11 - الوداع وبدأ المسير

كان صباح الرحيل مختلفاً.

الرياح باردة رغم اقتراب الصيف، والشمس مختبئة خلف سحب رمادية كثيفة.

في ساحة التدريب الشرقية، حيث طالما تدرب الصغار وضحكوا، وقف الجنود في صمت، ورايات كونوها ترفرف بخفة فوق رؤوسهم.

لم أكن قائداً بينهم، بل مقاتلاً مثلهم… وأخاً لرجل سيقود هذه الحملة. ساكامو .

خطوات مألوفة قطعت الساحة.

ميناتو جاء أولاً، بثباته المعتاد، درعه الخفيف ووشاحه الأصفر يرفرف مع النسيم.

إلى جانبه يارا ، شعرها القصير ووجهها الصارم، يحملان عزيمة رغم القلق الكامن في عينيها.

ثم كوشينا ، شعرها القرمزي ينسدل فوق كتفيها، ونظرتها تجمع بين الكبرياء والخوف.

بعدهم بقليل، تقدم فوجاكو ، مرتدياً درع الأوتشيها، ووجهه الجامد يوحي بعقلية القائد المسؤول.

ابتسمتُ ابتسامة صغيرة وقلت:

“ها قد جاءت الفرقة التي يصعب السيطرة عليها.”

ضحك ميناتو قائلاً:

“ظننت أنك ستتخلى عن سخريتك أخيراً.”

“لو فعلتُ، لما كنتُ سامورو.”

قالت يارا مباشرة:

“إلى أين سنذهب؟ جبهة الرمال، أليس كذلك؟”

هززتُ رأسي بهدوء.

“لا. أوصي بأن تلتحقا بالحملة المتجهة إلى حدود أرض المطر.”

بدت الدهشة على وجهها.

“لماذا؟ المعركة الحقيقية في الرمال.”

أجبتُ بنبرة هادئة، متعمدة الإخفاء:

“جبهة المطر أكثر أهمية استراتيجياً. نحتاج أعيناً خبيرة لمراقبة تحركات هانزو. وجودكما هناك سيكون ذا فائدة كبيرة.”

في الحقيقة، لم يكن هذا السبب.

كل تحليلاتي وتقارير الاستطلاع تؤكد شيئاً واحداً:

هانزو لن يخاطر بحرب شاملة في هذه المرحلة. جبهة المطر ستظل هادئة، بينما الرمال… ستكون جبهة الدم والنار.

لم أرد تعريضهم للخطر حيث ستُسفك الأرواح.

يارا عبست وقالت:

“أتحاول إبعادنا؟”

ابتسمتُ بخفة:

“أحياناً، القرار الصحيح يبدو غريباً.”

أما ميناتو ، فقد ثبت نظره في عينيّ.

لحظة واحدة فقط، لكنها كانت كافية.

ثم رفع حاجبه بخفة، وابتسم ابتسامة صغيرة.

"انت تكذب وتحاول حمايتنا"

لم يتكلم. لم يُرد إحراج الموقف. لكنه فهم. كعادته، يفهم أكثر مما يقال.

اقتربتُ من يارا ، وضعتُ يدي على كتفها:

“اعتني بنفسكِ… وبميناتو أيضاً.”

قالت بتحدٍ خفيف:

“ومن يعتني بك؟”

“أنا أعتني بنفسي، كما اعتدتُ دائماً.”

كوشينا تقدمت، قبضت على ذراعي بقوة، عيناها تمتلئان بالعزم والخوف معاً.

“إن لم تعد، سأبحث عنك وأعيدك بنفسي.”

ابتسمتُ قائلاً:

“أظنك ستجلبين المعركة إلى كونوها إن تأخرتُ.”

ضحك ميناتو رغم القلق في وجهه.

اقترب فوجاكو وقال بهدوء:

“سنلتقي بعد النصر.”

بادلته نظرة صامتة.

“العشائر

العظيمة

لا

تنكسر

بسهولة

"

حين بدأ الجنود يتجمعون، اقتربتُ من ميناتو وهمست:

“ابقَ على حدسك حاداً، كما تفعل دوماً.”

رد بصوت منخفض، لا يسمعه سوانا:

“وسأُبقي يارا بعيدة عن المشاكل التي تحاول حمايتها منها.”

