الهواء من حولي كان خانقًا… لا بسبب الرطوبة، بل بسبب شيءٍ آخر.

شيء لا يُلمس، لكنك تشعر بوجوده في كل ذرة ضوء تخترق الضباب.

كنت أقف أمام الميزوكاجي، أو هكذا كان يُفترض.

لكنه لم يكن يتحرّك كزعيم.

لم يكن يقاتل كرجل يحمل مسؤولية أمة.

كل حركة منه كانت باردة… ميتة… كأن يده تتبع أوامر لا تصدر من دماغه، بل من مكان آخر.

هاجمني أول مرة كالسيل.

اندفع نحوي بضغط مائي فجائي، مزّق الأرض، وغرس الرطوبة في عمق التراب كطعنة خفية.

أفلتّ منه عبر ختم الهراشين، ظهرت على صخرة مرتفعة، تنفّست ببطء، راقبت تحركاته بعين لا تبحث عن القتال… بل عن التفسير.

ثانية. ثالثة. رابعة.

تكررت الهجمات، وكل مرة أتنقّل عبر ختم، أترك خلفي سؤالًا لا جواب له:

“ما الذي يحدث؟”

لم أتحمل الصمت أكثر.

رفعت صوتي، كأنّي أجرح الضباب بصوتي:

“ماذا تُخفي في المختبر… أوتشيها مادارا؟”

توقّف الميزوكاجي.

لم يرد. لم يتراجع. لم يهجم.

لكنه رفع رأسه ببطء.

وحين نظر إليّ… تجمّدت للحظة.

شارينغان بثلاث توموي.

كانت واضحة في عينيه. حمراء. ثاقبة.

دوائرها الثلاث تدور في بطءٍ ثقيل، كأنها تدور لا في عينه… بل في صدري.

أغمضت عيني ثانية، ثم فتحتهما.

ما زالت هناك.

“كما توقعت…” قلت، بخفة تمزج بين السخرية والاحتقار. “الوحيد الذي يحوّل الكاجي إلى دمية… هو أنت.”

صوته جاءني ثابتًا. خالٍ من الغضب أو الدهشة:

“كيف اكتشفت؟”

ابتسمت.

أحيانًا، معرفة الإجابة لا تُشعر بالرضا… بل بالخطر.

“أنت لا تتحرك كقائد… بل كمرسول. لا نية في عينيك، ولا وزن في ضرباتك. لا غضب. لا تردّد. لا شيء… ولهذا أدركت.”

وضعت إصبعي على جفني، نطقت بهدوء:

“وأيضًا… عيناي ترى من يحاول أن يتخفّى.”

ضحكت بخفة، وكأنّي أمثّل على خشبة مسرح.

في تلك اللحظة، رفع الميزوكاجي يده.

وخرج من بين جذور الأرض مخلوق أبيض، جسده رخو كالعفن، نصفه يُشبه الإنسان، ونصفه يُشبه الكراهية الصامتة.

زيتسو الأبيض.

لكن ما صعقني أكثر…

هي عينيه.

شارينغان ثلاث توموي. نفس النمط.

الميزوكاجي تراجع خطوة واحدة للوراء.

لكن هذه المرة، لم أشعر أنه يتراجع تكتيكًا… بل كأنه فقط… يُسلّم المسرح.

عقدت حاجبي، وضربت طرف سيفي على الأرض بخفة، ثم رفعت بصري نحو المخلوق الجديد.

“إذًا… هذا جسدك الحالي يا مادار الذي تستطيع استخدامه ا؟”

قلت العبارة، لا انتقامًا، بل كمن يُلقي التحية على شبحٍ ظهر فجأة في منتصف الليل.

لم أكن أعرف إن كان هذا جسدًا كاملاً، أو ظلًا من ظلاله…

لكن ما رأيته في عيني ذلك الكائن، لم يكن ينتمي لهذا الجيل.

كان شيئًا… أقدم.

أبرد.

أكثر جوعًا.

“هل تريد اللعب؟” تمتمتُ، وأمسكت سيفي بكلتا يدي.

“إذًا فلنبدأ.”

لم يعد الميزوكاجي يقف هناك.

