"اللعنة عليك يا فلوريم، لن أهدأ حتى أقضي عليكم جميعاً"

صرخ ملك دولة فلوريان حُزناً على ابنتِه فاقتربَ مِنه ملك دولة الجبال الصفراء وأمسكَ كتِفَه ثم قال له بِنبرةٍ حزينة

"يجِب علينا المُطالبة بدِماء ابني وابنتِك، لن يهدأ لي بالٌ حتى أقضي على ذلك اللعين"

كان المُدير في هذه اللحظة يُمسِك جبينَه لِأن جميع أحلامِه قد ضاعَت بِلا رِجعة، وكل هذا بِسبب غدرِه بِـ شويلّو، ولولا ذلك لكانت الأمور على ما يُرام، أخذ شهيقاً عميقاً ثم قال للملِكَين

"أرَوان ستُطالِب بِالثأر أيضاً، لكن.. ألا ترَون بأن هذه الفِعلة قد لا تكون مِن تخطيط رايفوس فقط ؟"

نظر إليه ملِك فلوريان بِغضبٍ وكأنّه يتّهِمُه، لكن الوقت لم يكُن مُناسِباً للخصومة مع أرَوان، لذلك قال له

"نحن لم نجِد أي أثرٍ لذلك الطفل من دولة هيلدوم العظيمة، وكل ما في أيدينا الآن هو الأمير رايفوس"

قال ملك دولة الجبال الصفراء

"لن يقبل ملك فلوريم أن نُحقِّق مع ابنِه، خاصةً عِندما يتعلّق الأمر بالبِلّورة البنفسجية، وهو يعلم هذا جيداً، لذلك لم يعُد يُجيب على اتّصالاتِنا"

.......................

في مدينةٍ صغيرةٍ على حدود دولة فلوريم و أرَوان.. كان رايفوس مختبِئاً في مبنى عادي، وكان المئات من المُخبِرين والقوات الخاصة يَحرسونَه في الخفاء بِأوامِر من الملِك، كان يرتجِف ويلعَن اليوم الذي فكّر فيه باغتِيال آيدين، وذلك لأن حِبكة القصّة التي اخترعَها آيدين في التسجيل المُصوّر قد كانت لا تقبل الشكّ، وحتى إن حاولَ شرح الأمر للآخرين فلَن يستطيع شرح التعذيب الذي تعرّض له التلاميذ أو تصريحَه بِأنه على استِعدادٍ لِقتل جميع الأمراء مُقابِل البلّورة البنفسجيّة.

كان في وقتٍ سابق قد اتّصل بِأبيه لِيُرسِل له الأطباء، وبعد مُعايَنتِه لم يكتشِفوا أي نوعٍ مِن أنواع السموم غير بعض الموادّ المُخدّرة التي كان يتعاطاها هو وأصحابُه، لذلك لم يهتمّ أبوه بالقضية كثيراً وإنما ركّز حول كيفية الحصول على البلّورة البنفسجيّة، وكان مِفتاح ذلك هو القبض على آيدين البارِع في التخفّي، ولفِعل هذا.. طرح القضية على قائد الرّهبان وطلب مِنه المُساعدة لأن أساليبَه مُختلِفةٌ وغريبة، لكن الجواب أتاه بالرفض لأن الرهبان لا يهتمّون بِأمور الدنيا وإنما يقضون حياتَهم سعياً للقوة لِغرضٍ واحدٍ فقط وهو مَنع انهِيار النظام العالمي.

بينما كان رايفوس ينتظر قدوم أبيه.. أتاه اتصالٌ يأمرُه بِالعودة إلى العاصمة في مركبةٍ عادية حتى لا يتمّ اكتشاف مَكانِه، وذلك خوفاً عليه من الاختطاف أو حتى الاغتيال بعد أن تطوّرت الأوضاع بِشكلٍ سيء.

.......................

في غابةٍ كبيرة.. كان آيدين نائماً فوق شجرةٍ كثيفة بعد تغيِير شَكلِه إلى شخصٍ آخر يَرتدي ملابس القرويّين، احتاج إلى الراحة بِسبَب إصابتِه فقرر التوقف قليلاً، ومع ذلك لم ينَم كلياً وإنما استرخى فقط حتى لا يقع في أيدي المطاردين، ومع أنه لم يرتَح حتى خرَج من أراضي أرَوان ودخل في أراضي تاليمار إلا أنه يحتاج للحذر ما دام في أراضي التحالف.

