ليل وضوء قمر مكتمل وبحيره بين الجبال
الليل ناعمٌ على هذه الأرض.
لا رياح، لا وحوش،
فقط انعكاس القمر على سطح البحيرة…
وشخصٌ يسبح في الماء،
بأنفاس هادئة، تتقاطع مع الضوء.
جلستُ خلف شجرة عالية، ظهري مستند على جذعها، ويدي تقبض على الرداء المطوي.
صوت الماء كان كل ما أسمعه.
صوتها وهي تسبح، ببطء، وكأنها تُنظّف روحها من الغبار الذي حملناه في هذه الرحلة الطويلة.
صوتها قاطع السكون:
“أتعِد النظر يا سامورو؟”
أجبت، دون أن أرفع رأسي:
“لا، لا أريد أن أفقد بصري مجددًا…
ليس بعد أن حصلت على فرصة جديدة.”
قالتها بضحكة خفيفة:
“ذوقك في النكات… تحسّن.”
سكتُّ.
ثم أضفت:
“لا تتأخري…
اكتشفت موقع الضريح الثاني.”
توقفت عن السباحة، وصوت تنفّسها صار أقرب.
“ضريح آخر؟”
قالتها بنبرة أقل خفّة.
“نعم…”
“ضريح كاجويا.”
سكتت.
ثم قالت، وكأنها تُجبر الكلمات على الخروج:
“كم يبعد؟”
“يومان… على الأقدام.”
عاد الصمت للحظة.
ثم قالت:
“قرّب الملابس إلي.”
وقفت.
حملت الرداء وسرت نحو حافة الماء.
ما إن اقتربت، حتى رفعت رأسي للحظة…
ثم نظرت.
نظرة واحدة فقط.
كانت واقفة داخل الماء حتى كتفيها،
شعرها المبلل يلتف على جانب وجهها،
وضوء القمر يرسم خطوطًا ناعمة على خدّها.
قلبي… خفق.
لم أُطِل.
أدرت وجهي بسرعة، وكأن الهواء ذاته كان يحترق.
“لم أكن أظن أن الهاتاكي يخافون من النظرات…”
قالتها بنبرة ساخرة، لم تخلُ من الدفء.
تنفست.
ثم أجبت، بصوتٍ أهدأ مما قصدت:
“بل… أخاف من ألا أتحكم بنفسي.”
ضحكت بخفة، ضحكة قصيرة، لكنها لم تقل شيئًا بعدها.
سلّمتها الرداء، ثم عدت للخلف.
وبينما كنت أربط حقيبتي على كتفي، سمعت خطاها تقترب.
قالت، بصوت عاد لطبيعته:
“هل نذهب الآن؟”
نظرتُ إليها للحظة،
ثم أومأت:
“نعم… لنُكمل الطريق.”
⸻
كنا نسير بصمت.
الليل يرافقنا،
والقمر يمشي معنا كصديق قديم لا يتكلم.
صوت أقدامنا على الحصى الناعم هو الإيقاع الوحيد.
وخطوات يارا، كالعادة… منتظمة.
قطع الصمت صوتها:
“هل تعتقد أن هذا الضريح… سيكون مختلفًا؟”
فكرت لثوانٍ، ثم أجبت:
“أعتقد أنه لن يُنسى.”
“لماذا؟”
سألت وهي تنظر للأمام.
“لأن كاجويا… لم تكن شخصًا عابرًا في التاريخ.
هي الجذر الذي دفن تحته كل شيء.”
قالت، بهدوء:
“لكنك لا تُظهر خوفًا…
كأنك تسير نحو غرفة اعتدت زيارتها.”
ابتسمت:
“الخوف ليس غريبًا عني…
لكني لا أُظهره أمام من أثق به.”
التفتت إلي، عينها تلمع في الظلام:
“وهل تثق بي يا سامورو؟”
نظرت إلى عينيها، ثم تابعت المسير دون أن أجيب فورًا.
بعد خطوات، قلت:
“أنتِ الوحيدة التي لم تترك يدي…
حتى وأنا لا أطلب شيئًا.”
سكتت.
أحب هذا النوع من الصمت منها.
صمت لا يعني انتهاء الحديث… بل عمقه.
قالت أخيرًا:
“كل ما في هذه الرحلة… أشعر أنني لا أفهمه،
لكني أفهمك.”
رفعت حاجبي قليلًا:
“وتعتقدين أن فهمي أسهل من فهم كاجويا؟”
ضحكت بخفة:
“أنت لا تحتاج نقوشًا معقدة لفكّك…
يكفي أن تراقب طريقة تنفّسك.”
قلت، بنبرة أخفت ابتسامة:
“هل تفعلين هذا كثيرًا؟”
“ماذا؟”
“تراقبين أنفاسي.”
نظرت للأمام سريعًا، ثم قالت:
“يبدو أنك انتبهت متأخرًا.”
تابعنا السير.
وكنت، للمرة الأولى…
مرتاحًا لأن الوقت لا يمشي سريعًا.
⸻