في وقتٍ مبكر من الفجر، حين كان الضباب لا يزال يلفّ الممرات بين الأشجار، وقف ثلاثة من نخبة الجيل الجديد عند البوابة الشرقية لكونوها.

الهواء عليل، ونسيمه البارد يحمل نكهة الأرض الرطبة والندى المتكثف على أوراق الغابة.

أمام البوابة، رفع الحارس رأسه ونظر إليهم بنظرة معتادة لمن يرسل مهمات سرية، ثم قال بصوت خافت:

“أوامركم وُقعت من الهوكاجي، المهمة تبدأ فور خروجكم. لا يُتوقع تواصل مباشر حتى تعودوا.”

تقدّم سامورو، أخذ اللفافة دون أن يقرأها، ووضعها في ردائه ببساطة.

ثم قال بصوتٍ هادئ، لكنه حازم:

“مستعدّون؟”

رد ميناتو بابتسامة جانبية وهو يشدّ حقيبته على كتفه:

“طالما أن الطعام معي… لا أرى سببًا للتراجع.”

يارا نظرت إليه، ثم قالت بنبرة مرحة مغطّاة بالجدية:

“سنموت جوعًا إذًا.”

ضحك ميناتو بخفة، وقال:

“على الأقل سأموت وأنا آكل، أفضل من أن يقتلني سامورو بنظرة من عينيه.”

رد سامورو دون أن يلتفت:

“لن أُتعب نفسي بنظرة… سأجعلك تنسى كيف تأكل.”

وهكذا، بدأت رحلتهم، وسط حفيف أوراق الشجر التي تتمايل مع نسيم الفجر، وطرقوا أولى خطواتهم نحو أراضٍ لم يطأوها منذ شهور.

قطع الثلاثة عدة ساعات سيرًا على الأقدام، بين ممرات الغابة الشرقية المؤدية إلى حدود أرض الماء.

كانت الطرق غير ممهدة، مليئة بجذوع الأشجار المتساقطة والندى الكثيف، لكنهم حافظوا على نسق ثابت.

ميناتو، الذي اعتاد الحديث لملء الوقت، قال بعد مضي وقت:

“أخبروني… لماذا دائمًا يرسلوننا نحن للمهام الغريبة؟ مختبر مهجور في أرضٍ معادية؟ أهذا يبدو طبيعيًا لأحدكم؟”

قالت يارا وهي تمشي بخطى مرنة:

“ربما لأننا الوحيدون الذين لا نطرح الكثير من الأسئلة.”

رفع سامورو رأسه للحظة، ثم قال:

“ولأننا ننجو كل مرة.”

ميناتو تمتم وهو ينظر حوله:

“أو لأنهم لا يبالون إن لم نعد.”

ضحكت يارا، وقالت بتهكم:

“لا تفسد لحظة المجد، نحتاج إلى تفاؤلك المعتاد، لا فلسفة يائسة.”

ابتسم ميناتو أخيرًا، ثم أخرج لفافة صغيرة من جيبه، نظر إليها، وقال:

“بصراحة… أشعر أن هذه المهمة ستكون مختلفة. لا أدري لماذا.”

توقف سامورو للحظة، ثم التفت ببطء ونظر إليه:

“لأن شيئًا ما ينتظرنا، لكننا لا نعرف شكله بعد ربما ضفدع ضخم كالذي اكل ميناتو”

شحب وجه ميناتو "ذكريات لا اريد ان اتذكرها"

ضحك الاثنين على ملامح وجه ميناتو

اقتربت الشمس من منتصف السماء، عندما توقفوا على ربوة صغيرة تطل على وادٍ ضيق تحفّه الأشجار الكثيفة.

كان الهواء رطبًا، لكنه لا يحمل رائحة غير مألوفة. كل شيء بدا طبيعيًا… أكثر من اللازم.

قالت يارا وهي تجلس على صخرة صغيرة:

“نستريح هنا قليلاً؟ لقد قطعنا ثلثي الطريق.”

أجاب ميناتو وهو ينزع قفازيه ليبرد يديه:

“بشرط أن لا تظهر فجأة مخلوقات من الضباب، كما فعلت في مهمتنا الأخيرة.”

نظرت يارا إليه بجدية مصطنعة:

“إن ظهرت، فأنت أول من أضحّي به.”

قال ميناتو وهو يغمز:

“أنت لا تحتاجين مخلوقات لتضحّي بي.”

