الفصل المئة والثامن والستون: الإمبراطور الخالد شين وو

____________________________________________

تحدثت السلحفاة العجوز بصوت يملؤه الأسى قائلة: "إن قوتي قاصرة، ولا أملك القدرة على سبر أغوار طبيعة الفوضى، كما أني أجهل سر ظهورك في عالمنا أو الغاية من وجودك، فكل هذه الأسرار عليك أن تبحث عن إجاباتها بنفسك". ثم رمقت أعماق الفوضى السحيقة وتنهدت قائلة: "إن هذا العالم ليس بهذه البساطة التي يبدو عليها".

صمت يي سوي فنغ، فظهوره في هذا العالم يمكن أن يُعد محض صدفة، ولكن كيف للعالم أن يحمل كل هذا الكم من المصادفات؟ لقد عزم على كشف الحقيقة الكاملة وراء كل شيء، سواء كان سبب وجوده هنا، أم ماهية نظامه الغامض، أم مصدر قدومه. لكن في الوقت الراهن، كان عليه أن يولي اهتمامه لما يحدث أمامه.

قالت السلحفاة العجوز بنبرة حاسمة: "فلنبدأ إذن". أومأ يي سوي فنغ برأسه موافقًا، فما دامت السلحفاة العجوز قد اختارت الموت سبيلاً لولادة إرادة جديدة للعالم، فلم يعد لديه سبب يدفعه لمنعها عن المضي في طريقها.

حلقت كنوز العناصر الخمسة في الفراغ، ثم أخذت تحيط بالسلحفاة العجوز شيئًا فشيئًا، ناشرةً قوانين العناصر من حولها في هالة مهيبة، حتى شكلت ما يشبه مذبحًا عظيمًا، اعتلت السلحفاة قمته وأغمضت عينيها ببطء وهدوء.

بعد لحظات، تدفق من جسدها مصدر قوة هائل، كان أنقى أشكال قوة منشأ العالم، والغذاء الذي سترتوي به كنوز العناصر الخمسة، كما كان يمثل ماهية السلحفاة العجوز وكيانها ذاته. ومع تحريرها لقوة المنشأ طواعية، بدأ جسدها يتقلص بسرعة ملحوظة للعين المجردة.

تحول جسدها من قمة جبلية شاهقة إلى قمة أصغر، ثم بمرور الوقت، صار بحجم تلة صغيرة، ثم ما لبث أن أصبح في حجم منزل، إلى أن استقر حجم السلحفاة العجوز التي كانت تملأ الأفق على حجم كائن عادي. وفي خضم هذه العملية، تغير شكل مذبح العناصر الخمسة هو الآخر، ليتحول إلى تجسيد مطلق ونقي لقوانينها.

تدافعت هالة عالم الخالدين في الأرجاء، معلنةً اكتمال بناء المذبح. رفعت السلحفاة العجوز رأسها ببطء ونظرت إلى يي سوي فنغ، وقد بدا عليها الهرم أكثر من ذي قبل، ثم همست بصوت خافت: "أتوسل إليك... لا تدع عالمنا هذا... يؤول إلى الفناء...".

وما إن أتمت كلماتها الأخيرة حتى انبعث من جسدها وهج أبيض، كان قوة تتأرجح بين الحياة والموت، وبعد برهة وجيزة، تلاشى جسدها بالكامل، ولم يتبق منه سوى بيضة سوداء غامضة. تنهد يي سوي فنغ ومد يده، فاستجابت له البيضة وطارت إلى راحة كفه.

كان ملمس البيضة رطبًا، وحجمها لا يتجاوز راحة اليد، وقشرتها مكونة من مادة غريبة شديدة الصلابة. وفي داخلها، كان كائن حي ينبض بقوة حياة خصبة للغاية، وكانت هالته مطابقة تمامًا لهالة شجرة الاستنارة التي تطورت من السلحفاة العجوز، فهي لم تكن سوى إرادة العالم الجديد، وروح السماء الجديدة.

في اليوم الذي ستفقس فيه هذه البيضة، سيعلن ذلك عن ولادة هذا العالم من جديد، وامتلاكه فرصة التطور مرة أخرى. نظر إليها يي سوي فنغ وشعر ببعض الأسى، ثم وضعها بعناية في عالمه الصغير، وحوّل بصره نحو مذبح العناصر الخمسة الذي اشتعل رسميًا، مشكلاً قناة تمتد إلى المجهول.

