من
استيقظت على أنفاسي.
لا ضجيج، لا صراخ، لا قتال.
فقط نَفَس ناعم…
وحرارة جسد آخر تُلامسني.
أدرت رأسي ببطء.
كان هو… سامورو.
نائم بهدوء، على جانبه، صدره مكشوف،
وشعره الفضي مبعثر فوق الوسادة والكتف.
كأن الغيم نزل إلينا هذا الصباح… واختبأ في فراشنا.
**
لا يزال وجهه متصلبًا حتى في نومه.
لكنني أعرف أن النوم هذا ليس حقيقيًا…
هو فقط يحتمي بي من العالم.
لم أستطع منع نفسي من لمس خده.
مرّرت إصبعي بلطف على زاوية عينه…
ثم قرصت وجنته.
**
“حان وقت العودة،”
قلت بصوت ناعم،
“لقد مرت سنة.”
لم يفتح عينيه،
لكنه تمتم بصوت متكاسل:
“ليس الآن… أريد أن أنام، كاتي.”
عبست.
“وما أمر لقبك الجديد؟ لا يعجبني.”
فتح عينًا واحدة…
ثم قال:
“حسنًا… كاتي.”
رفعت يدي، وضربته على بطنه دفعة واحدة.
“آه!”
شهق وهو يقفز قليلًا، ثم لفّ الغطاء حوله.
“لماذا هذا؟!”
قلت بابتسامة جانبية:
“أخبرتك، لقب ‘كاتي’ لا يعجبني.”
ضحك، تلك الضحكة القصيرة التي لا تُكمل نفسها.
“ههه… ولماذا أنتِ ‘كاتي’ إذن؟”
**
كان يحاول العودة للنوم.
لكنني حدّقت به وقلت، بنبرة منخفضة:
“إن نمت مرة أخرى… ستندم.”
رأيته يقشعر.
بشكل حقيقي.
حتى بعد عامٍ كامل…
حتى وهو أقوى من كل من عرفناهم…
لا زال يخاف من تهديدي.
ابتسمت.
لم أكن أخطط لهذا،
لم أكن أريد هذه العلاقة أن تكون بهذه الطريقة…
لكنني…
لم أعد أستطيع تخيل صباحٍ دون وجوده بجانبي.
**
⸻
من
أمامنا… بوابات كونوها.
الريح تهبُّ من خلفها،
تحمل رائحة لم أنسها،
لكنني… لم أعد متأكدًا إن كانت لا تزال رائحتي.
مرّ عام،
لكن في داخلي… كأنني غادرت منذ قرن.
كل خطوة على التراب أمام البوابة،
أشعر بها تسألني:
“هل عدتَ أنت؟ أم ظلّك فقط؟”
**
كنت أظن أن العودة ستكون أخف،
أنني سأبتسم،
أنني سأشعر بالدفء…
لكنني فقط شعرت…
بالموت.
ماتت نسخ كثيرة مني في هذه السنة.
رغبتُ بالموت مراتٍ لا تحصى.
في لحظات، كان الألم أعظم من أن أقاومه.
لكنني نظرت إلى يساري…
ورأيتها.
يارا.
هادئة، تمشي بخطى ثابتة.
ملامحها تحملني… حتى دون أن تنظر إليّ.
وهنا…
شعرت بالحياة.
شعرت بالرغبة في أن أبقى.
**
قلت لنفسي:
“وإلى الآن… لم أوفِ بوعدي.”
كاكاشي ينتظرني.
أخبرته ذات صباح…
أنني سأعلّمه النينجتسو.
وقد حان الوقت.
**
لكن فجأة…
قبل أن أفتح فمي لأقول شيئًا،
سمعت صوتًا.
ليس صوتًا مألوفًا…
بل شيءٌ بدا كهمسٍ داخل العظم.
برد في جسدي،
قشعريرة لحقت عمودي الفقري،
شعور حاد…
كأن الموت ينظر إليّ من بعيد.
