3 - المُتوحشون—الفصل الثالث

الفصل الثالث

مشى كاو على أطراف أصابعه فوق حائط الحديقة، وأبقى وتيرته متناغمة مع خطى والد ليديا.

قال غلام: هذا سخيف. سوف تورّطنا في المشاكل مجدداً؛ تماماً مثل الليلة الماضية.

تجاهله كاو. وصل إلى نهاية الحائط، وانعطف الرجل صوب اليمين في اتجاه بوابات السجن. لهنيهة، شعر كاو بالذعر؛ فهو لا يستطيع اللحاق به من دون أن يتم اكتشاف أمره، ثم تذكر أمراً.

قال للغربان: «لاقِني على السطح». ثم انزلق إلى الأسفل وركض عبر الطريق المعتمة والمقفرة. ثمة مبنى مهجور في الطرف البعيد، نصف مهدّم، مع جدار محطم بالكامل، حيث انكشف الداخل للعيان. استطاع كاو رؤية هياكل آلات قديمة في الداخل. أياً كان الهدف من استعمالها، فقد باتت أيام فائدتها ذكرى طيّ النسيان.

مشى كاو فوق الركام وصولاً إلى الطابق الأول، وحرص على عدم إصدار أي صوت. التف حول صناديق ممتلئة بكتب قديمة، ذات أغلفة مهترئة بمعظمها. تسلق طابقين من السلالم في اتجاه كوّة تفتح على سطح من المعدن المموج، ثم زحف صوب الأعلى؛ حيث وصل قبله غلام وسكريتش وميلكي، في الوقت الذي وصل فيه والد ليديا إلى بوابة السجن في الأسفل في الطرف المقابل من الشارع.

ثمة دزينة من رجال ونساء يرتدون بذلات حراسة السجن، وقفوا في مجموعات تحت أضواء المصابيح الوامضة، وبدوا متوترين وإنما متحمسين. وثمة كلاب موثَقَة بأربطة، تشمّ الهواء.

توقفت صفارة الإنذار فجأة، واختفت الترددات في الهواء.

قال والد ليديا: «أين خريطة مجاري الصرف الصحي؟». كان صوته عالياً، حيث وصل إلى كاو بوضوح.

فتح أحد الرجال ورقة كبيرة على صندوق سيارة، فتسارع خفقان قلب كاو. كان محقاً في ظنه أن والد ليديا ليس مجرّد حارس. إنه يأمر الآخرين حوله كما لو أنه مسؤول عن السجن كله!

«حسناً، سوف تكون الشرطة هنا خلال الدقائق الخمس التالية، لكننا لا نستطيع الانتظار. الوقت يمرّ. فليذهب الجميع في مجموعات ثنائية. كلب واحد مع كل ثنائي. فتشوا الشوارع المحيطة بالمكان، وتحققوا من كل أغطية فتحات الدخول. إذا رأيتموهم، اتصلوا بنا. لا تحاولوا اعتقالهم... فأنتم تعرفون مع من نتعامل. وتوخوا الحذر!».

بدأ الحراس بالتفرق، فيما حدّق والد ليديا في الخريطة. وبعد لحظات قليلة، بات بمفرده.

قال غلام، وهو ينفش ريشه: هل يمكننا من فضلك العودة الآن إلى منزلنا. البرد قارس!

صرخ سكريتش: هاي، من هنا!

استدار كاو. كان أصغر الغربان جاثماً في الطرف الآخر من السطح. صدر صوت جلبة خفيفة من الأسفل. ثمة شيء ما يحصل هنا في الأسفل. قال سكريتش.

نظر كاو إلى والد ليديا. كان رأسه مرتفعاً إلى الأعلى، كما لو أنه سمع الكلام أيضاً. طوى الخريطة بسرعة، وبدأ يعبر الشارع بسرعة.

ركض كاو فوق السطح للانضمام إلى سكريتش، وحدّق صوب الممشى في الأسفل.

كان الممشى فارغاً، باستثناء بعض الأوراق المبعثرة وبعض سلال النفايات. ثمة طرف يتشعب إلى متاهة من الممرات الممتدة بين المباني، فيما الطرف الآخر - برأي كاو - يؤدي أخيراً إلى الشارع الرئيس قرب السجن.

