في وسط القاعة العملاقة ، كان جميع أنواع الشخصيات يتحدثون و يبتسون لبعضهم البعض قليلاً ، لمعت أضواء الثريات و عكست نورها على أرضية القاعة الرخامية
في وسط صخب الضيوف ، كان آزار يتحدث مع بعض النبلاء الذين حاولوا التقرب منه ، لم يمانع ذلك بصراحة لأنه سيملك المزيد من الحلفاء لمملكة السيوف التسعة في العاصمة ، لذلك تحدث معهم و بادلهم التحيات
لكن في وسط حديثه معهم ، لاحظ من زاوية عينه شين نو الجالس في مكانٍ منعزلٍ عن بقية الضيوف ، كان يجلس بجانبه شابٌ بشعرٍ أخضر قصير بينما كان الأثنان صامتين
أهتزت حواجب آزار قليلاً لكنه تصرف كما لو أنه لم يلاحظ شيء و أستمر في الحديث مع النبلاء بأبتسامة ، لكنه كان يقترب شيئاً فشيئاً من موقع شين نو ، على ما يبدو كان يشعر بشعورٍ سيء...
بالعودة إلى شين نو الجالس بجانب الرحّال ، لم يجب على سؤال الرحّال و حدق في كأس النبيذ شبه الفارغ في يده قليلاً ، بعد بضعة ثواني تحدث أخيراً بصوتٍ هادئ
" لماذا تظن أنني قتلت عدداً ضخماً من البشر في حياتي؟ "
أمال الرحّال يده قليلاً و رفع كأس النبيذ الخاص به و أرتشف قليلاً قبل أن يجيب
" كما أخبرتك ، كنت أشاهدك في البطولة ، ربما تستطيع خداع أعين الجميع هناك ، حتى أنك خدعت عيون الأمبراطور و الجنرال الأعلى... "
أدار الرحّال رأسه مرةً أخرى ناحية شين نو و حدق فيه بهدوء
" لكنك لا تستطيع خداع عيني "
لمعت عينيه العسلية لبعض الوقت بضوءٍ حاد ، ثم عادت لطبيعتها الصافية و الهادئة
أبتسم شين نو و لم يدر رأسه حتى بينما يسأله
" هوو؟ ، إذاً ماذا رأيت بأستعمال عينيك؟ "
ابقى الرحّال على تحديقه في شين نو و قال
" نية القتل "
" بالأصح ، لم أرى نية قتلٍ في عينيك أو حولك و انت تقاتل "
هذه المرة شين نو أدار رأسه بينما أبتسامته تلاشت تدريجياً و حل محلها وجه شين نو الغير مبالي
" و لماذا تعتقد أن عدم وجود نية قتل تثبت أنني قتلت الكثير من البشر في حياتي؟ ، ربما أستعملت مهارةً للتخفي؟ "
هز الرحّال رأسه و أعاد رأسه ليحدق في الضيوف بينما قال
" كل شخصٍ عندما يهجم سيطلق نية قتل ، حتى لو لم تكن نيته قتل خصمه ، ستخرج نية قتل في لحضة هجومه ، على الأقل ستخرج نية قتال "
" لكنك لم تخرج نية قتلٍ او نية قتال ، كانت عيناك صافية و عقلك مركز ، كما لو أن القتل و القتال شيءٌ بسيطٌ لديك مثل شرب الماء "
أدار شين نو رأسه هو أيضاً نحو الضيوف و قال
" لهذا تظن أنني قتلت الكثير من الأشخاص في حياتي؟ "
هز الرحّال رأسه
" كلا ، ليس هذا السبب الرئيسي "
" من خلال مراقبتي لك أكتشفت شيئاً هو الذي جعلني متأكداً من كلامي "
" و ما هو هذا الشيء؟ "
رفع الرحّال كأس النبيذ في الهواء و حدق به بينما قال بلا مبالاة
