في اليوم التالي، استيقظ (هاري) مبكرًا.. ورغم شعوره بأن ضوء الشمس يغمر المكان فإنه ظل مغمض العينين.. تصور أنه كان يحلم حلمًا جميلًا.. يحلم بعملاق اسمه (هاجريد) أتى ليخبره بأنه ذاهب لمدرسة للسحرة، لكنه عندما يفتح عينيه الآن سيجد نفسه في خزانته مثل كل يوم..

سمع طرقًا.. ففكر وقد انقبض قلبه: «ها هي ذي خالتي (بتونيا) تطرق الباب لتوقظني..» لكنه لم يفتح عينيه.. لقد كان حلمًا جميلًا.. وارتفع الطَّرق مرة أخرى.. قال: «حسنًا.. سوف أصحو!» وتحرك جالسًا.. وسقط معطف (هاجريد) من فوقه.

كان ضوء الشمس يغمر الكوخ وقد انتهت العاصفة.. و(هاجريد) نائم على الأريكة المنهارة! ورأى بومة خارج النافذة.. تمسك بمنقارها جريدة.. وتطرق الزجاج بمخالبها!

وقف (هاري) على قدميه وهو سعيد جدًّا حتى شعر أنه يكاد يطير من الفرح، وجرى إلى النافذة.. وفتحها.. دخلت البومة مسرعة.. وألقت بالجريدة فوق (هاجريد) الذي ظل نائمًا.

اتجهت البومة إلى المعطف، وأخذت تنقره بمنقارها الحاد.. حاول (هاري) أن يبعدها لكنها رفضت وظلت تهاجمه بمنقارها!

صاح (هاري): «(هاجريد).. البومة هنا!».

قال (هاجريد) وهو لايزال مستلقيًا: «ادفع لها..».

(هاري): «ماذا؟».

(هاجريد): «إنها تريــد أجــر توصيـل الجريـدة.. انظـر في جيـوب المعطف!».

كان المعطف مليئًا بالجيوب التي تمتلئ بدورها بالعديد من الأشياء؛ حزم من المفاتيح.. بكر خيوط.. حلوى النعناع.. أكياس شاي.. وأخيرًا عثر (هاري) في أحد الجيوب على بعض العملات الغريبة الشكل!

قال (هاجريد): «أعطِها خمس نوتات».

(هاري): «العملات البرونزية الصغيرة».

ومدت البومة ساقها ووجد (هاري) كيسًا جلديًّا صغيرًا معلقًا بها.. وضع فيه خمس عملات برونزية.. وطارت البومة من النافذة!

تثاءب (هاجريد) ثم جلس وتمطى في جلسته وقال: «يجب أن نرحل يا (هاري). أمامنا الكثير لنفعله اليوم.. علينا أن نذهب إلى لندن؛ لشراء الأدوات المدرسية».

أخذ (هاري) يدير عملات السحرة في يديه وينظر إليها وخطر له خاطر قضى على سعادته.

«(هاجريد)»..

رد (هاجريد) وهو يرتدي حذاءه الضخم ذا الرقبة: «نعم يا (هاري)».

قال (هاري) حزينًا: «أنا لا أملك أي مال.. وأنت سمعت خالي (فيرنون) الليلة الماضية.. لن يعطيني أي نقود لأذهب لدراسة السحر».

قال (هاجريد) وهو يقف ويهرش في رأسه: «لا تقلق بخصوص هذا. هل تتصور أن أبويك قد تركاكَ دون أموال؟».

(هاري): «ولكنك قلت إن منزلهما دمر..».

(هاجريد): «هل تعتقد أنهما كانا يحتفظان بالذهب في المنزل؟ لا، أول محطة لنا ستكون بنك (جرينجوتس) للسحرة. هل تأكل بعض السجق؟ لا بأس به وهو بارد. ويمكنك تناول قطعة من تورتة عيد ميلادك أيضًا».

تساءل (هاري) بدهشة: «هناك بنوك للسحرة!».

قال (هاجريد): «نعم.. بنك وحيد يدعى (جرينجوتس).. يديره الأقزام الأسطوريون».

(هاري): «الأقزام الأسطوريون؟!».

(هاجريد): «نعم.. (جرينجوتس) هو أكثر الأماكن أمنًا في العالم لو أردت حفظ أي شيء.. ربما باستثناء (هوجوورتس) طبعًا.. المجنون وحده من يحاول سرقته.. لا أحد يمكنه العبث مع الأقزام الأسطوريين يا (هاري). لديَّ عمل هناك على أية حال، فقد كلفني (دمبلدور) بعض الأعمال الخاصة بـ(هوجوورتس).. رفع (هاجريد) رأسه بفخر وأضاف: «إنه دائمًا يكلفني الأعمال الهامة، مثل إحضارك وجلب أشياء من (جرينجوتس). إنه يثق بي دائمًا.. والآن، هل جمعت أغراضك؟ هيا بنا إذًا».

وتبع (هاري) (هاجريد) خارجًا وسار معه على الصخور، كانت السماء صافية ويبدو البحر رائعًا في ضوء النهار!

كان المركب الذي استأجره الخال (فيرنون) في مكانه، وبداخله الكثير من المياه بعد العاصفة.. سأل (هاري) وهو ينظر حوله باحثًا عن قارب آخر: «كيف وصلت إلى هنا؟».

قال (هاجريد): «طائرًا».

(هاري): «طائرًا!».

(هاجريد): «نعم، ولكننا سنعود بالقارب؛ فليس مصرحًا لي باستعمال السحر الآن بعد أن أصبحت معي».

جلسا في القارب وأخذ (هاري) يحملق في (هاجريد) يتصوره طائرًا.. وقال (هاجريد): «من المؤسف أن نجدف مع ذلك». ثم نظر لـ(هاري) بإحدى نظراته الجانبية وقال له: «لو قمت بزيادة سرعة القارب قليلًا.. أرجو ألا تذكر ذلك في (هوجوورتس)».

قال (هاري): «طبعًا.. طبعًا».

كان متلهفًا؛ لرؤية المزيد من السحر.

أخرج (هاجريد) مظلته الوردية.. وضرب بها على جانب القارب الذي اندفع مسرعًا في اتجاه الشاطئ.

سألــه (هاري): «لمــاذا تقول إن المجنــون فقط من يحـاول سرقة البنك؟».

قال (هاجريد) وهو يفتح الجريدة ليقرأها: «هناك تعاويذ سحرية قوية جدًّا، ويقولون إن هناك أكثر من تنين يقوم بحراسة الخزائن الثمينة.. ثم إن البنك يقع على مسافة مئات الأميال على عمق كبير تحت مدينة لندن.. حتى لو نجح السارق في الاستيلاء على أموال من البنك؛ فسوف يموت جوعًا حتى يخرج إلى سطح الأرض».

