كان الليل قد أرخى سدوله على كونوها، والسكينة تنساب بين أزقتها كنسمة خفيفة تداعب أطراف الأشجار وتبلّل الحجارة بقطرات الندى.
وقف ميناتو أمام المطعم الخشبي الصغير، تتدلّى فوق بابه مصابيح ورقية تشعّ بنورٍ أصفر دافئ، تنثر في المكان إحساسًا بالطمأنينة.
لم يعتد حضور الحفلات أو التجمعات الاجتماعية، ولكن هذه الليلة كانت مختلفة.
دعوة بسيطة، نظّمها الأصدقاء احتفاءً بترقيته هو ويارا إلى رتبة جونين.
أخذ نفسًا عميقًا، ثم دفع الباب بهدوء ودخل.
استقبله دفء الرائحة، وحرارة المكان، وأصوات الحديث والضحكات تتصاعد من أركان المطعم.
وفي لحظة، ارتفع صوت مألوف:
“ميناتو!”
التفت سريعًا، ليجد كوشينا تلوّح له بحماس، تركض نحوه بخفة، شعرها الأحمر يتطاير خلفها كشعلة مضيئة.
“تأخرت! كنت سأأكل نصيبك!”
قالت وهي تضرب كتفه بخفة وتضحك.
خلفها مباشرة، ظهر سامورو يحمل صينية كبيرة مكدّسة بأطباق الرامن، يمشي ببطء وكأن على رأسه جبلاً من البخار.
“أشهدوا جميعًا… هذه الحفلة تحت تهديد الرامن الساخن!”
قال مازحًا وهو يوازن الأطباق بعناية.
“أنت من وافق على مساعدتي، لا تلعب دور الضحية الآن!”
ردّت عليه كوشينا وقد شبكت ذراعيها أمام صدرها.
ابتسم ميناتو ابتسامة خفيفة، تبع خطواتهم نحو الطاولة الكبيرة حيث اجتمع سائر الرفاق.
⸻
عند الطاولة الطويلة، جلس الجميع تقريبًا.
يارا كانت تتحدث بهدوء مع ميكوتو، وفوجاكو جلس جانبًا متأملاً بصمت.
شيكاكو وتشوزا كانا يتجادلان كالعادة، هذه المرة حول من دفع ثمن العشاء السابق.
أما إينوچي، فكان يتفقد قائمة الطعام بتركيز، وكأنه يخطط لهجومٍ استراتيجي.
جلس ميناتو بين أصحابه، ورغم بساطة المشهد، شعر براحةٍ غريبة تسري في صدره.
كأنّ هذا المكان، وهذه اللحظة، كانا ملجأً مؤقتًا من عالمٍ يمضي نحو الظلام.
⸻
ما إن امتلأت الطاولة بالأطباق حتى بدأ الضجيج.
“أطالب بالجلوس بجانب الطعام!”
قال سامورو وهو يزيح كرسيه للأمام.
“وأنا أطالب بأن تجلس بعيدًا عن الطعام!”
ردّت كوشينا بعينين مشتعلتين، ما أثار موجة من الضحك.
“العنف ضد المظلومين مرفوض!”
رفع سامورو يديه بتظاهر بالبراءة.
استقر الجميع في أماكنهم، وبدأوا تناول الطعام بنهم.
⸻
“بلغتُ الطبق السادس!”
قال تشوزا وهو يرفع عيدانه الخشبية بفخر.
“إنجازٌ لا يُستهان به…”
عقّب سامورو ملوّحًا بقطعة من اللحم.
“لكنه لا يُحتسب إذا أغمي عليك قبل الحلوى.”
انفجر الجميع بالضحك.
“وماذا عن تدريباتكم؟”
سأل إينوچي وهو يضع كأسه جانبًا.
رفع فوجاكو رأسه وقال بثقة:
“أتممت إتقان تقنيات النار الكبرى. أعمل حاليًا على الجمع بينها وبين السرعة.”
قال شيكاكو:
“نعمل في عشيرتي على تطوير استراتيجيات دفاعية جديدة، تحاكي ساحة المعركة الواقعية.”
“أنا أعمل على تحسين دقة الشارينغان.”
قالت ميكوتو بخجل وهي تتفادى النظرات.
“وأنا أتعلم موازنة التشاكرا الضخمة بداخلي.”
قالت كوشينا بحماسة، ثم رفعت إصبعها:
“قريبًا، سأرغم الجميع على ملاحقتي!”
“نأمل فقط ألا تدمّري نصف كونوها أثناء ذلك!”
قال سامورو ممازحًا.
ثم التفتوا إلى ميناتو.
قال بهدوء:
“أتدرب حاليًا على المرحلة الأولى من تقنية ‘إله الرعد الطائر’.”
ساد صمت قصير، ثم قال تشوزا:
“فليحذر كل من يجلس بجانبه… فقد يختفي فجأة!”
ضجّت الطاولة بالضحك مجددًا.
⸻
“وأنت، سامورو؟”
سألته كوشينا.
جلس سامورو باسترخاء، وقال مبتسمًا:
“أعمل على تقنية خاصة. مزيج بين فن السيف والجينجتسو. ما زالت في مراحلها الأولى.”
رغم نبرة المزاح، إلا أن شيئًا في صوته هذه المرة بدا مختلفًا.
نظرت إليه يارا، لكنه لم يلتفت إليها، واكتفى بابتسامة خفيفة وهو يضع قطعة من اللحم في فمه.
⸻
في لحظة صمتٍ قصيرة، رفعت كوشينا صوتها:
“طالما اجتمعنا الليلة… فلنشارك أحلامنا!”
بدأ الجميع يتجاوب.
قال فوجاكو:
“أن أصبح قائدًا لعشيرتي، وأحمي القرية.”
قالت ميكوتو بصوت منخفض:
“أن أمتلك القوة لحماية من أحب.”
قال شيكاكو:
“أن أقود كونوها يومًا، ولكن من خلف الستار.”
ضحك تشوزا:
“أريد افتتاح أكبر مطعم رامن في القرية!”
قال إينوچي:
“أن أبتكر أساليب علاج تنقذ الجرحى قبل أن يسقطوا.”
ثم قالت كوشينا، بشغف لا يشبهه شيء:
“سأصبح الهوكاجي!”
صفّقوا جميعًا.
ثم توجهت الأنظار إلى سامورو.
⸻
أسند ظهره إلى الكرسي، وأخذ نفسًا عميقًا.
ثم ابتسم وقال:
“أما أنا… فأحلم أن أنام وأنا سعيد.”
ساد صمت.
ثم بدأ الجميع بالضحك.
قالت كوشينا:
“أحمق حقيقي!”
ضحك تشوزا حتى اهتز كرسيه، وغطّت ميكوتو فمها.
لكن، فقط ميناتو ويارا… لم يضحكا بنفس الطريقة.
كان في نظرهما شيء آخر.
فقد علما، دون حاجة لكلمات، أن حلم سامورو لم يكن مجرد نكتة.
كان أمنية دفينة، مبطنة بابتسامة.
وكان الألم واضحًا… فقط لمن اعتاد قراءته خلف الضحك.