ضحك الثلاثة للحظة، وتبدّد التوتر قليلاً.

لكن سامورو ظلّ صامتًا، ينظر إلى الأفق دون أن يشاركهم المزاح.

سألته يارا:

“أنت شارد… ماذا هناك؟”

رد بصوت خافت:

“لا شيء محدد… مجرد شعور.”

قال ميناتو:

“شعور جيّد أم سيّئ؟”

أجاب سامورو وهو يعيد سيفه إلى موضعه على ظهره:

“شعور يقول لي: لا تتوقّع أن تسير هذه المهمة كما خُطط لها.”

صمت الجميع عندها، كأن كلمات سامورو اختزلت شيئًا كانوا جميعًا يشعرون به، لكن لا يريد أحدهم أن يعترف به علنًا.

ثم وقف الثلاثة من جديد، واستعدوا للانطلاق.

المكان الذي سيصلون إليه مع الغروب، لم يكن كأي نقطة التقاء عادية…

ولن يكون الخطر فيه مجرد احتمال.

قبل الغروب بثلاث ساعات – قرب نقطة الالتقاء

وصل الفريق إلى حافة غابة كثيفة تفصل بين أرض النار والحدود الغربية لأرض الماء.

الأشجار هنا أعلى، والضوء يتناقص بسرعة.

كل شيء بدا هادئًا… أكثر من اللازم.

وقف الثلاثة عند نقطة مرتفعة تُشرف على الممر المؤدي إلى الموقع المتّفق عليه.

كان جدول ماء صغير يعبر بين الصخور، وعلامة محفورة على جذع شجرة كما ورد في تقرير الجاسوس السابق.

نظر سامورو إلى الموقع للحظات طويلة، ثم قال بهدوء:

“ميناتو، يارا… تفرّقوا.”

نظرت إليه يارا باستفهام:

“تفرّق؟”

أومأ وهو يُشير بيده:

“ابحثوا في النطاق المحيط… عشرون مترًا لا أكثر. نتحقق من الأمر قبل أن نُظهر أنفسنا. احتمال أن يكون هذا فخًا وارد.”

رد ميناتو بجدية:

“خطة عاقلة.”

ثم تفرّق الثلاثة في محيط المنطقة، يتنقلون بصمت بين الأشجار، يراقبون الأرض، يتفقدون آثار الأقدام، ويفتشون أي شيء يوحي بكمين.

خلال عشر دقائق، عادوا واحدًا تلو الآخر.

قالت يارا وهي تمسح يديها من التراب:

“لا فخاخ. لا تشاكرا خفية. المكان نظيف.”

أومأ ميناتو:

“وأنا لم أجد أثرًا لتقنيات إخفاء أو أختام.”

تنفّس سامورو ببطء، ثم قال:

“حسنًا… ننتظر.”

بعد نصف ساعة

ظهر رجل يرتدي عباءة بنية، وغطاءً بسيطًا يُخفي ملامحه، اقترب من النهر بخطى حذرة، ثم رفع يده إشارة على أنه الطرف المقصود.

قال ميناتو بصوت منخفض:

“إنه هو… حسب الإشارة المتفق عليها.”

خطى سامورو للأمام وقال بنبرة حذرة:

“اسمك؟”

ردّ الرجل بصوت مبحوح:

“لا اسم في هذه الأرض… أنا من نقل الرسالة.”

تقدم خطوة… ثم توقّف.

عَيْناه اتسعتا فجأة، كأن صدمة اخترقته من الداخل.

وفي لحظة…

سقط أرضًا.

كان صدره قد انشقّ من طرف إلى آخر، دون أن يُرى من أين أتى الهجوم.

صرخت يارا:

“ما الذي…؟!”

وقبل أن يُكمل ميناتو سؤاله،

تبدّد الضباب عند حافة الأشجار…

وظهر رجل يرتدي زيّ كاجي.

عباءة داكنة، وشعر قصير مائل للبياض، ووجه بارد لا يحمل أي تعبير.

همس ميناتو:

“الميزوكاجي…؟”

تقدّمت يارا خطوة بدهشة:

“لماذا يظهر بنفسه؟! هذا المستوى من المهام لا يليق بكاجي أن يتحرّك له!”

لكن سامورو ظلّ يحدّق به، وجهه مشدود، نظراته لا تبحث عن القتال بل عن معنى خلف الموقف.