مع صدور صوت جلبة آخر، تحرك غطاء الفتحة الموجودة مباشرة تحت كاو. طقطق جانب منها وفتح، ثم ارتفع كل الغطاء وجرى رميه جانباً كما لو أنه لا يزن أي شيء، فتدحرج الغطاء مثل قطعة نقود معدنية، ثم استقر بشكل مسطّح. تراجع كاو إلى الخلف، محدّقاً عبر حاجز السطح. ثمة شيء صغير خرج أيضاً من العتمة في الأرض؛ حشرة، أو ربما عنكبوت. ثم ظهرت يدان؛ يدان كبيرتان وغليظتان. اندفعت قامة كبيرة إلى الخارج. ورأى كاو رأساً أصلع، حيث تمددت قبة من الجلد اللامع فوق الجمجمة. كان الرجل يرتدي قميصاً وسروالاً باللون البرتقالي.

فجأة، بدا الأمر منطقياً. الحرّاس المذعورون. فرق البحث.

همس كاو: «سجين فارّ. إنه الرجل الذي يبحثون عنه!».

قال غلام: لاحظت ذلك.

أرجع الرجل رأسه إلى الخلف، ودبّ الذعر في حنجرة كاو. ثمة خطب في فم الرجل. إنه كبير جداً، كما لو أن وجنتيه مشقوقتان في ابتسامة خفية. بعدها، أدرك كاو أنه وشم؛ ابتسامة دائمة.

تمتم سكريتش: إنه غريب المظهر.

بدأ السجين بتمزيق قميصه، ثم صرخ في الفتحة بصوت خافت: «الطريق مفتوح!». رمى الرجل بعد ذلك قميص السجن الممزق بعيداً واستدار في مكانه.

عندما رأى كاو الصدر العاري للرجل، شعر أن عظامه قد تحوّلت إلى جليد، وسيطرت عليه موجة جديدة من الذعر، وكانت أكبر من أي شيء آخر شعر به خارج كوابيسه. إنه ذعر صرف، مباشرة من أعماق عقله، غير مكبوت بالمنطق، ويستحيل تجاهله. سيطر الذعر على كل أطراف أصابعه وجعل معدته تضطرب بشدة.

على الصدر الكبير للرجل، ثمة وشم يتحرك مع تحرّك عضلاته؛ كما لو أنه حيّ. ثماني أرجل، تتحرك.

عنكبوت.

وليس أي عنكبوت، فقد كان جسمه على شكل خيط ملتف، مع شكل M شائك داخله.

أمسك كاو بحافة السطح، وبات فمه جافاً مثل الغبار.

إنه العنكبوت الذي رآه في كابوسه.

قربه، نفض ميلكي ريشه.

انحنى السجين صاحب الوشم فوق الفتحة، وأمسك بمعصم نحيل، وسحب جسماً آخر إلى الخارج؛ إنها امرأة شابة. امتلكت شعراً أسود انسدل حتى خصرها، وجذب ضوء الشارع مثل جناح غراب أسود. فيما انتصبت للوقوف، بدت أطول من الرجل. كان كمّا بذلة السجن الخاصة بها متسخين بسبب الماء القذر في مجرى الصرف الصحي، وبدأت تطوي الكمين بعناية إلى الأعلى. كانت ذراعاها رشيقتين ومليئتين بالعضلات؛ كما لو أنها تستطيع لفهما حول عنق شخص ما وسحب روحه منه.

ثم خرج شخص ثالث. ارتمى في الممشى ووقف على قدميه، ونفض ملابسه. كان طوله أقل من نصف طول الآخريْن، وظهره محدّباً إلى الأمام.بدا عجوزاً، لكنه تحرك مثل رجل شاب، حيث تحركت قدماه في هذا الاتجاه وذاك، وفتشت عيناه في كل الاتجاهات.

قال الرجل القصير: «وأخيراً، روائح المدينة! كم اشتقت إلى رائحة العفن اللذيذة».

طقطق الرجل الكبير براجم أصابعه وقال: «حان وقت العودة إلى العمل».

أضافت المرأة بصوت خافت: «لا يجدر بنا التأخر. لن يمرّ وقت طويل قبل أن يكتشفوا إلى أين يؤدي هذا النفق». كان صوتها هادئاً وناعماً.

«تجمدوا في مكانكم».