الظل خلف زيتسو الأبيض ابتلعه…

وبقيت أنا، وهذا الشيء… الذي يحمل عيني مادارا، لكن لا ملامحه.

كان الصمت كثيفًا… كأن العالم يحبس أنفاسه.

ثم سمعته يهمس، بصوت لا يليق إلا بالأشباح:

“هل أنت من يستحق… أن يُختبر؟”

في اللحظة التالية، الهواء من حوله تموّج.

صوت طقطقة… ثم تمزّق… ثم اهتزاز في الأرض.

عظامٌ زرقاء داكنة بدأت تتكوّن من حول جسده.

أولًا، القفص الصدري… ثم الذراعان… ثم الجمجمة النصفية بأنياب ضخمة.

سوسانو.

لكن ليس مثل أي سوسانو رأيته في المخطوطات.

هذا لم يكن ضوءًا… بل ظلامًا متجمّدًا .

لون العظام أزرق غاتم، قاتم، كأنّه ضوء خرج من قاع البحر ليُشبه الموت أكثر مما يشبه الحياة.

ارتجفت عضلاتي دون إذن.

“هذا ليس عرضًا.”

“هذا حكم بالإعدام.”

تحرّك فجأة… كوميض، لا يُرى، لا يُسمع.

ثم…

بوووم!

لم أشعر بشيء حتى ارتطم ظهري بالشجرة.

ألم مباغت تمزق في ضلوعي.

سعلت دمًا…

الغصة في حلقي تحوّلت إلى طعم معدني ومرّ.

حاولت الوقوف…

لكنه كان فوقي.

يد عظميّة زرقاء هوَت تجاهي، فانتقلت عبر ختم الهراشين في آخر لحظة.

ظهرت على بعد ثلاثين مترًا.

أطلقت وميضًا خاطفًا، زرعت ختمًا جديدًا على الأرض.

لكنه تبِعني.

الهيكل العظمي لم يُبطئه.

بل زاده سرعة.

ضربني في صدري.

لم أره.

كل ما شعرت به كان جسدي وهو يُقذَف للخلف مجددًا.

الأرض تبتلعني، الحصى يخترق ذراعي، أنفاسي تتقطّع.

“إنه لا يهاجمني ليقيسني… بل ليكسرني.”

تدحرجت على الأرض، سحبت سيفي، غلفته بالبرق، وضربت يد السوسانو التي هوت عليّ.

الشرارة انفجرت، لكن العظم لم يتشقق.

يدي اهتزّت.

كأنّي ضربت جبلًا.

ظهر أمامي مادارا بنفسه — أو ما بدا كذلك —

رمقني بنظرة لا مبالاة، ثم همس:

“كفاك هروبًا. إن كنت تملك شيئًا… فأخرجه الآن.”

بصقت الدم جانبًا، وضحكت بخفة، رغم الألم:

“تلعب بجسد أبيض… وبعظام زرقاء. لا تزال تملك ذوقًا مقرفًا أيها العجوز.”

ضاق نظره.

“إذًا… سأقتلع فمك قبل عينك.”

اندفع السوسانو مجددًا.

هذه المرة، قفزت إلى الهواء، أطلقت ختمًا علّقته على حجر مرتفع، واختفيت قبل أن تصدمني قبضته.

ظهرت خلفه…

وهاجمت.

ضربات بالسيف، مغموسة بالبرق، استهدفت مؤخرة العنق.

لكن اليد العظمية التفّت، صدّت الهجوم بسهولة.

ثم ضربني بركبته.

لم تكن ركلة.

كانت كأن جبلًا أصابني في منتصف العمود الفقري.

انقطعت الرؤية.

تجمدت أصابعي.

وسقطتُ على الأرض، لا أستطيع أن أتنفس.

“إنه لا يستخدم السوسانو فقط… بل يجمعه بحركات جسدية.”

“قتاله ليس قائمًا على القوة… بل على الفجائع.”

أدرت وجهي بصعوبة.

رأيته يقترب، بخطى هادئة.

“هذا هو الفرق… بين من يظن نفسه قويًا، ومن عاش الحرب كإله.”

