4 - المُتوحشون—الفصل الرابع

الفصل الرابع

استيقظ كاو على صوت الغربان وهي تنعق معاً دفعة واحدة. وكان العش يهتزّ برفق.

قال: «ما الذي يجري؟».

صرخ سكريتش وهو يخفق بجناحيه بجنون: اهرب! ثمة متطفل!

تدفق الأدرينالين في دم كاو، وجلس منتصباً باحثاً عن سلاح. نجح في العثور على ملعقة بلاستيكية محنية، في اللحظة التي رأى فيها رأساً يظهر عبر الكوّة.

«واو!». قالت ليديا وهي تضع يديها على الألواح الخشبية في العش. «هذا المكان مذهل! إنه أكبر بكثير مما يبدو في الأسفل».

حشر كاو نفسه في زاوية، حاملاً الملعقة أمامه مثل سكين. كانت تعتمر قبعة بايسبول، وجعلت شعرها الأحمر ينسدل بشكل مستقيم، ثم يلتف تحت ذقنها. في ضوء النهار، أدرك أنها تملك مجموعة من النمش لم يرها في الليلة الفائتة. لمعت عيناها.

قالت: «هاي، لا توجّه هذا الشيء صوبي!».

سألها كاو: «كيف وجدتني؟ لا أحد يعرف بشأن هذا المكان!».

ابتسمت ليديا ابتسامة فخر عريضة وقالت: «أنا جيدة في اكتشاف الأمور. رأيتك تتسلل صوب منزلنا قبلاً، وتراقبنا من الجدار المحاذي لمنزلنا. لذا، تصوّرت أنك تعيش هنا في الجوار. وفيما كنت أتنزه مع بنجي هذا الصباح، وجدت هذا قرب بوابة الحديقة العامة».

أفلتت ليديا حذاء كاو على أرض العش.

«تصوّرت أن الحديقة العامة هي المكان المثالي إذا لم تكن تريد أن يعثر عليك أحد. لذا، قفزت فوق البوابة، وبحثت إلى أن وجدت هذا الشيء المضحك في شجرة. ليس سيئاً، أليس كذلك؟».

فجأة، شعر كاو أنه سخيف. لكنه كان محرجاً جداً لإنزال الملعقة.

قال: «ماذا تفعلين هنا؟».

ابتسمت ليديا وأجابته: «أستطيع طرح السؤال نفسه عليك. ألا تملك منزلاً؟ ألا تملك أهلاً؟».

هزّ كاو كتفه وقال: «أعيش هنا. وحدي».

قالت: «رائع! هل ستدعوني للدخول؟».

ألقى كاو نظرة على غلام، فقال الغراب: لا تفكر حتى في الموضوع. ونفش ريشه.

قال كاو: «لا».

قالت: «أوه، هيا! هل أتوسل إليك؟».

قال سكريتش: ارمها خارجاً. واندفع الغراب الصغير إلى الأمام بطريقة مهددة، ثم تراجع إلى الخلف مجدداً.

قال كاو: «لا! اتركيني بمفردي».

بدا الحزن على وجه الفتاة، وقالت: «حسناً، حسناً. اهدأ. أعطني فقط ثانية لألتقط أنفاسي، اتفقنا؟ ثم سأذهب».

وفيما أقحمت خصلة من شعرها تحت قبعتها، وأبقت رأسها وكتفيها مندفعة صوب العش، تبدد خوف كاو. إنها مجرد فتاة. أي أذى يمكن أن تلحقه به؟

نفخت ليديا وجنتيها وقالت: «حسناً، إذاً سوف أذهب».

قال كاو: «انتظري!». نظر بسرعة إلى الغرابين، ثم تنهد وتمتم قائلاً: «يمكنك الدخول قليلاً».

قال الغرابان معاً: لا! وأخفض كاو الملعقة.

قالت وهي تبتسم: «نعم، كان بوسعك إيذائي فعلاً بواسطة هذه».