استدار السجناء الثلاثة صوب الطرف الآخر من الممشى. كان ثمة رجل يقف هناك ممسكاً بمسدس لمعت أسطوانته.

قال غلام: يا سلام.

إنه الرجل الذي كان في المنزل. لكن السجناء لم يبدوا خائفين. وعوضاً عن ذلك، تقدم الرجل الكبير إلى الأمام وقال: «آمر السجن ستريكهام.يا لها من مفاجأة جميلة!».

قال غلام: يجدر بنا الذهاب. لا علاقة لنا بهذا. إنها...

همس كاو: «أمور بشرية؟ أعرف. لكن، في حال لم تلاحظ، أنا من البشر يا غلام».

إلا أنه لم يقل السبب الحقيقي لرغبته في البقاء. لم يشأ الإفصاح عنه بصوت عالٍ، لكنه أراد معرفة حقيقة ذلك الوشم. عليه أن يعرف معناه.

قال السيد ستريكهام: «سوف تعودون فوراً إلى السجن، جاوبون».

ابتسم الرجل الكبير، جاوبون، ابتسامة حقيقية عريضة بدّلت تعابير وجهه، وجعلته يبدو مخيفاً أكثر فأكثر، مثل كلب جائع. «ما رأيكما أيها الصديقان؟ هل يجدر بنا الزحف مجدداً إلى الزنزانة؟».

ضحك الرجل القصير ضحكة ساخرة، فيما مرّرت المرأة لسانها فوق شفتيها وقالت: «أقول إننا سنرفض عرضه اللطيف. يبدو خائفاً قليلاً بالنسبة إليّ».

وضع السيد ستريكهام يده الأخرى على مقبض مسدسه لتثبيته، وقال: «لا أظن ذلك. أنا من يحمل الرصاصات. وثمة فرقة من رجال الشرطة في طريقها إلى هنا». ونظر بسرعة خلفه.

فجأة، شعر كاو بالتوتر.

قال جاوبون: «اتركا الأمر لي. سوف ألحق بكما بعدما أنتهي منه».

أومأ الآخران برأسيهما واختفيا في الممشى. مشى الرجل القصير متثاقلاً، فيما صديقته طويلة القامة انزلقت تقريباً.

صرخ آمر السجن: «هاي! حركة واحدة إضافية وسأطلق النار!».

لمع ضوء وامض، وصدر صوت مدوٍّ فيما انطلقت الرصاصة من مسدس السيد ستريكهام. كانت طلقة إنذار، لكن السجينين تجاهلاها. اختارت المرأة مفترق طريق، فيما اختار الرجل القصير المفترق الآخر. وبعد لحظة، اختفيا كلاهما.

قال جاوبون وهو يتحرك ببطء صوب السيد ستريكهام: «بقينا وحدنا الآن».

قال كاو: «لا أحب هذا. يجدر بنا مساعدته».

وبلمح البصر، اندفع جاوبون بقوة إلى الأمام، وأمسكت يده الكبيرة الشبيهة بالرفش بالمسدس، وأرغمت يد آمر السجن على إفلاته. ثبّت السيد ستريكهام ذراعه مع صرخة ألم، متراجعاً إلى الخلف؟

رمى جاوبون المسدس خلفه وقال: «لم أحب المسدسات يوماً. إنها تقتل بسرعة». ثم تمدد وأمسك بعنق السيد ستريكهام، ورفعه بيد واحدة في الهواء. تحركت ساقا آمر السجن بضعف، فيما تحوّل وجهه إلى اللون الأحمر، ومن ثم الأرجواني.

طغى الذعر على كاو. المسافة بعيدة جداً إلى الأسفل من حيث يقف على السطح. ظنّ أنه يستطيع الوصول بالقفز بضع مرات. لكن، ماذا بعد ذلك؟ فكر قليلاً، ثم أرجح ساقاً فوق حافة السطح.

صرخ صوت جديد: «اتركه وشأنه!».

في نهاية الممشى، خرج شكل صغير من العتمة، فحبس كاو أنفاسه. إنها ليديا؛ الفتاة من المنزل! كانت لا تزال ترتدي البيجاما ورداء النوم، ورباط حذائها يزحف خلفها. كيف لم ينتبه كاو إلى أنها تلحق به؟

جفل والدها في قبضة جاوبون المميتة، وبدا وجهه ملتوياً بشدة من الألم. ابتسم جاوبون ابتسامة عريضة، ثم رماه جانباً مثل دمية قماشية، فارتطم السيد ستريكهام بسلة نفايات وانهار على الأرض.

