كان الفجر قد بدأ بالكاد يرسم خيوطه الخفيفة على خيام المعسكر. البرد لامس جلدي كأن الصباح نفسه يهمس بأن هذا اليوم مختلف. لكن المعسكر ظل صامتاً. ليس الصمت المعتاد قبل التدريب… بل الصمت الذي يسبق القرارات المصيرية. فقط أربعة أشخاص في هذا المعسكر يعرفون ما أنا مقدم عليه. ساكامو، تسونادي، إيزونا، وشينزاكي. لا أحد آخر. الجواسيس قد يكونون في كل مكان، حتى في الظلال التي أعرفها جيداً. لهذا، لم يُسمح لأحد بأن يعلم.
في خيمة القيادة، وقفت أمام أخي. ساكامو كان ينظر إلى الخرائط، لكن عينيه لم تكن تقرأ العلامات… كانت تحاول أن تتجنب النظر إلي. وكأنه كلما نظر إلي تذكّر بأنه على وشك أن يرسلني إلى مصير لا يستطيع السيطرة عليه.
“أنت متأكد؟” سأل أخيراً، صوته منخفض لكنه واضح.
“ني سان… خطتنا لم تعد خطة بعد الآن. إنها الفرصة الوحيدة لإيقاف هذا النزيف.”
تنهد ببطء. “كل معركة خضتها، كنت تحارب وكأنك لن تعود حياً.”
ابتسمت بخفة. “لكنهم لم يستطيعوا إلى الآن.”
رفع بصره نحوي. تلك النظرة… ليست نظرة القائد، بل نظرة الأخ الذي كان يرفعني عندما كنت صغيراً. الذي كان يحمل ثقل العائلة على كتفيه عندما مات والدنا.
“فقط عد، سامورو.”
“سأعود.”
مد يده، وضعها على كتفي، وشد عليها. لم يقل شيئاً آخر.
استدرت. خطواتي كانت ثقيلة، ليس بسبب الخوف، بل بسبب ثقل الأمانة التي أحملها.
خرجت من الخيمة، متجهاً نحو بوابة المعسكر.
لكني لم أصل البوابة وحدي.
قبل أن أقترب، رأيتها.
تسونادي.
واقفة، ذراعاها معقودتان، وعينيها محدقتان في الأفق. لم تكن ترتدي زيها الطبي. كانت ترتدي معطفها القتالي، كما لو كانت تستعد للقتال، لكنها لم تحمل أي سلاح. سلاحها الوحيد كان قلقها.
عندما اقتربت، لم تتحرك.
“ظننتُ أنك ستتسلل خارجاً دون وداع.” صوتها كان حاداً، لكن خلف القسوة كانت الرقة التي عرفتها منذ كنا أطفالاً نتدرب معاً.
“لم أرد إثارة الشكوك. لا أحد يجب أن يعرف.”
اقتربت حتى أصبحت أمامي مباشرة. “أعرف. ومع ذلك… لم أستطع البقاء بعيداً.”
ترددت لحظة، ثم وضعت يدها على كتفي السليم.
“أنت تعلم… لا زلت أراك مثل ناواكي. عنيد. متهور. وتحب تحمل العالم على كتفيك كما يفعل.”
خفضت صوتها: “لو ذهبت ولم تعد، سأفقد الاثنين معاً. لن يبقى لدي مشاغب آخر.”
ابتسمت، نظرت في عينيها بثقة. “لم يُولد إلى الآن من سيمنعني من إزعاجك مع ناواكي.”
ضحكت، لكن خلف الضحكة كانت نظرة مختلفة. نظرة أم تخشى على ابنها. أو أخت تخشى على أخيها الصغير.
“احذر نفسك، سامورو.”
“دوماً.”
ثم ابتعدت.
وصلت إلى خارج البوابة. الأرض مفتوحة أمامي، والسماء بدأت تتلون بلون الفجر الوردي.