جلس (هاري) وأخذ يفكر وترك (هاجريد) يقرأ في صحيفة (المتنبئ اليومي).. كان يعرف من تجربته مع الخال (فيرنون) أن الناس لا يحبون الإزعاج في أثناء قراءة الصحف ولكن هذا كان صعبًا.. فهناك الكثير من الأسئلة لا تزال تدور في رأسه.

وقال (هاجريد) وهو يقلب الصفحة: «مـا زالت وزارة السحر تقوم بأعمال خاطئة كالمعتاد».

سأل (هاري) في دهشة: «هل هناك وزارة للسحر؟».

(هاجريد): «طبعًا.. وكانوا يريدون الأستاذ (دمبلدور) وزيرًا لها، لكنه رفض ترك (هوجوورتس)، فحصل السيد (كورنيليوس فادج) على الوظيفة ولكنه يرسل البوم يوميًّا إلى (دمبلدور) يسأله النصيحة».

سأل (هاري): «وماذا تفعل وزارة السحر؟».

(هاجريد): «مهمتها الرئيسية هي إقناع العامة بأنه لا ساحرات ولا سحرة في المدينة».

(هاري): «لماذا؟».

أجاب (هاجريد): «لماذا؟! يا إلهي يا (هاري)! لأن كل الناس يريدون حلولًا سحرية لمشاكلهم؛ لذلك من الأفضل أن نظل بعيدًا».

في هذه اللحظة، وصل القارب إلى الميناء وأغلق (هاجريد) الصحيفة وتسلقا الدرجات الصخرية إلى الطريق.

أخذ المارة يحملقون في (هاجريد) وهما في طريقهما إلى المحطة ولم يلُمهم (هاري)؛ فلم يكن طول (هاجريد) يزيد على طول رجلين فقط ولكنه كان طوال الوقت يشير إلى أشياء طبيعية تمامًا، مثل عداد انتظار السيارات ويقول بصوت عال: «هل ترى ذلك يا (هاري)؟ تلك الأشياء التي يبتكرها هؤلاء العامة».

قال (هاري) وهو ينهج قليلًا في أثناء جريه؛ ليلاحق سرعة (هاجريد): «(هاجريد)، هل حقًّا هناك تنانين في (جرينجوتس)؟».

قال (هاجريد): «حسنًا، هذا ما يقولونه. كم أود لو كان لديَّ تنين!».

(هاري): «أتريد تنينًا؟!».

(هاجريد): «لقد كان هذا حلمي منذ كنت طفلًا.. ها نحن قد وصلنا».

وعندما وصلا إلى المحطة كان هناك قطار يتجه إلى لندن بعد خمس دقائق، وأعطى (هاجريد) بعض نقود العامة التي لا يفهمها لـ(هاري) لشراء التذاكر.. وفي القطار، جلس (هاجريد) يحيك بعض الخيوط وكأنه يصنع خيمة سيرك ذات لون أصفر كناري، والناس ينظرون إليه في دهشة.

قال (هاجريد) وهو مستمر في شغل التريكو: «هل معك خطاب المدرسة؟».

فقام (هاري) بإخراجه من جيبه.

(هاجريد): «جيد، هناك قائمة بكل ما تحتاج إليه».

وأخرج (هاري) الورقة الأخرى الموجودة داخل الخطاب والتي لم يلاحظها بالأمس وقرأ:

مدرسة (هوجوورتس) لفنون السحر

الزي المدرسي

أولًا: سيحتاج تلاميذ السنة الأولى إلى الآتي:

١- ثلاثة أرواب سوداء طويلة.

٢- قبعة سوداء عالية للاستعمال اليومي.

٣- قفاز سميك للحماية (جلد تنين).

٤- عباءة شتوية (سوداء بأزرار فضية).

ملاحظة: يجب وضع اسم التلميذ على كل الملابس.

ثانيًا: قائمة الكتب:

يجب أن يكون مع كل تلميذ نسخة من الكتب التالية:

- كتاب التعاويذ الأساسي.. تأليف ميراندا جوشوك.. الصف الأول.

- كتاب تاريخ السحر.. تأليف باثيلدا باجشوت.

- النظرية السحرية.. تأليف أدالبرت وافلنج.

- دليل المبتدئين في التحويل.. تأليف أماتك سويتش.

- ألف عشب وطحلب سحري.. تأليف فيليدا سبور.

- المشروبات والوصفات السحرية.. تأليف أرسينيوس جيجر.

- الوحوش الغريبة وأين تجدها.. تأليف نيوت سكاماندر.

- القوى السوداء: دليل للدفاع عن النفس بقلم كوينتن تريمبل.

أدوات أخرى:

(١) عصا سحرية.

(١) مرجل مقاس٢.

(١) طقم قوارير مصنوع من الزجاج أو الكريستال.

(١) تلسكوب.

(١) ميزان نحاس.

يمكن للتلميذ أن يحضر معه بومة أو قطة أو ضفدعًا.

نذكِّر الآباء بأن الأولاد لا يسمح لهم باستخدام عصي مكانس شخصية في السنة الأولى.

سأل (هاري) مندهشًا: «هل نشتري كل هذا من لندن؟!».

(هاجريد): «طبعًا ما دمنا نعرف من أين نشتريها».

لم يذهب (هاري) إلى لندن من قبل على عكس (هاجريد) الذي بدا أنه يعرف طريقه جيدًا وإن لم يكن معتادًا الذهاب إليها بالطرق العادية كما هو واضح.. لم يستطع المرور من حاجز التذاكر في مترو الأنفاق وأخذ يشكو بصوت عال من أن المقاعد صغيرة جدًّا والقطارات بطيئة.. وقال بينما يصعدان على سلم كهربائي معطل: «لا أعرف كيف يعيش هؤلاء العامة بدون السحر»، وخرجا إلى شارع مليء بالمحال.

وكان (هاجريد) يشق طريقه في الزحام بسهولة بجسمه الضخم ولم يفعل (هاري) إلا السير خلفه ومرَّا على محال تبيع الكتب والشرائط الموسيقية ومطاعم ودور سينما، وكلها كانت أماكن عادية لا يوجد بها ما يشير إلى أنها تبيع عصا سحرية. هل من الممكن أن تكون أموال السحرة الذهبية مدفونة لأميال تحتهم؟ هل هناك حقًّا متاجر تبيع كتب التعاويذ وعصي المكانس السحرية؟ هل يمكن أن يكون ذلك «مقلبًا» دبره له عمه (درسلي)؟ ولكنه يعرف جيدًا أنه لا يحب الفكاهة، ورغم أن كل ما قاله له (هاجريد) يبدو غير معقول فإنه يثق به.

في هذه اللحظة، توقف (هاجريد) وقال: «هذا هو (المرجل الراشح)، إنه مكان شهير جدًّا».

كانت كافيتريا صغيرة قذرة، ما كان (هاري) ليلاحظ وجودها دون إشارة (هاجريد). ولم يكن أحد من المارة يلتفت إليها. كانت عيونهم تنتقل من محل الكتب في هذه الناحية إلى محل الأسطوانات في الناحية الأخرى، وكأنهم لا يرون (المرجل الراشح) على الإطلاق. شعر (هاري) أنه و(هاجريد) الوحيدان القادران على رؤيته وقبل أن يذكر له ذلك، كان (هاجريد) قد فتح الباب وسحبه معه إلى الداخل.

