كنت أسمعه يتحدث…
بصوتٍ هادئ، ثابت، وكأنه يقرأ من كتابٍ مكتوب داخل عظامه.
كاجويا.
هاغورومو.
أندرا وأشورا…
كل الأسماء التي كنت أظنها مجرد حكايات عجائز…
تحوّلت الآن إلى حقيقة لها صوت، ونقش، وظلالٌ تتحرك أمامي.
لكن لم يكن ذلك ما زلزل داخلي.
بل اللحظة التي قال فيها:
“من نسل أندرا… خرج أولئك الذين اتخذوا العين سلاحًا.”
عرفت.
لم يُسمّها…
لكني شعرت بها تُخاطبني من بين السطور.
الأوتشيها.
أنا…
أنا من تلك السلالة.
شعرت بحرارة في وجهي، وكأن الدم في عروقي صار أثقل.
سألته، بصوت منخفض:
“قلها…”
رفع نظره إليّ، بعينيه السوداوين، وقال:
“نعم… الأوتشيها.”
“من نسل أندرا.”
سكتُّ.
كل شيء داخلي أراد أن يرفض.
أن يُكذّب.
لكن عينيّ… الشارينغان التي تعلمت أن أفتخر بها،
كانت الآن تُحدق فيي كمرآة تقول:
“نحن لسنا هبة… بل وصمة.”
همست:
“أندرا… كان يحمل العقل، أليس كذلك؟
الحكمة، القوة… الرؤية.”
أجاب:
“ونفسه… حمل الغرور، والغضب، والشعور بالخيانة.”
ارتعشت أصابعي.
فكرت في كل من حملوا هذه العيون قبلي…
في الدم الذي سفك، في الأصدقاء الذين غدروا،
في الكراهية التي قيل لنا إنها طبيعة الحياة.
هل كنا نحمل لعنة؟
سألت سامورو:
“هل هذا يعني أننا… خُلقنا للقتال؟
للحقد؟”
نظر إليّ طويلًا، ثم قال:
“لا.
لكنه يعني… أنكِ لستِ الوحيدة التي تشعر أن ما في داخلها لا يُشبهها.”
سكتُّ.
تلك الجملة…
كسرت شيئًا.
لم أكن أعلم أنني كنت أبحث عن عذر…
عن تفسير يجعلني أفهم لماذا كل شيء فيّ دائمًا على حافة الانفجار.
“الأوتشيها…” همست.
“نحن لسنا أقوياء فقط…
نحن مؤلمون.”
ابتسم سامورو، بمرارة:
“وهذا ما يجعلنا نعرف كيف نُحب… لأننا نعرف كيف نُفقد.”
⸻
سكتُّ،
بينما كانت الكلمات الأخيرة لا تزال تصطدم في داخلي.
لكنه لم يتوقف.
لم يُمنحني لحظة لالتقاط أنفاسي.
صوته عاد هادئًا، محايدًا… بل باردًا.
“أما الطرف الآخر…”
قالها دون أن ينظر إليّ.
“فقد خُلق من إرادة الصبر.”
“الذين خرجوا من نسل أشورا،
لم يحملوا العين، بل الجسد.
لم يُولدوا لتدمير العالم…
بل لتحمّل ثِقله.”
“هؤلاء… لم يتباهوا بقدراتهم.
بل جعلوها درعًا لحماية من لا يملكون شيئًا.”
سكت قليلًا، ثم قال:
“من هناك… خرجت عشيرتان.”
“إحداهما امتلكت الحيوية الهائلة،
القدرة على البقاء،
وكانت أجسادهم أقرب إلى الخلود.”
“السينجو.”
لم أعلّق.
أكمل، بنفس البرود:
“والأخرى… حملت في دمها ختم الحياة والموت،
قوة في الشاكرا لا تُضاهى،
لكنها عاشت مطاردة، محروسة، ومطموعة.”
