انفتح الباب على الفور، وظهرت سيدة طويلة، سوداء الشعر، ترتدي معطفًا طويلًا ذا لون أخضر زمردي.. كانت ذات وجه شديد الجدية حتى إن (هاري) شعر للوهلة الأولى بأنها شخص لا يمكن خداعه.

قال (هاجريد): «تلاميذ الصف الأول.. يا أستاذة (ماكجونجال)!».

قالت: «شكرًا يا (هاجريد).. سأتسلَّمهم أنا من هنا..».

وفتحت الباب على اتساعه.. كان بهو الدخول شديد الاتساع ربما أكبر من منزل آل (درسلي) كله.. له جدران حجرية عالية مضاءة بشعلات نارية مثل الموجودة في (جرينجوتس).. والسقف كان شديد الارتفاع لدرجة تصعب معها رؤيته، وفي الجهة الأخرى سلالم رخامية رائعة تقود إلى الأدوار العليا!

تبعوا الأستاذة (ماكجونجال) عبر الأرض الصخرية الملساء، وسمع (هاري) مئات الأصوات من وراء مدخل إلى اليمين.. لابد أنهم باقي تلاميذ المدرسة.. وأرشدتهم الأستاذة إلى حجرة صغيرة خالية.. تزاحموا فيها بجوار بعضهم البعض.. ينظرون حولهم في قلق!

قالت الأستاذة (ماكجونجال): «مرحبًا بكم في (هوجوورتس).. ستبدأ وليمة بداية السنة الجديدة بعد قليل.. لكن، قبل أن تأخذوا أماكنكم حول الموائد في البهو العظيم.. سوف توزعون أولًا على منازلكم.. إن تنسيق أماكنكم هو احتفال مهم جدًّا.. فمنزلكم سيكون بمثابة عائلتكم خلال وجودكم في (هوجوورتس).. ستأخذون دروسكم مع باقي أفراد المنزل وتنامون في عنابر النوم به.. وتقضون أوقات فراغكم في غرفته العامة!

وتسمى المنازل الأربعة (جريفندور) و(هافلباف) و(رافينكلو) و(سليذرين).. ولكل منزل منها تاريخه العريق.. وقدَّم كل واحد منها مجموعة من عظماء السحرة والساحرات.. وفي أثناء وجودكم هنا، تنال أعمالكم الجيدة نقاطًا باسم المنزل.. وتنتقص أعمالكم السيئة من هذه النقاط.. ويفوز بالكأس في آخر العام المنزل الذي يحظى بأكبر عدد من النقاط.. وهو شرف عظيم! أتمنى أن يكون كل واحد منكم فخرًا للمنزل الذي سينتمي إليه».

وأكملت: «ستبدأ مراسم التنسيق بعد دقائق، وستجرى أمام المدرسة كلها.. أرجو أن ترتبوا أنفسكم قدر إمكانكم خلال فترة انتظاركم».

وتوقفت نظراتها قليلًا على عباءة (نيفيل) المزررة تحت أذنه اليسرى وأنف (رون) الملطخ.. وأخذ (هاري) يسوِّي شعره بعصبية.

قالت الأستاذة (ماكجونجال): «وسأعود إليكم عندما نصبح جاهزين لكم! أرجو أن تظلوا هادئين».

غادرت الحجرة.. واسترد (هاري) أنفاسه!

وسأل (رون): «ترى.. ما طريقة التنسيق؟».

(رون): «أعتقد أنه نوع من الاختبار.. قال لي شقيقي (فريد) إنه مؤلم جدًّا.. ولكنني أعتقد أنه يمزح!».

ودق قلب (هاري) من الخوف.. اختبار؟ أمام كل الموجودين بالمدرسة؟ ماذا يمكنه أن يفعل؟ لم يكن يتوقع شيئًا كهذا لحظة وصوله.. نظر حوله بقلق.. فوجد الباقين مرعوبين أيضًا.. وكان الجميع صامتين، باستثناء (هرمايني جرانجر) التي كانت تهمس بسرعة كبيرة بجميع التعاويذ التي حفظتها وتتساءل أيها ستحتاج، وحاول (هاري) ألا يستمع إليها. فلم يشعر بمثل هذه العصبية في حياته قطُّ ولا حتى عندما اضطر إلى أخذ تقرير من المدرسة ليسلمه إلى آل (درسلي) يقول إنه قام بتحويل لون شعر مدرسه المستعار إلى اللون الأزرق بطريقة ما.. ركز نظراته على الباب.. ستدخل الأستاذة (ماكجونجال) في أي لحظة الآن؛ لتقوده إلى مصيره المحتوم!