كان يُراجِع المُستجدّات حول ما حدَث مِن خلال الشابِكة ويُناقِش الأمور مع فايري، أغلق الشابِكة وقرّر مُواصلة السير فنزل من الشجرة ثم قال

[اعرِضي لي خارِطة الدول القريبة]

عرضَت له خارِطةً حديثةً فبدأ يتصفّحُها حتى وقعَت عيناه على منطقةٍ معزولة، حدّدها بِأفكارِه فظهرَت له الكثير مِن المعلومات مثل اسمِها وتاريخِها والقبائل التي تنشُط فيها.. أومأ بِرأسِه ثم قال

[سأزور هذه المِنطقة أولاً ثم أُقرِّر لاحقاً إلى أي دولةٍ سأذهب]

قالت فايري

{أرسلَك عمّك إلى أروان حتى تجِد مكاناً آمناً تنمو فيه، ولا أعلم ما إذا كان المكان الذي تقصِدُه آمناً أم لا}

قهقه آيدين ثم قال بِتهكّم

[الأمان ليس أكثر مِن خُدعة، ألم ترَي ما حدث لي عندما شعرتُ بِالأمان ؟]

مع أنه عاش أكثر مِن خمس سنوات في الشارع إلا أنه شعَر بِالأمان بِسبَب حرصِه الدائم، وعندما حصل على المال والقوة والشكل الجيد.. ظن بأنه سيعيش الآن بين البشر العاديِين والمختلِفين عن تلك الوحوش التي كان يعيش معها في الشارع، لكنّه تم الغَدر بِه ثلاث مراتٍ خلال أقل من أربعة أشهر، لذلك قرّر أنه لا يوجد مكانٌ سيشعُر فيه بِالأمان بعد اليوم.

قالت فايري

{هل ستترُك دول التحالُف دون الاطّلاع على نتيجة عملِك ؟}

استغربَ آيدين قليلاً من أسئلة فايري وفكّر في أنها ربما تحتاج تأكيداتٍ على ما يُفكِّر فيه، لذلك أجاب قائلاً

[أنا شخصٌ واحِد ولا أستطيع حلّ جميع مشاكلِهم، أهم شيءٍ هو أني قد فضحتُهم وحرّكتُ جماعة المقعد الفارِغ، والباقي على عاتقِهم الآن سواءً أرادوا التحرّر من الأجناس القوية أم البقاء تحت العبودية]

قال هذا ثم غادَر تارِكاً خلفَه خمسة دولٍ في حالةٍ غير مُستقرّة وفيها العديد من الأجناس التي تستطيع قلب الأوضاع إذا كانت لديها الرغبة في ذلك، راجع مكاسِبَه من تحالُف الخمسة زائد واحد فوجَد بأنها كانت جيدة، لكنه للآن لا يملِك القوة لحِماية نفسِه، لذلك قرّر التركيز على التدريب لِرفع مُستواه حيث لا يزال في مستوى النشاط، وللأسف.. هذا المُستوى لا يصنَع أي فرقٍ في المعارِك الحقيقية.

في الحقيقة.. يصعُب كثيراً تحديد مُستوى آيدين، فمركز الطاقة الذي يستخدِم الطاقة المُظلِمة هو الذي وصل إلى مُستوى النشاط عبر تقنية الظلال التسعة، لكنّه يملِك مراكِز طاقةٍ أخرى في مستوى الإيقاظ، ناهيك عن مركز الطاقة الذهنية الذي تتحكّم فيه فايري، وهو في مُستوى مُرتفِع نسبياً مقارنة بمستوى النشاط، لكن فايري لا تُريد إخبار آيدين حولَه حتى لا يُعوِّل عليه، بل كانت تشتري الموارِد وتستخدِمها لِتطويرِه دون علمِه لأنه مِلكٌ لها ولن تستخدِمَه بجدّيةٍ إلا في الحالات الحرِجة، وكل هذا لأنها مُبرمجةٌ لحِماية وتنمية آيدين في أسرع وقت.

بِسبب ضُعفِه.. قرر آيدين استخدام أجزاء البِلّورة البنفسجية لِتغذية جميع مراكز الطاقة التي يملِكُها بالإضافة إلى تغذية جسدِه بِدون قَمع، وعِندها فقط سيعلم ما هي القوة التي سيحصُل عليها، ففي السابق كان يمنَع جسدَه من استِهلاك الطاقة بإفراط، لكنّه الآن يملِك مخزون طاقةٍ كبير جداً، لذلك لن يكون بخيلاً بعد الآن.

.......................

بعد أيام قليلة.. تجهّزَت الدول الأربعة للقتال ضد دولة فلوريم مع أن ملِكها قد فتح قنوات التواصل معهم، وسبب القتال هو امتِناع فلوريم عن تسليم الأمير رايفوس للتحقيق، وهذا جعلَه جُزءً مِن المُخطّط الذي أدى إلى مُصيبة هَدم أرَوان وقتل الأميرَين والكثير من النبلاء.

