6 - الرحلة من الرصيف رقم تسعة وثلاثة أرباع

قضى (هاري) الشهر الأخير مع عائلة (درسلي).. لم يكن لطيفًا.. صحيح أن (ددلي) أصبح الآن يخاف منه ولا يجلس معه في حجرة واحدة، وخالته وزوجها لم يحبساه في الخزانة أو يجبراه على عمل أي شيء لا يريده أو يصيحا في وجهه، بل إنهما في الحقيقة امتنعا عن الحديث معه.. وتجاهلاه تمامًا وكأنه غير موجود على الإطلاق وكان هذا يعتبر تحسنًا من نواحٍ كثيرة إلا أنه أصبح شيئًا محزنًا بعد فترة.

وهكذا كان (هاري) يقضي وقته كله في حجرته وحيدًا مع رفيقته الوحيدة.. البومة.. وأطلق عليها اسم (هيدويج) وهو اسم وجده في كتاب تاريخ السحر.. وكانت كتبه المدرسية جذابة وشائقة، فأخذ يقضي وقته ساهرًا بالليل يقرؤها، بينما تطير (هيدويج) إلى الخارج وتعود من النافذة كما تشاء.. ومن حسن الحظ أن الخالة (بتونيا) لم تعد تأتي لتنظيف الحجرة بالمكنسة الكهربائية؛ لأن (هيدويج) كانت تُحضر معها فئرانًا ميتة.

وكل ليلة قبل أن ينام، كان (هاري) يضع علامة على اليوم في نتيجة ورقية كان قد ثبتها على الحائط بدبوس؛ حتى يعرف التاريخ.. وفي اليوم الأخير من شهر أغسطس، شعر بأنه يجب أن يخبر خالته وزوجها عن ذهابه إلى محطة (كينجز كروس) في اليوم التالي، فنزل من غرفته لرؤيتهما.

كانت الأسرة تجلس في حجرة المعيشة تشاهد أحد برامج المسابقات في التليفزيون، فدخل (هاري) إلى الحجرة.. وغمغم بالتحية حتى يعرفوا أنه معهم.. فصرخ (ددلي) وجرى خارجًا من الغرفة.. قال (هاري): «خالي (فيرنون)» فصدر عن الخال (فيرنون) صوت يشبه الشخير؛ ليظهر أنه يسمعه، فأكمل (هاري): «يجب أن أذهب غدًا إلى محطة (كينجز كروس)؛ لأتجه إلى (هوجوورتس). هل يمكنك أن تصطحبني بالسيارة إلى هناك؟».

وسمع (هاري) الصوت الذي يشبه الشخير مرة أخرى فاعتبرها موافقة، وقال له: «شكرًا».

وكان (هاري) على وشك العودة إلى حجرته عندما نطق الخال (فيرنون) أخيرًا وقال: «شيء غريب أن تذهب إلى مدرسة للسحر بالقطار! أين ذهبت البسط السحرية؟ هل بليت جميعًا؟».

لم يرد (هاري) بشيء.

قال (فيرنون): «وأين مكان هذه المدرسة؟».

اكتشف (هاري) فجأة أنه وحتى هذه اللحظة لا يعرف مكان المدرسة فأخرج التذكرة التي أعطاها له (هاجريد) من جيبه وقال: «لا أعرف، كل ما أعرفه أنني يجب أن أركب قطار الساعة الحادية عشرة من رصيف تسعة وثلاثة أرباع من محطة (كينجز كروس)..».

وصرخ (فيرنون) وزوجته في لحظة واحدة: «رصيف ماذا؟».

(هاري): «تسعة وثلاثة أرباع».

قال (فيرنون): «كلام فارغ، لا يوجد مثل هذا الرصيف فإما تسعة وإما عشرة».

(هاري): «هذا هو المكتوب على التذكرة».

(فيرنون): «إنهم جماعة من المجانين والمختلين.. وسوف ترى. حسنًا، سنأخذك إلى محطة (كينجز كروس) ولولا أننا فقط ذاهبون إلى لندن غدًا على أية حال، ما كنت لأتعب نفسي».

فسأله (هاري) وهو يحاول أن يحافظ على جو من الصداقة معهم: «وما سبب ذهابكم إلى لندن غدًا؟».

قال الخال (فيرنون) مزمجرًا: «سنأخذ (ددلي) إلى المستشفى؛ حتى يزيلوا له هذا الذيل قبل أن يذهب إلى مدرسته».

استيقظ (هاري) في الخامسة صباحًا ولم يستطع النوم مرة أخرى.. كان عصبيًّا ومتوترًا وارتدى ملابسه العادية، وقد قرر أن يبدلها في القطار بملابس المدرسة، واطمأن على وجود كل احتياجاته وأدواته الدراسية ووجود (هيدويج) في قفصها، ثم جلس في انتظار العائلة حتى تستيقظ.

وبعد ساعتين، وضع (هاري) صندوقه الثقيل في السيارة وبعد أن أقنعت الخالة (بتونيا) (ددلي) بالجلوس بجوار (هاري) في المقعد الخلفي، انطلقوا.. ووصلوا إلى محطة (كينجز كروس) في العاشرة والنصف، ووضع الخال (فيرنون) صندوق (هاري) على إحدى عربات الحقائب، ودفعها إلى داخل المحطة وهو تصرُّف لطيف أثار استغراب (هاري) حتى توقف الخال (فيرنون) عند الأرصفة وابتسم ابتسامة خبيثة.

وقال: «ها هو ذا الرصيف رقم تسعة والثاني هو الرصيف رقم عشرة لا شيء بينهما، يبدو أنهم لم يقيموا رصيفك بعد.. أتمنى لك دراسة سعيدة».. ومضى وهو يبتسم ابتسامة أكثر خبثًا.

نظر إليه (هاري) مذهولًا حتى استقل السيارة ومضى، وكان الثلاثة يضحكون ساخرين منه.