" أنت...حذرٌ جداً ، حذرٌ لدرجةٍ مخيفة و كبيرة "
" كل خطوةٍ لك ، كل حركة ، كل ضربة ، كل تلويحة سيف ، كل شيءٍ تفعله محسوبٌ بدقة ، كما أنك دائماً تترك لنفسك الكثير من المخارج في حالات الطوارئ "
" عندما كنت أراقبك و أنت تقاتل في بداية البطولة ، لاحظت أنك كنت دائماً تملك الكثير من الخيارات للتحرك ضد خصمك ، دائماً تملك خطوتين على الأقل للطوارئ "
" حتى عندما تكون خارج القتال ، أن جسدك دائماً في وضع الأستعداد ، ربما ينخدع الآخرون بمنظرك غير المبالي دائما ، لكنني أستطيع أن أرى أنك مستعدٌ دائماً للقتال و في أي حالة "
" حتى و أنا أتحدث معك الآن ، إذا جربت الهجوم عليك فجأة ، فأنت قد فكرت الآن على الأقل بعشرة طرقٍ للفرار و خمسة طرقٍ لرد الهجوم بينما نتحدث "
" هذا الأستعداد الدائم و العقلية الثابتة و الحازمة ليس شيئاً تحصل عليه من بعض التدريب ، هذا شيءٌ يأتي من شخصٍ قتل جبالاً من الجثث على الأقل "
بعد أن أنهى الرحّال حديثه صمت و أكمل نبيذه بينما يحدق في الضيوف ، بالنسبة لشين نو فقد كان يحدق هو الآخر في الضيوف و يحمل كأس نبيذه الفارغ بالفعل
كان الهدوء ، لم يتحدث أحد الأثنين أو يلتفت ، حدق الأثنان فقط في الضيوف دون كلمة
ثم و بعد مرور بضعة دقائق على هذه الحالة ، سمع الرحّال صوت شين نو الهادئ
" يبدو أنك تملك عيوناً جيدةً حقاً "
أبتسم الرحّال و رفع رأسه قليلاً
" شكراً ، أن عيني شيءٌ أفتخر به و أنا أثق في حكمها كثيراً "
لكن صوت شين نو الهادئ لم يتوقف و تابع كلامه
" لكن ، أنت أيضاً لست شخصاً عادياً ، على الأقل انا متأكدٌ من أنك قتلت عدداً لائقاً من البشر "
" هوو؟ ، و كيف عرفت هذا؟ "
سأل الرحّال دون أنزعاجٍ أو تغيرٍ في تعبيره ، بينما في الجهة الأخرى أستمر شين نو في حديثه
" أولاً كلماتك ، فأنت رحّالٌ تسافر من مكانٍ لآخر ، هذا يعني أنك لا تثبت في مكانٍ واحد "
" في هذا العصر ، الأشخاص الذين يستطيعون السفر بحريةٍ من مكانٍ لآخر دون قلق هم الذين يمتلكون قوةً كبيرةً للتصرف في أي موقفٍ قد يحدث في رحلاتهم "
" ثانياً ، حسب كلامك و من منظر ملابسك الغريبة ، من الواضح أنك لست من هذه الأمبراطروية ، لذلك أستنتجت أن رحلاتك تكون بين الأمبراطوريات و ليس ممالك ، هذا يجعل الخطر أكبر ، من ما يعني أن قوتك أكبر أيضاً "
" و ثالثاً ، و حسب كل ما قلته سابقاً ، فيفترض أنك لست من هذه المملكة و لا تملك وضعاً هنا ، لكنك أستطعت الدخول إلى القصر الأمبراطوري دون أن يمنعك أحد ، هذا يعني أحتمالين ، أما أنك أقوى من الأشخاص الذين يحمون القصر الأمبراطوري ، أي أقوى من الجنرال الأعلى للأمبراطورية "
" أو أنك تملك وضعاً خاصاً و مميزاً يجعل الأمبراطورية تعاملك بأحترام "
" ... "