وفكر (هاري) أنه لا يمكن أن يكون مثل هذا المكان شهيرًا؛ فقد كان صغيرًا ومظلمًا وغير مرتب، وتجلس في أحد أركانه مجموعة من السيدات العجائز يحتسين بعض المشروبات، بينما إحداهن تدخن في غليون طويل، وكان هناك رجل قصير يرتدي قبعة عالية يتحدث مع ساق عجوز أصلع.. وما إن دخلا حتى توقف الجميع عن تبادل الحديث، وبدا أن جميع الموجودين يعرفون (هاجريد) فقد تبادلوا معه الابتسامات والتحية وقال له الساقي: «مرحبًا يا (هاجريد). هل تريد مشروبك المعتاد؟».

قال (هاجريد) وهو يربت بيده الضخمة على كتف (هاري) حتى إن ركبتيه انحنتا: «لا، شكرًا يا (توم) إنني في عمل خاص لـ(هوجوورتس)..».

قال الرجل وهو يحملق في (هاري): «يا إلهي! هل هو..؟!! أيمكن أن يكون...؟».

وساد الصمت والسكون فجأة في المكان..

وهمس الساقي العجوز: «غير معقول... (هاري بوتر).. يا له من شرف!».

وأسرع إلى (هاري) يصافحه والدموع في عينيه: «مرحبًا بك يا سيد (بوتر) أهلًا بعودتك».

لم يعرف (هاري) ماذا يقول.. كان الجميع ينظرون إليه، وكان (هاجريد) يبتسم، وسمعوا صوت احتكاك الكراسي بالأرض.. وفي اللحظة التالية، وجد (هاري) نفسه يصافح كل الموجودين في (المرجل الراشح)!

«سيد (بوتر) أنا (دوريس كروكفورد) لا أصدق أني رأيتك أخيرًا».

«سيد (بوتر) لقد تشرفت بلقائك».

«لقد كنت دائمًا أتمنى أن أصافحك.. إنه شرف عظيم».

«سيد (بوتر) أنا (ديدالوس ديجل).. لا تتصور سعادتي بلقائك»

قال له (هاري): «لقد رأيتك من قبل.. فقد أشرت لي بالتحية في أحد المحال».

صرخ (ديدالوس) وهو يدير نظراته بين الجميع: «إنه يتذكرني! هل سمعتم هذا؟ إنه يتذكرني!».

وأخذ (هاري) يصافح يدًا بعد يد، واستمر (دوريس كروكفورد) في العودة لمصافحته من جديد.

واخترق الزحام شاب شاحب شديد العصبية.. تختلج إحدى عينيه بحركة عصبية.

قال (هاجريد): «إنه الأستاذ (كويريل) وهو أحد أساتذتك في المدرسة».

وتعلق الأستاذ بيد (هاري) وقال: «بـ.. بـ.. بوتر..لا..لا تتصور كم أنا سعيد بلقائك».

(هاري): «ما نوع السحر الذي تدرسه يا أستاذ؟».

قال: «الـ... الدفاع عن النفس ضد فـ.. فنون الظلام».. نطقها وكأنه يفضل ألا يفكر بالأمر، وضحك بعصبية وأضاف: «ولـ... لكنك بالطبع لا تـ... تحتاج إليها يا بـ.. بـ.. بوتر؟ أظن أنك ذاهب لـ... لشراء أدواتك؟ ويجب أن أجلب كـ... كتابًا جديدًا عن مصاصي الدماء» وظهر عليه الخوف من الفكرة.

ولم يترك الباقون فرصة للأستاذ للاستحواذ على (هاري)، ومرت عشر دقائق قبل أن يتمكن (هاجريد) أخيرًا من أن يقول بصوت أعلى من أصواتهم: «هيا بنا يا (هاري).. فأمامنا الكثير من الأشياء لنشتريها».

وصافح (دوريس كروكفورد) (هاري) للمرة الأخيرة قبل أن يقوده (هاجريد) عبر المكان، ويخرجا إلى ساحة خالية لا يوجد بها سوى صندوق للقمامة وبعض الأعشاب.

وابتسم (هاجريد) لـ(هاري) وقال: «ألم أقل لك إنك مشهور؟ حتى الأستاذ (كويريل) كان يرتجف فرحًا بلقائك. ولو أنه في الحقيقة دائمًا يرتجف».

(هاري): «هل هو دائمًا عصبي هكذا؟».

(هاجريد): «آهٍ، نعم، مسكين. إنه في منتهى الذكاء. كان على ما يرام عندما كان يدرس في الكتب، ولكنه أخذ إجازة لمدة عام وسافر بحثًا عن التجربة الشخصية.. يقولون إنه قابل مصاصي الدماء في الغابة السوداء، وحدثت له مشكلة فظيعة مع ساحرة شريرة ولم يعد كما كان بعدها. أصبح يخاف من طلابه، ومن المادة التي يدرسها.. الآن، أين مظلتي؟».

مصاصو دماء؟ ساحرات شريرات؟ شعر (هاري) بأن عقله مشوش وفي نفس الوقت كان (هاجريد) يعد أحجار الحائط فوق صندوق القمامة بمظلته وهو يتمتم: «ثلاثة إلى أعلى واثنان بالعرض. بالضبط، تراجع يا (هاري)..» وطرق على الحائط ثلاث مرات بطرف مظلته، بعدها اهتز الحائط وظهرت فتحة في الوسط اتسعت شيئًا فشيئًا حتى أصبحت مدخلًا ذا قبة تتسع لـ(هاجريد) نفسه وتؤدي إلى طريق مبلط طويل يلتوي فلا ترى نهايته.

قال (هاجريد): «مرحبًا بك يا (هاري) في حارة (دياجون)..».

وابتسم لـ(هاري) المذهول وعبرا المدخل.. ونظر (هاري) خلفه بسرعة فرأى الفتحة تنكمش ويعود الحائط كما كان!

كانت أشعة الشمس تنعكس على المراجل الموجودة أمام محل قريب، وقد علقت فوقها لافتة مكتوب عليها: مراجل كل الأحجام نحاس أصفر أو أحمر، قصدير، فضة ذاتي التقليب قابل للطي.

قال (هاجريد): «آه، ستحتاج إلى واحد، ولكن يجب أن نحصل على المال أولًا».

وسار (هاري) وهو يتلفت في كل اتجاه ويتمنى لو أن له عشر عيون؛ حتى يتمكن من رؤية كل شيء: المحال، الأشياء الموجودة أمامها، الناس الذين يقومون بالتسوق.. ومرَّا بامرأة سمينة أمام صيدلية تهز رأسها وتقول: «رطل كبد التنين بسبعة عشر سيكل. لقد جنوا...».

