الليل غطى المعسكر بثقل لا يرحم، والريح التي اعتادت أن تكون رفيقتي في الصمت، بدت الآن باردة بشكل غير مألوف. كنت أعود. ليس كهارب من معركة، بل كظل أنهى مهمته، وغرس سُمّه في قلب العدو قبل أن يذوب مع الرمال. خطواتي بين الكثبان كانت صامتة، والختم لا يزال نشطًا، يخفي تشاكراي كما لو أنني لم أولد قط.
عندما اقتربت من النقطة التي حددتها مع ساكامو، خلف خيمة التخزين المهجورة، أطلقت نبضة تشاكرا خفيفة جدًا لا يلتقطها سوى شخص يعرف توقيعها. مرّت ثوانٍ قبل أن تظهر تلك الخطوة الهادئة، الثقيلة، التي حفظتها منذ كنت صغيرًا. ساكامو.
خرج من الظل كعادته، ووقف أمامي. لم يقل شيئًا في البداية، فقط حدق بي. عيناه لم تكن تحملان الدهشة، بل شيئًا أثقل… شيء يشبه الدعاء.
“عدت،” قالها أخيرًا، بصوت لا يشبه صوت القادة، بل صوت الأخ.
أومأت له. “كل شيء تم كما خططنا… وأكثر.”
ظل صامتًا لبرهة، ثم تنهد ببطء. أشار برأسه: “البقية ينتظرون. تعال.”
دخلنا خيمة القيادة معًا. كانت الإضاءة خافتة، والمكان خالٍ إلا من الأربعة الذين شكلوا نواة قرارات الحرب.
إيزونا جلس بصمته المعتاد، عيناه ثابتتان كأنه يقرأ داخلي لا وجهي.
شينزاكي نارا، والد شيكاكو، جلس قرب الخرائط، ذقنه يستقر على راحته، والتفكير مرسوم على وجهه بكل سطر.
تسونادي كانت واقفة، ذراعاها معقودتان، ونظراتها حين رأتني اتسعت، وكأنها رأت شبحًا لا شينوبي.
أشار لي ساكامو بالجلوس في المنتصف.
“سامورو،” قال، “ننتظر تقريرك.”
رفعت رأسي، وعيناي تتنقلان بينهم.
“المرحلة الأولى تمّت. الحساسون… ثلاثون قتلوا. الحراس… عشرة. المؤن، تفجرت بالكامل. أماكن التخزين لم تعد صالحة، وقد زرعت أدلة تشير إلى أن الهجوم قد يكون من حاميات المطر.”
أومأ شينزاكي. “وقد بدأ التشكيك فعلاً بين قادة الرمال. شك في كونوها… وشك في المطر.”
تابعت: “لكن المهمة لم تنتهِ هناك.”
نظرت إلى تسونادي، ثم إلى ساكامو.
“لم أهرب بعد التفجير.”
تسونادي عقدت حاجبيها. “ماذا تعني؟”
أخذت نفسًا عميقًا.
“لم أخرج من المعسكر كما افترض الجميع. لم أعد إلى الخطوط الخلفية. اختبأت. بقيت داخل المعسكر… ليلتين كاملتين.”
ارتج جسد تسونادي فجأة. ساكامو لم يبدُ مصدومًا في البداية… لكنه ما لبث أن تجمّد.
“ماذا قلت؟” قال ساكامو ببطء، كأن الكلمة خرجت من فمه بصعوبة.
“اختبأت داخل المعسكر. في مستودع التخزين الخلفي المغلق. توقعت أن العدو سيظن أنني انسحبت، وسيركز على التفتيش الخارجي. وكنت محقًا.”
تسونادي تقدمت خطوة. “أنت لم تخبرنا بهذا. لم يكن هذا في الخطة.”
“صحيح.”
“أنت خرقت الأمر المباشر.”
“لأن هناك هدفًا أهم.”
ضربت تسونادي الطاولة بيدها. “هل جننت؟ ماذا لو تم كشفك؟ كنا سنخسر العملية بأكملها… وربما تخسر حياتك أيضاً.”
نظرت إليها بثبات. “لكن لم يحدث شيء من هذا. لأنني لم أخطئ.”