كان الرحّال صامتاً طوال الوقت بينما يستمع لشين نو ، كان وجهه هادئاً و بارداً دون تعبيرٍ الآن ، أنتظر أنتهاء شين نو من الحديث حتى سأله بينما يحدق في الضيوف
" و ماذا تظن أنت؟ هل أملك القوة الكبيرة أم الوضع المميز؟ "
أبتسم شين نو قليلاً عندما سمع سؤال الرحّال و أجابه بلا مبالاة
" كلاهما "
عم الصمت بين الأثنين بينما أصبح الهواء بارداً قليلاً ، بعد أن سمع الرحّال إجابة شين نو أدار رأسه و حدق في شين نو
لم يقلق شين نو و أدار رأسه ناحية الرحّال أيضاً و حدق في عينيه مباشرةً
في اللحظة التي حدق فيها الأثنان ببعض ، أصبحت عيون الرحّال العسلية أقل بريقاً بينما بدأ نوعٌ من الحدة يتكون فيها ، لاحظ شين نو ذلك و لم يتحرك بينما أبقى على تحديقه
عندها في هذه اللحظة لاحظ الأثنان شاباً كان يقترب منهما من وسط الضيوف
عندما لاحظ الرحّال هذا الشاب عادت عيونه إلى طبيعتها بينما أستعاد وجهه الأبتسامة الهادئة ، كان حال شين نو نفس الشيء أيضاً و على وجهه إبتسامةٌ غير مبالية
إذا نظرت للأثنين جالسين بجانب بعض و يبتسمان هكذا ستظن على الفور أنهما صديقان قديمان يتذكران ذكريات الماضي
أقترب الشاب بينما كان يلاحظ شين نو ، لكن عندما أدار رأسه و رأى الرحّال يقف بجانب شين نو ظهرت نظرةٌ متفاجئةٌ و مذعورةٌ على وجهه ، زاد سرعته و وصل أمام الأثنين بسرعة ثم أنحنى قليلاً بينما يبتسم للرحّال و يقول
" لم أكن أعلم أن الرحّال قد وصل إلى أمبراطورية دان ، أرجوك إعذرنا على إهمالنا و سوء الضيافة "
أبتسم الرحّال بهدوءٍ بينما لوح بيديه و قال
" لا داعي لأن تكون رسمياً جداً يا ولي العهد ، كنت أتحدث مع رفيقي هنا قليلاً و أنجرفت في الحديث لدرجة أنني نسيت أن أبلغكم بوصولي "
أومأ الشاب قليلاً بينما نظر لشين نو و تحدث مبتسماً
" الملك شين نو ، كنت أنوي الترحيب بك منذ دخولك للحفلة ولكن حصلت بعض الأمور التي أشغلتني ، لذلك أتيت الآن فقط لكي أرحب بك ، أرجو منك أن تعذرني "
ثم قبض الشاب يديه معاً و تحدث بأدب و أناقة
" أنا هو ولي عهد أمبراطورية دان ، دان كان ، تشرفت بلقاء عبقريٍ مثلك أيها الملك شين نو "
أبتسم شين نو بينما أعاد التحية و قبض يديه معاً و تحدث
" أن ولي العهد يبالغ في مدحي ، أن الشرف لي لأنني أستطعت لقاء ولي العهد شخصياً "
أومأ ولي العهد قليلاً بينما تبادل الثلاثة بعض الكلمات الشكلية قبل أن أن يقول ولي العهد دان كان
" سيدي الرحّال ، ما رأيك أن نذهب لغرفةٍ أكثر خصوصية لنتحدث براحةٍ أكثر؟ "
هز الرحّال رأسه بينما لوح بيديه قليلاً و هو يقول
" لقد ضيعت بالفعل الكثير من الوقت ، سأخبرك أنت بالأخبار و أنقلها بنفسك للأمبراطور "
بينما كان يقول هذا تشكل حاجزٌ شفافٌ حوله و حول شين نو و ولي العهد دان كان ، أستمر الرحّال في الحديث