ثم حدث شيء جعله يقفز عاليًا في الفضاء.. وصرخ الكثير من التلاميذ خلفه:

«ما هذا؟!!».

شهق.. وكذلك فعل الباقون حوله؛ فقد اخترق الجدران من خلفهم عشرون شبحًا.. باللون الأبيض الشفاف.. وعبروا الحجرة وهم يتكلمون مع بعضهم دون أن يلتفتوا إلى الأولاد.. كانوا يتناقشون حول أمر ما.. وقال أحدهم وكان يبدو مثل راهب قصير وسمين: «نعفو وننسى.. يجب أن نعطيه فرصة أخرى..».

«يا عزيزي (فريار).. لقد أعطينا (بيف) كل الفرص التي يستحقها! وهو يطلق علينا أسوأ الأسماء، إنه لا يستحق أن يكون شبحًا.. ما الذي تفعلونه هنا جميعًا؟».

قال أحدهم ذلك فجأة بعد أن لاحظ وجود تلاميذ الصف الأول! وكان يرتدي ملابس ضيقة وياقة مكشكشة.

لم يُجبه أحد.

قال (فريار) السمين وهو يبتسم لهم: «تلاميذ جدد.. على وشك التنسيق.. أليس كذلك؟».

وهز عدد قليل منهم رءوسهم!

قال (فريار): «أرجو أن أراكم في (هافلباف).. إنه منزلي القديم!».

وسمعوا صوتًا حادًّا يقول: «هيا.. أسرعوا.. سوف تبدأ المراسم حالًا!».

عادت الأستاذة (ماكجونجال).. واختفت الأشباح في الجدار المقابل الواحد تلو الآخر.

قالت الأستاذة للتلاميذ: «هيا.. قفوا صفًّا واحدًا، واتبعوني!».

وقف (هاري) في الصف وهو يتعجب كيف استطاعت قدماه أن تحملاه.. ووقف أمامه ولد ذو شعر في لون الرمل.. ووراءه (رون).. وخرجوا من الحجرة وعبروا بهو الدخول.. ودخلوا إلى البهو العظيم عبر باب مزدوج كبير!

لم يتصور (هاري) أن يرى شيئًا مثل هذا المكان الغريب الرائع.. كان المكان مضاءً بآلاف وآلاف الشموع الطائرة فوق أربع موائد طويلة.. يجلس حولها باقي الطلبة.. وعليها أطباق وكئوس ذهبية لامعة.. وعلى رأس البهو كانت هناك مائدة أخرى طويلة، يجلس عليها الأساتذة.. وقادت الأستاذة طابور الصف الأول ليقف في مواجهة باقي الطلاب ومن ورائهم الأساتذة.. وبدت مئات الوجوه التي تنظر إليهم مثل المصابيح الشاحبة في الضوء المتراقص للشموع، ولمعت الأشباح المتناثرة هنا وهنـاك بيـن التلاميـذ مثـل الفضـة.. ونظر (هاري) إلى السقف؛ ليتفادى العيون المحدقة، فوجده أسودَ مخمليًّا والنجوم مبعثرة فيه ومضيئة ولامعة.. وسمع (هرمايني) تهمس: «إنه سقف مسحور ليبدو كالسماء! لقد قرأت عنه في كتاب تاريخ (هوجوورتس)».

كان من الصعب أن تصدق أن هناك سقفًا وأن البهو العظيم ليس مفتوحًا ببساطة على السماء.

نظر (هاري) إلى الأستاذة (ماكجونجال) ورآها تضع كرسيًّا عاليًا بأربع أرجل أمامهم تمامًا.. وفوقه وضعت قبعة من قبعات السحرة.. كانت قديمة وقذرة. لم تكن الخالة (بتونيا) لتسمح بدخولها إلى منزلها.

فكر (هاري).. ربما عليهم أن يُخرجوا فأرًا منها.. ولاحظ أن كل من في البهو يركز نظراته عليها.. وفعل مثلهم.. ومرت ثوانٍ من الصمت.. ثم استدارت القبعة وفُتح شق بالقرب من حافتها فبدا كالفم.. وبدأت القبعة تغني!

آهٍ.. قد تعتقدون أنني لست جميلة..

ولكن.. لا تحكموا بما ترون..

فلن تجدوا أجمل مني..

فأنا ملكة الجميلات..

لأني قبعة (هوجوورتس)

مدرسة السحرة والساحرات!

لا يوجد شيء في رأسك..

لا تستطيع قبعة التنسيق أن تراه..

جربني.. وسوف أخبرك!

