"مَن هُناك ؟"

قفز آيدين للخَلف واستعدّ للقتال لِأن الشخص الذي استهدفَه كان يَمشي على أطراف قدمَيه، لكنّه توقّف عن الحذر عندما سمِع صرخة فتاةٍ مَفزوعة

كيآآآآه

ابتسَم وقال لها

"أعتذِر إذا أرعبتُك، أنت ابنة سيد القبيلة، صحيح ؟"

استجمعَت الفتاة شجاعتَها وأومأت بِرأسِها لكن الخوف كان يتملّكُها رغم أنها في السابعة عشر مِن عُمرِها، ومع أن الظلام كان حالِكاً إلا أن آيدين قد فَهِم سبب مجيئِها إليه، لذلك قال

"لا يجب على الفتيات التسلّل ليلاً، أليس كذلك ؟"

فَهِم آيدين مِن تعابير الفتاة بِأنها قد وضعَت عينَيها عليه، فمَع أن شكلَه الحالي ليس بِالوسيم إلا أن هذه القرية لا تملِك الكثير من الشباب، كما أن آيدين قد أظهَر اللطافة عِندما تعامَل مع أهل القرية، ناهيك عن كَونِه من الخارِج وأكثر إثارةً من الشباب المحلّيِين، لذلك تمتمَت بِصمتٍ قبل أن تقول بإحراج

"أنـ.. أنا أتيت لِـ ..."

وقبل أن تُنهي كلامَها.. استدار آيدين وصرَخ عليها بِقوّة

"أهرُبي ... الآن"

لم تَفهَم ما يَعنيه وظنّت بأنه يُريد التخلّص مِنها فقط، ومع ذلك تراجَعت جرياً حتى لا يُكتشَف أمرُها بعد صرختِه القوية، وكان سبب صُراخِه هو تحذير فايري مِن ظاهِرةٍ غريبةٍ تحدُث خلفَه، وللأسف لم يستطِع رؤية ما يحدُث حتى مع حواسِّه، لذلك قامَت فايري باستخدام الطاقة الذهنية لاستشعار ما يحدُث فرصدَت شكلاً دُخانياً مُتذبذِباً يَقترِب مِن آيدين، حذّرَته بِعُجالة

{يبدو أن الرهبان قد استطاعوا إيجادَك، حاوِل الهروب مِنه}

عبس آيدين بشدّةٍ ثم قفز نحو النّهر وعبر إلى الجِهة الأخرى للهرب، لكن الشكل الدّخاني كان سريعاً وهو يتبعُه، صرخ على فايري

[ما نوع هذه التقنية اللعينة ؟]

قالت

{هذه ليسَت تقنية، هذا شبحٌ مصنوع بالسِّحر}

.....................

في نفس اللحظة داخِل بُرج الرّهبان.. كان أخ تالين ساقِطاً على رُكبتَيه يتأوّه مِن الألم، صرخ عليه أحد الرهبان الخمسة

"يجِب أن تلحَق بِه الآن وإلا فقد تموت دون فائدة"

تم استِخدام السّحر الحقيقي في هذه العملية باستغلال حِقد أخ تالين وسواد قلبِه لإيجاد مكان آيدين، لكنّه لا يستطيع فِعل الكثير بِهذه الطريقة، كما أنها لا تدوم كثيراً لأن أضرارَها كبيرة وقد تصِل إلى الوفاة، لذلك حذّروه من التأخّر في تنفيذ المُهمّة، لكنّه ومع ألمِه.. صرخ قائلاً

"هذا ... ليس ... آيدين ... هذا ... ليس ... وجه ... آيدين"

عبس الرّهبان ونظروا نحو قائدِهم فقال

"يبدو بأنه بارِعٌ في التنكّر، لذلك لم يستطيعوا إيجادَه طيلة هذا الوقت، لكن هذا سيَنتهي الآن"

صرخ أحد الرهبان على أخ تالين

"لا تهتمّ بِشكلِه، قُم بِمُهاجمتِه الآن"

.....................