ماذا يفعل؟ الأمر صحيح.. لافتة عند الرصيف تحمل رقم (٩) وأخرى عند الرصيف التالي تحمل رقم (١٠)ولا شيء بينهما.. وكان المارة قد بدءوا ينظرون إليه باستغراب بسبب (هيدويج)، فشعر بأن عليه أن يسأل شخصًا ما. استوقف أحد الحراس المارين وسأله.. لم يجرؤ على سؤاله عن الرصيف رقم تسعة وثلاثة أرباع فسأله عن القطار الذي يذهب إلى (هوجوورتس)، فأجابه الحارس بأنه لم يسمع بها من قبل، وسأله عن مكانها، وعندما لم يستطع (هاري) إجابته، ظهر عليه الضيق وكأن (هاري) يدَّعى الجهل عن قصد، وأصاب (هاري) اليأس، فسأله عن القطار الذي يغادر المحطة في الساعة الحادية عشرة ولكن الحارس أجابه بأنه لا توجد قطارات تغادر في هذا الوقت.. وفي النهاية، مضى الحارس مبتعدًا عن (هاري) وهو يغمغم لاعنًا هؤلاء الذين يضيعون الوقت. وحاول (هاري) الحفاظ على رباطة جأشه ووقف حائرًا.. كانت الساعة الكبيرة الموجودة فوق لوحة وصول القطارات تشير إلى أن موعد القطار يحل بعد عشر دقائق.. وها هو ذا يقف مع صندوق ضخم وكمية كبيرة من نقود السحرة وقفص به بومة نائمة.. لا يعرف أين يذهب أو يتجه!

يبدو أن (هاجريد) نسي أن يخبره بشيء ما يجب أن يفعله ليصل إلى الرصيف.. شيء كالضغط على الحجر الثالث على الشمال للدخول إلى حارة (دياجون) مثلًا.. وتساءل إن كان عليه أن يخرج عصاه السحرية ويخبط بها على صندوق التذاكر الموجود بين الرصيف رقم تسعة والرصيف رقم عشرة.

في هذه اللحظة، مرت مجموعة من الناس وراءه والتقط سمعه بعضًا من كلماتهم:

«..مزدحم بالعامة، بالطبع..».

واستدار إليهم (هاري). كانت سيدة تتحدث إلى أربعة من الأولاد ذوي شعر أحمر لامع وكل منهم يدفع صندوقًا مثل صندوق (هاري).. وكانت معهم بومة.. دق قلب (هاري).. ودفع العربة بالصندوق وراءهم.. توقفوا.. وكذلك فعل.. قريبًا منهم؛ حتى يتمكن من الاستماع إليهم.

سألت أم الأولاد: «الآن ما رقم الرصيف؟».

ردت فتاة صغيرة ذات شعر أحمر أيضًا تمسك بيد الأم: «تسعة وثلاثة أرباع! ألا يمكنني أن أذهب يا أمي..».

الأم: «إنك ما زلت صغيرة يا (جيني).. والآن اسكتي. حسنًا، اذهب أنت أولًا يا (بيرسي)».

وذهب أكبر الأولاد في اتجاه الأرصفة رقم تسعة وعشرة.. و(هاري) يراقبه بكل دقة؛ حتى لا يغيب عن نظره.. لكن في اللحظة التي وصل فيها الولد إلى الحاجز بين الرصيفين، ظهرت مجموعة كبيرة من السياح غطت عليه وعندما ابتعدت كان الولد قد اختفى!

قالت الأم: «..(فريد).. هذا دورك!».

رد الولد: «أنا لست (فريد).. أنا (جورج).. من المفترض أنك أمنا، ألا تعرفين أنني (جورج)؟!».

الأم: «آسفة يا عزيزي جورج».

قال الولد: «لقد كنت أمزح.. أنا (فريد)..» وأسرع بالذهاب وناداه شقيقه التوءم قائلًا: «أسرع».. ويبدو أنه فعل؛ لأنه بعد لحظة واحدة اختفى تمامًا.. والآن اتجه الأخ الثالث إلى حاجز التذاكر بسرعة وما إن وصل إليه حتى اختفى أيضًا فجأة ولم يعرف (هاري) أين ذهب.

اتجه (هاري) إلى السيدة وقال: «سيدتي.. من فضلك!».

وهتفت السيدة: «مرحبًا يا عزيزي.. أنت في السنة الأولى في (هوجوورتس).. رون أيضًا مثلك..».

وأشارت إلى ابنها الرابع.. أصغرهم.. كان طويلًا ونحيلًا.. ويغطي النمش وجهه.. وله يدان كبيرتان وقدمان كبيرتان!

قال (هاري): «نعم.. وأنا لا.. لا أعرف كيف... كيف...».

قالت برقة: «لا تعرف كيف تصل إلى الرصيف!» أومأ (هاري) برأسه موافقًا.

قالت: «لا تقلق.. كل ما عليك هو السير مباشرة إلى القضيب الحاجز بين رصيفي تسعة وعشرة حتى تصطدم به.. ومن المهم ألا تخاف من شيء.. وعليك بالسير بسرعة أو الجري إن استطعت.. هيا.. وسيتحرك (رون) وراءك».

قال (هاري): «شكرًا..».

ودفع العربة التي تحمل صندوقه أمامه.. واتجه إلى الحاجز الذي بدا أمامه صلبًا.. وأسرع في حركته وانحنى على العربة.. واندفع بها.. وبدأ (هاري) يقترب من الحاجز أكثر وأكثر.. شعر بأنه فقد السيطرة على العربة ولم يعد قادرًا على التوقف.. أصبح على بُعد قدم من الحاجز الآن.. أغمض عينيه في انتظار الاصطدام بالحاجز.. ولكنه لم يحدث.. كان لا يزال مندفعًا بالعربة.. وفتح عينيه..

رأى أمامه قطارًا قرمزيًّا يقف على رصيف، مليئًا بالناس.. وعليه لافتة تقول قطار (هوجوورتس) السريع.. الساعة ١١.. ونظر خلفه ورأى مدخلًا ذا قبة من الحديد المشغول مكان كشك التذاكر مكتوبًا عليه رصيف تسعة وثلاثة أرباع.. لقد نجح!

انتشر دخان القطار فوق رءوس المسافرين وأسرهم، بينما تجري القطط بكل الأحجام والألوان في كل مكان.. وارتفع النعيق الساخط المتبادل بين البوم فوق الأحاديث المتبادلة بين الناس والأصوات الصادرة من شد الصناديق الثقيلة على الأرض!