أين يجب أن تكون!

قد تذهب إلى (جريفندور)..

حيث الفروسية والبطولة والقلب الجريء..

وقد تذهب إلى (هافلباف)..

حيث الإخلاص والوفاء والحب البريء..

وقد تفضل أن تكون في (رافينكلو)..

حيث تجد العقل والذكاء الشديد..

وربما تذهب إلى (سليذرين)!

حيث الأصدقاء الحقيقيون

يستعملون كل الوسائل الماكرة

للوصول إلى أهدافهم المبكرة..

إذن.. ضعني على رأسك.. لا تخف

فأنت في أيد أمينة..

تفكر لك أفكارًا ثمينة!!

لأني قبعة تفكير

وانفجر المكان بالتصفيق الحاد.. وانحنت القبعة تحيي الموائد الأربع.. ثم عادت هادئة مرة أخرى.

همس (رون) لـ(هاري): «كل ما علينا أن نفعله هو أن نضع القبعة! يجب أن أقتل (فريد)، لقد أخبرني أن عليَّ أن أصارع أحد الغيلان».

ابتسم (هاري) بضعف. فتجربة القبعة أفضل بكثير من أداء تعويذة ما، إلا أنه ودَّ لو أن ذلك يتم بعيدًا عن كل تلك العيون المترصدة. كما أن القبعة تطلب الكثير، فلم يكن (هاري) في هذه اللحظة يشعر بالشجاعة أو بالذكاء أو بأيٍّ من الصفات المطلوبة لأيٍّ من المنازل.. لو أنها فقط ذكرت منزلًا لأولئك الذين يشعرون ببعض الغثيان؛ لكان ذلك المنزل المناسب له.

وتقدمت الأستاذة إلى الأمام تحمل رقًّا جلديًّا طويلًا.. وقالت: «عندما أنادي اسمك.. تضع القبعة وتجلس على الكرسي ليتم توزيعك.. والآن.. (هانا أبوت)!».

وخرجت من الصف فتاة وردية الوجه، شقراء، شعرها ذيل حصان.. ووضعت القبعة على رأسها فسقطت على عينيها.. وجلست ومرت لحظة.. ثم صاحت القبعة: «هافلباف!».

وهتفت المائدة التي على اليمين.. وصفقت؛ تحية للفتاة التي اتجهت إليها وجلست في مقعدها على مائدة (هافلباف).. ورأى (هاري) الشبح (فريار) وهو يحيي الفتاة في مرح!

«سوزان بونز!».

وهتفت القبعة مرة أخرى: «هافلباف!» وأسرعت سوزان تجلس بجوار (هانا).

«تيري بوت».

«رافينكلو!».

وصفقت المائدة الثانية التي على اليسار مرحبةً بالفتى الجديد! ووقف العديد من تلاميذ (رافينكلو) ليصافحوا (تيري) الذي ذهب للانضمام إلى مائدتهم.

«ماندي بروكلهيرست» ذهبت إلى (رافينكلو) أيضًا.. وكانت «لافيندر براون» أول من يذهب إلى (جريفندور) وانفجرت المائدة البعيدة التي على اليسار بالتصفيق؛ ترحيبًا بها، ورأى (هاري) أخوَيْ (رون) التوءم وهما يصفران!

ثم ذهب «ميلسنت بلاسترود» إلى (سليذرين).. ربما كان ذلك من صنع خيال (هاري) بعد كل ما سمعه عن (سليذرين) ولكنهم بدوا له جماعة بغيضة!

كان قد بدأ يشعر بالغثيان فعلًا الآن وتذكر كيف كان دائمًا آخر من يتم اختياره للفرق في حصص التربية الرياضية في مدرسته القديمة، ليس لأن لعبه سيئ، ولكن لأن الجميع كانوا يخافون أن يعتقد (ددلي) أنهم يحبونه.

«جاستن فينش فلتشلي!».

«هافلباف!».

ولاحظ (هاري) أن القبعة تصيح أحيانًا باسم المنزل فورًا.. بينما تحتاج إلى فترة قصيرة؛ لكي تقرر في أحيان أخرى، فقد جلس الولد ذو الشعر الأصفر «شيموس فينيجان» الذي كان أمام (هاري) في الصف على الكرسي لمدة دقيقة كاملة، قبل أن تعلن القبعة أنه ينتمي إلى (جريفندور).

(هرمايني جرانجر!).

وجرت (هرمايني) مسرعة ووضعت القبعة على رأسها!

صاحت القبعة: «جريفندور!».

وزمجر (رون)..