•
ارتجف جسدي،
توقفت قدماي عن الحركة للحظة.
يارا كانت قريبة…
وشعرت بذلك على الفور.
قالت، بنبرة قلقة:
“ما بك؟”
نظرت إليها…
وابتسمت، رغم أن قلبي لم يهدأ بعد:
“لا شيء…
شعرت فقط بالارتباك.
العودة بعد زمنٍ للوطن تُربك القلب.”
•
رفعت حاجبها،
ثم قالت بسخرية لاذعة:
“لم أتوقع أن تكون قطوة خائفة، يا سامورو.”
ابتسمت.
لا لِكلمتها،
بل لأنني أدركت… أنني رغم كل شيء، ما زلت أضحك.
قلت:
“هيا بنا.”
وخطونا…
نحو كونوها.
⸻
عندما مررنا من بوابة كونوها،
لم يلفحنا سوى هواء قديم… مألوف،
لكنّه لم يعد يوقظ فيّ الحنين.
مرّ عام،
لكن بيني وبين هذا المكان… أكثر من زمن.
**
الشوارع كما هي.
الأصوات، الأصناف، أصوات الباعة…
لكنني لم أشعر بشيء.
نظرت إلى يارا تسير بجانبي.
صمتها يعادل صمتي،
لكن ابتسامتها الصغيرة كانت كافية لتربطني بالأرض.
إن كانت كونوها ما تزال “القرية”…
فهي أصبحت “الوطن” الوحيد.
**
“سأتوجه إلى كوشينا،”
قالت يارا، ونظرت إلي بهدوء.
“تريد أن تراني قبل أن ينتشر الخبر في كل القرية.”
أومأت لها دون كلام.
كانت تلك طريقتنا.
توقفت عند زاوية الشارع.
نظرت إلي للحظة… ثم مشت دون أن تلتفت.
وأنا… أكملت طريقي وحدي.
**
خطايَ أخذتني إلى الحي الغربي،
حيّ الهاتاكي،
حيث ينام الاسم الذي ورثته،
ويستيقظ كلما عدت من الموت.
مررت بجانب سور الخيزران،
ثم عبرت الحديقة الصغيرة التي كانت مملوءة بالياسمين حين كنت صغيرًا.
لكنني لم أتنبه إن كانت الزهور ما تزال موجودة.
كل شيء داخلي كان مشوشًا…
إلى أن وقفت أمام بوابة القصر.
**
دفعت الباب بهدوء.
دون تردد… دون إعلان.
دخلت.
الرخام كما هو.
رائحة الخشب.
صوت الخادم القديم ينادي من بعيد…
لكن لا أحد استقبلني.
ربما لأنهم لم يعلموا أنني عدت.
وربما… لأنني لم أعد بحاجة لمن يستقبلني.
**
مشيت في الرواق الطويل المؤدي إلى القاعة الرئيسية.
ثم…
“ني-ساااان!!”
صوت صغير قفز من الجدار كالسهم.
ركض نحوي بجنون.
كاكاشي.
طفل.
لكن صوته دخل صدري كأنه استدعى كل مشاعري دفعة واحدة.
ركض إليّ… وعلِق بساقي.
ضحك، ثم قال:
“لقد عدت! كنت أعرف! قلت امي أنك ستعود!”
ربّتُّ على رأسه.
لكنني لم أستطع أن أقول شيئًا.
**
رفعت بصري…
فرأيت ميو تقف عند طرف القاعة.
كانت تبتسم،
بهدوء الأم… أو من يشبهها كثيرًا.
ثم ظهر ساكامو ،
يداه في ردائه، عيناه عليّ دون أن يتكلم.
توقفنا للحظة.
لا كلمات.
ثم قال أخيرًا:
“مرحبًا بك في بيتك، سامورو.”
وأنا…
أومأت بصمت.
لكنني شعرت للمرة الأولى منذ عام…
أنني فعلًا… عدت.
⸻