كانت العربات الأولى قد ازدحمت بالمغادرين من التلاميذ.. وكان بعضهم يتحدث مع عائلاتهم من النافذة، بينما البعض الآخر يتشاجر على المقاعد ودفع (هاري) بالعربة أمامه، وأخذ ينظر من النوافذ باحثًا عن مقعد خال.. ومرَّ بولد ذي وجه مستدير يقول: «جدتي، لقد ضاع ضفدعي مرة أخرى».

وسمع السيدة العجوز تتنهد قائلة: «أوه يا (نيفيل)».

ورأى جماعة صغيرة من الأولاد تحيط بفتى ذي شعر طويل مجعد ويقولون له: «اجعلنا نراه يا (لي)، هيا».

فتح الولد غطاء صندوق صغير بين ذراعيه وصرخ الأولاد من حوله وصاحوا عندما مد الشيء الموجود بداخل الصندوق رجلًا طويلة مشعرة.

ومضى (هاري) ماشيًا بين الزحام حتى عثر على مقصورة خالية في العربة الأخيرة... وضع (هيدويج) في الداخل أولًا، ثم حاول رفع الصندوق الثقيل.. لكنه لم يتمكن إلا من رفع طرف واحد.. لم يلبث أن سقط على قدمه.. وجاءه صوت من خلفه يسأل: «أتريد مساعدة؟». كان أحد التوءمين ذوي الشعر الأحمر اللذين تبعهما عبر الحاجز.

قال (هاري) وهو ينهج: «نعم من فضلك».

وهتف مناديًا على شقيقه: «(فريد).. تعال وساعدنا!».

وساعده الاثنان في وضع الصندوق في ركن المقصورة بالقطار وقال (هاري): «شكرًا» ومد يده ورفع بها الشعر المبلل بالعرق عن عينيه، وهتف أحد التوءمين مشيرًا إلى الندبة التي تشبه البرق في جبين (هاري): «ما هذا؟».

وقال الآخر: «واو.. هل أنت..؟!».

قال الأول: «هو. ألست هو..؟».

(هاري): «ماذا؟»

قال التوءمان معًا: «(هاري بوتر)!».

قال (هاري): «نعم.. هو.. أقصد نعم، أنا».

وأخذ التوءمان ينظران إليه بانبهار فشعر (هاري) بالخجل.. حتى جاءهما صوتُ أمهما من الباب المفتوح: «فريد.. جورج.. هل أنتما هناك؟».

قالا: «حالًا يا أمي!».

ونظرا إلى (هاري) مرة أخيرة ثم قفزا من القطار!

وجلس (هاري) وراء النافذة.. مختفيًا بعض الشيء وكان بإمكانه أن يرى العائلة ذات الشعر الأحمر، وأن يسمع حديثهم.. وقالت الأم: «رون هناك شيء يلوث أنفك..».

وحاول أصغر الأولاد الابتعاد عنها، ولكنها كانت قد أخرجت منديلًا، وأخذت تمسح به طرف أنفه بشدة.. ولكنه نجح في التخلص من يدها وهو يقول: «كفِّي عن هذا يا أمي».

قال أحد التوءمين: «آه، ما هذا الذي على أنفك يا (روني) الصغير؟».

(رون): «اسكت».

قالت الأم: «أين (بيرسي)؟».

«هاهو ذا قادم».

وجاء الأخ الأكبر.. وكان يرتدي الزي المدرسي الأسود الخاص بـ(هوجوورتس).. ولاحظ (هاري) وجود شعار فضي على صدره مكتوب عليه حرف (ر)!

قال: «لن أستطيع البقاء طويلًا يا أمي.. يجب أن أذهب إلى المقدمة.. هناك مقصورتان مخصصتان لرواد المنازل في المدرسة!».

قال أحد التوءمين وكأنه فوجئ: «آه، هل أنت من رواد المنازل يا (بيرسي)؟! كان يجب أن تقول لنا. ليست لدينا أي فكرة».

ردَّ توءمه: «انتظر. أعتقد أنني سمعته يقول شيئًا عن هذا الأمر مرة».

«أو مرتين..».

«أو هي مائة مرة..».

«أو ربما طوال الصيف..».

قال بيرسي: «اصمت.. لا تتكلم!».

قال أحد التوءمين: «لماذا حصل (بيرسي) على ملابس جديدة للمدرسة على أية حال؟».

قالت الأم بفخر: «لأنه رائد منزل».

واتجهت إليه وقالت: «حسنًا يا عزيزي.. أتمنى لك عامًا دراسيًّا ممتازًا.. أرسل لي رسالة مع البومة عندما تصلون!».

وقبلته على خديه.. وغادر مسرعًا.. واتجهت إلى التوءمين!

قالت: «وأنتما.. يجب أن تتصرفا بأدب.. إذا وصلتني أي بومة بشكوى أنكما قمتما بتفجير تواليت.. فسيكون العقاب شديدًا!».

«تفجير تواليت! إننا لم نقم بتفجير تواليت من قبل».

«ولكنها مع ذلك فكرة رائعة، شكرًا لكِ يا أمي».

الأم: «أنا لا أمزح. واعتنيا بـ(رون)..».

قالا: «اطمئني.. سيكون (روني) الحبُّوب في أمان معنا!».

وصاح رون: «كفى!» كان في نفس طول التوءمين تقريبًا.. وما زال أنفه شديد الاحمرار بعد أن دلكته أمه!

فجأة قال أحد التوءمين: «أمي، خمني من معنا في نفس القطار؟».

وتراجع (هاري) إلى الخلف حتى لا يلاحظوا وجوده!

وقال الثاني: «لقد كان معنا على الرصيف؛ ذلك الفتى ذو الشعر الأسود!».

سألتهما: «من هو؟».

فقالا: «إنه (هاري بوتر)!».

وسمع (هاري) صوت شقيقتهما الصغيرة: «ياه.. أمي.. أريد أن أصعد إلى القطار لأراه.. أرجوك..».

قالت الأم: «(جيني).. لقد رأيته فعلًا.. الفتى المسكين.. إنه ليس شيئًا معروضًا في حديقة الحيوان للنظر إليه.. (فريد).. هل أنت متأكد أنه هو (هاري بوتر)؟ كيف عرفت؟».

قال: «هو أخبرني.. لقد رأيت الندبة.. وسألته! إنها في جبهته وتشبه البرق فعلًا».

قالت الأم: «المسكين؛ لا عجب أنه بمفرده. لقد أثار هذا استغرابي. لقد كان بالغ الأدب وهو يسألني عن الرصيف!».

