منذ أن بدأ تنفيذ المرحلة الأولى، لم يتغير شيء في المعسكر سوى الأعين التي أصبحت يقظة، والقلوب التي صارت مرتجفة. القادة عززوا الدفاعات، لكن لم يتمكنوا من ملء الفراغ الذي تركه الحساسون والحراس الذين قتلتهم. إلا أني كنت أعلم أن هذا وحده لا يكفي. العدو، مهما تلقى من الضربات، ما دام يحتفظ بنخبته، فسيبقى واقفاً.
لهذا، المرحلة الثانية لم تكن خياراً، بل ضرورة.
كنت قد وضعت الخطة في ذهني منذ البداية، لكنها الآن أصبحت واضحة، محددة، بلا هامش للخطأ. الهدف: إضعاف النخبة. الضربة الحاسمة: قتل كازو وكوكو، والدا ساسوري. كلاهما مقاتلان خطيران، ليس بسبب قوتهما الجسدية فحسب، بل بسبب انسجامهما. يقاتلان كجسد واحد. إنهما الذراع الأيمن والأيسر لتشو، وعقلهما معاً يشكل جزءاً من قرارات القيادة.
القضاء عليهما سيترك الرمال في دوامة لا تخرج منها بسهولة.
استلقيت خلف كثيب رملي يطل على المعسكر. تنفسي كان هادئاً، باردًا كهواء الصحراء ليلاً. كل شيء مضى كما توقعت. الفوضى التي أحدثتها دفعت القيادة إلى التشدد، وجعلت الأعصاب مشدودة إلى درجة الانفجار. هذا التوتر هو ما كنت أحتاجه.
خلال الليل، تذكرت تفاصيل الخطة. الختم الذي طورته مع ميناتو وكوشينا، والذي كان ثمرة تدريبات طويلة وليالٍ من النقاشات، لم يكن انتقالاً فورياً كالهرآيشين. بل كان نقلاً بطيئاً يعتمد على ختمين، يوضعان على الأرض، ويعملان كساحة كمين. يستغرق تفعيله وقتاً طويلاً في القتال العادي، لذا صُمم ليستخدم كفخ استراتيجي، لا في المعارك المباشرة.
الختم الأول وضعته قرب نقطة تفتيش خلفية يستخدمها القادة في عمليات الدوريات الليلية، حيث يقل الحذر أحياناً. الختم الثاني في وادٍ صخري يبعد عن المعسكر مسافة كافية لعزل الهدفين عن أي دعم. كانت تلك البقعة مثالية: منخفضة، صخرية، والرياح هناك كفيلة بإخفاء أي صوت قتال.
في تلك البقعة، زرعت ألغام تشاكرا، أوراق انفجار مموهة في الرمال، وأعدت فخاخاً تستخدم تقنية سيف الوهم. كل شيء محسوب.
في تلك اللحظة، جاء دور الاستدراج.
استخدمت جنجتسو الصوت، نغمة محرفة، أوحت بوجود متسلل يتحرك قرب الختم الأول. لم تمضِ سوى دقائق حتى رأيت الهدفين. كازو، بجسده الطويل وعينيه الضيقتين كالذئب، وكوكو، شعرها الأحمر يتماوج مع الريح وخيوط التشاكرا تتدلى من معصميها.
تحركا بحذر. كانا يعرفان جيداً أن المتسلل الذي يقتل ثلاثين حساساً وعشرة حراس مؤن ليس مجرد عدو عادي.
اقتربا.
دخلا نطاق الختم الأول.
وضعت راحتي على الأرض. شعرت بالتشاكرا تنبض في النقاط التي رسمتها سابقاً. ضغطت بإصبعي بلطف. الختم الثاني استجاب.
دائرة الضوء الخافتة التي لا ترى إلا بعين الخبير بدأت تظهر تحت أقدامهما.
لحظة.
ثانية.
ثالثة.
ثم، في ومضة هادئة، لم يصدر عنها حتى صوت الريح، اختفيا.
لم يعلما حتى ما حدث.
في تلك اللحظة، نقل الختم جسديهما إلى الوادي.
سحبت نفساً عميقاً، ثم تحركت.
عندما وصلت، كان القمر قد بلغ منتصف السماء.