وهاجمت الأفكار المحبطة رأس (هاري) كما تفعل دائمًا عندما يكون الإنسان عصبيًّا.. ماذا لو لم يقع عليه الاختيار؟ ماذا لو جلس هناك لفترة طويلة والقبعة على عينيه؟ ثم جاءت الأستاذة (ماكجونجال) ورفعتها عن رأسه، وقالت: إن من الواضح أن هناك خطأ ما.. ومن الأفضل له أن يعود بالقطار. وعندما نودي (نيفيل لونجبوتم)؛ الولد الذي يضيع منه الضفدع دائمًا تعثر في طريقه إلى الكرسي.. وأخذت القبعة وقتًا طويلًا لتقرر، وعندما صاحت أخيرًا: «جريفندور!» أسرع يجري وهي لا تزال على رأسه.. ثم عاد مسرعًا؛ ليعيدها إلى «موراج ماكدوجال» بين دوي الضحكات..

ومشى (مالفوي) مختالًا عندما نودي اسمه وحصل على أمنيته فورًا، فبمجرد أن لمست القبعة رأسه حتى صاحت: «سليذرين!»، وأسرع يلحق بزميليه (كراب) و(جويل) وهو يبدو سعيدًا بنفسه.

لم يبق سوى القليل من الأولاد..

(مون).. (نوت).. (باركنسون).. ثم توءم من البنات (باتيل) و(باتيل).. ثم (سالي آن بيركز).... ثم أخيرًا..

(هاري بوتر!).

وبمجرد أن تقدم (هاري).. تعالت الهمسات في البهو: «ماذا؟ هل قالت (بوتر)؟!».

«هاري بوتر؟».

وآخر ما رآه (هاري) قبل أن يضع القبعة على رأسه.. هو أن جميع من في القاعة يمدون أعناقهم؛ لإلقاء نظرة عليه! وفي اللحظة التالية، كان ينظر إلى الظلام في قلب القبعة وينتظر.. وسمع همسًا: «صعب.. صعب جدًّا.. الكثير من الشجاعة.. والعقل المفكر أيضًا.. وهناك الموهبة.. نعم.. نهم إلى المعرفة وإثبات الوجود.. رائع.. والآن أين أضعك؟»

تشبث (هاري) بالمقعد وهو يفكر: «إلا (سليذرين).. إلا (سليذرين)..».

قال الصوت مرة أخرى: «لا تريد (سليذرين) إذًا.. هل أنت متأكد؟ من الممكن أن تكون ساحرًا عظيمًا.. وسيساعدك (سليذرين).. لا شك في ذلك.. لا؟ حسنًا، ما دمت متأكدًا.. فالأفضل هو (جريفندور)!».

وسمع (هاري) القبعة وهي تصيح بالكلمة الأخيرة لكل من في البهو. وخلعها ومشى إلى مائدة (جريفندور) وكان يشعر بالارتياح بأنه تم اختياره ولم يذهب إلى (سليذرين) لدرجة أنه لم يلاحظ أنه حظي بعاصفة من التصفيق الحاد.. ووقف (بيرسي) رائد المنزل وصافحه بحرارة، بينما هتف التوءم (ويزلي): «لدينا (بوتر)! لدينا (بوتر)!»، وجلس (هاري) في مواجهة الشبح ذي الياقة المكشكشة الذي رآه من قبل.. وربت الشبح على ذراعه، فشعر (هاري) بشعور فظيع مفاجئ وكأنه غرق في دلو من الماء المثلج..

كان بإمكان (هاري) أن يرى مائدة الأساتذة بوضوح الآن.. وفي ركن منها التقت عيناه بـ(هاجريد) الذي رفع إصبعيه بعلامة النصر.. فابتسم له (هاري).. وفي وسط المائدة رأى (ألباس دمبلدور) جالسًا على كرسي ذهبي كبير.. عرفه (هاري) من صورته التي وجدها في علبة شيكولاتة الضفادع في القطار.. وكان شعر (دمبلدور) الفضي هو الشيء الوحيد الذي يلمع بشدة، مثل الأشباح.. ووقعت عيناه على الأستاذ (كويريل)؛ الشاب العصبي الذي التقى به في (المرجل الراشح) وكان شكله غريبًا وهو يرتدي عمامة بنفسجية كبيرة!

لم يبق الآن سوى ثلاثة أولاد ليتم تصنيفهم. ذهبت «ليزا توربين» إلى (رافينكلو) ثم حان دور (رون) وكان وجهه قد أصبح شاحبًا جدًّا الآن وانتظر (هاري) مترقبًا ومتمنيًا حتى صاحت القبعة بعد لحظة: «جريفندور!».

