⸻
كنت أقف عند طرف الخريطة الميدانية داخل الخيمة المركزية، يدي موضوعة على موضع الاشتباك الأخير مع قوات الصخر، حين دخل سامورو بخطى خفيفة كأن الهواء يمهد له الطريق.
“ني سان…” قالها بصوت خافت، كأنه يُخفي وراءها شيئًا آخر.
رفعت رأسي نحوه.
“وصلك خبر الدعوة؟” سأل وهو يتقدم.
أومأت ببطء.
“وصلت، دعوة للتفاوض… في معسكر أونكي نفسه.
واضحة.”
رد بابتسامة جانبية:
“تعلم أنه فخ، أليس كذلك؟”
صمتّ.
ثم أضاف وهو ينظر للجانب:
“يبدو أنهم لا يريدون حيواناتهم.”
•
اقترب خطوة أخرى وقال بنبرة فيها بعض المزاح:
“ني سان… فلنذهب.
وسنأخذ ميناتو معنا، إنه أشبه بأداة تنقّل مريحة ومفيدة.”
•
نظرت إليه مباشرة، للحظة لم أرد.
ثم خرج مني ضحكة قصيرة:
“أداة تنقل؟”
أومأ بجديّة مفرطة، وكأنه يقول الحقيقة كلها.
ثم قال بهدوء:
“لن يمسّونا داخل معسكرهم.
هم من دعونا… وسنُريهم أن اليد العليا ما زالت معنا.”
•
فكّرت قليلًا، ثم قلت:
“جيد. سنذهب.
لكن إن فتحت فمك أمام أونكي عن الطهي أو القردة… سأقطع لسانك.”
ابتسم وقال:
“أعدك… أن أستخدمه فقط في الوقت المناسب.”
⸻
الطريق إلى خيمة أونكي كان أقصر مما توقعت…
ليس لأن المسافة قصيرة، بل لأن الجو كان مشحونًا، والهدوء الذي لفّ الجنود ونحن نعبر خطوط العدو زاد من التوتر.
ميناتو كان صامتًا، يراقب كل شيء.
وسامورو؟
يمشي خلفي كظلٍ ساخرٍ، هادئ الجسم، مشتعِل العقل.
•
وصلنا إلى خيمة كبيرة من قماشٍ محصّن بالأختام، وأمامها أربعة جنود لا يتنفسون دون أمر.
فتحوا الستار فور وصولنا.
ودخلنا.
•
أونكي كان جالسًا خلف طاولة خشبية، متقاطع الذراعين، بملامح كأنها صُقلت من الحجر.
قال دون أن ينهض:
“ساكامو هاتاكي… أخيرًا ظهرت.”
أجبته، وأنا أقترب:
“كان عليّ التأكد أن من دعاني… يملك ما يستحق الحديث لأجله.”
•
أشار إلى المقاعد.
“اجلسوا… ما لم تكن القواعد في كونوها تُحبذ التفاوض واقفًا.”
•
جلستُ، وميناتو إلى جواري.
أما سامورو…
فبقي واقفًا خلفي، كأنه ظل سيفٍ لم يُشهر بعد.
•
بدأ أونكي الحديث، كمن يريد أن يُغلق الباب قبل فتحه:
“لن أُطيل.
أنتم تملكون اثنين من رجالنا.
وأنتم تعتقدون أن هذا يمنحكم اليد العليا.
لكن الحقيقة… أنكم الآن تحملون قنبلتين لا تعلمون متى تنفجران.
ما أريده؟
هو أن لا تظنوا للحظة أنكم بأمان.”
•
لم أعلّق.
نظرت إليه بثبات، أتركه يُخرج ما أراد.
ثم صمت.
•
وهنا… سامورو تنحنح.
قال بصوت هادئ:
“هل لديكم قرد مشوي؟”
•
اللحظة توقفت.
حتى أونكي رفع حاجبه بدهشة.
نظرت إليه، وقلت دون تردد:
“لا أظن ذلك،
كان قردهم الوحيد روشا…
ويبدو أنهم فقدوه.”
•
سامورو تقدم خطوة، صوته انخفض لكن نبرته أصبحت أكثر قسوة:
“افهم يا ابن العاهرة… اليد العليا لدينا.