كازو وكوكو كانا يقفان في مركز الوادي، يتلفتان حولهما. رغم المفاجأة، لم يظهر الخوف على وجهيهما. كانا مقاتلين محترفين. استشعرا أن الأمر فخ، وبدآ بنشر خيوط التشاكرا حولهما. دميتان خرجتا من لفائف معلقة على ظهريهما، عيونها المتوهجة الحمراء انعكست على الصخور.
راقبتهما من خلف نتوء صخري.
في عقلي، راجعت الخطة مجدداً.
الألغام موزعة بحيث إذا تراجع أحدهما يتم تفجيرها. أوراق التفجير ستسد الممرات الخلفية. عليّ قتل كوكو أولاً. كانت المسؤولة عن التحكم بالخيوط وأقدر على كشف الفخاخ. أما كازو، فمهاراته قتالية مباشرة، يصعب خداعه إلا إذا فقد التنسيق مع شريكته.
تقدمت بهدوء.
سيف الوهم كان مفعلاً.
أطلقت موجة خفيفة من الجينجتسو، جعلتهما يظنان أن الرياح تتحرك خلفهما.
استدارت كوكو بسرعة.
قفزت نحوها، الوميض منحني سرعة فوق سرعة البشر العاديين. طعنتها في الكتف، لكنها أطلقت خيوطها دفاعاً. لم تصل الطعنة للقلب، لكنها قطعت خيوطها جزئياً.
صرخ كازو، أطلق دميته نحوي، شفرة خرجت من صدر الدمية، لكنها أصابت الهواء فقط.
قفزت إلى الوراء.
كوكو حاولت إعادة ضبط خيوطها، لكنني كنت قد توقعت ذلك.
فعلت أول لغم تشاكرا.
الانفجار لم يكن قوياً لقتلها، لكنه كان كافياً لتمزيق ساقها اليسرى. سقطت، أنينها كان مختنقاً.
كازو حاول الوصول إليها.
أطلقت ورقة تفجير مموهة تحت قدميه.
لكنه تفاداها بخبرة المحاربين الذين نجوا من مئات الفخاخ.
ركضت نحو كوكو. رفعت سيف الوهم، ورأيت الخوف في عينيها لأول مرة.
طعنتها في القلب.
لم تنطق بكلمة.
كازو صرخ، أطلق العنان لكل خيوطه. عشرات، مئات الخيوط، تحكم في ثلاث دمى في الوقت نفسه.
القتال تحول إلى إعصار.
تفاديت شفرات، كدت أُصاب مرتين.
لكنني لم أكن في هذا الفخ لأقاتل قتالاً عادياً.
في اللحظة التي ركز فيها كل خيوطه على هجوم منسق، ركضت باتجاه صخرة كبيرة في حافة الوادي.
كان هناك الختم الثاني، الصغير، الذي أخفيته تحت الرمال.
عندما دخل كازو نطاقه، فعلت الورقة الأخيرة.
الأرض تحته انهارت، ليست بفعل تفجير بل بفعل انهيار رملي أعددته مسبقاً. انزلقت الصخور، سقط كازو في حفرة عميقة.
قفزت خلفه.
قبل أن يستجمع وعيه، قفزت في الهواء، استخدمت الوميض القصير للسرعة، وهويت بسيف الوهم على عنقه.
قطع النصل الخيوط… والروح.
الدماء انتشرت على الرمال.
الهدوء عاد.
الرياح فقط كانت تشهد.
وقفت، أنظر إلى جسديهما. شعرت بثقل اللحظة.
لم يكن قتلهما انتصاراً فقط.
كان إعلاناً… للقيادة وللحرب ولنفسي.
لقد بدأتُ تغيير مجرى هذه الحرب.
انحنيت، مسحت الدم عن نصل السيف، ثم تحركت بسرعة.
أزلت أي أثر يدل على وجودي. زرعت مجدداً أثر حامية المطر في ساحة القتال. خدعت الرمال ليظنوا أن القتل جاء من الخارج… من العدو الذي ما زال مجهولاً.
في طريق العودة، لم أشعر بالفخر. شعرت فقط بالمسؤولية.
الحرب لا تصنع أبطالاً.
تصنع أناساً يرتكبون ما يجب ارتكابه، حتى لو كان ذلك يعني أنهم سيحملون الذنب إلى الأبد.