قال (فريد): «ولكن يا أمي.. ترى، هل يتذكر شكل.. ذلك.. أنت تعرفين.. (الذي يجب عدم ذكر اسمه)؟».

قالت الأم بصرامة: «(فريد).. إنني أمنعك من سؤاله.. إياك من هذا السؤال! هل فهمت؟».

وارتفعت صفارة القطار، فقالت لهم: «هيا.. أسرعوا».

وقفز الثلاثة إلى القطار، وانحنى كل منهم من النافذة، وقبلتهم الأم مودعة! وبدأت أختهم الصغيرة تبكي.

«لا تبكي يا (جيني)، سنرسل لكِ الكثير من الرسائل مع البوم».

«سوف نرسل لك مقعد التواليت من (هوجوورتس)..».

«جورج!».

«مجرد مزاح يا أمي».

وبدأ القطار في الحركة ورأى (هاري) الأم وهي تلوِّح للأولاد، بينما شقيقتهم الصغيرة تجري ملاحقة للقطار وهي نصف ضاحكة ونصف باكية حتى تزايدت سرعة القطار، فوقفت وأخذت تلوح لهم.. وشاهد (هاري) الفتاة وأمها تختفيان بعد أن انعطف القطار واختفت المنازل بسرعة.. وشعر (هاري) بالقلق.. إنه لا يعرف ما سيحدث له في المستقبل، لكنه سيكون أفضل بلا شك مما مضى!

وفتح باب المقصورة.. ودخل الابن الأصغر ذو الشعر الأحمر، وأشار إلى المقعد الخالي المواجه لـ(هاري) وسأله: «هل يجلس أحد هنا؟ كل المقاعد مشغولة في الخارج!».

هز (هاري) رأسه بالنفي.. وجلس الولد.. وأخذ ينظر إليه بدقة.. ثم أدار نظراته بسرعة إلى النافذة.. متظاهرًا بمشاهدة المناظر الخارجية!

«هيه (رون)».

عاد التوءمان:

«اسمع.. سنذهب إلى منتصف القطار.. فقد أحضر (لي جوردان) معه عنكبوتًا ضخمًا هناك!».

وغمغم (رون): «حسنًا».

قال التوءم الآخر: «(هاري).. دعنا نقدم لك أنفسنا.. (فريد وجورج ويزلي) وهذا هو (رون).. أخونا.. نراك بعد قليل!».

وأغلقا باب مقصورة القطار خلفهما..

واندفع (رون) قائلًا: «هل أنت حقًّا (هاري بوتر)؟».

أومأ (هاري) برأسه.

(رون): «كنت أظن أنهما يسخران منا كما هي عادة التوءم!».

وأشار إلى رأس (هاري) الذي رفع خصلة شعره، فظهرت الندبة التي تشبه البرق على جبهته وقال: «وهذه الندبة من أثر (أنت تعرف من...)؟».

(هاري): «نعم! ولكنني لا أذكر شيئًا..».

قال (رون) متحمسًا: «لا شيء إطلاقًا».

(هاري): «حسنًا.. أذكر ضوءًا أخضر.. ولا شيء آخر!».

قال (رون): «ياه»! ثم جلس صامتًا وأخذ يحدق في (هاري) لبعض الوقت، ثم يبدو أنه أدرك فجأة ما يفعله؛ لأنه حوَّل نظره إلى النافذة مرة أخرى بسرعة.

وسأله (هاري) الذي وجد (رون) مثيرًا للاهتمام بنفس القدر الذي وجده فيه (رون): «هل كل عائلتك من السحرة؟».

(رون): «نعم.. أظن ذلك.. أظن أن ابن عم من بعيد لأمي كان محاسبًا.. ولكننا لا نتحدث عنه أبدًا!».

(هاري): «لا بد أنك تعلمت الكثير من السحر الآن!».

كان من الواضح أن عائلة (ويزلي) من عائلات السحرة العريقة التي ذكرها له ذلك الولد الشاحب في حارة (دياجون)!

قال (رون): «سمعت أنك كنت تعيش مع أسرة من العامة.. كيف هم؟».

(هاري): «مرعبون.. حسنًا، ربما ليسوا جميعًا.. لكن خالتي وزوجها وابنهما كانوا كذلك.. أتمنى لو كان لي ثلاثة إخوة من السحرة!».

(رون): «خمسة.. إنني السادس.. هناك اثنان انتهيا من الدراسة» كان (رون) يتحدث وهو يبدو مكتئبًا حزينًا».. وواصل حديثه: «(بيل) و(تشارلي) تركا المدرسة بالفعل.. كان (بيل) الطالب المثالي.. و(تشارلي) كابتن فريق (الكويدتش).. الآن (بيرسي) هو رائد الفصل.. و(فريد) و(جورج) فعلى الرغم من الشقاوة التي يتميزان بها.. فإن درجاتهما جيدة.. أما أنا.. فمهما فعلت.. فقد فعل ذلك أحد من قبلي ومع خمسة أشقاء لا يمكن أن تحصل على شيء جديد؛ فقد حصلت على ملابس (بيل) القديمة.. وعصا (تشارلي) السحرية وأيضًا فأر (بيرسي) العجوز».

ومد (رون) يده في جيبه الداخلي..وجذب فأرًا سمينًا، رماديًّا.. غارقًا في سبات عميق!

(رون): «اسمه (سكابرز).. ولا فائدة منه.. إنه لا يكاد يستيقظ وقد أهدى أبي بومة لـ(بيرسي)؛ لأنه رائد للفصل.. ولكنهما لم يستطيعا أن يشتر... أقصد أنني حصلت على (سكابرز)».

واحمرت أذنا (رون).. واكتشف أنه تحدث أكثر مما يجب، فأدار عينيه لينظر من النافذة..

لم ير (هاري) شيئًا غريبًا في أن يكون المرء غير قادر على شراء بومة.. فهو حتى شهر مضى لم يكن معه أي نقود.. وأخبر (رون) بذلك.. وبملابس (ددلي) القديمة التي كان يرتديها.. وكيف أنه لم يحصل في عيد ميلاده على أي هدية.

ويبدو أن هذا رفع معنويات (رون)!