شعر يي سوي فنغ بالفعل بوجود كيان على الطرف الآخر من القناة، وبدأ خيال شخص ما يظهر في الأفق.

في ذلك الفضاء العدمي، تكاثفت قوانين العناصر الخمسة معًا وتماوجت حولها هالة خالدة، وقد تشكل فوقها ممر عظيم يتصل بعالم آخر شاسع، لم يكن سوى عالم الخالدين. لقد حدث كل هذا بعد أن امتصت كنوز العناصر الخمسة ما يكفي من قوة منشأ العالم.

بعبارة أخرى، فإن السيد داباو ورفاقه الخمسة لن يدركوا إلا في نهاية المطاف أن كل جهودهم لم تكن إلا لتمهيد الطريق لغيرهم، فيا لها من حقيقة بائسة ومحزنة. كان الممر الذي شكله المذبح صلبًا للغاية، لدرجة أن قوة أولئك الخمسة مجتمعة لم تكن كافية لكسره، وبالتالي كان من المستحيل عليهم إيقاف قدوم ذلك الشخص.

وحده يي سوي فنغ من كان يمتلك تلك القوة، لكنه بالطبع لم يكن ليفعل ذلك، فقد كان يتوق حقًا لمعرفة هوية ذلك الذي سعى لصقل هذا العالم ورسم خططه على مدى أزمنة طويلة.

أخذت الهالة المنبعثة من الممر تتكثف تدريجيًا، ثم هبطت من السماء قوة مرعبة لا حدود لها، كانت رهيبة لدرجة أنها كادت تبلغ جزءًا من ألف من قوة يي سوي فنغ. وليُعلم أن يي سوي فنغ الحالي قد استمد قوته من تدريب تراكم على مدى مئات المليارات من السنين، أما السيد داباو وأمثاله، فلم تكن قوتهم لتبلغ حتى جزءًا من عشرة ملايين من قوة يي سوي فنغ.

'ترى من يكون؟' في تلك اللحظة، مسح وعي هائل المكان من الأعلى. لوح يي سوي فنغ بيده وأخفى وجوده مؤقتًا، خشية أن يتردد ذلك القادم في النزول بعد أن يكتشف وجوده هنا.

بعد أن استطلع الوعي محيطه، هبط شخص ضبابي الملامح ببطء من نهاية الممر، وسرعان ما وصل إلى الفضاء العدمي. نظر إليه يي سوي فنغ ببرود، فرأى هيئة طويلة القامة يغطيها درع فضي لامع، ولم يكن يرتدي خوذة، فظهر وجهه الصارم الذي يشبه النصل المنحوت، وحاجباه الكثيفان المعقودان، وكانت الهيبة التي تشع منه ثقيلة للغاية.

مع هبوطه، تماوجت هالة عالم الخالدين العظيمة، محدثة تموجات خفيفة في الفضاء العدمي بأكمله، فقد كانت قوة عالم أسمى تقمع هذا العالم الأدنى. نزل الرجل ببطء، وتأمل المذبح الوحيد القابع تحت قدميه، فقطب حاجبيه في حيرة بدت على ملامحه.

فجأة، استدار الرجل بحدة فرأى شخصًا يقف خلفه، ويبتسم له. قال يي سوي فنغ وهو يلوح بيده: "مرحبًا بك".

صُدم الرجل في الحال، فعندما استكشف المكان بوعيه لم يجد أي كائن حي! فصرخ بصوت عالٍ: "من أنت!!"، وانطلقت موجات صوته الهائلة مصحوبة بهالة مرعبة، أقوى من عواصف السماء التاسعة بأضعاف مضاعفة.

لكن يي سوي فنغ لم يتحرك قيد أنملة، وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة باردة، وقال بهدوء: "أعتقد أن هذا السؤال يجب أن أوجهه أنا إليك". صمت الرجل وقد عقد حاجبيه، وفجأة، انطلق من الأرض كالبرق وعاد مسرعًا نحو الممر، بسرعة بلغت أقصى حدودها.

أشار يي سوي فنغ براحة يده. "بوووم!" اصطدم الرجل في الحال بحاجز غير مرئي، فأصدر دويًا يشبه الرعد وارتد إلى الخلف، ليسقط بقوة على مذبح العناصر الخمسة.

قال يي سوي فنغ وعيناه تشعان برودًا: "أن تأتي حين تشاء وترحل حين تشاء، ليس من الأدب في شيء. والآن، قل لي، من أنت؟".

2025/11/14 · 64 مشاهدة · 949 كلمة
ZEUS
نادي الروايات - 2025