ساكامو رفع عينيه إليّ، كانت نظراته باردة، لكنها مليئة بالنار خلفها.
“لماذا، سامورو؟ لماذا تجاوزت أوامري؟”
أخفضت رأسي للحظة، ثم رفعت نظري من جديد.
“لأن الوقت لا يسمح بالتردد. كازو وكوكو كانا ما زالا أحياء. قتلهما كان مفتاحاً لتفكيك نخبة الرمال. إن لم أستغل اللحظة، فلن تأتي ثانية.”
“لكنك خُنت الخطة.”
“بل أنقذتها من أن تبقى ناقصة.”
تسونادي كانت غاضبة بحق. “سامورو، كنت أراك أخاً… لكن لو كنت طبيبة أخرى، لقلت إنك مريض بالمخاطرة. هذا تهوّر.”
“بل حساب دقيق. أنا لست أحمقاً يا تسونادي، أعلم متى أقاتل… ومتى أنسحب.”
قال ساكامو ببرود: “أنت لم تختر الانسحاب.”
“لأني لم أكن مضطراً له.”
رفع صوته قليلاً: “لكن كنت مجبراً على إخباري!”
رددت بصرامة: “وأنت كنت ستمنعني… أليس كذلك، ني سان؟”
توقف. لم يرد.
تقدمت خطوة، نظرت في عينيه.
“أعرفك، وأعرف خوفك. لكني… لست الطفل الذي كنت تدرّبه. أنا ظل. ظلك. وكل قائد يحتاج لظل لا يعرفه أحد… حتى أنت أحياناً.”
لم يتكلم. حدق في الأرض لوهلة، ثم رفع رأسه.
“كيف فعلتها؟”
“استدرجتهما بختم النقل الذي طوّرناه أنا وميناتو وكوشينا. ختمان على الأرض. عندما دخلا النطاق، انتقلا مباشرة إلى الوادي. هناك، أعددت الفخاخ. وقتلت كوكو أولاً… ثم كازو.”
إيزونا تنحنح، قال بصوته العميق: “هذا ليس تصرف شينوبي… هذا تصرف قائد عمليات خاصة. وبراعة لا تصدّق.”
تسونادي التفتت إليه بحدة. “لكن كان يمكن أن يُقتل!”
أجابها: “لكنه لم يُقتل.”
نظرت إليهم جميعاً، ثم قلت بهدوء:
“المهم أنني عدت… ونجحت.”
ساد الصمت في الخيمة. لحظة ثقيلة من تلك اللحظات التي لا يُكسر فيها الهواء إلا بنبضات القلب.
ساكامو ظل واقفًا، كأن ما سمعه للتو لا يصدق. عيناه لم تتركا وجهي، لكن خلف ذلك الثبات، رأيت رجلاً يصارع بين دوره كقائد… وشقيق فقد السيطرة.
تقدمت خطوة.
“لم أخرج من المعسكر يا ني سان،” قلتها بهدوء، “بل بقيت داخله، كما خططت لنفسي. اختبأت يومين، انتظرت، راقبت، وحددت اللحظة المناسبة. ثم استدرجت كازو وكوكو إلى الفخ، وقتلتهم.”
تسونادي كانت صامتة، لكنها تحرّكت أخيرًا، خطوة واحدة نحو الطاولة، ثم ضربت سطحها بكفّها، وصوتها خرج من صدرها لا من فمها:
“أنت مجنون!”
حدقتُ فيها، ولم أتكلم.
“تعلم جيدًا أن هذه لم تكن خطتنا! تعلم أننا لم نوافق على بقائك وحدك في معسكر العدو، محاطًا بنخبة الرمال، مختبئًا كفأر في مستودع! لماذا فعلت ذلك يا سامورو؟ لماذا من تلقاء نفسك؟!”
صوتها لم يكن غضبًا فقط، بل خوفًا حقيقيًا. أعرفه. رأيته في عينيها.
قلت بهدوء: “لأن الفرصة لا تأتي مرتين، تسونادي. ولأن الوقت لم يسمح بأن أعود وأطلب إذنكم.”
“لو تم الإمساك بك، كنا سنفقدك. أنا… أنا لم أقل هذا من قبل، لكن… أنت و ناواكي وغدان يتمنان الموت .”