وواصل (هاري): «وحتى أخبرني (هاجريد).. لم أكن أعرف شيئًا عن أنني ساحر.. أو شيئًا عن والديّ أو (فولدمور)».

وصرخ (رون).

سأل (هاري): «ماذا؟».

قال (رون) بإعجاب ورعب: «لقد ذكرت اسم.. (أنت تعرف من).. لكن.. كيف تفعل ذلك.. أنت بالذات؟».

(هاري): «إنني لا أحاول أن أكون شجاعًا أو أي شيء.. كل الحقيقة أنني لا أعرف شيئًا! هل فهمت؟ سيكون أمامي أشياء كثيرة لأتعلمها.. أعتقد أنني سأكون أبلد تلميذ في المدرسة!».

(رون): «لا، لن تكون كذلك، هناك الكثير من التلاميذ الذين يأتون من عائلات من العامة ويتعلمون كل شيء بسرعة كبيرة».

وهكذا.. ظلا يتبادلان الأحاديث.. والقطار يقطع بهما الحقول والبحيرات.. حتى فتح الباب فجأة، وأطلت عليهما ساحرة رشيقة جميلة، وقالت باسمة: «هل يريد أحدكما شيئًا من عربة الطعام؟».

احمرت أذنا (رون) وقال: «معي سندوتشات..».

وقفز (هاري) واقفًا.. إنه لم يتناول حتى طعام الإفطار وأسرع يخرج إلى الممر، حيث عربة الحلوى.. إنها المرة الأولى في حياته التي يملك فيها نقودًا.. ويكون قادرًا على شراء ما يريد.

كانت العربة مليئة بالأطعمة والحلوى؛ شيكولاتة الضفادع، حبوب بيرتي بوت بكل النكهات.. وفطائر القرع وكعك المراجل.. واللبان المتفجر، والكثير من الحلوى التي لا يعرفها.. ولم يرها في حياته.. وحتى لا يفوته شيء، أخذ بعض الحلويات من كل شيء ودفع لها (١١) سيكل فضيًّا وسبع ناتات من البرونز.

وراقب (رون) (هاري) وهو يحمل كل هذا، ويضعه على مقعد بجوارهما!

(رون): «هل أنت جائع؟».

(هاري): «جدًّا» وأكل قطعة كبيرة من فطائر القرع وأخرج (رون) ربطة، فتحها ووجد بها أربعة سندوتشات أخذ واحدًا منها وقال: «إنها دائمًا تنسى أنني لا أحب اللحم المقدد».

قال (هاري) وهو يمسك بإحدى الفطائر: «سأبادلك بواحدة من هذه.. هيا..».

قال (رون): «لن تعجبك. إنها جافة. لم يكن لديها وقت كاف». وأضاف بسرعة: «أتعرف؟ لتصنع طعامًا لخمسة أولاد».

قال (هاري) الذي لم يكن لديه ما يتقاسمه مع أحد من قبل: «هيا.. خذ واحدة من هذه الفطائر»، وكان سعيدًا بالشعور بوجود من يأكل معه.. واندفعا يأكلان معًا بشهية كل الحلويات والفطائر التي اشتراها (هاري).

أمسك (هاري) بعلبة شيكولاتة الضفادع وسأل (رون): «ما هذا؟ إنها ليست ضفادع حقيقية.. أليس كذلك؟».

(رون): «نعم ليست كذلك.. ولكن انظر إلى الصورة الموجودة بها.. تنقصني صورة (أجريبا)!».

(هاري): «ماذا؟».

(رون): «آه.. أنت لا تعرف.. توجد داخل هذه الشيكولاتة بطاقات عليها صور مشاهير السحرة والساحرات.. لديَّ خمسمائة صورة.. لكن تنقصني (أجريبا) و(بتولمي)..».

فتح (هاري) العلبة وأخرج الصورة.. كانت لرجل عجوز ذي أنف طويل ويلبس نظارة على شكل هلال.. وله لحية وشارب وشعر فضي.. ومكتوب أسفل الصورة.. (ألباس دمبلدور)..

قال (هاري): «إذًا فهذا هو (دمبلدور)!».

رون: «لا تقل لي إنك لم تسمع عن (دمبلدور) من قبل! هل يمكن أن أحصل على واحدة؟ يمكنني أن أجد (أجريبا) .. شكرًا..»

وأدار (هاري) الصورة.. فوجدها مكتوبًا على ظهرها..

«(ألباس دمبلدور).. مدير مدرسة (هوجوورتس).. يعتبره الكثيرون أعظم ساحر في العصر الحديث، وتعود شهرته إلى انتصاره على الساحر الشرير (جريندلوالد) عام ١٩٤٥ واكتشافه الفوائد الاثنتي عشرة لدماء التنين.. ولاختراعاته الكيميائية مع زميله (نيكولاس فلاميل).. وهو يحب الموسيقى ولعب بولينج الدبابيس العشرة».

وعندما أدار (هاري) الصورة.. دهش عندما وجد الوجه قد اختفى منها!

قال: «لقد اختفى!».

رد (رون): «طبعًا، هل تتصور أنه سيبقى طوال الوقت؟ لكنه سيعود؛ لقد وجدت صورة (مرجانة) مرة أخرى وأنا لديَّ ست منها.. هل تريدها؟ يمكنك أن تبدأ في جمع الصور».

ونظر إلى قطع شيكولاتة الضفادع التي لم يفتحها أحد بعد!

قال (هاري): «هيا تفضل، ولكن أتعرف؟ في عالم العامة يبقى الناس في الصور ولا يتحركون».

قال (رون) مستعجبًا: «حقًّا؟ كيف؟ ألا يتحركون من الصور أبدًا؟ شيء غريب!».

وذهل (هاري) عندما رأى (دمبلدور) يعود إلى الصورة وينظر إليه باسمًا وكان (رون) مشغولًا بأكل الشيكولاتة أكثر من النظر إلى الصور على عكس (هاري) الذي أصبح مشغولًا بصور السحرة والساحرات.. وبالإضافة إلى (دمبلدور) و(مرجانة) أصبح لديه أيضًا صور (هنجيست) و(ودكروفت) و(البيريك) و(جرونيون) و(سيرسي) و(باراسيلسوس) و(ميرلين) وأخيرًا أبعد عينيه عن الكاهنة (كلوديا) التي كانت تهرش أنفها، ليفتح عبوة من حبوب بيرتي بوت بكل النكهات.