هرب آيدين بِأقصى سُرعةٍ يستطيعُها، ومع ذلك كان الشبح الأسود يُطارِدُه بحِقد، وأخيراً.. استطاع الوصول إليه وقطَع عليه الطريق، استعدّ آيدين للقتال إلا أن الشبح رمى عليهِ شيئاً ثم انفجَر أمامَه واختفى، استغرَب آيدين وبدأ يبحَث في الجِوار فقالت فايري

{أعتقِد بِأنه قد رمى عليك تعويذةً ما}

صرخ عليها آيدين بِغضب

[تعتقدين ؟]

قالت

{لا يُمكِن معرِفة التعاويذ السحرية إلا إذا كُنتَ ساحِراً، لذلك لا أدري ما الذي حدَث لك، فجسَدك لا يزال في نفس الحالة التي كان عليها ولا توجد أي تغيِيراتٍ يُمكِنني رصدُها}

بدأ آيدين يتفحّص جسدَه أيضاً إلا أنه لم يشعُر بأي شيءٍ غريب، لذلك سأل فايري

[هل السحر تقنية تدريبية مِن نوعٍ ما ؟]

وقبل أن تُجيبَه.. شعَر وكأن جِسماً هوائياً غريباً يُحيط جسدَه مِن كل جانِب، وفجأة.. حملَه ذلك الشيء الخفي ودارَ بِه مِثل الزوبعة لِأكثر من دقيقة، توقّف ذلك الشيء الغريب أخيراً ثم انسحَب فحاوَل آيدين استعادة اتِّزانِه بعد شعورِه بالدّوخة وألمٍ في عينَيه، تحسّس نفسَه قبل أن تقول فايري

{اِفتَح عينَيك، لقد تمّ نقلُك إلى مكانٍ مجهول، سأُحاوِل الحصول على موقعِك اعتِماداً على الشابِكة}

فتح عينَيه ونظر فوَجد نفسَه في غارٍ صغيرٍ مُظلِم، عبس بِشدّةٍ لأنه لا يَدري كيف وصل إلى هُنا، اتّجَه للخروج من الغار قبل أن يُلاحِظ بأنه مُغلقٌ بِقفصٍ حديدي، وما هي إلا ثوانٍ قبل أن يسمَع آيدين أصوات حوافِر قادِمةٍ نحو الزّنزانة، قالَت فايري بِعُجالةٍ بينما تسحَب الرداء السحري من آيدين وتَترُكه عارياً

{المُعطيات الحالية تعني بِأنك في حُفرة الجحيم، كُن مُطيعاً في الوقت الحالي ولا تصنَع المشاكِل}

عبس وصرَخ عليها

[ولماذا أخذتِ ثيابي ؟]

قالت

{لأنهم سيأخذونَها منك على أية حال، وإذا لاحظوا غرابة الرّداء السحري فسيطمَعون فيه ويستجوِبونَك عنه}

وفي هذه اللحظة.. وصل رجلان ضخمان إلى بوابة الغار فقال أحدُهما

"هل سنجِد شخصاً قوياً هذه المرّة ؟"

سمِعَه آيدين فقام بِتغيِير شكلِه إلى شابٍ نحيف حتى لا يطمعوا في قوّتِه رغم أنه لا يعلَم أصلاً ما هي حُفرة الجحيم هذه.

قال الرجل الضخم الثاني

"إذا كان ضعيفاً جداً فسيكون مِن الأفضل أن نذبحَه ونُطعِم بِه الآخرين"

ارتجَف آيدين وقام بِتغيِير شكلِه بِسُرعةٍ إلى شابٍّ سمينٍ كان بين النماذِج التي يملِكُها، وأثناء ذلك سمِع الرجلَ الضخم الأول يضحَك ويقول

"أليس مِن الأفضل أن نذبَحه إذا كان سميناً ؟"

عبس آيدين لأنهما قد بدآ يفتحان الباب ولا يدري بأي شكلٍ يجب عليه أن يستقبِلهُما، تدخّلَت فايري قائلة

{استخدِم نموذج آيدين لِأنهم ربما يملِكون صوراً لك}

عمِل بِنصيحتِها واستعاد شكل آيدين الذي دخل بِه إلى المدرسة، وحينَها.. دخل الاثنان مع مِصباحٍ قوي، نظر إليهِما فكانا مِن جِنسٍ خاص، يملِكان قرنَين صغيرَين أعلى الرأس وأذنَين مُتدلّيَين نحو الأسفل وخاتماً أصفر في الأنف مع أقدامٍ حافِيةٍ تُشبِه الحوافِر، وليس لديهِما قُمصان وإنما يلبِسان سراويل قصيرة إلى الرُكبتَين، ومِن أول نظرة.. قال آيدين بِدون وَعي

"بقَر"