وسمعا صوت نعيق يصدر من متجر مظلم، مكتوب على لافتته: سوق (إيلوبس) للبوم صفراء بنية رمادية ثلجية.. ورأيا العديد من الأولاد في عمر (هاري) يقفون أمام «ڤاترينة» بها عصي مكانس وسمع (هاري) أحدهم يقول: «انظر، مكنسة نيمبوس ٢٠٠٠ الجديدة ــ إنها الأسرع..».

كان هناك محال لبيع الملابس ومحال تبيع التلسكوبات ومعدات فضية غريبة لم يرها (هاري) من قبل، وكانت نوافذ العرض التي يمران بها مكدسة ببراميل ممتلئة بطحال الخفافيش وعيون سمك الثعبان، وبالات مترجرجة من كتب التعاويذ وريش الكتابة ولفائف الورق وزجاجات الوصفات وخرائط كروية للقمر..

وقال (هاجريد): «هاهو ذا (جرينجوتس)».

كانا قد وصلا إلى مبنى أبيض كالثلج يعلو فوق كل المحال الصغيرة.. وأبوابه من البرونز اللامع، ويقف بجوارها أحد الأقزام يرتدي زيًّا لونه فوشيا في ذهبي!

قال (هاجريد): «انظر.. هذا قزم أسطوري..».

وسارا في اتجاهه صاعدين الدرجات الصخرية البيضاء.. كان القزم أقصر من (هاري) له وجه أسمر يشع بالذكاء ولحية مدببة.. ولاحظ (هاري) أن له أصابع وأقدامًا طويلة.. وانحنى لهما القزم في أثناء دخولهما.. والآن وقفا يواجهان بابين آخرين.. لونهما فضي هذه المرة.. ومحفور عليهما:

«ادخل أيها الغريب لكن احترس..

من نتيجة خطيئة الجشع!

لأن هؤلاء الذين يأخذون ما لا يستحقون..

سيعاقبون بأكثر مما يتصورون..

فإذا كنت تبحث عن كنز تحت أرضنا..

كنز ليس لك الحق فيه..

نحذرك أيها اللص.. كن مستعدًّا.

فقد تجد ما هو أكثر بكثير من الكنز هناك!».

قال (هاجريد): «كما قلت، يجب أن تكون مجنونًا لتحاول السطو عليه؟!».

وانحنى لهما قزمان وهما يدخلان من الأبواب الفضية إلى قاعة واسعة من الرخام الفاخر.. بها أكثر من مائة قزم يجلسون فوق كراسي عالية وراء منضدة طويلة يزنون الأموال بموازين نحاسية.. ويفحصون الأحجار الكريمة بنظارات خاصة.. وكان هناك أبواب لا حصر لها يقود الأقزام منها الناس إلى داخل وخارج القاعة.. واتجه (هاجريد) و(هاري) إلى المنضدة..

واختارا أحد الأقزام وقال (هاجريد): «صباح الخير.. أتينا لنحصل على بعض الأموال من خزانة (هاري بوتر!)..».

قال القزم: «هل معك مفتاحه؟».

فرد (هاجريد): «إنه معي في مكان ما هنا».. وبدأ يفرغ ما في جيوبه على المنضدة وتناثرت كمية من البسكويت المفتت فوق دفتر الحسابات الخاص بالقزم، فظهر الامتعاض على وجهه، وشاهد (هاري) القزم الذي على يمينه وهو يزن كومة كبيرة من الياقوت الأحمر، بدت مثل الفحم المتأجج.

وأخيرًا، قال (هاجريد) وهو يمسك بمفتاح ذهبي صغير: «ها هو ذا» ونظر القزم إلى المفتاح جيدًا، ثم قال: «نعم.. هو!».

وقال (هاجريد) باهتمام: «ومعي أيضًا خطاب من السيد (دمبلدور).. إن به ما تعرفه.. الموجود في الخزانة رقم ٧١٣».

قرأ القزم الخطاب بعناية.. وأعاده إلى (هاجريد) وقال: «حسنًا.. سأدعو أحدهم لاصطحابكما إلى الخزانتين... (جريفوك)».

كان (جريفوك) قزمًا آخر.. تبعه (هاجريد) و(هاري) بعد أن جمع (هاجريد) كل البسكويت وأعاده إلى جيبه.. وخرجوا من أحد الأبواب..

وسأل (هاري): «ما هو الموجود في الخزانة رقم ٧١٣؟».

أجاب (هاجريد) بغموض: «لا أستطيع أن أخبرك.. هذا أحد أسرار (هوجوورتس).. إن (دمبلدور) يثق بي.. ويجب أن أحافظ على هذه الثقة!».

وأمسك (جريفوك) لهما الباب حتى يدخلا.. وإذا بهما في ممر صخري مضاء بشعلات نارية؛ مما أثار دهشة (هاري) الذي كان يتوقع رؤية المزيد من الرخام.. كان الممر ينزلق إلى أسفل، وبه قضبان حديدية.. وأطلق (جريفوك) صفارة أقبلت على إثرها عربة صغيرة تجري فوق القضبان.. وصعدوا إليها ودخلها (هاجريد) بصعوبة..

وتحركت العربة في شبكة من الممرات.. حاول (هاري) أن يتبع الطريق..شمال، يمين، يمين، شمال، لكنه عجز بعد قليل.. وبدا أن العربة تعرف طريقها؛ لأن (جريفوك) لم يكن يقودها.. طرف (هاري) عندما ضرب الهواء البارد عينيه، ولكنه أبقاهما مفتوحتيْن على وسعيهما.. ظن (هاري) أنه شاهد نيرانًا تنبثق في نهاية الممر فمال؛ حتى يرى إن كان ذلك تنينًا، ولكن العربة غيرت اتجاهها من جديد وأخذت تهبط بهم إلى أسفل سريعًا.. سريعًا.. ومروا ببحيرة في قلب الأرض.. حيث تدلت من السقف وخرجت من الأرض صخور غريبة الشكل يطلق عليها الحليمات العليا والحليمات السفلى.

نادى هاري هاجريد وسط الضوضاء العالية الصادرة من العربة وقال له: «لم أعرف أبدًا ما الفرق بين الحليمات العليا والسفلى».

رد هاجريد: «الحليمات السفلى سفلى ولكن لا تسألني أي أسئلة الآن، لأني أشعر بالغثيان».

وبدا هاجريد مريضًا فعلًا.

وتوقفت العربة أخيرًا بجوار باب صغير في حائط الممر وهبطوا منها. وكان (هاجريد) يترنح من التعب حتى إنه استند إلى الحائط.. وفتح جريفوك الباب.. وهب عليهم دخان أخضر.. وعندما زال الدخان لهث (هاري) مذهولًا.. رأى أمامه جبالًا من العملات الذهبية.. وأعمدةً من الفضة وأكوامًا من قطع النات البرونزية..

قال (هاجريد) مبتسمًا: «كل هذا ملكك!».