وقفت. تنفست بعمق.
وضعت راحتي على الختم المرسوم على جسدي.
“فوئينجتسو: كاجي نو كاكوماي.”
شعرت بالطاقة تتدفق. شيء بارد انتشر في أطرافي. نبض التشاكرا اختفى تماماً. حتى أنفاسي أصبحت كأنها جزء من الريح.
في لحظة، لم أعد جزءاً من العالم المرئي.
الخطوة الأولى بدأت.
سرتُ لساعات. الأرض تغيرت تحت قدمي. غادرت تلال كونوها ودخلت في سهول الرمال المتحركة. مع حلول الليل، وصلت إلى مشارف معسكر الرمال.
تمدد المعسكر مثل مدينة صغيرة. أضواء المشاعل كانت قليلة، يعتمدون على الظلام كدرع. لكن عيني تعرف كيف تخترق الظلام.
تسللت إلى قمة منخفضة، وألقيت نظرة شاملة.
المؤن: ثلاث خيام كبيرة قرب الحافة الشرقية. حراستها وحدتان، كل وحدة ستة رجال.
المستشعرون: ينتشرون كدائرة حول المعسكر. التبديل كل ثلاث ساعات. منطقة الاستراحة لهم خلف البرج المركزي.
خيام القيادة: الكازيكاجي، راسا، وتشو… قلب المعسكر، محاط بمنطقة محظورة.
بدأت أرسم الخريطة في عقلي.
قبل تنفيذ المهمة، لبست الغطاء البرتقالي الحلزوني الذي صنعته خصيصاً. اللون الداكن، الخطوط الحلزونية، منعكسة لإرباك النظر في الظلام.
ثم بدأت المهمة.
المستشعر الأول كان يجلس قرب عمود مراقبة. ظهره للرياح. سيف الوهم كان كافياً. طعنة خاطفة… الموت جاء قبل أن يشعر بأي شيء.
الثاني كان يتثاءب. لم تمنحه الفرصة. ضربت شريانه بدقة. الموت صامت.
الثالث والرابع… ثم الخامس.
قتلت عشرة مستشعرين قبل أن يبدأ القمر بالارتفاع.
كل جثة أخفيتها تحت الرمل.
تحركت نحو الدائرة التالية.
خمسة عشر مستشعراً آخرين.
واحداً تلو الآخر.
قتلتهم جميعاً دون أن ينبس أحدهم بحرف.
في النهاية، ثلاثون مستشعراً… ذهبوا كالرياح.
ثم تقدمت نحو المؤن.
الحراس كانوا عشرة. اثنان عند كل خيمة، وستة يتجولون.
سيف الوهم مرة أخرى.
طعنة في القلب.
طعنة في العنق.
طعنة خلف الأذن.
لم أحتج لقتال. فقط سرعة وصمت.
عشرة جثث أخرى أصبحت جزءاً من الرمال.
ثم بدأت بزرع أوراق التفجير داخل المخازن.
كل ورقة خبأتها بين الصناديق، أسفل الأكياس، وفي زوايا الخيام.
عندما حانت لحظة الانسحاب… توقفت.
المخارج مغلقة.
رأيت نخبة الجونين ينتشرون في الخارج.
الكازيكاجي وراسا أعلنا حالة الطوارئ. أغلقوا المعسكر، وأمروا بالبحث في المنطقة المحيطة.
خطوة ذكية… كانوا يظنون أنني خرجت.
ابتسمت في الظلال.
خطوتي التالية ستكون أذكى.
تركت قطعة قماش صغيرة عليها ختم حاميات المطر عند أحد المخارج.
ثم عدت بهدوء… إلى داخل المعسكر نفسه.
اختبأت في منطقة التخزين المهجورة خلف البرج المركزي.
في تلك اللحظة، عرفت أنني أصبحت جزءاً من العدو نفسه.
والفجر المقبل… سيكون بداية الفوضى.