وحذر (رون) (هاري): «كن حريصًا مع هذه! عندما يقولون كل النكهات يقصدون كل النكهات... أتعرف؟ ستحصل على كل النكهات العادية، مثل الشيكولاتة والنعناع والفواكه ولكن يمكن أن تكون أيضًا بنكهة السبانخ والكبدة والكرشة.. يظن (جورج) أنه أكل واحدة بطعم البعبع مرة»!

أخذ (رون) حبة خضراء وأخذ ينظر إليها بحذر، ثم ذاق جزءًا صغيرًا منها وقال: «يع أرأيت؟».

قضى الاثنان وقتًا ممتعًا وهما يتناولان الحبوب بكل النكهات وأكل (هاري) حبوبًا بطعم الخبز المحمص، وجوز الهند والفاصوليا والفراولة والكاري والحشائش والقهوة والسردين، بل إنه جرب واحدة لونها رمادي غريب، رفض (رون) الاقتراب منها واتضح أنها بطعم الفلفل.

وأخذ القطار يقطع الحقول والغابات والأنهار والتلال الخضراء الداكنة.

وسمعا طرقًا على الباب وأطل الولد ذو الوجه المستدير الذي رآه (هاري) على رصيف القطار وكان الولد يبكي وقال بصوت حزين: «آسف، ولكن هل رأى أحدكما ضفدعًا هاربًا؟».

هزا رأسيهما نفيًا، قال نائحًا: «لقد فقدته! إنه يهرب مني دائمًا!».

قال (هاري) مواسيًا: «سوف يعود..».

قال الولد مبتئسًا: «نعم، لو رأيتماه...».

ومضى الولد باكيًا!

قال (رون): «لست أدري لماذا هو حزين هكذا؟ لو كان معي ضفدع لكنت فقدته بأسرع ما يمكن. ولكنني معي (سكابرز) فلا يحق لي أن أتكلم».

كان الفأر لا يزال غارقًا في النوم على حجر (رون).

قال (رون) مشمئزًّا: «يمكن أن يموت حتى بدون أن تلاحظ أي فرق. لقد حاولت بالأمس أن أغير لونه إلى اللون الأصفر ولكن التعويذة لم تؤثر فيه سأريك، انظر...».

كان الفأر لا يزال نائمًا في جيبه.. وانحنى (رون) فأخرج عصاه السحرية.. كانت قديمة وبها بعض التشققات.. وقد خرج شيء أبيض من طرفها.

(رون): «يكاد شعر أحادي القرن يخرج منها على أية حال».

بمجرد أن رفع يده بالعصا فتح باب المقصورة.. كان صاحب الضفدع الضائع قد عاد ومعه فتاة ترتدي ملابس المدرسة من الآن!

قالت الفتاة: «هل رأى أحدكما ضفدعًا؟ لقد اختفى ضفدع (نيفيل)»؛ كان صوتها به رنة آمرة وحاجباها كثيفيْن وأسنانها الأمامية كبيرة إلى حد ما.

قال (رون): «لقد أخبرناه أننا لم نره».

لكن الفتاة لم تكن تصغي إليه.. كانت تنظر إلى العصا في يده..

قالت: «هل تقوم بعمل سحري؟ حسنًا، دعنا نر» وجلست.

ارتبك (رون) ثم أخذ يهز العصا فوق الفأر النائم وقال: «يا شمس يا سوسن يا زبدة طرية حولوا إلى الاصفرار هذه الفأرة الغبية».

لكنَّ شيئًا لم يحدث وظل (سكابرز) رمادي اللون غارقًا في النوم!

قالت الفتاة: «هل أنت متأكد أن هذه التعويذة صحيحة؟ إنها ليست ناجحة. لقد قمت شخصيًّا بأداء بعض التعاويذ البسيطة على سبيل التدريب وكانت كلها ناجحة. لست من أسرة من السحرة وكانت مفاجأة لي عندما وصلتني رسالة المدرسة ولكنني كنت سعيدة جدًّا.. أقصد أنها أفضل مدرسة لتعليم السحر كما سمعت. لقد قرأت الكتب كلها وحفظتها عن ظهر قلب بالطبع. أرجو أن يكون هذا كافيًا.. اسمي (هرمايني جرانجر).. وبهذه المناسبة ما اسمكما؟».

قالت كل هذا بسرعة كبيرة جدًّا.

ونظر (هاري) إلى (رون) وشعر بالارتياح عندما عرف من النظرة المبهوتة على وجهه أنه لم يحفظ الكتب عن ظهر قلب مثله.

وغمغم (رون): «اسمي (رون ويزلي)!».

قال (هاري): «(هاري بوتر)!».

(هرمايني): «صحيح؟ إنني أعرف كل شيء عنك، بالطبع، فقد قرأت القليل من الكتب الخارجية لزيادة معرفتي، وأنت مذكور في كتاب (تاريخ السحر الحديث) و(صعود وسقوط فنون الظلام).. وفي أعظم الأحداث السحرية في القرن العشرين».

قال (هاري) وقد شعر بالانبهار: «من؟ أنا؟!».

قالت (هرمايني): «يا إلهي! ألا تعرف هذا؟ لو كنت مكانك لبحثت عن تاريخي في كل مكان.. هل يعرف أي منكم إلى أي المنازل سيدخل؟ لقد سألت عنها وأرجو أن أدخل إلى (جريفندور). إنه يبدو أفضل المنازل وسمعت أن (دمبلدور) نفسه كان به، ولكن لا بأس (برافينكلو) أيضًا... حسنًا، من الأفضل أن نذهب للبحث عن الضفدع، وعليكما ارتداء ملابس المدرسة فنحن على وشك الوصول».

وخرجت وهي تجر نيفيل وراءها.

قال (رون): «مهما كان المنزل الذي سأذهب إليه. أرجو ألا تكون تلك الفتاة معي»، ثم ألقى العصا في صندوقه وقال: «تعويذة غبية.. أعطاني (جورج) إياها، أراهن أنه يعرف أنها لا تعمل».

سأل (هاري): «في أي منزل يقيم شقيقاك؟».

قال (رون) وقد عادت إليه الكآبة: «..(جريفندور) وكان به أبي وأمي أيضًا. تصور ما سيقولانه إن لم أدخله. لا بأس (برافينكلو) ولكن تخيل لو وضعوني في (سليذرين)..».

