب التي هنا ، صحيح؟ "
لم يدر شين نو عينيه عن الأرفف حوله و أستمر بالسير خلف أمين المكتبة بينما يجيب
" أنا متفاجئٌ أكثر من أن مثل هذه المكتبة المليئة بمختلف أصناف الكتب مجانيةٌ لجميع الأشخاص ، أنت لم تطلب هويةٌ أو مالاً مني حتى الآن "
توقف امين المكتبة و استدار ناحية شين نو بنفس الأبتسامة الترحيبية
" تم بناء هذه المكتبة من قبل شخصٍ كان يعيش بين عامة الشعب ، هو من قام بجمع أغلب هذه الكتب و هو من وضع القاعدة الوحيدة لهذا المكان "
" أبواب المكتبة مفتوحةٌ لكل من طلب العلم "
أشار بيده إلى احدى الممرات و أكمل
" ستجد أغلب كتب تاريخ روتاتورا و مدينة الشعب في هذا الممر ، إذا احتجت إلى أي شيء سأكون بالقرب من الباب "
غادر الرجل العجوز تاركاً شين نو الذي حدق في الكتب أمامه بهدوء
تقدم بضعة خطواتٍ و أختار بضعة كتبٍ لها عناوين مثيرةٌ للأهتمام
وجد طاولةً قريبةً و بدأ يقرأ مقدمة اول كتاب
- ملحمة روتاتورا -
- أمبراطورية روتاتورا ، أمبراطوريةٌ امتدت حدودها من شرق العالم حتى مغربه في احد الأزمان -
- كان ملكها الأول ، جامش ، ملكاً شجاعاً و حكيماً ، قاتل في أشد المعارك و أصدر اعدل القوانين و أفضلها التي لايزال يتم العمل بها حتى يومنا هذا -
- كان هو من بدأ حروب التوسع للأمبراطورية و هو من قام بتوسيع حدودها لأكثر من ضعف ما كانت عليه! -
- كان هو صاحب المقولة الشهيرة ، لن ينال المجد إلا من أمتلك الإرادة لقهر العالم! -
- عندما انتهى حكمه ، كانت الأمبراطورية قد سيطرت على أكثر من نصف العالم و لازالت تستمر في السيطرة على بقيته! -
- شهدت العاصمة خصيصاً ، مدينة الشعب ، معارك لا تعد و لا تحصى ، لكن بالطبع اهمها و اشهرها هي معركة حصار الشعب -
- تمت محاصرة العاصمة من جميع الأتجاهات من قبل جيوشٍ اجنبيةٍ بينما كان جيش العاصمة خارجها في الحرب مع جيشٍ آخر قادمٍ نحو المدينة -
- ولكن في وسط هذا الوضع اليائس ، خرج شعب المدينة بأكملها للقتال ضد هذه الجيوش و أعطى الوقت الكافي لجيش المدينة للعودة و قهر الجيش الأجنبي بعد معركةٍ شاقةٍ و صعبة!! -
- ومنذ ذلك الوقت سميت بمدينة الشعب -
- كما ظهر مختلف العلماء و الأطباء و التجار و السياسين و العسكريين العباقرة في ذلك الوقت -
- لدرجة ان ذلك العصر قد حصل على أسمٍ خاصٍ من قبل الأشخاص الذين عاشوا بعده -
- عصر روتاتورا الذهبي! -
- لكن كما نعلم ، الوقت كفيلٌ بأن يحول أجمل الأزهار إلى بعض التراب المنسي -
- مرت الأيام و العصور و أتى حكامٌ جددٌ لم يكونوا بالمستوى الكافي للحفاظ على هذه الأرض الواسعة -
- بدأ الأجانب بأستعادة أراضيهم و بدأت روتاتورا بخسارة مجدها السابق بينما كان حكامها الجدد يزدادون ضعفاً -
- مثلما تبدأ الملحمة ، لابد من نهايةٍ لها ، لأن كل نهاية ملحمةٍ ما ، هي بداية ملحمةٍ أخرى -
- للأسف ، لم تحصل روتاتورا على بداية ملحمةٍ أخرى... -
- و في الوقت الحالي ، بالكاد يمكن اعتبار روتاتورا أمبراطورية ، و بالكاد تملك سيادةً خاصة -
- الشعب يموت جوعاً ، و المسؤولون يزدادون جشعاً ، و الأمبراطور لا يهتم إلا بنفسه ، الأمبراطوريات المحيطة تتنافس فيما بينها على قطعة الأرض هذه -
- يا ترى ، هل سنرى مجد روتاتورا مرةً أخرى؟ ، هل سيتذكر العالم شعب روتاتورا الذي حكم ذات يومٍ العالم؟ -
- ربما إذا نظرنا إلى التاريخ القديم ، سنرى دوماً أن بداية الملحمة تبدأ بشعلةٍ صغيرة ، ثم تكبر لتعلن للعالم عن وجودها -
- و ربما ، اقول ربما ، ان بداية كل ملحمةٍ عظيمة ، و شعلةٍ صغيرة ، تحتاج لوضعٍ بائسٍ و محزنٍ كهذا لكي تزرع في نفوس الشعب الإرادة للثورة على الظلم -
- آمل ان كتابتي الآتية عن تاريخ هذه الأمبراطورية الجميلة ستعطيكم أيها القراء بعض الصور عن ذلك العصر الذهبي الرائع -
...
هذه كانت مقدمة هذا الكتاب....
_______________________________
آه ، مرحباً؟
أعرف ربما سحبت لمدةٍ أطول من المعتاد و المتوقع ، لكن هذه الظروف ليس بيدي حيلة
سأحاول أن أعود لتنزيل بأنتظام لكن سيكون تنزيلاً بطيئاً ، لكنه منظم على الأقل
أعني ، الفصل الواحد يأخذ مني على الأقل ساعتين فقط لأتأكد من ترابط كل شيء و عدم تفويت شيء و نسيانه ، المهم هو أنني بالتأكيد لن أترك الرواية ، لكن التنزيل سيكون حسب وقتي و سأحاول أن انزل قدر استطاعتي
و في النهاية ، آمل أنكم لازلتم تستمتعون بهذه الرواية 💙