وصفق (هاري) بشدة مع الجميع حتى جاء (رون) وانهار على الكرسي المجاور له.

وقال (بيرسي ويزلي) مفتخرًا: «أحسنت يا (رون)، رائع». بينما ذهب «بلايسي زابيني» إلى (سليذرين). ولفت نظرَ الأستاذة (ماكجونجال) الرقُّ الجلدي وحملت قبعة التنسيق بعيدًا.

ونظر (هاري) إلى الطبق الذهبي الخالي أمامه.. وشعر فجأة بالجوع الشديد!

ووقف (ألباس دمبلدور) على قدميه.. ونظر مبتسمًا إلى التلاميذ.. وفتح ذراعيه وكأنه يحتضنهم جميعًا!

قال: «مرحبًا.. مرحبًا بكم في عام جديد في (هوجوورتس)! ولكن، قبل أن نبدأ المأدبة.. أريد أن أقول لكم بضع كلمات.. وهي: غباء! انتحاب! بواقٍ! قرصة! وشكرًا».

وجلس مكانه.. وارتفع التصفيق وتعالت التحية من كل مكان! ولم يعرف (هاري) هل يضحك أم لا!

وسأل (بيرسي) بتردد: «هل به شيء من الجنون؟».

قال (بيرسي) بحرارة: «مجنون؟! إنه عبقري! أعظم ساحر في الدنيا! ولكن، ربما كان به شيء من الجنون..نعم أتريد بطاطس يا (هاري)؟».

نظر (هاري) إلى الأطباق أمامه في ذهول.. رآها مكدسة بالأطعمة.. جميع أنواع المأكولات التي لا يتصور أنه يمكنه أن يراها يومًا على مائدة واحدة.. المطبوخات المختلفة.. والمشويات من كل الأنواع.. اللحوم والدجاج.. والفطائر.. والصلصات والكاتشاب.. ولسبب ما، كانت هناك أيضًا أكياس من حلوى النعناع.

لم يكن آل (درسلي) يجوعون (هاري) فعلًا، إلا أنهم لم يسمحوا له قطُّ بأن يأكل بقدر ما يريد. وكان (ددلي) دائمًا يأخذ ما يريده (هاري) حتى ولو كان سيمرضه. واحتار فيما يأكل، ثم أخذ في طبقه القليل من كل صنف ماعدا حلوى النعناع وبدأ يأكل بشهية ملحوظة..

قال له الشبح ذو الياقة المكشكشة بحزن وهو يشاهد (هاري) وهو يقطع اللحم: «يبدو الطعام شهيًّا».

(هاري): «ألا تستطيع أن...؟».

قال الشبح: «لا.. إنني لم آكل منذ أربعمائة عام.. طبعًا لا أحتاج للطعام.. لكنني أشعر أحيانًا بالحنين إليه.. آهٍ.. إنني لم أقدم لك نفسي.. اسمي (سير نيكولاس دي ميمسي بوربنجتون) في خدمتك.. إنني الشبح المقيم في برج (جريفندور)..».

قال (رون) فجأة: «أنا أعرف من أنت! أخبرني أشقائي عنك.. أنت (نيك) شبه مقطوع الرأس!».

قال الشبح ممتعضًا: «أفضل أن تدعوني (سير نيكولاس دي ميمسي)».

لكن (شيموس فينيجان) قاطعه قائلًا: «شبه مقطوع الرأس! كيف تكون شبه مقطوع الرأس؟».

ظهر الضيق واضحًا على الشبح.. وكأن الحديث ذهب في اتجاه لا يريده، ومد يده إلى أذنه اليسرى.. وجذبها بشدة، وقال بنزق: «هكذا» تأرجح رأسه وسقط على كتفه وكأنه معلق على شماعة.. يبدو أن أحدهم حاول أن يقطع رأسه ولكنه لم ينجح في ذلك تمامًا. وبدا (نيك) شبه مقطوع الرأس مسرورًا من نظرات الذهول التي ارتسمت على وجوههم وأعاد رأسه مكانه.. وتنحنح قائلًا: «والآن يا أولاد (جريفندور).. أرجو أن تساعدونا في الحصول على بطولة المنازل هذا العام.. لم تمر فترة طويلة مثل هذه من قبل دون أن تفوز (جريفندور) بالكأس. (سليذرين) حصلت عليها لمدة ست سنوات على التوالي وأصبح البارون الدامي لا يطاق.. إنه شبح (سليذرين)..».