أمامك يومٌ واحد.
تُرسل فيه كل ما طلبنا.
وإلا… سأبدأ بأكل قردك المشوي.
وإن أعجبني طعمه،
سأتبعها بحصانك.”
•
أونكي كاد ينهض… لكنني رفعت يدي.
“اصمت.” قلتها لسامورو.
لكن الأخير التفت إلى ميناتو وقال:
“الآن.”
•
بلمح البصر، لمس ميناتو كتفينا،
ومع وميض قصير… اختفت الخيمة من حولنا.
•
ظهرنا على قمة تل يطل على أحد معسكراتنا.
ثم…
صوت انفجار يتردد من بعيد.
•
التفت إليه فورًا، قلت بغضب:
“هل تركت ورقة انفجار؟
هل جننت؟
ستُخرب المفاوضات!”
•
رد بهدوء، كأنه يتحدث عن الطقس:
“ني سان، أردت فقط بعض المفرقعات النارية…
وأيضًا…
لا تقلق، لن يضحّوا بحيواناتهم.”
•
لم أستطع الرد.
لكن بداخلي… كنت أعرف.
هذا الأحمق…
يعرف متى يضرب.
⸻
حل الليل على المعسكر بهدوء غير معتاد.
لكنني كنت أعلم… أن الهدوء لم يأتِ من رحمة السماء،
بل من ثقل القرارات التي عُلّقت في الهواء.
•
وقفت عند طرف الممر الحجري المؤدي إلى خيمة القيادة،
ورأيت القافلات وهي تعبر البوابة واحدة تلو الأخرى.
صناديق، وخيام، ومؤن غذائية،
ورجال من آيوا برؤوسٍ منخفضة…
وجندي واحد يرتدي درع قائد، يقودهم.
•
أونكي لم يأتِ بنفسه،
لكنه أرسل توقيعه…
وسلّم شروطنا واحدة تلو الأخرى.
•
الصفقة تمت.
لكن في هذه الحرب… لم يكن النصر صريحًا أبدًا.
•
سامورو كان في خيمته، جالسًا إلى طاولة خشبية صغيرة،
أمامه ملف مفتوح، وحبر طازج، وسكين صغيرة يستخدمها لتقشير تفاحة دون اهتمام.
دخلت عليه.
قال دون أن يرفع عينيه:
“وصلوا، أليس كذلك؟”
أومأت.
“أونكي لم يأتِ… لكنهم نفّذوا كل شيء.”
•
نهض بهدوء، ثم قال:
“إذن… حان وقت تسليم الحيوانات.”
•
مشى إلى خيمة الأسرى… حيث روشا وهان ينامان تحت الحراسة.
فتح الستار، ودخل.
•
قال بصوت رخيم، مليء بالسخرية:
“هيا يا حيوانات… فلتستيقظوا.
المشتري قد جاء.”
•
روشا فتح عينيه ببطء،
هان أدار رأسه بعين نصف مفتوحة.
قال روشا بصوت مبحوح:
“أنتم… لا تستحقون البيجو.”
رد سامورو بابتسامة هادئة:
“ولهذا سنُعيدكم، حتى تبقوا قنابل في حضن قريتكم.”
•
دخل ميناتو، كان يحمل لفافتين.
قال سامورو:
“ميناتو، انقلهم إلى نقطة التبادل المحددة…
افتح الختم قليلاً فقط،
ليستخدموا ما يكفي من التشاكرا كي لا يموتوا في الطريق.”
•
أومأ ميناتو، ثم لمس جبينيهما بخفة، وظهر ختم متوهّج بطيء التفكك.
لحظة واحدة… ثم اختفى الثلاثة في وميض.
•
بقيتُ وحدي مع سامورو،
نظرت إليه، وقلت:
“هل هذا ما كنت تريده منذ البداية؟”
رد، وهو يعيد السكين إلى جيبه:
“لا…
كنت أريد فقط أن أُريهم
أن القيد إذا انقلب على رقبته…
يخنق.”
•
نظرت إلى السماء.
هذه الليلة…
ليست نهاية،
بل بداية من نوعٍ آخر.
⸻