شيء مذهل.. لو أن آل (درسلي) عرفوا بهذا لاستولوا عليه في لحظات.. وكم اشتكى (فيرنون) من تكاليف إقامة (هاري).. وطوال هذا الوقت، كان هذا الكنز موجودًا تحت أرض لندن!

ساعد (هاجريد) (هاري) في وضع بعض النقود في حقيبة.. وشرح له قائلًا: «العملة الذهبية هي الجاليون وتساوي سبع عشرة قطعة سيكل فضية، والسيكل تساوي ٢٩ نات.. المسألة بسيطة.. أليس كذلك؟ هذا سيكفي لمصاريفك خلال هذه السنة وسيكون الباقي في أمان هنا من أجلك».

واستدار إلى جريفوك وقال: «والآن إلى الخزانة رقم ٧١٣ من فضلك.. ولكن، هل من الممكن أن نذهب بسرعة أقل هذه المرة؟».

جريفوك: «لا توجد سوى سرعة واحدة».

وحملتهم العربة هذه المرة إلى عمق أكبر وبأقصى سرعة.. وكان الهواء يزداد برودة وهم يأخذون المنعطفات الضيقة بسرعة، ومروا فوق وادٍ عميق حالك الظلام، فمال (هاري) على جانب العربة؛ ليرى الموجود في القاع المظلم، فزمجر (هاجريد) وسحبه من قفاه ليجلس معتدلًا.. إلى أن توقفوا بجوار باب لا توجد به فتحة مفتاح.. وقال لهما جريفوك: «ارجعا إلى الوراء».

وطرق الباب بأصابعه الطويلة مرتين.. وببساطة، ذاب الباب فورًا! وقال: «إذا حاول أحد من غير الأقزام أن يفعل ذلك.. يغلق عليه الباب على الفور ويظل سجينًا في الداخل».

سأل (هاري): «ومتى تفتشون الخزائن؟».

قال: «كل عشر سنوات».

وابتسم ابتسامة غامضة!

فكر (هاري) لابد أن يكون ما بداخل هذه الخزانة السرية شيئًا فوق العادة، ومال إلى الأمام؛ لينظر وهو يتوقع أن يرى كميات من الجواهر الثمينة داخل الخزانة، لكن ولدهشته الشديدة لم يجد شيئًا من ذلك، وظن في البداية أن الحجرة خالية تمامًا، ثم لاحظ وجود رزمة صغيرة ملفوفة في أوراق بنية ملقاة على الأرض.. التقطها (هاجريد) ووضعها داخل معطفه.. ود (هاري) لو أنه يعرف ما بداخلها، ولكنه كان متأكدًا أنه لا فائدة من السؤال!

وقال (هاجريد): «هيا بنا نعُد.. دون كلام من فضلك.. فأنا مازلت متعبًا».

كانت رحلة العودة سريعة ومرهقة.. وأخيرًا وقفا خارج (جرينجوتس) تحت أشعة الشمس الساطعة.. وفكر (هاري) إلى أين سيذهب الآن وهو يحمل هذه الحقيبة المليئة بالنقود.. لم يكن يحتاج لحساب فرق العملة بين الجاليون والجنيه ليعرف أن النقود التي يحملها أكثر مما حمله طوال حياته.. بل هي أكثر مما حمله (ددلي) نفسه طوال حياته!

قال (هاجريد): «علينا شراء الزي المدرسي أولًا»، وأشار إلى محل ملابس مدام (مالكين) لجميع المناسبات.

وسأل (هاجريد): «..(هاري)، هل يمكنك أن تذهب أنت لشراء الزي المدرسي، بينما ألتقط أنا نفسي قليلًا في المرجل الراشح؟ فأنا مازلت متعبًا. دائمًا ما تتعبني تلك العربات في (جرينجوتس)..».

كان التعب ظاهرًا على (هاجريد) وهكذا دخل (هاري) إلى محل مدام (مالكين) بمفرده وهو يشعر بالعصبية. كانت مدام مالكين ساحرة قصيرة سمينة مبتسمة ترتدي ملابس كلها من اللون البنفسجي الفاتح، وسبقت (هاري) إلى الكلام: «تريد ملابس (هوجوورتس) ياعزيزي؟ لديَّ ولد آخر يختار أيضًا ما يناسبه».

وأشارت إلى نهاية المحل، ورأى ولدًا شاحب الوجه يقف فوق مقعد قصير، ووقفت ساحرة أخرى تضع بعض الدبابيس لتصلح ذيل الثوب.

وقادت مدام (مالكين) (هاري) ليقف على مقعد آخر بجواره ووضعت ثوبًا على رأسه انسدل على جسمه وبدأت تضع به بعض الدبابيس؛ لتضبط الطول.

قال الولد: «أهلًا أنت أيضًا من (هوجوورتس)..».

قال (هاري): «نعم».

الولد: «أبي في المحل المجاور يشتري لي الكتب، وأمي ذهبت لتلقي نظرة على العصي السحرية، وبعد ذلك سأجعلهما يذهبان معي إلى محل مكانس السباق.. لا أعرف لماذا يمنعون طلاب السنة الأولى من استعمال مكانس خاصة بهم!! أظن أنني سأجعل أبي يشتري لي واحدة ثم أقوم بتهريبها إلى داخل المدرسة بوسيلة ما».

وتذكر (هاري) قريبه (ددلي)؛ فقد كان هذا الولد يشبهه كثيرًا.

عاد الولد يسأله: «هل اشتريت مكنستك؟».

رد (هاري): «لا».

الولد: «هل تلعب (الكويدتش)؟».

قال (هاري): «لا»، وأخذ يتساءل ما هذا (الكويدتش) يا تُرَى؟

الولد: «أنا ألعبها. أبي يقول إنها جريمة ألا يتم اختياري لألعب لفريق منزلي.. هل تعرف في أي منزل ستقيم؟».

فرد (هاري) وهو يشعر بغبائه يتزايد لحظة بعد أخرى: «لا».

الولد: «الحقيقة أنه لا أحد يدري مكان إقامته حتى يذهب إلى هناك، ولكنني أعرف أنني سأذهب إلى (سليذرين)؛ فكل عائلتي كانوا به من قبلي. تصور لو ذهبت إلى (هافلباف)، كنت سأنسحب فورًا وأنت أيضًا، أليس كذلك؟».

لم يدر (هاري) ماذا يقول وفي هذه اللحظة هتف الولد: «انظر إلى هذا الرجل»، وأشار إلى (هاجريد) الذي يقف أمام نافذة عرض المحل باسمًا وهو ينظر إلى (هاري) ويشير إلى كوبي الآيس كريم الضخمين اللذين يحملهما؛ ليعرفه أنه لا يستطيع الدخول.

قال (هاري) وهو سعيد بأنه يعرف شيئًا لا يعرفه الولد: «إنه (هاجريد) وهو يعمل في (هوجوورتس)».

قال الولد: «آه، سمعت به، إنه خادم أو شيء من هذا القبيل».