رغماً عنه، ابتسم كاو.

رفعت الفتاة نفسها إلى العش، وجلست على الأرضية وهي تشبك ساقيها. كانت ترتدي سروال جينز وبلوزة شاحبة بقلنسوة، وكانت متسخة بالأوراق والقذارة. خلعت قبعتها وحررت شعرها، وراقبت سكريتش وغلام بذهول. عرف كاو أن ميلكي خارج العش؛ فهو لا ينام أبداً في العش.

قالت: «هل هذان الطيران حيواناك؟».

قال غلام: لست حيواناً!

احتج سكريتش قائلاً: وأنا لست مجرد طير. أنا غراب.

قال كاو: «نوعاً ما».

قال غلام وسكريتش معاً: نوعاً ما؟! جفلت ليديا قليلاً، وأدرك كاو أن هذا يبدو بالنسبة إليها مجرد صيحتين غاضبتين.

قال: «إنهما يعيشان معي».

«هل تدرّبهما؟».

قهقه سكريتش. ههههه.

سألت ليديا: «لماذا تختبئ في هذه الحديقة طوال الوقت؟».

شعر كاو بالقليل من الانزعاج، وقال: «أنا لا أختبئ».

«حسناً. إذاً، لماذا تتجسس دوماً عليّ؟».

لم يستطع كاو تحمّل نظراتها. «لم أكن أتجسس».

قالت، وإنما مع ابتسامة: «كاذب. ظننتك سارقاً في البداية، لكني فكرت بعد ذلك؛ ما من أحد غبي كفاية ليسرق منزل آمر سجن بلاكستون. في أية حال، أسامحك. بالمناسبة، اسمي ليديا». مدّت يدها.

نظر كاو إليها.

انحنت إلى الأمام وأمسكت يده، ووضعتها في يدها، ثم صافحتها صعوداً ونزولاً. «وأنت؟».

قال كاو: «أنا... كاو».

ابتسمت ليديا ابتسامة عريضة. «ما هذا الاسم؟».

هزّ كاو كتفه. «هذا هو اسمي».

نظرت ليديا إلى العش. «حسناً، إذا كان هذا ما تقوله. هل شيّدت هذا المكان بنفسك؟».

أومأ كاو برأسه وقد أحس بالفخر.

قال سكريتش: مع بعض المساعدة!

نظرت ليديا إلى الأعلى، وتأملت الغرابين جيداً.

أضاف كاو: «مع بعض المساعدة».

«هل تتحدث إلى الطيور؟».

قال غلام: غربان من فضلك.

قال كاو: «حسناً...». كاد يكذب، ثم فكر في الأمر. «نعم، وهما غرابان».

قالت ليديا: «حسناً، هذا غريب فعلاً».

هسهس غلام في وجهها.

قالت بتوتر: «آسفة».

أجاب كاو: «لا تقلقي. إنه دوماً في مزاج سيئ».

قال غلام: تراجع عن كلامك!

أحنت ليديا رأسها وقالت: «أردت فقط أن آتي وأشكرك. ركضت بسرعة كبيرة في الليلة الماضية».

هزّ كاو كتفه وقال: «صودف... فقط أني كنت هناك. ليست مسألة مهمة».

قالت ليديا: «أعتقد أنه يجدر بي شكر غرابيْك أيضاً. كانا شجاعين جداً». واستدارت صوبهما. «عذراً، كنتما شجاعين جداً».

نفض غلام ريشه وقال: لن يوصلك الإطراء إلى أي مكان يا صغيرتي.

قال كاو: «يقول إن الأمر لم يكن مهماً». فجأة، قرقرت معدته بصوت عالٍ. لم يأكل أي شيء بعد رقاقات البطاطا المقلية من مطعم الوجبات السريعة.

لمعت عينا ليديا، وسألته وهي تنزع حقيبة الظهر عن ظهرها: «هل أنت جائع؟».

اعترف كاو: «قليلاً».