رفعت رأسي بصعوبة، وختمت بيدي اليمنى:

“اله الرعد الطائر…”

و… اختفيت، مجددًا.

المشهد الثالث – من منظور سامورو

لم أكن أشعر بجسدي.

ذراعاي ثقيلا الحركة.

ظهري مشقوق من عدة ضربات.

ورأسي ينزف من طرف الجبين، أظنه ارتطم بصخرة حين انقذفت أخيرًا.

لكنّ الأسوأ لم يكن الألم… بل الشعور.

الشعور بأنني… عاجز.

الخطوات الهادئة التي اقتربت، لم تكن تصدر صوتًا.

لكنني شعرت بها… شعرت بأن الهواء يهرب من حولها.

اقترب مادارا.

ركع بجانبي، ثم وضع يده على وجهي، أصابعه باردة كالمعدن، لكني لم أستطع حتى أن أزيحها.

نظرت إليه، بعين نصف مفتوحة، نصف مطفأة.

“تراهم يقولون… أنك ترى المستقبل.

وترى المخفي.”

قالها وكأنه يُكرر كذبة سمعها كثيرًا.

ثم…

مرّر شيئًا حادًا على وجهي.

خطّ عميق، واحد…

من الجبين إلى أسفل عيني اليسرى.

“آآااه…!”

أطلقت صوتًا غليظًا، خرج من صدري لا حلقي.

يدي تحركت أخيرًا، تمسكت بجانب وجهي، الدم تدفق.

العين اليسرى… صارت شبه مطفأة.

كل ما فيها ضباب، وهالات سوداء… لا شيء أراه بوضوح.

رفعت نظري إليه، لكن لم أستطع أن أهاجمه.

كل عضلة تأبى الطاعة.

قال بسخرية، وهو يتأمل وجهي الدامي:

“أيّها كانت ترى المستقبل؟

وأيّها كانت ترى ما هو مخفي؟”

فتحت فمي لأرد…

لكن الحروف لم تخرج.

فقط أنفاسي المتقطعة، وحشرجة مؤلمة في حلقي.

“تكلم.”

قالها بهدوء، بلهجة سيد ينتظر من عبده أن ينطق.

لم أفعل.

أغلقت فمي، وضغطت على عيني المجروحة، أنفاسي تختلط بالبخار والدم.

نظر إليّ لحظة… ثم قال ببرود:

“لم ترد… إذًا، سأأخذ الأخرى.”

حاولت الحركة.

يدي اليمنى ارتفعت قليلًا، لكن أصابعي بالكاد امتدت.

شارينغانه بدأت تدور.

عالم كامل انهار فجأة حولي…

الهواء تقلّص، الضوء انكمش، ثم انطفأ.

جينجتسو.

كنت أعلم…

لكنه كان أقوى من أن أقاوم.

صوت دقات قلبي اختلط بصرير داخلي،

وكلّ شيء… توقف.

ثم…

شعرت بإصبعيه على وجهي.

“لا—”

خرجت كهمسة، يائسة.

لكنه ضغط.

“آآآاااااااااااااه!!!!”

صرخة لا تليق بشينوبي…

لكنها خرجت مني كأن روحي تنتزع.

أحسست بشيء يُنتزع من جمجمتي.

ليست عينًا فقط…

بل ذاكرتي، قوتي، نفسي، اسمي.

اختفى الضوء تمامًا.

كأن يديّ ارتبطتا بالسواد.

كأن العالم نفسه قرر أن يُغلق عليّ.

السكوت… صار خانقًا.

كنت أرتجف.

أنا… لا أرى.

لا أرى أي شيء.

لا حتى ظلال.

مرّت ثوانٍ، ربما دقائق.

ثم، وسط الألم، وسط انهيار النفس…

يدي تحرّكت.

لم أكن أراها، لكنني شعرت بالختم.

ضغطت عليه بأصابعي المرتجفة، وتمتمت بصوت متقطع:

“هراشين… النقطة الأبعد…”

وفي ومضة…

اختفيت.

2025/05/12 · 37 مشاهدة · 1150 كلمة
m6
نادي الروايات - 2025