قال سامورو بصوت خافت، كأنه يحدّث نفسه:

“أمرٌ كهذا… لا يُحرّك كاجي قرية إلا لشيءٍ أكبر…”

صمت لحظة، ثم أضاف بداخله وقد انعكست في عينيه شرارة تيقّن:

“أعتقد أن مادارا قد سيطر على الميزوكاجي… بل وعلى قرية الضباب بأكملها. وتحركه بنفسه؟… هذا يعني أن الأمر مهم له شخصيًا.”

قال الميزوكاجي أخيرًا، بصوتٍ هادئ مملوء بالجمود:

“انتهت مهمتكم عند هذا الحد.”

لم تكن هناك إشارة…

لم يكن هناك تهديد أو مقدّمة…

فجأة، انقضّ الميزوكاجي كالسهم، جسده يختفي في ومضة ماء وضوء.

صرخ ميناتو:

“هجوم!!”

لكن الوميض سبق صوته.

انفجرت الأرض تحت قدمي سامورو، اندفع إلى الخلف بشقّ الأنفس، بينما ارتطم الميزوكاجي بمكانه السابق بقوة، شاقًا التربة إلى نصفين.

يارا قذفت بخنجرين سريعًا، لكنهما لم يبلغا الهدف؛ إذ تلاشى الميزوكاجي في تيار مائي، ثم ظهر مجددًا خلفها.

أدارت جسدها بسرعة، لكن صفعة ماء حادة أصابتها في كتفها، أطاحت بها عدة أمتار.

صاح ميناتو:

“يارا!”

وانطلق نحوها، أخرج لفافة، فتحها في لحظة، وكوّن حاجزًا من الأختام الدوّارة أوقف هجمة ثانية للميزوكاجي.

لكن الهجوم لم يتوقّف.

ظهر الميزوكاجي أمامه مباشرة،

ضربه براحة كفه على صدره — انفجر جسد ميناتو للخلف، وسقط بقوة على الأرض.

لهث وهو يتألم، الدم على زاوية فمه، لكن عينيه بقيتا مفتوحتين.

وقف سامورو بين الاثنين، وقد سحب سيفه الآن، شفرته تلمع بوميض خافت.

رفع عينه نحو الميزوكاجي، الذي وقف بلا أيّ تعبير، كأن القتال ليس أكثر من إجراء إداري.

قال سامورو في نفسه، وهو يُراقب تحركات خصمه:

“لا يُقاتل ككاجي… بل كدمية مأمورة.”

نقل نظره بسرعة إلى ميناتو ويارا، كلاهما أُصيب، وكلاهما لا يستطيع الاستمرار بنفس الوتيرة.

زفر سامورو من صدره، ثم صاح بصوت حاد، دون أن يلتفت:

“ميناتو! خذ يارا واهرب!”

شهق ميناتو، وكأنه لم يسمع جيدًا.

“ماذا؟! لا أستطيع أن أتركك—”

قاطعه سامورو بصرخة أقوى:

“هذا أمر! الوقت ليس في صالحنا… معادنا بعد أسبوع، في المكان المتفق عليه!”

كانت نبرته حازمة… قاطعة… لا تقبل نقاشًا.

نظر ميناتو إلى يارا التي حاولت الوقوف لكنها عجزت عن رفع ذراعها، ثم هزّ رأسه ببطء، وقبض على كتفها ليسحبها.

قال بصوت خافت وهو ينظر إلى سامورو:

“لا تمُت.”

ردّ سامورو دون أن يلتفت:

“لن أسمح لنفسي أن أموت… وأنا ما زلت مدينًا لك بخبزتك الأخيرة.”

ابتسم ميناتو رغم ألمه، ثم اختفى في ومضة صفراء وهو يحمل يارا بعيدًا عبر الختم الطائر الذي أعدّه مسبقًا.

عاد الهدوء إلى المكان.

الميزوكاجي لم يتحرك، كأن هروب الاثنين لا يعني له شيئًا.

كان نظره ثابتًا على سامورو فقط… وكأن معركته الحقيقية لم تبدأ إلا الآن.

ثبت سامورو قدميه في الأرض، رفع سيفه جانبًا، وتنفس ببطء.

“لا بأس… فقط أبقهم بعيدًا.”

الريح هبّت من جهة الشرق…

والضباب بدأ يزحف من جديد.

2025/05/12 · 35 مشاهدة · 1274 كلمة
m6
نادي الروايات - 2025