تدارَك نفسَه وشعر بالخجل بِسبب نظراتِهما نحوَه، وفجأةً.. ضحِك الاثنان بِصوتٍ مُرتفِع ثم قال أحدُهما

"أردنا إخافتَك لكنّك نعتتَنا بالبقر، لِماذا أنت عارٍ مِثل السمكة ؟"

صمت آيدين قليلاً ثم قال

"لا أدري، كل ما أذكُره هو أني كُنتُ في غُرفة إحدى الأميرات قبل قليل، لكن شيئاً ما قد أحضَرني إلى هُنا"

ضحِك الاثنان مرةً أخرى ثم قال أحدُهما

"يبدو أن العالم قد صار مجنوناً، لِماذا يُرسِلون طِفلاً مِثلَه إلى حُفرة الجحيم فقط لِأنه هتَك أميرةً ما ؟"

صار آيدين الآن متأكداً بأنه في حُفرة الجحيم كما أخبرَته فايري، واستغرَب مِن لَطافة الرجُلَين أمامَه على عكس ما يوحي إلَيه شكلُهما، ابتسم نحوهُما ثم سألهُما

"ماذا تعني بِحُفرة الجحيم ؟"

توقّف الاثنان عن الضحِك وتنهّد أحدُهما ثم قال

"هذا سِجنٌ مفتوح في جزيرةٍ معزولة، بِمعنى آخر فأنت الآن سجينٌ لِمدى الحياة، وعليك العمل يومياً مُقابِل الأكل، أنا آسِف لِهذا.. لكن سيكون علينا تقيِيدُك بِهذا الطّوق"

رفع طَوقاً معدنياً يوضَع على الرقبة فاقترَب مِنه آيدين وسمح له بِتقيِيدِه، انتهى الحارِس ثم قال

"لا تستطيع الخروج مِن الجزيرة ما دُمتَ تملِك هذا السوار، تستطيع التجوّل في الجزيرة كما تشاء، لكن خروجَك مِنها سيجعلُه ينفجِر عليك، كما أنه يُقيّد قوة المُتدرّبين، حسناً.. أنت مُجرّد مُواطِنٍ دون تدريب، لكني أُخبِرُك بِهذا لِأنه يوجد العديد مِن المُتدرّبين في الجزيرة، وهذا السوار يَحُدّ قوّتَهم إلى مُستوى النشاط"

صمت قليلاً فأكمَل الثاني

"هذه الجزيرة كبيرةٌ جداً وفيها العديد من المناطِق المُختلِفة، لكنها جزيرةٌ قاحِلةٌ لا يوجد فيها مصادِر للماء والطعام، لذلك يجِب على جميع السجناء أن يحفِروا الأرض بحثاً عن المعادِن الثمينة، وعِند تسليمِها سيتم منحُك نِقاط الحياة التي يُمكِنك استِبدالُها بالطعام والماء، وإذا كانت لديك نِقاطٌ كثيرة أو كُنتَ محظوظاً وعثرتَ على معادِن غالية فبإمكانِك استِبدال نِقاطِك بأشياء أخرى مِثل الكعك والفواكِه والخمر"

صمت آيدين ولم يقُل شيئاً فقال الأول

"كُنتُ لِأُخبِرَك ألا تقلَق، لكن هذه ستكون كِذبةً كبيرةً لِأن عدد القتلى في حُفرة الجحيم أكبر مِمّا تتخيّل، فكلَّ شهرٍ يتمّ قتل العشرات والمئات بِسبب الصراع على السلطة والطعام، سيكون مِن الأفضل لك أن تلتحِق بإحدى العِصابات قبل أن يتمّ استِهدافُك"

تنهّد آيدين ثم سألهُما

"كيف وصلتُ إلى هُنا ؟"

قال أحدُهما

"هذا مِن عمل الأسياد ونحن لا نعلَم كيف يصِل المساجين إلى هذه الزنزانة، لكن أغلَب المَساجين يَأتون إلى حُفرة الجحيم في السّفُن، المُجرِمون الكِبار فقط هُم الذين يصِلون إلى هذه الزنزانة، لذلك أنت حالةٌ خاصة"

هزّ آيدين رأسَه قليلاً ثم قال

"سؤالٌ آخر، لِماذا أنتُما لطيفان معي ؟"

2020/03/13 · 827 مشاهدة · 1195 كلمة
abox33
نادي الروايات - 2025