" هذا الحاجز يمنع الأشخاص في الخارج من سماع حديثنا أو رؤيتنا ، في نظرهم نحن نقف معاً بينما نتحدث و نضحك "
أومأ ولي العهد قليلاً و لم يتفاجئ من هذه القدرة ، لكنه أدار رأسه ناحية شين نو بينما حدق به قليلاً
أبتسم الرحّال قليلاً و قال
" ليس مهماً سماع شخصٍ آخر هذه الأخبار الآن أم لاحقاً ، في النهاية الأخبار ستنتشر بعد بعض الوقت لذلك لا مانع من أستماعه قليلاً الآن"
أومأ دان كان قليلاً و لم يمانع ، ثم ركز عينيه على الرحّال بينما سأل
" إذاً ، ما هو الخبر المهم الذي ينقله الرحّال هذه المرة؟ "
شين نو الذي كان يقف على الجانب أستمع بأهتمامٍ أيضاً ، في حين الأبتسامة على وجه الرحّال قد أختفت بالفعل و حل محلها وجهٌ جاد
" حشد الشياطين سيهاجمون شمال القارة "
" هاه؟ "
أستغرب دان كان قليلاً من كلام الرحّال ، سأله بغرابة
" الأمر ليس جديداً ، كل عشرة سنين تقريباً يحشد الشياطين قوتهم و يهاجمون من شمال القارة ، لكن في كل مرة طول جميع تلك السنوات السابقة كانت أمبراطورية الشمال المتجمد تحمي القارة و تتصدى لهجوم الشياطين ، في النهاية هي تكون أول هدفٍ للشياطين إذا أرادوا غزوا القارة "
هز الرحّال رأسه بينما قال
" هذه المرة الحشد أقوى و أكثر ، و طوال العشرة سنين الماضية لم يشاهد أحدٌ الحامي الأعظم للشمال مطلقاً ، البعض يقول أنه ضعف و هو مريضٌ حالياً ، و البعض الآخر يقول أنه فشل في أختراقٍ و مات ، و هناك المزيد من التصورات الأخرى "
" أعرف أن جيش الشمال موجود ، لكن من سيظمن نجاتهم إذا قاتلت الشياطين بكامل قوتها دون وجود الحامي الأعظم للشمال؟ "
" أيضاً حتى لو كان الحامي الأعظم للشمال موجوداً... "
" الجميع يعرف أن عمره في نهايته بالفعل... "
تنهد الرحّال قليلاً و قال
" حتى لو صد هذه الموجة من الشياطين ، من الذي سيضمن صدهم للموجة التي بعدها؟ ، أو التي تليها؟ ، في النهاية أن الشياطين يزدادون قوةً مع مرور الأيام ، بينما حامي الشمال في نهاية حياته "
شحب وجه ولي العهد دان كان قليلاً و بدأ العرق يتصبب منه ، تمتم قليلاً بينما كان يفكر و رأسه منخفض
" في هذه الحالة....ماذا علينا أن نفعل...؟ "
نظر الرحّال له بلا مبالاة بينما قال
" هذا لا يهمني ، المهم أنني أخبرتك بالفعل و أنتهى عملي هنا ، لا تنسى نقل الأخبار للأمبراطور "
أستدار الرحّال ناحية شين نو و أعطاه نظرة تأملٍ أخيرة قبل أن يبتعد ، لكن بعد أن أتخذ بضعة خطواتٍ للأمام ، توقف
لم يستدر أو يدير رأسه ، فقط تحدث بصوتٍ ضعيفٍ و فيه نبرةٌ من الحزن و الذنب
" أرجو أن تخبر أمبراطورك بأن يقرر قراره بسرعة "
" أن دماء الشمال قد جفت من السيلان لكل هذه السنوات... "