ونظر (هاري) إلى مائدة (سليذرين).. ورأى الشبح الرهيب جالسًا هناك.. عيناه ملساوان بيضاوان.. ووجهه هزيل وملابسه مبقعة بدماء فضية.. كان يجلس بجوار (مالفوي) مباشرة.. والذي كان لفرحة (هاري) يبدو غير سعيد بترتيب الجلوس.

سأل (شيموس) باهتمام كبير: «كيف تمت تغطيته بالدماء هكذا؟»..

قال (نيك) شبه مقطوع الرأس بلباقة: «لم أسأله قطُّ».

بعد أن أكل الجميع كل ما يمكن أن يأكلوه.. اختفت بقايا الطعام من الأطباق التي عادت نظيفة تلمع من جديد.. وبعد لحظة، ظهرت الحلوى من كل الأشكال والأنواع.. الچيلاتي بكل النكهات التي يمكن التفكير بها والمهلبية والجاتوه وفطائر المربى والتفاح والفراولة والچيلي والبودنج وغيرها.

وفي أثناء تناول الحلوى، تبادلوا الأحاديث على يمين (هاري) وكانوا يتحدثون عن أسرهم، قال (شيموس): «إنني من أسرة نصف.. نصف.. فأبي من العامة.. وأمي ساحرة.. ولم تخبر أبي بحقيقتها إلا بعد الزواج.. وكانت مفاجأة مذهلة له..»، وضج الجميع بالضحك..

قال (رون): «وماذا عنك يا (نيفيل)؟».

قال (نيفيل): «حسنًا، جدتي ساحرة وهي التي ربتني، ولكن أسرتى ظلت تظن أنني من العامة لفترة طويلة، وكان عمي الكبير (الجي) يحاول دائمًا أن يخرج السحر مني بالقوة حتى إنه دفعني في إحدى المرات من فوق منط حمام السباحة وكدت أغرق.. لكن السحر لم يظهر حتى أصبحت في الثامنة.. يومها حضر عمى الكبير (الجي) لتناول الشاي عندنا، وكان ممسكًا بقدمى ومعلقًا إياى من النافذة وأعطته عمتي الكبرى (إينيد) قطعة من الحلوى فأفلتنى دون قصد، لكنني قفزت إلى الحديقة ومنها إلى الطريق. كانوا جميعًا مسرورين، وكانت جدتي تبكي من السعادة، كان يجب أن ترى وجوههم عندما دخلت عليهم.. لم يصدقوا أنني من الممكن أن أعود، وكان عمي الكبير (الجي) سعيدًا جدًّا حتى إنه اشترى لي ضفدعي».

من الجهة الأخرى، كانت (هرمايني) تتحدث مع (بيرسي ويزلي) حول الدراسة قائلة: «أتمنى أن تبدأ الدراسة فورًا.. فهناك الكثير الذي أريد أن أتعلمه؛ إنني مهتمة بشكل خاص بتحويل الأشياء إلى أشياء أخرى.. أنا أعرف بالطبع أنه شيء صعب جدًّا..».

قال (بيرسي): «سوف تبدئين بأشياء صغيرة، مثل تحويل أعواد الكبريت إلى إبر، وما إلى ذلك».

كان (هاري) قد بدأ يشعر بالنعاس؛ نتيجة للتعب والأكل الكثير، نظر إلى مائدة الأساتذة مرة أخرى.. فوجد (هاجريد) منهمكًا في الشرب من كأسه ورأى الأستاذة (ماكجونجال) تتحدث إلى الأستاذ (دمبلدور).. والأستاذ (كويريل) بعمامته العجيبة يتحدث إلى أستاذ ذي شعر أسود ناعم وأنف معقوف وذقن صغير.

فجأة، حدث كل شيء بسرعة مذهلة.. نظر الأستاذ ذو الأنف المعقوف عبر عمامة (كويريل) مباشرة إلى عين (هاري) الذي شعر بألم صارخ في ندبة الجرح بجبهته.

وخبط (هاري) يده في رأسه صارخًا: «آ...آ..ه».

سأله (بيرسي): «ماذا حدث؟».

فردَّ (هاري): «لا..لا شيء».

اختفى الألم بنفس السرعة التي بدأ بها.. لكن الأقسى من ذلك هو شعور (هاري) بأن هذا الرجل لا يحبه على الإطلاق.

وسأل (هاري) (بيرسي): «من هذا الأستاذ الذي يتحدث إلى الأستاذ (كويريل)؟».