(هاري): «إنه حارس أراضي المدرسة». كان (هاري) يزداد ضيقًا منه كل لحظة.

الولد: «صحيح، سمعت أنه متوحش نوعًا ما.. يعيش في كوخ بفناء المدرسة.. ومن وقت لآخر، يثمل ويحاول أن يمارس السحر.. وينتهي الأمر بأن يحرق فراشه».

رد (هاري) ببرود: «أعتقد أنه شخص عبقري».

قال الولد باحتقار: «صحيح؟ ولكن لماذا يصاحبك؟ أين والداك؟».

قال (هاري) باختصار: «لقد ماتا».

قال الولد: «آه، أنا آسف.» وإن لم يبدُ في صوته أي أسف، وأضاف: «هل كانا منا؟».

(هاري): «كانا ساحريْن إذا كنت تقصد ذلك».

الولد: «يجب ألا يسمحوا للأنواع الأخرى بدخول المدرسة. ألا توافقني الرأي؟ إنهم يختلفون عنا ولا يعرفون شيئًا عن عاداتنا، بل إن بعضهم لم يسمع عن (هوجوورتس) قط من قبل، حتى وصلهم الخطاب.. تخيل هذا! أعتقد أنه من الأفضل أن يقتصر الأمر على عائلات السحرة العريقة فقط. لكن ما اسم عائلتك على أية حال؟»..

وقبل أن يجيبه (هاري)، قالت له مدام (مالكين): «لقد انتهينا من ضبط ملابسك يا عزيزي»، ونزل (هاري) من فوق المقعد وهو غير نادم على انقطاع حديثه مع الولد الذي قال له: «سأراك في (هوجوورتس) على ما أظن».

وأسرع (هاري) يلحق بـ(هاجريد) ويأكل الآيس كريم (بطعم الشيكولاتة والتوت بالمكسرات) في صمت، وسأله (هاجريد): «ما الأمر؟» وأجابه (هاري) كاذبًا: «لا شيء»، وتوقفا لشراء ورق وريش للكتابة، وارتفعت معنويات (هاري) قليلًا عندما وجد زجاجة حبر يتغير لونها في أثناء الكتابة.. وعندما غادرا المحل قال (هاري): «..(هاجريد).. ما (الكويدتش)؟».

(هاجريد): «آه يا (هاري).. لقد نسيت أنك لا تعرف إلا القليل جدًّا عن عالمنا.. حتى إنك لا تعرف شيئًا عن (الكويدتش)!».

قال (هاري): «لا تزد من شعوري بالجهل»، وحكى لـ(هاجريد) عن الفتى الشاحب الذي قابله في محل مدام (مالكين).

«وقال إن الأشخاص من عائلات العامة يجب ألا يسمح لهم بالدخول إلى (هوجوورتس)..».

«حسنًا، إنك لا تنتمي إلى عائلة من العامة، ولو عرف من أنت لوجدته يعرف اسمك، ولقد رأيت بنفسك كيف استقبلك الناس في (المرجل الراشح).. وعلى أية حال، ما الذي يعرفه هذا الولد عن الموضوع؟ بعض أفضل السحرة الذين عرفتهم كانوا من عائلات كلها من العامة.. انظر إلى أمك! وكيف هي أختها!».

«ولكن ما (الكويدتش)؟».

«إنها.. رياضتنا الشعبية.. إنها مثل كرة القدم في عالم العامة.. كل الناس يتابعون أخبارها وتُلعب في الفضاء فوق المكانس السحرية وبأربع كرات.. من الصعب شرح كل قواعدها الآن».

سأله: «وما (سليذرين) و(هافلباف)؟».

قال (هاجريد): «بيوت المدرسة وهي أربعة بيوت، ويقولون إن (هافلباف) هو الأقل قيمة بينها ولكن..».

قال (هاري) بكآبة: «أراهن أنني في (هافلباف)..».

قال (هاجريد) متجهمًا: «أن تكون في (هافلباف) أفضل من أن تكون في (سليذرين). كل السحرة الذين أصبحوا أشرارًا كانوا في (سليذرين). ومنهم (أنت تعرف من)..».

(هاري): «ماذا؟ هل ذهب فولـ..، آسف، (أنت تعرف من) إلى (هوجوورتس)؟».

(هاجريد): «نعم، منذ سنوات.. سنوات بعيدة».

واشتريا الكتب المدرسية من محل (فلوريش وبلوتس) وكانت الرفوف مليئة إلى السقف بالكتب، بعضها كبير جدًّا مثل الحجارة الضخمة ومغلف بالجلد، وبعضها صغير جدًّا مثل طابع البريد ومغلف بالحرير. معظم الكتب كان عليه رموز غريبة، والقليل منها لا يوجد عليه أي كتابة.. ولو رأى أي شخص هذه الكتب حتى (ددلي) الذي لم يقرأ شيئًا في حياته لأراد اقتناءها، واضطر (هاجريد) لأن يجر (هاري) بعيدًا من أمام كتب اللعنة واللعنة المضادة (كيف تسحر أصدقاءك وتخبل أعداءك بأحدث أنواع سحر الثأر: سقوط الشعر، الأرجل الهلامية، ربط اللسان وأكثر وأكثر بكثير) بقلم الأستاذ: (فينديكتوس فيريدين).

قال (هاري): «إنني أحاول أن أعرف كيف أسحر (ددلي)..».

(هاجريد): «لا أقول إنها فكرة سيئة.. ولكن غير مسموح لك باستعمال السحر مع العامة إلا في ظروف خاصة جدًّا. كما أنك لا تستطيع القيام بأي من هذه التعاويذ.. يجب أن تتعلم الكثير قبل أن تصل لهذا المستوى».

ومنع (هاجريد) (هاري) من شراء مرجل من الذهب الخالص قائلًا: «مكتوب في قائمتك إنه يجب أن يكون مصنوعًا من الزنك» واشتريا أيضًا ميزانًا ممتازًا لوزن مكونات الوصفات وتلسكوبًا نحاسيًّا ثم ذهبا إلى محل العطارة الذي كان مليئًا بالأشياء المثيرة مما يعوض عن الرائحة الفظيعة التي كانت تفوح بداخله والتي تشبه خليطًا من البيض الفاسد والكرنب المتعفن، كانت هناك براميل ممتلئة بأشياء لزجة واقفة على الأرض، وبرطمانات بها أعشاب وجذور مجففة ومساحيق ذات ألوان زاهية مصفوفة على الحوائط، وحزم من الريش وعقود من الأنياب وربطات من المخالب معلقة في السقف. وبينما كان (هاجريد) يشتري مؤنًا من بعض المكونات الأساسية للوصفات اللازمة لـ(هاري)، أخذ (هاري) يفحص قرونًا فضية خاصة بالحصان ذي القرن، الواحد منها بـ٢١ جاليون وعيون خنفساء صغيرة جدًّا ولامعة (المغرفة منها بخمس نوتات). وعندما خرجا من المحل، وقف (هاجريد) يراجع لائحة الأشياء المطلوبة مرة أخرى، ثم قال: «لم يبق سوى العصا السحرية.. ولم أشترِ لك حتى الآن هدية عيد ميلادك».