سكتت لحظة، ثم أكملت:
“لديكما نفس الرغبة الحمقاء بإنقاذ الجميع. أنا لا أتحمل فكرة فقدكما معًا. هل تفهم؟”
خفضت عينيها للحظة. ذلك الخوف في صوتها لم يكن مصطنعًا. لم تكن تتحدث كقائدة طبية… بل كأخت كادت تفقد اثنين من إخوتها مرة واحدة.
نظرت إليها، ثم قلت بصوت ثابت:
“لكنني عدت. والعملية نجحت.”
ساكامو أخيرًا تكلّم. كان صوته هادئًا… أكثر مما توقعت.
“لقد خنت الخطة، سامورو. أنا من أعطاك الإذن بالمغادرة… لكنك لم تغادر. جعلتني أكذب على نفسي. أقنعتني بأنك في طريقك إلى الخطوط الخلفية، بينما كنت هناك، في بطن العدو.”
“لأني كنت أعرف، لو أخبرتك، كنت سترفض.”
“صحيح.”
قالها بصراحة، دون تردد.
“لكنك اخترت أن تقرر مكاننا. أن تضع نفسك في يد مصير واحد. لا وجود لنسخة ثانية من سامورو.”
رفعت رأسي. “أنا لم أضع نفسي… بل وضعت الحرب في كفتي. ووزنتها.”
إيزونا تحدث أخيرًا، بعد صمت طويل. قال بصوت خافت كعادته:
“كل ما فعله… عمل لا يقوم به إلا رجل قرر أنه إذا مات، سيموت بعد أن يغيّر شيئًا حقيقيًا.”
شينزاكي أومأ قليلاً، ثم قال:
“صحيح، لكنه لا يُغيّر أن ما حدث خارج عن نطاق السيطرة.”
سكتّ لبرهة، ثم قلت:
“كل خطوة اتخذتها كانت بحساب. لم أقم بمقامرة، بل ضربة محسوبة. وها أنا أمامكم… حيّ. ومعي نتيجة لم نكن لنحققها بأسلوب آخر.”
ثم نظرت نحو ساكامو مباشرة، وقلت:
“لهذا، أطلب إذنك… أريد العودة إلى كونوها، ثم التوجه إلى جبهة المطر. ميناتو ويارا هناك، وأنا يجب أن أكون معهم.”
ساكامو سكت. لم يرمِ رفضه مباشرة. فقط نظر إليّ طويلاً.
ثم قال بصوت خافت، لا يشبه صوت القادة:
“أنت لم تفقد شيئًا من وزنك عندي، يا سامورو… لكنك وضعتني في موقف لم أكن أريده.”
ثم أكمل بصوت أقوى:
“الطلب… مرفوض.”
رفعت حاجبي قليلاً، لكن لم أندهش.
“ليس لأنك لم تنجز، بل لأن وجودك هنا أصبح… ضرورة.”
“ضرورة؟”
“أنت الآن الورقة التي لا يعرف أحد أنها موجودة. كل القادة يظنون أنك انسحبت. حتى العدو لا يعرف وجهك. أنت… الاحتياط. السهم الأخير في الجعبة. لو تحركت الرمال، أو فُتحت جبهة أخرى فجأة… أنت من سيكون الحل.”
صمتُّ.
ثم قلت: “لكنني لست آلة.”
“أعلم.”
“ولا ظلّاً يُخفى حتى يتعفن.”
“ولهذا أعطيك وعداً.”
سكت. ثم نظر في عينيّ.
“إذا لم تحدث معركة كبيرة خلال شهر، وهدأت الجبهة فعلاً… سأجعلك تذهب.”
أومأت، ببطء.
“موافقة.”
لم يكن ما أريد… لكنني رأيت في عينيه أنه صادق.
⸻
خرجت من الخيمة بعد أن انتهى الاجتماع. كنت أشعر بثقل في صدري، لا يشبه ثقل التعب.
ربما هو ثقل البقاء بعد كل شيء.
لكني كنت مستعداً… لأن أكون الظل الذي لا يُرى، حتى تحين اللحظة.
ولما تأتي… سأكون السهم الذي لا يخطئ.