(هاري): «إنه منزل فولـ... أقصد (أنت ... تعرف ... من)؟».

(رون): «نعم.. هو»، وعاد إلى مقعده.

قال (هاري) وهو يحاول أن يبعد تفكير (رون) عن البيوت: «أتعرف؟ أعتقد أن أطراف شوارب (سكابرز) قد تغيَّر لونها قليلًا. ولكن، ماذا يفعل الآن شقيقاك اللذان تخرَّجا في المدرسة؟» كان (هاري) يرغب في معرفة ما يفعله السحرة بعد الانتهاء من الدراسة.

قال (رون): «..(تشارلي) في رومانيا يدرس كل شيء عن التنين، أما (بيل) فهو في إفريقيا في مهمة خاصة بـ(جرينجوتس).. هل سمعت بما حدث في (جرينجوتس)؟ كانت الأخبار مكتوبة في (المتنبئ اليومي) ولكن لا أظن أنك عرفتها وأنت مع العامة.. لقد حاول بعضهم أن يسرق واحدة من الخزائن السرية هناك».

اندهش (هاري) وسأله: «حقًّا؟ وماذا حدث لهم؟».

(رون): «لا شيء.. وهذا ما جعل الحدث جد خطير.. لم يقبض عليهم، ويقول أبي إنه من المؤكد أن وراءهم أحد سحرة الظلام الأقوياء، ولكن الغريب أن شيئًا لم يسرق كما يقولون. دائمًا ما يصيب الرعب الناس عندما يحدث شيء غريب كهذا؛ خشية أن يكون له علاقة بـ(أنت ــ تعرف من)..».

وأخذ (هاري) يفكر في هذه الأحداث. كان قد بدأ يشعر ببعض الخوف في كل مرة يأتي فيها ذكر (أنت تعرف من) وافترض أن هذا جزء من اندماجه في عالم السحر، ولكنه كان سيشعر براحة أكثر لو كان بإمكانه أن يقول (فولدمور) بدون أي قلق.

وسأله (رون): «ما فريقك المفضل في لعبة (الكويدتش)..»؟

اعترف (هاري): «ماذا..؟ لا.. لا أعرف أي شيء عنها!».

صاح (رون): «معقول.. إنها أعظم لعبة في العالم..»..

واندفع يشرح قواعد اللعبة ومراكز اللاعبين السبعة.. ويصف أشهر المباريات التي حضرها مع إخوته، ونوع عصا المكنسة التي يرغب في الحصول عليها لو كان لديه المال، وكان قد بدأ يخبر (هاري) بالتفاصيل الدقيقة للعبة عندما فُتح باب المقصورة فجأة، ودخل ثلاثة أولاد.. عرف (هاري) منهم الولد الشاحب الذي قابله في محل أزياء مدام (مالكين).. وكان ينظر إلى (هاري) الآن باهتمام أكبر مما أظهره في حارة (دياجون)!

قال الولد: «هل هذا صحيح؟ يقولون إن (هاري بوتر) في المقصورة.. هل هو أنت؟».

قال (هاري): «نعم!».. وكان ينظر إلى الولدين الآخرين.. بجسميهما الضخمين وقد بدوا وكأنهما من أفراد الحراسة.. ويبدو عليهما الخبث الشديد!

قال الفتى الشاحب بلا اهتمام وقد لاحظ اتجاه نظر (هاري): «هذا (كراب).. وهذا (جويل)! أما اسمي فهو (مالفوي).. (دراكو مالفوي)!».

غمغم (رون) وهو يخفي ابتسامة.. ونظر إليه (مالفوي) وقال: «هل تظن أن اسمي مضحك! لست في حاجة إلى معرفة اسمك.. أخبرني أبي أن جميع أفراد أسرة (ويزلي) ذوو شعر أحمر ويملأ النمش وجوههم ولديهم من الأولاد أكثر مما يستطيعون الصرف عليهم!» ثم استدار إلى (هاري) وقال: «سرعان ما ستعرف أن هناك أسرًا للسحرة أفضل من غيرها يا (بوتر).. أنصحك ألا تصاحب النوع الخطأ.. وأستطيع أن أساعدك!»، ومد يده لمصافحة (هاري) لكن (هاري) لم يصافحه وردَّ عليه ببرود: «أعتقد أنني قادر على الاختيار بنفسي!».

لم يخجل (مالفوي).. لكن ظهرت بقعة وردية على خديه الشاحبين! وقال ببطء: «من الأفضل أن تكون أكثر حذرًا يا (بوتر).. فإنك إن لم تكن أكثر أدبًا، فقد تنتهي كوالديك.. فهما لم يكونا يعرفان مصلحتهما أيضًا. إنك تختلط بأمثال عائلة (ويزلي) وذلك المسمى (هاجريد).. وهذا سيئ بالنسبة لك!».. هب (هاري) و(رون) واقفيْن وقد أصبح وجه (رون) في لون شعره! وقال: «هل تجرؤ على قول هذا؟».

وهتف (مالفوي): «ماذا؟ هل تريدان قتالنا؟».

قال (هاري) بشجاعة لا يشعر بها: «إلا إذا خرجت من هنا فورًا!» كان (كراب) و(جويل) أضخم منه هو و(رون) بكثير.

«ولكننا لا نريد الخروج.. ثم إننا أكلنا كل طعامنا.. أما أنتما فلا يزال لديكما الكثير!».

مد (جويل) يده في اتجاه الشيكولاتة بجوار (رون).. واندفع (رون) إلى الأمام؛ ليمنعه، ولكن قبل أن يصل إليه.. أطلق (جويل) صرخة مدوية!

كان (سكابرز) الفأر العجوز يتدلى من إصبع (جويل).. وأسنانه الحادة مغروزة فيه وتراجع (كراب) و(مالفوي) وأخذ (جويل) يدير يده مرة ومرات وهو يعوي من الألم.. ثم أخيرًا، عندما طار الفأر وضرب النافذة، اختفى الأولاد الثلاثة على الفور!!