أومأتُ. لم تكن هناك حاجة لكلمات أخرى.

راقبتهم وهم يغادرون.

"لقد ابعدتكم عن المعركه الكبرى ، لكن الى متى ساقدر ان ابعدكم "

استدرت نحو الأفق.

الرياح تحمل رائحة الرمال… ورائحة الدم.

“زحف

الرمال

بدأ

"

حين ارتفعت رايات كونوها، وسُمع نداء الرحيل، شعرتُ بأن الهواء ذاته تغير.

لم تعد هذه النسائم التي عشتها طيلة سنوات شبابي… بل كانت نسمات تحمل في طياتها رائحة الرمال والدم.

تحركت القوات ببطء في البداية، صفوف متراصة، كل خطوة تحمل وزناً أكبر من سابقتها.

أمامهم القائد الأعلى ساكامو ، بوقفته الهادئة، صمته الحازم، ونظرته التي تخترق الأفق كأنه يقرأ المعارك قبل أن تبدأ.

أما أنا، فقد كنتُ بين الصفوف، مجرد مقاتل.

ليست لدي ألقاب، ولا مناصب.

لكنني أحمل عبئاً لا يحمله قائد ولا جنرال.

عبء أولئك الذين تركتهم خلفي، وأقسمتُ أن يعودوا سالمين.

خلال الأيام الثلاثة الأولى من المسير، اجتزنا الغابات الكثيفة التي تفصل كونوها عن أطراف السهول الغربية.

الطقس كان متقلباً، الأمطار تارة، والرياح الباردة تارة أخرى.

كلما ابتعدنا عن كونوها، ازدادت الأرض قسوة.

الأشجار أصبحت أقل، التربة تحولت من الطين الأسود إلى الحصى، ثم إلى الرمل الخشن.

وفي اليوم الرابع، بدأنا نرى التلال الرملية ترتفع في الأفق.

"نحن نقترب"

في المساء، حين نصب الجنود المخيم قرب حدود الرمال، جلستُ على صخرة صغيرة أراقب غروب الشمس.

اقترب ساكامو وجلس بجانبي.

قال بهدوء:

“كان يمكنني أن أجعلك نائباً لي… لكنني أعلم أنك تفضل أن تكون خارج الألقاب.”

ابتسمتُ بخفة.

“الألقاب عبء. أفضل أن أكون الظل الذي لا ينتبه له أحد.”

“بل الظل الذي يخشى الجميع أن يقترب منه.”

ضحكتُ. “أيهم؟ الأعداء أم الحلفاء؟”

“كلاهما.”

أخرج ساكامو خريطة من حقيبته، فردها على صخرة مستوية.

أشار إلى نقطة قرب الحدود:

“غداً سنعبر إلى أراضي الرمال. فرق الاستطلاع أرسلت تقارير تفيد بأن العدو بدأ بحشد قواته قرب وادي الرياح الجنوبي.”

أومأت. “مكان مثالي لكمائن الرمال. الساحة مفتوحة، لكن الأرض تخفي أفخاخاً طبيعية.”

قال ساكامو:

“أريدك مع فريق الطلائع. نحن بحاجة إلى عيون حادة قبل أن تتحرك الكتيبة بأكملها.”

“ظننتني مجرد مقاتل بين الصفوف.” ابتسمتُ بسخرية.

“أنت كذلك مقاتل لا بديل له.”

حين عاد ساكامو إلى مركز القيادة، بقيتُ وحدي.

نظرتُ إلى الأفق حيث التلال الرملية تخفي وراءها العدو.

“رمل

الرياح

دم

المستقبل

.

في الظلام، تسللت أفكاري إلى أولئك الذين تركتهم خلفي

ميناتو

كوشينا

يارا

وفجاكو

"هل سياتي يوم نتجمع في عالم مسالم"

لم يكن هناك إجابة.

لكن الحرب لا تنتظر الإجابات.

هي فقط تقدم الأسئلة… وتترك الدم يكتب الرد.

مع بزوغ الفجر، دُقّت الطبول.

استعد الجنود.

ومع أول خطوة نحو أراضي الرمال، بدأت الحكاية.

"زحف الرمال بدأ ، وسيقلب هذا لون الدماء الى القرمزي "

2025/05/08 · 68 مشاهدة · 805 كلمة
m6
نادي الروايات - 2025