شعر (هاري) بالخجل وقال: «لست مضطرًّا..».

(هاجريد): «أعرف أنني لست مضطرًّا، لكن سأشتري لك حيوانك الخاص، لن يكون ضفدعًا؛ فالضفادع أصبحت موضة قديمة منذ سنوات، وأنا لا أحب القطط؛ فهي تجعلني أعطس. أتعرف، سأشتري لك بومة.. كل الأولاد يتمنون الحصول على بومة؛ فهي مفيدة جدًّا؛ لأنها تحمل بريدك وصحفك وكثيرًا من الأشياء».

وبعد عشرين دقيقة خرجا من سوق إيلوبس للبوم، والذي كان مظلمًا ومليئًا بأنواع البوم المختلفة بعيونها اللامعة كالجواهر.. و(هاري) يحمل قفصًا كبيرًا به بومة جميلة بيضاء كالثلج غارقة في النوم، وقد دست رأسها تحت جناحها. وأخذ (هاري) يكرر شكره لـ(هاجريد) متلعثمًا حتى بدا مثل الأستاذ (كويريل).

قال له (هاجريد): «لا شيء يستحق الشكر. يبدو أنك لم تحصل على الكثير من الهدايا من آل (درسلي). على أية حال، لم يبق أمامنا إلا محل (أوليفاندر) حيث ستحصل على أفضل عصا سحرية».

عصا سحرية.. كان هذا أكثر شيء يتشوق له (هاري).

كان المتجر الأخير ضيقًا وبدون ترتيب.. مكتوبًا عليه بحروف ذهبية (أوليفاندر).. صانعو العصي السحرية الممتازة منذ ٣٨٢ ق.م. وعلى وسادة قرمزية في «ڤاترينة» المحل المتربة توجد عصا وحيدة.

ودق جرس رقيق في مكان ما عندما فتحا الباب.. وكان المكان خاليًا فيما عدا مقعدًا وحيدًا.. أسرع (هاجريد) بالجلوس عليه منتظرًا وشعر (هاري) بشعور غريب وكأنه دخل في مكتبة من النوع الصارم جدًّا وابتلع الكثير من الأسئلة الجديدة التي خطرت بباله، وأخذ ينظر إلى آلاف الصناديق الرفيعة الموضوعة فوق بعضها بترتيب من الأرض حتى السقف.. ولسبب ما، شعر بقشعريرة في مؤخرة عنقه. كان التراب والصمت حولهما يوحيان بوجود سحر ما.

وقفز (هاري) مكانه وربما (هاجريد) أيضًا عندما سمعا صوتًا يقول: «مساء الخير»، ووقف أمامهما رجل عجوز.. تلمع عيناه الشاحبتان مثل القمر وسط ظلام المكان.

قال (هاري) مرتبكًا: «مرحبًا».

وهتف الرجل: «آه.. نعم.. نعم.. نعم كنت أعرف أنني سألتقي بك قريبًا.. (هاري بوتر).. إن عينيك تشبهان عيني أمك تمامًا.. وكأنني أراها أمامي وهي تشتري عصاها السحرية الأولى.. كان طولها عشر بوصات وربعًا ومصنوعة من خشب البندق.. ممتازة في أداء التعاويذ»، واقترب أكثر من (هاري) الذي تمنى لو أنه يطرف فقد كانت عيناه الفضيتان مخيفتين إلى حد ما. وقال: «أما أبوك.. فقد فضل عصا من خشب الماهوجني طولها ١١بوصة.. مرنة ولكنها قوية وتصلح للتحويل.. حسنًا.. لقد قلت إن أباك فضلها ولكن الحقيقة أن العصا هي التي تختار الساحر بالطبع».

واقترب السيد (أوليفاندر) من (هاري) أكثر وأكثر حتى أصبح بمقدور (هاري) أن يرى انعكاس صورته في تلك العيون الضبابية.

ومد (أوليفاندر) إصبعًا طويلًا أبيض، ولمس الندبة في جبهة (هاري) وقال برقة: «إنني آسف لأن أقول إن العصا التي فعلت لك هذا كانت من صنعي.. كان طولها ثلاث عشرة بوصة ونصفًا.. «ياه» عصا قوية! قوية جدًّا ولكن وقعت في الأيدي الخطأ.. حسنًا، لو أنني عرفت مسبقًا ما ستفعله هذه العصا في العالم...».

ثم هز رأسه وفي هذه اللحظة رأى (هاجريد) فقال: «روبياس.. روبياس (هاجريد) ما أجمل أن أراك! كانت عصاك من خشب البلوط وطولها ست عشرة بوصة.. أليس كذلك؟».

قال (هاجريد): «كانت كذلك يا سيدي».

قال الرجل وقد بدا عليه الضيق فجأة: «عصا جيدة.. ولكنني أظن أنهم قد حطموها عندما فصلت من هناك.. أليس كذلك؟».

قال (هاجريد) وهو يحرك قدميه: «بلى.. فعلوا»، ثم أضاف بانشراح: «ولكنني ما زلت أحتفظ بأجزائها».

قال السيد (أوليفاندر) بصرامة: «ولكنك لا تقوم باستخدامها!».

قال (هاجريد) بسرعة: «لا بالطبع يا سيدي»، ولاحظ (هاري) أن (هاجريد) قد أحكم قبضته على مظلته وهو يتكلم.

قال (أوليفاندر) بعد أن نظر إلى (هاجريد) نظرة نافذة: «حسنًا.. والآن يا سيد (بوتر).. دعنا نعرف المقاس المطلوب.. ما الذراع التي تستعملها؟».

(هاري): «اليُمنى».

وأخرج الرجل من جيبه شريطًا رفيعًا عليه أرقام باللون الفضي، وأخذ مقاس الذراع من الكتف وحتى إصبع اليد.. ثم من الكوع إلى اليد، ومن الكتف حتى الأرض ومقاس الرأس.. وهكذا.

وفي أثناء القياس، أخذ السيد (أوليفاندر) يقول: «يوجد داخل كل عصا من عصي (أوليفاندر) قلب من مادة سحرية شديدة القوة.. ونحن نستخدم شعر الحصان وحيد القرن وريش ذيل العنقاء أو خيوط قلب التنين.. ولا تتشابه أيٌّ من عصي (أوليفاندر) مع الأخرى.. بالضبط مثل اختلاف كل تنين وعنقاء وحصان وحيد القرن عن الآخر. وبالطبع لن تحصل على نفس النتائج لو استخدمت عصا ساحر آخر».

ولاحظ (هاري) فجأة أن الشريط الذي يقوم بقياس المسافة بين فتحتي أنفه يعمل وحده.. كان السيد (أوليفاندر) قد انطلق إلى الرفوف وأخذ ينزل ما عليها من صناديق، ثم قال: «هذا يكفي»، فتوقف الشريط عن القياس وتكوَّم على الأرض.