قال بصوت منخفض متألم، وهو يحاول النهوض على ركبة واحدة: «ليديا؟ أوه يا إلهي، لا».

وجّه جاوبون ركلة إلى معدة السيد ستريكهام، فانهار هذا الأخير مع صرخة ألم.

«بابا». صرخت ليديا وهي تسرع صوبه. أمسك جاوبون بها، وحملها من شعرها، وبرمها لمواجهته. فبدا الألم واضحاً على وجهها.

صرخت: «دعني وشأني». وخدشته في ذراعه.

همس كاو للغربان: «الآن، انقضّي عليه!».

برم جسمه حيث أصبح مواجهاً للحائط، ثم أفلت قبضته وقفز مرتطماً بالأرض بشدة. وقع وتدحرج إلى الخلف، ورأى أن سكريتش وغلام قد باشرا الهجوم على رأس جاوبون. نعق الغرابان كاو كاو كاو!

أفلت جاوبون ليديا، وضرب الغرابين بقوة بذراعيه القويتين.

صرخ عالياً: «ابتعدا عني!».

حرّك السجين يديه في الهواء، فيما انقض الغرابان على وجهه بمخالبهما. إلا أن ضربة منه أصابت سكريتش ودفعته للارتطام بحائط، فانزلق على الأرض، لكنه سرعان ما حلّق بعيداً حين حاولت رجل جاوبون سحقه. أطلق غلام صيحة، وأدخل منقاره في عيني السجين. عندها، فقد جاوبون توازنه، وانتفض وشم العنكبوت على صدره فيما حاول صدّ الهجوم. أما سكريتش فعاد بشجاعة للمشاركة في الهجوم.

أسرع كاو إلى جانب السيد ستريكهام، وساعده مع ليديا على الوقوف. في الوقت نفسه، أدرك كاو أن الفتاة تحدق به، وهي تفتح فمها بدهشة.

قطّب السيد ستريكهام وجهه بارتباك، وراقب الغرابين اللذين كانا يحومان حول جاوبون مثل سحابة من الريش. كان العملاق يتلوّى مثل رجل يحارب ظله.

قال كاو، وهو يبعد السيد ستريكهام: «هيا، اركض!».

لكن السيد ستريكهام مشى في الاتجاه المعاكس، ولاحظ كاو أنه يتوجه صوب المسدس الموجود على الأرض.

قالت ليديا، وهي تركض خلفه: «بابا اتركه!». لكن الوقت قد فات. فقد وصل السيد ستريكهام إلى المسدس، واخترق الصوت أذنيه، فيما أغمض كاو عينيه لمواجهة الألم الكبير. وعندما فتحهما مجدداً، كان السيد ستريكهام يوبخه بعنف، لكن كاو لم يستطع سماع الكلمات. استدار ولاحظ أن جاوبون قد اختفى؛ تماماً مثل غربانه.

شيئاً فشيئاً، تسلل الصوت تدريجياً إلى أذنيه.

كانت ليديا تقول: «... أنقذنا يا بابا».

قال السيد ستريكهام: «لقد ساعده على الفرار!».

وضعت ليديا يدها على ذراعه قائلة: «أراد ذلك الرجل قتلك!».

قرقر الجهاز اللاسلكي على حزام السيد ستريكهام، وصدرت منه أصوات مذعورة: «سيدي، أين أنت؟ تم إطلاق النار!... حضرة آمر السجن السيد ستريكهام؟».

رفع السيد ستريكهام الجهاز اللاسلكي عن وركه وأجاب: «أنا في الممشى بين ريكتور والممشى الرابع. لقد أضعتهم».

ارتخت الخطوط القاسية في وجه السيد ستريكهام، ونظر إلى كاو، وحرّك منخريه كما لو أنه شمّ رائحة بشعة. كانت ليديا تنظر إليه أيضاً، وشعر كاو أن وجهه أصبح أحمر ساخناً. سأله السيد ستريكهام: «من أنت؟».

لم يعرف كاو ماذا يقول. إذا كانت الشرطة في طريقها إلى هنا، فعليه المغادرة فوراً وإلا فسيرسلونه إلى ميتم. بحثت عيناه عن الغربان في مستوى السطح.