فتشت داخل حقيبتها وأخرجت لوح شوكولا مغلفاً بورقة زرقاء. قالت وهي تعطيه لوح الشوكولا عبر العش: «إليك هذا».

أخذه كاو منها كما لو أنه شيء نفيس، ونزع الورقة عنه بعناية. فهو لا يذكر متى تناول الشوكولا آخر مرة.

قال غلام: كن حذراً، فقد يكون مسمماً.

برم كاو عينيه، ثم قضم قضمة كبيرة. انغرزت أسنانه في لوح الشوكولا السميك، وذابت الشوكولا فوق لسانه. اختفى لوح الشوكولا خلال ثوانٍ قليلة، وغلّفت حلاوته الجهة الداخلية لفمه.

قالت ليديا وهي لا تزال تبتسم ابتسامة عريضة: «هل أنت جائع قليلاً؟ خذ». أعطته تفاحة. حاول كاو تناولها ببطء أكبر؛ وفق قضمات منهجية. انفجر لبّ الفاكهة عصارة داخل فمه، وسال فوق ذقنه.

قال سكريتش: احتفظ لنا بالقليل!

رمى كاو قلب التفاحة للغرابين اللذين انقضّا عليها بمنقاريهما. لم يفكر في ترك أي شيء لميلكي. إذ نادراً ما يأكل الغراب الأبيض الطعام.

قالت ليديا وهي تشير إلى رجل سكريتش المعقوفة: «يبدو الغاضب مصاباً».

قال سكريتش: من تقصد بالغاضب؟

قالت ليديا بصوت لطيف: «تعال إلى هنا أيها الغراب الصغير. دعني ألقي نظرة».

قال سكريتش، وهو يرفع منقاره بكبرياء: يستحسن ألا تتحدث معي. أنا لست صغيراً.

ضحك غلام ضحكة عالية.

قال كاو: «إنه متوتر قليلاً».

انحنت ليديا صوب سكريتش، وقالت: «أستطيع إعداد جبيرة. لديك الكثير من الأشياء هنا التي أستطيع استخدامها. وأنا جيدة مع الحيوانات».

قفز سكريتش بعيداً عنها.

قال كاو: «دعها تجرّب. فقد تستطيع المساعدة».

قالت ليديا: «أملك تفاحة أخرى». وأخرجتها وأعطته إيّاها: «خذ».

تناول كاو التفاحة ببطء أكبر هذه المرة، وراقب ليديا فيما أعدّت جبيرة من غصنين وخيط. مدد سكريتش رجله بحذر شديد، فيما ثبّتت ليديا الجبيرة في مكانها. لاحظ كاو أن ميلكي دخل العش عبر الفتحة الصغيرة في القماش المشمّع في الطرف البعيد. لا يعتقد كاو أن ليديا تعرف بوجوده هنا. لكن، بدا أن الغراب الأعمى كان يراقبهما بعينين غير مبصرتين.

قالت وهي تصفق بيديها: «ها قد أنهينا. ليست مكسورة، لكن عليك إبقاؤها مرتاحة».

نظر سكريتش إلى الجبيرة وقال: ليست سيئة جداً!

قال كاو: «إنه يقول «شكراً»». كاد أن يبتسم مجدداً، لكنه تمالك نفسه. ماذا يفعل بالتخلي عن حذره والترحيب بهذه الفتاة في مكانه الأكثر سرية؟ ماذا لو أخبرت عائلتها عنه؟ ماذا لو أخبرت الجميع؟ تنحنح قليلاً، ثم قال:

«اسمعي، شكراً على الطعام، لكن...».

قالت، وهي تفتش في العش: «هل هذه كتب؟». في الزاوية، تحت كنزة كاو الممزقة، توجد أحدث كدسة له من الكتب.

قال كاو: «نعم، لكن...».

أخذت ليديا واحداً، وقالت وهي تبتسم ابتسامة عريضة: «إنها كتب مصوّرة!».

أراد كاو منها أن تذهب الآن فعلاً، لكنه لم يستطع إيجاد الكلمات المناسبة.