(أوليفاندر): «حسنًا إذًا، جرب هذه يا سيد (بوتر).. من خشب الزان وأوتار قلب التنين.. طولها تسع بوصات وهي مرنة وجيدة.. أمسكها وحركها كالموج».

أمسك (هاري) بالعصا (وهو يشعر بالغباء) وحركها عاليًا.. لكن الرجل اختطفها منه على الفور.. وقال: «لا.. هذه من خشب شجر القيقب وريش العنقاء وطولها سبع بوصات، جربها».

وجربها (هاري).. ولكنه كان بالكاد قد رفع العصا قبل أن يختطفها منه السيد (أوليفاندر) قائلًا: «لا..لا.. خذ هذه أبنوس وشعرة حصان وحيد القرن، طولها ثماني بوصات ونصف.. هيا.. هيا جربها».

وأخذ (هاري) يجرب العصا الواحدة تلو الأخرى، وهو لا يعرف ما ينتظره السيد (أوليفاندر) بالضبط حتى تراكمت العصي فوق بعضها على الكرسي.. وكلما جذب السيد (أوليفاندر) المزيــد مــن العصـي من على الرفوف، زاد ابتهاجه.. وأخيرًا.. توقف وقال: «لا تقلق، سوف نجد ما يناسبك.. آه.. لم لا؟ توليفة غير معتادة..عصا من خشب شجرة عيد الميلاد وريش العنقاء.. طولها إحدى عشرة بوصة.. جميلة ولينة..».

وأمسك بها (هاري).. وشعر فجأة بشعور غريب؛ شعر بحرارة في أصابعه.. ورفع العصا فوق رأسه ثم جذبها في الهواء.. وانبعث تيار من الشرر الأحمر والذهبي، مثل الألعاب النارية من طرف العصا.. وصدر عنها نقط ضوء راقصة على الجدران.

وصفق (هاجريد).. وقال السيد (أوليفاندر): «آه.. أحسنت! رائع حقًّا.. رائع جدًّا جدًّا جدًّا.. شيء غريب.. غريب فعلًا..».

وضع العصي في العلبة وغلفها بورق بني وهو لايزال يردد كلمة: «غريب.. غريب..» فسأله (هاري) عن السبب، فقال: «إنني أذكر كل عصا بعتها في حياتي يا سيد (بوتر).. كل واحدة منها.. ولهذه العصا شقيقة وحيدة مصنوعة من ريشة أخرى، أتت من نفس طائر العنقاء الذي صنعت منه عصاك، ومن الغريب فعلًا أن يربطك القدر بهذه العصا، بينما شقيقتها هي التي صنعت لك هذه الندبة.. غريب جدًّا».

ابتلع (هاري) ريقه.

(أوليفاندر): «كان طولها ثلاث عشرة بوصة ونصفًا.. غريب فعلًا ما يحدث.. تذكر أن العصا هي التي تختار الساحر.. يجب أن ننتظر منك يا سيد (بوتر) أعمالًا عظيمة.. وعلى كل حال، فإن الذي يجب ألا نذكر اسمه قد قام بأعمال عظيمة.. رهيبة صحيح.. ولكن عظيمة».

ارتعد (هاري) وشعر بأنه لا يحب هذا الرجل ودفع له سبعة جاليونات ذهبية ثمنًا للعصا وحياهما الرجل وانصرفا.

كانت الشمس تميل نحو الغروب و(هاجريد) و(هاري) يخرجان من حارة (دياجون).. عائديْن خلال الحائط وعبرا الكافيتريا التي أصبحت الآن خالية وظل (هاري) صامتًا طوال الطريق حتى إنه لم يلاحظ تحديق الناس في مترو الأنفاق إلى الحُزم غريبة الشكل التي يحملانها والبومة البيضاء النائمة في قفصها على حجر (هاري) وصعدا سلمًا متحركًا آخر إلى محطة (بادينجتون) ولم يلاحظ (هاري) إلى أين وصلا حتى وضع (هاجريد) يده على كتفه وقال له: «هناك وقت لتناول بعض الطعام قبل أن يغادر قطارك».

واشترى لـ(هاري) هامبورجر وجلسا معًا فوق بعض المقاعد البلاستيكية يأكلان وأخذ (هاري) ينظر حوله وقد بدت الأشياء من حوله غريبة.

ثم سأله (هاجريد): «(هاري)، هل أنت بخير؟ أراك صامتًا».

ماذا يقول (هاري)؟ إن هذا هو أسعد عيد ميلاد قضاه في حياته.. ومع ذلك، أخذ يمضغ طعامه وهو يحاول أن يجد الكلمات المناسبة؛ لشرح ما بداخله.

وأخيرًا قال: «كل الناس يعتقدون أنني مميز، كل هؤلاء الناس في (المرجل الراشح) والأستاذ كويريل والسيد (أوليفاندر).. لكنني لا أعرف أي شيء عن السحر، فكيف يتوقعون منى أعمالًا عظيمة؟ الناس يشيرون إلىَّ على أنني شخص شهير، وأنا حتى لا أتذكر السبب، ولا أعرف ماذا حدث عندما قام فولـ... آسف أقصد في الليلة التي مات فيها والداي».

مال (هاجريد) عبر المائدة وقد ارتسمت خلف الشعر الكثيف الذي يخفي وجهه ابتسامة رقيقة وقال: «لا تقلق يا (هاري)، ستتعلم كل شيء بسرعة. الجميع يبدأ من الصفر في (هوجوورتس) وأنا متأكد من أنك ستكون على خير ما يرام هناك. فقط كن على سجيَّتك. أعلم أن الأمر صعب خصوصًا أن الجميع يتوقع منك الكثير، وهذا شيء صعب فعلًا، لكنك ستقضي وقتًا رائعًا في (هوجوورتس)، فأنا قضيت ولا أزال أقضي وقتًا رائعًا هناك».

ساعد (هاجريد) (هاري) على وضع مشترياته في القطار الذي سيعيده إلى منزل آل (درسلي) وأعطاه ظرفًا ورقيًّا وقال: «هنا تذكرتك إلى (هوجوورتس).. في اليوم الأول من سبتمبر، تركب القطار من محطة (كينجز كروس).. كل التعليمات مكتوبة على التذكرة، وإذا ضايقك أحد من آل (درسلي) فابعث لي رسالة مع البومة وستعرف هي كيف تجدني.. إلى اللقاء يا (هاري)..».

وتحرك القطار من المحطة.. وألصق (هاري) وجهه بالزجاج؛ حتى يرى (هاجريد) إلى أقصى مسافة ممكنة.. لكن بمجرد أن طرفت عيناه.. اختفى (هاجريد)!

2019/11/29 · 600 مشاهدة · 5459 كلمة
Adk3RAK
نادي الروايات - 2024