فقال (بيرسي): «آهٍ، أنت إذًا تعرف الأستاذ (كويريل) من قبل! لا عجب في أنه يبدو متوترًا لهذه الدرجة، فمن يتحدث إليه هو الأستاذ (سنايب)..وهو أستاذ مادة الوصفات.. لكن الكل يعرف أنه يسعى إلى منصب الأستاذ (كويريل)، فهو يعرف الكثير عن السحر الأسود».

راقب (هاري) (سنايب) قليلًا.. لكن الأستاذ لم ينظر إليه مرة أخرى.

أخيرًا.. اختفت الحلوى.. ووقف الأستاذ (دمبلدور) على قدميه.. وساد الصمت القاعة كلها.

قال: «كلمات قليلة الآن.. لقد انتهينا من الطعام والشراب ولديَّ ملاحظات خاصة ببداية الدراسة يجب أن أذكرها لكم!».

«يجب أن يعرف تلاميذ الصف الأول أن جميع تلاميذ المدرسة ممنوعون تمامًا من الذهاب إلى الغابات، ويجب على بعض التلاميذ الأكبر سنًّا ألا ينسوا هذا أيضًا..».

واتجهت نظرة عيون (دمبلدور) المتلألئة في اتجاه التوءم (ويزلي).

«وبناء على طلب المشرف السيد (فيلش).. يجب أن أذكركم أنه ممنوع استعمال أي سحر بين الفصول في الممرات!».

«تبدأ تجارب اختيار فرق (الكويدتش) في الأسبوع الثاني من الدراسة.. كل من يرغب في الاشتراك في فريق منزله.. عليه الاتصال بمدام (هوتش)!»

«وأخيرًا، يجب أن أنبه عليكم.. في هذا العام.. ممنوع على جميع تلاميذ المدرسة الاقتراب من الممر الذي على اليمين في الدور الثالث.. و إلا تعرض للموت بطريقة غاية في الألم!».

ضحك (هاري).. ولكنه كان واحدًا من القلائل الذين فعلوا ذلك..

فتمتم يسأل (بيرسي): «إنه غير جاد في تهديده.. أليس كذلك؟».

فهمس (بيرسي): «على العكس.. إنه جاد تمامًا، ولكن الغريب أنه لم يذكر السبب هذه المرة مع أنه اعتاد إيضاح الأسباب عادة، فالغابة مليئة بالوحوش الخطرة، والكل يعرف ذلك، لعله يخبرنا نحن رواد المنازل فيما بعد».

عاد الأستاذ يقول: «والآن.. وقبل ذهابكم إلى النوم، علينا أن ننشد نشيد المدرسة!».

ولاحظ (هاري) أن ابتسامة باقي المدرسين أصبحت متكلَّفة إلى حد ما.

وهز (دمبلدور) عصاه السحرية هزة خفيفة وكأنه يبعد ذبابة عن طرفها، فخرج منها خيط ذهبي طويل صعد إلى أعلى؛ فوق الموائد وأخذ يلتوي مكوِّنًا كلمات.

«كل واحد يغنيها باللحن المفضَّل لديه».

وبدأ الجميع:

«(هوجوورتس).. (هوجوورتس).. هوجي ورتي.. (هوجوورتس)!

علمينا شيئًا من فضلك

مهما كنا كبارًا برءوس صلعاء

أو صغارًا بركب متقرحة

فلتملئي رءوسنا بأشياء هامة

لكي تصبح متفتحة

لأنها الآن خالية ومليئة بالهواء

والحشرات الميتة وقطع الزغب

علمينا أشياء تستحق المعرفة

وذكرينا بما نسينا

افعلي لنا الأفضل.. وعلينا الباقي

علمينا حتى تمتلئ منا العقول».

وأخيرًا.. انتهى الجميع من الغناء.. كلٌّ في أوقات مختلفة.. ولم يبق غير التوءم (ويزلي) اللذين اختارا لحنًا جنائزيًّا بطيئًا جدًّا، وأخذ (دمبلدور) يحرك عصاه كقائد الأوركسترا في أثناء غنائهم السطور القليلة المتبقية من الأغنية، وعندما انتهوا كان أحد الذين صفقوا لهم بحرارة.

وقال وهو يمسح عينيه: «آهٍ، الموسيقى سحر يفوق كل ما نفعله هنا! والآن حان وقت النوم. هيا اذهبوا إلى أسِرَّتكم!».