قالت: «لماذا تقرأ الكتب المصوّرة. إنها للأولاد الصغار».

أحسّ كاو أن التورد يزداد في خدّيه.

استدارت ليديا للاعتذار: «انتظر - أنا آسفة. هل تعلّمت القراءة يوماً؟».

أخفض كاو نظره، ونجح في هزّ رأسه قليلاً.

قالت ليديا: «هاي، هذه الكتب من المكتبة. هل... سرقتها؟».

قال كاو وهو ينظر إلى الأعلى بغضب: «لا. لقد استعرتها».

قالت ليديا وهي ترفع حاجبها: «هل تملك بطاقة مكتبة؟».

أجاب كاو: «ليس تماماً. ثمة امرأة - موظفة مكتبة - تتركها لي في الخارج».

وضعت ليديا الكتاب جانباً وقالت: «أستطيع تعليمك القراءة».

لم يعرف كاو ماذا يقول. لماذا هي لطيفة جداً معه؟

أضافت بغرابة: «أقصد، إذا أردت. نستطيع ربما الذهاب معاً إلى المكتبة، وانتقاء شيء يساعدك على القراءة».

كان كاو على وشك الإجابة عندما أطلق ميلكي صيحة خفيفة. نظر الجميع إلى الغراب الأبيض.

قالت ليديا وهي تشعر بعدم ارتياح: «أوه، لم أره هناك. لماذا ريشه هكذا؟».

قال كاو مثبّتاً عينيه على ميلكي: «لطالما كان هكذا. اسمعي، شكراً على النصيحة بشأن المكتبة، لكن...».

صاح ميلكي مجدداً.

قالت ليديا مع ابتسامة عريضة: «يبدو وكأنه يريدك أن تأتي معي». أنزلت شفتها السفلية. «لكني لا أجيد لغة الطيور».

هسهس غلام.

قالت ليديا: «هذا الغراب سريع الغضب، أليس كذلك؟».

كان كاو يراقب ميلكي. لماذا يحدث الغراب الأبيض مثل هذه الجلبة؟

طرفت عينا ميلكي. هل يريد فعلاً أن يذهب كاو مع هذه الفتاة الغريبة؟ كلمات ميلكي بشأن العنكبوت هي التي أقنعت كاو باللحاق بوالد ليديا في الليلة الماضية. ولو لم يفعل، لما رأى الوشم أبداً؛ الوشم المتطابق مع الخاتم في كابوسه.

ألحت ليديا: «هيا، أي أذى يمكن أن يلحقه بك الذهاب إلى المكتبة؟».

طبعاً! إذا كان هناك شخص ما يستطيع أن يساعده في فهم معنى رمز العنكبوت، فهو موظفة المكتبة. فهي تملك الكثير من الكتب.

قالت ليديا: «إذاً، ما رأيك؟».

قال غلام: فكرة سيئة.

قال سكريتش: أعتقد أنها لطيفة، ورفع رجله إلى الأعلى.

نظر كاو إليهما، ومن ثم إلى ليديا. لم يملك أبداً صديقاً من قبل. وقد واجهت الكثير من المشاكل للعثور عليه. تحدث ميلكي للمرة الأولى طوال الأعوام الثمانية التي عرفه فيها كاو. وكان هذا دليلاً جيداً ربما.

قالت ليديا: «قبل أن تقول لا، إنها طريقتي لأشكرك على إنقاذنا».

راقب كاو وجهها عن كثب، كما لو أن قسماتها قد تفضح أفكارها. التقاها مرتين فقط، فهل هو مستعد فعلاً للوثوق في كائن بشري بعدما تفاداهم لوقت طويل؟

ليس الآن ربما. لكن إذا بقي حذراً، وكانت الغربان معه...

قال: «حسناً. هذه المرة فقط».

2020/03/05 · 301 مشاهدة · 1528 كلمة
Adk3RAK
نادي الروايات - 2024