قال آمر السجن: «تلك الطيور، ما كان ذلك؟».

تراجع كاو إلى الخلف، وجعل قدميه تأخذانه صوب الطرف الآخر من الممشى. شعر أنه علق في فخ. كانت الغربان على حق؛ لم يكن يجدر به التدخل أبداً.

قال السيد ستريكهام: «هاي، لن تذهب إلى أي مكان. أحتاج إلى تصريح منك».

استدار كاو وركض، والتقطت أذناه أصوات كلاب تنبح مجدداً في مكان غير بعيد. سمع قرقرة أخرى من جهاز لاسلكي. عليه العودة إلى العش.

قال السيد ستريكهام: «عد إلى هنا!».

صرخت الفتاة خلفه: «على الأقل، قل لنا اسمك».

وصل كاو إلى الشارع، ورأى رجال شرطة يركضون صوبه.

صرخ سكريتش: هنا في الأعلى!

ألقى كاو نظرة إلى الأعلى، ورأى الغربان الثلاثة جاثمة على سياج حديدي يبعد عشرين متراً، حيث يصل الشارع إلى نهاية مسدودة. بدت إحدى رجلي سكريتش معقوفة، كما لو أنها مكسورة. قال كاو لنفسه: إنه مصاب. إنه مصاب بسببي.

ثمة رقعة أرض فارغة في الخلف؛ محطة سكة الحديد القديمة. ركض كاو في اتجاه السور.

سطعت أقواس من أضواء المصابيح اليدوية على جسمه، وصرخت له أصوات عدّة طالبة منه التوقف.

قفز على السياج الحديدي، وأرجح ساقيه فوق القسم العلوي، ثم هبط في الجانب الآخر. وعندما نظر خلفه، رأى دزينة من رجال الشرطة القادمين صوبه، مع ثلاثة كلاب أو أربعة. كانت هناك أيضاً ليديا مع والدها.

تسلل كاو خارج طوق الحصار، وبات بعيداً عن أنظارهم.

صرخ آمر السجن: «أمسكوا به!».

قال كاو لنفسه: مستحيل. ركض بسرعة، ولم يتوقف إلا بعدما ضاعف سرعته للوصول إلى الحديقة العامة مجدداً. نظر إلى طرفي الشارع، وتأكد من أن أحداً لا يراقبه، ثم تسلّق الحائط. وفيما تسلّق بعجلة فوق البوابة الحديدية، انفلت رباط حذائه وسقط على الأرض. لا وقت للعودة إليه. قفز إلى الجانب الآخر.

أخيراً، بدأ دمه المغلي يبرد قليلاً. إنه بأمان هنا في الظلال؛ في المنزل.

مشى ببطء إلى شجرته، وهو يعرج قليلاً على قدم حافية.

قال غلام بسخرية، وقد أصبح في العش، فيما تسلق كاو بصعوبة: حسناً، كان ذلك ممتعاً!

قال سكريتش: هل رأيت؟ كيف نلت منه؟ وقفز صعوداً ونزولاً مقلّداً حركاته. نقرة! خدش! مخلب!

رمى كاو نفسه على سريره، واستلقى على ظهره، تاركاً العرق يبرد على جسمه. فجأة، شعر بتعب كبير.

قال سكريتش: كنت شجاعاً جداً، صحيح؟

قال كاو: «كلاكما كنتما رائعين».

كان ميلكي جاثماً على جانب العش، وبدا غير متأثر البتة. فهو لم ينضم إلى المعركة، وحدّقت عيناه العمياوان في اتجاه كاو.

سأل كاو: «ما الذي يجري يا ميلكي؟ من كان أولئك السجناء؟».

بقي الغراب الأبيض العجوز صامتاً وساكناً مثل تمثال رخامي.

قال غلام: أعتقد أنه انتهى من الكلام.

قال كاو: «العنكبوت، لقد حلمت به، ثم رأيته في الحياة الحقيقية على صدر ذلك السجين. أنت تعرف معناه، أليس كذلك؟».

أحنى ميلكي رأسه، وبرم بعيداً.

2020/03/05 · 298 مشاهدة · 2162 كلمة
Adk3RAK
نادي الروايات - 2024