وهكذا.. هرب الثلاثة.. ربما تصوروا أن هناك فئرانًا أكثر مختبئة حول الحلوى.. أو ربما سمعوا صوت الأقدام القادمة! لكنها كانت (هرمايني) التي وقفت مذهولة، وهي ترى الحلوى المتناثرة.. و(رون) وهو يمسك (سكابرز) من ذيله.. ويقول لـ(هاري): «ربما فقد وعيه»، ثم نظر إليه عن قرب وقال: «لا.. لا أصدق هذا.. لقد عاد إلى النوم!!».

وفعلًا.. عاد الفأر ليستغرق في النوم!

اتجه (رون) إلى (هاري) وسأله: «هل قابلت (مالفوي) من قبل؟».

حكى له (هاري) عن لقائهما في حارة (دياجون).

قال (رون): «لقد سمعت عن أسرته من أبي.. لقد كانوا إلى جانب (أنت تعرف من).. ولكنهم عادوا بعد اختفائه مباشرة.. وقالو إنهم كانوا مسحورين ومغلوبين على أمرهم.. لكن أبي لم يصدقهم، وقال إن والد (مالفوي) كان دائمًا يميل إلى جانب الشر».

واتجه إلى (هرمايني) وسألها: «هل يمكن أن نساعدكِ بشيء؟».

قالت: «لقد حضرت لأنبهكما. لقد سألت السائق وقال لي إننا على وشك الوصول.. يجب أن تبدلا ملابسكما.. ولكن، هل كنتما تتقاتلان؟ ستكونان في مأزق قبل أن تصلا!».

قال (رون) متجهمًا: «إنه (سكابرز) ولسنا نحن.. هل تمانعين في الخروج حتى نبدل ثيابنا؟».

ردت (هرمايني) بترفع: «حسنًا، لقد دخلت إلى هنا؛ لأن الناس في الخارج يتصرفون بطريقة صبيانية ويتسابقون في الممرات. وعلى فكرة، هناك اتساخ على طرف أنفك. هل تعلم بذلك؟»، وحملق (رون) إليها وهي خارجة.. وأسرعا يضعان عليهما أرواب المدرسة السوداء.. كانت ملابس (رون) قصيرة إلى حد ما.. كان بإمكانك أن ترى حذاءه الرياضي تحتها ونظر (هاري) من النافذة.. كان الظلام قد بدأ يهبط واستطاع أن يرى الجبال والغابات تحت السماء القرمزية.. وبدأ القطار يبطئ من سرعته!

وارتفع صوت يقول: «سوف نصل (هوجوورتس) بعد خمس دقائق.. اتركوا أمتعتكم في القطار..وسوف نحملها إلى المدرسة!».

وشعر (هاري) بألم في معدته من التوتر بينما ظهر الشحوب على (رون).. وملأ كلاهما جيوبه بالحلوى.. وانضما إلى باقي الأولاد في الممرات.

وأخيرًا توقف القطار.. وتزاحم الركاب للنزول منه إلى الرصيف الضيق المظلم.. وارتعد (هاري) من البرد.. وأخيرًا.. وصلت شعلة من الضوء فوق الرءوس.. وسمع (هاري) صوتًا مألوفًا: «تلاميذ السنة الأولى! السنة الأولى هنا! هيا يا (هاري)!».

وظهر رأس (هاجريد) المشعر الضخم فوق رءوس التلاميذ!

وقال: «هيا.. اتبعوني.. السنة الأولى.. ورائي.. انتبهوا إلى خطواتكم.. واتبعوني!».

وتبعوا (هاجريد) وهم ينزلقون ويتعثرون في ممر ضيق حالك الظلام على كلتا الناحيتين، حتى إن (هاري) فكر أنه لابد أن هناك غابات متشابكة من الأشجار حولهم.. كان الجميع صامتين؛ إلا أن (هاري) سمع صوت بكاء (نيفيل)؛ صاحب الضفدع الضائع مرة أو مرتين!

ثم أتى صوت (هاجريد): «سترون (هوجوورتس) لأول مرة بعد ثانية واحدة.. هنا وراء هذا المنحنى!».

وصاح الجميع: «هوووووه!».

وانتهى الممر فجأة عند ساحة تطل على بحيرة واسعة، وعلى الجانب الآخر جبل عال.. توجد فوقه قلعة ضخمة، بها العديد من الأبراج وتلمع نوافذها في ضوء النجوم.. وأشار (هاجريد) إلى أسطول من القوارب الصغيرة في الماء عند شاطئ البحيرة وقال: «لا يزيد عدد الركاب على أربعة في كل قارب!».. وركب (نيفيل) و(هرمايني) نفس القارب مع (هاري) و(رون)! وصاح (هاجريد) الذي يركب قاربًا بمفرده: «هل ركب الجميع؟ هيا.. إلى الأمام!».

وبدأ أسطول القوارب في التحرك معًا فوق البحيرة اللامعة.. والتي بدت ملساء كالزجاج.. وساد الصمت الجميع.. وهم يحملقون في القلعة أمامهم.. واقتربوا شيئًا فشيئًا من الصخرة التي تقف عليها!

وصاح (هاجريد) عندما وصل إلى الصخرة: «اخفضوا رءوسكم!».

وانخفضت الرءوس.. وحملتهم القوارب؛ عبر ستارة من النبات المتسلق.. تخفي فتحة واسعة في واجهة الصخرة.. ومرت القوارب بهم في ممر مظلم يبدو أنه يقودهم تحت القلعة.. حتى وصلوا إلى ميناء تحت الأرض حيث هبطوا إلى الأرض الصخرية!

وصاح (هاجريد) الذي كان يفتش في القوارب؛ ليتأكد أن الجميع غادروها: «هيه.. أنت هناك..هل هذا ضفدعك الضائع؟!».

وصرخ (نيفيل) مهللًا: «تريفور..»، ومد يده ليأخذه.

وساروا في ممر صخري وراء (هاجريد) الذي يرفع مصباحه أمامهم.. حتى وصلوا إلى أرض مزروعة بالحشائش الناعمة في ظل القلعة!

وصعدوا بعض السلالم الحجرية وتجمعوا على «البسطة» أمام الباب البلوطي الضخم!

وقال (هاجريد): «هل أنتم جميعًا هنا.. وأنت هناك، هل لا يزال ضفدعك معك؟!».

ورفع قبضته الضخمة.. وطرق باب القلعة ثلاث طرقات!

2019/11/29 · 493 مشاهدة · 4922 كلمة
Adk3RAK
نادي الروايات - 2024