بدأ تلاميذ الصف الأول لمنزل (جريفندور) يتبعون (بيرسي).. خرجوا من البهو الكبير وصعدوا السلالم الرخامية..وكان (هاري) يجر قدميه متعبًا ومتخمًا بالطعام.. ويحتاج إلى النوم بشدة، لدرجة أنه لم يلحظ أن الناس في اللوحات المعلقة يتهامسون ويشيرون إليه وهو يمر بهم..وأن (بيرسي) عبر بهم مرتين أبوابًا وراء لوحات متحركة وسجاجيد معلقة..وصعدوا المزيد من السلالم وهم يتثاءبون ويجرون أقدامهم جرًّا. وكان (هاري) يتساءل عندما توقفوا فجأة: كم بقي من الوقت حتى يصلوا؟!

ظهرت أمامهم مجموعة من العصي المتحركة.. تطير وسط الهواء.. وعندما تحرك (بيرسي) في اتجاههم بدءوا في الهجوم عليه..

همس (بيرسي) للتلاميذ: «إنه (بيف)؛ شبح شرير»، ثم اتجه إلى العصي وصاح غاضبًا: «..(بيف).. اظهر أمامي.. هل تريد أن أتصل بالبارون الدامي؟».

بووب.. وظهر رجل صغير له عينان سوداوان خبيثتان.. وفم واسع.. وأخذ يطوف وسط الهواء ورِجلاه معقودتان ويلعب بالعصي المتحركة!

قال بنبرة شريرة: «هاووووووووو. تلاميذ الفصل الأول..ما رأيكم؟».

ثم طار في اتجاههم فجأة، فأحنوا رءوسهم بسرعة.

وصاح (بيرسي): «..(بيف) انصرف من هنا و إلا فسيعرف البارون الدامي. وأنا أقصد ما أقوله!».

أخرج (بيف) له لسانه ثم اختفى.. وسقطت العصي فوق رأس (نيفيل).. ثم سمعوه وهو يبتعد ويخبط البدل الحديدية وهو يمر بها.

بدءوا في السير ثانية.. وقال (بيرسي): «يجب أن تحترسوا من (بيف)، لا أحد يستطيع السيطرة عليه سوى البارون الدامي، فهو لا يسمع لأحد حتى لنا نحن رواد المنازل».

في نهاية الممر، ظهرت أمامهم لوحة معلقة لسيدة بدينة جدًّا ترتدي ثيابًا وردية..

قالت: «كلمة السر».

قال بيرسي: «كابوت دراكونيس!».

وتحركت اللوحة إلى الأمام وكشفت عن فتحة في الحائط.. تعثروا جميعًا في أثناء عبورها.. ثم وجدوا أنفسهم في الغرفة العامة لمنزل (جريفندور).. وهي حجرة واسعة مستديرة.. مليئة بالمقاعد المريحة!

وقاد (بيرسي) البنات إلى باب يؤدي إلى عنبر نومهن.. والأولاد إلى باب آخر أعلى سلالم حلزونية.. كان من الواضح أنهم في أحد الأبراج.. وجدوا فراشهم أخيرًا، ووجدوا أمتعتهم بجوار سرير كل منهم.. وسحبوا ثياب النوم عاجزين من التعب عن الحديث ودخلوا إلى أسِرَّتهم!

وغمغم (رون): «عشاء لذيذ.. أليس كذلك؟ ابتعد يا (سكابرز)! إنه يمضغ الملاءة».

أراد (هاري) أن يسأله: هل تذوق فطائر المربى؟! ولكنه سقط غارقًا في النوم مباشرة!

ويبدو أنه تناول الكثير من الطعام؛ لأنه كان يحلم حلمًا غريبًا.. يحلم بأنه يرتدي عمامة الدكتور (كويريل).. وكانت تتكلم معه وتقول له إنه يجب أن يحول إلى (سليذرين) فورًا؛ لأن هذا قدره، وقال (هاري) للعمامة: إنه لا يريد الذهاب إلى (سليذرين) ولكنه شعر بها ثقيلة فوق رأسه وتزداد ثقلًا شيئًا فشيئًا.

حاول أن ينزعها عن رأسه ولكنها تشبثت به أكثر وأكثر وآلمته.. ورأى في حلمه الفتى (مالفوي) وهو يضحك منه، بينما يحاول نزعها.. ثم تحول إلى الأستاذ معقوف الأنف سنايب.. والذي جاءت ضحكاته عالية وباردة.. ثم رأى انفجار ضوء أخضر.. واستيقظ (هاري).. وهو يرتعد ويتصبب عرقًا.

استدار إلى الجانب الآخر.. واستغرق مرة أخرى في النوم.. وعندما استيقظ في صباح اليوم التالي.. لم يذكر شيئًا عن الحلم.. نهائيًّا!!

2019/11/30 · 498 مشاهدة · 3433 كلمة
Adk3RAK
نادي الروايات - 2024