بدأت المُناوَشات الأوّلية في المنطقة الخاصة بِدولة فلوريم حيث قتَل الكثير مِن أتباعِها وطرَد تُجّارَها إلى دَولتِهم، ثم بدأت القوات بِالزّحف إلى داخل أرض فلوريم للسيطرة على أقرَب المُدن، لكن قوات فلوريم تصدّت لهم بشراسة في عدّة جبهات، وبِهذا صار الصّلح شيئاً شِبه مُستحيل، خاصةً بعد ظهور إشاعات بأن فلوريم هي المُخطّط الرئيسي لكل ما حدث حتى الآن، وما عزّز هذا هو توقّف جماعة المقعد الفارِغ عن استهداف فلوريم وتركيز ضرباتِهم على باقي الدول، وهذا لم يكُن بأمرٍ من آيدين وإنما هي طريقة عملِهم التي اعتادوها منذ أيام شويلّو.

مع أن دولتَي فلوريان و الجبال الصفراء كانتا تُطالِبان بدِماء أميرَيهِما إلا أن باقي القِوى كانت تسعى للحصول على حصّتِها من البِلّورة البنفسجية وغنائم فلوريم، لكنهم واجهوا تهديداً قوياً من جِنس التجار الأصليّين الذين استقدموا العديد من المُرتزِقة الأقوياء لحِماية مشاريعِهم وأملاكِهم، ونفس الشيء فعلَته الكثير من العائلات الغنية حتى صاروا يُشكّلون قوةً لا تقلّ ضراوةً عن قوى الدول الخمسة، ولم يتوقّف الأمر عند هذا فقط وإنما خرجَت بعض الوحوش القديمة مِن عُزلتِها للقتال أيضاً لِأنهم كانوا ينتظِرون مِثل هذه الحالة منذ وقتٍ طويل، ولن يجِدوا فُرصةً أفضل للإطاحة بِالملوك الحاليّين وتشكيل سُلالاتٍ حاكِمةٍ جديدة.

بدأت العديد من القوى تتصارَع بِشكلٍ لا يُبشّر بِخير، فبَعد أسبوعَين فقط مِن بدء الحرب.. ظهرَت أكثر مِن عَشرة جيوش لا يُستهان بِها، وأحدثَت الكثير من الأضرار في جميع الدول الخمسة، وتفاوتَت أهدافُهم بين مَن يُطالِب بِإنشاء دُويلتِه ومَن يُنادي بِتوحيد التحالُف بعد القضاء على الملوك وأخذِ مصادِر الطاقة الخاصة بهِم.

تختلِف مصادِر الطاقة حسب كل جِنس، وكما هو معروفٌ فإن الملوك يملِكون الطاقة الذهبية، وإذا حصلت عائلةٌ أخرى على مصدر الطاقة الخاص بهِم فستتحوّل تلقائياً إلى عائلةٍ حاكِمة بِشعرٍ ذهبي، أما كيف ستَتصرّف بعد حُكمِها وإن كانت ستظلِم الضعفاء أم لا.. فهذا يحدُث حسب الملِك الجديد، ومع ذلك.. هناك حالاتٌ كثيرة حيث كان الملك الجديد شخصاً طيباً لكنه تحوّل تدريجياً إلا مُتكبّرٍ مُتعالي على باقي الأجناس بعد استِخدامِه للطاقة الذهبية، لكن لا أحد يستطيع القول بأن الطاقة الذهبية هي التي تجعل الملك والأمراء يتصرفون بهذه الطريقة لأن جنون العظَمة يصنع هذا أيضاً.

بعد شهرَين من مُغادرة آيدين.. وقعَت أراضي التحالُف في حالةٍ لا تُحسَد عليها، فدولة فلوريم قد أظهرَت قوةً وعناداً غير مسبوقَين، والدول الأخرى عانَت على يد القوى الطامِعة في سُلطتِها، وأعداد عمليات جماعة المقعد الفارِغ قد ازدادَت كثيراً بِسبب كثرة المُنتسبين إليها عبر النظام الخُماسي الذي تعمَل بِه، لذلك صار الجميع ينظُر بِتشاؤمٍ إلى ما يحدُث لأن بَوصلة الحَرب قد ضاعَت ولا يوجَد مَطلبٌ مُوحّد، لذلك سيبقى الصراع على ما هو عليه حتى وإن هُزِمَت دولة فلوريم.

في عزّ هذا الصراع.. صدر صوتٌ قويٌّ يجوب سماء الدول الخمسة ويقول

"قائد الرّهبان يطلُب مِن جميع القوى التوقّف حالاً والاجتماع في حُفرة أرَوان لِمُناقشة الأوضاع"

2020/03/12 · 725 مشاهدة · 1341 كلمة
abox33
نادي الروايات - 2024