“الأوزوماكي.”
صمت.
وكأنني أسمع سردًا تاريخيًا لا علاقة لي به،
لكن قلبي كان يشتعل أكثر مع كل كلمة.
“لماذا تقول هذا وكأنه درس أكاديمي؟”
سألته أخيرًا.
رفع عينيه إليّ، بهدوء:
“لأن العاطفة تُشوش على الفهم.
وأنا لا أبحث عن عزاء…
أنا أبحث عن استعداد.”
أغمضت عيني للحظة.
أردت أن أقول له:
“لكنني لا أعرف كيف أستعد…
إذا كنت لا أعرف من أنا أصلًا.”
لكني لم أقل شيئًا.
فقط… جلست أستمع.
وأخفيت النار في صدري بصمتٍ جديد.
⸻
كان صوته يتردد داخل الجدران،
لكنّه لم يكن يخاطبني فقط.
بل يخاطب شيئًا أكبر…
كأن الحجر نفسه كان يُنصت.
“لكي نبقى على قيد الحياة…”
قالها وكأنها قسم.
“يجب أن تُكسر اللعنة.”
رفعت رأسي إليه.
كلمة “لعنة” لم تكن غريبة على مسامعي…
لكنها بدت الآن أثقل من أي مرة سمعتها فيها.
“لعنة أندرا… وأشورا.”
قالها ببطء، وكأنه يرفضها، وكأنه يُفرغها من قُدسيتها القديمة.
تقدم خطوة، صوته أصبح أعمق:
“منذ آلاف السنين…
كان يُفترض أن ينتهي كل شيء بعد موت هاغورومو.
أن تُقسم الإرادة، وينتشر السلام.”
“لكن لا شيء انتهى.”
“بل وُلدت عشائر… تحارب نيابة عن موتى لا يعرفونهم،
تحمل إرادتهم،
تتقاتل بأسمائهم،
وتعيش صراعات لا تخصها.”
كان صوته لا يعلو…
لكنه يتخلّل الصدر.
“كل جيل يولد…
وفي داخله فتيلٌ مشتعل من معركة لم يخترها.”
“كأن دم أندرا… لا يهدأ،
وكأن قلب أشورا… لا ينسى.”
اقترب من الجدار، ثم لمس النقش البارد بإصبعه:
“لكن ما لم يفهمه أحد…
هو أن هذا الدم، وهذا القلب…
لا يجب أن يكونا عدوين.”
استدار إليّ.
نظر إليّ مطولًا…
كأنه يرى فيّ شيئًا لا أراه.
“لهذا…”
قال بصوت منخفض، ثابت.
“يجب أن تجتمع ثلاث قوى…
ثلاث إرادات،
ثلاث عشائر.”
“الذين يرون من خلال الألم…”
“الذين ينهضون من وسطه…”
“والذين يربطون الجرح… كي لا يُنسى.”
توقف لحظة.
ثم أكمل:
“الأوتشيها…”
“السينجو…”
“والأوزوماكي.”
شعرت بقشعريرة تسري في عمودي الفقري.
كأن ما يقوله أكبر من الوقت، أوسع من المكان.
“لا يكفي أن نُقاتل الأعداء الخارجيين…
إذا كنا نحمل حربًا مزروعة داخل خلايانا.”
أردت أن أقول شيئًا…
أن أوقفه…
أن أُخفف من وطأة صوته.
لكنه كان يسبقني دائمًا بخطوة.
“يارا…”
قالها بهدوء، لكنه لم يطلب مني شيئًا.
“لو لم نفعل هذا…”
“لن ينهار الماضي فقط…
بل سينهار المستقبل.”
سكت.
وكأن الجدران نفسها تنفست بعد كلماته.
أنا… لم أعد أعرف بماذا أشعر.
لكنني، لأول مرة، رأيت في صمت سامورو
أملًا لا يشبه الأمل…
بل يشبه النجاة.
⸻