⸻
جلسنا في القاعة الوسطى،
حيث النور ينساب من النوافذ الخشبية الطويلة،
ورائحة الشاي تعبق في الهواء.
ميو…
تقدّمت بهدوء وهي تحمل صينية الشاي.
سكبته أولًا لساكامو، ثم لي، دون أن تنطق بكلمة،
لكن عينيها قالت الكثير.
جلس ساكامو قبالتي،
وضع فنجانه على الطاولة…
ثم سأل دون أن يحدّق فيّ مباشرة:
“هل وصلت إلى مبتغاك؟”
رفعت نظري إليه،
ثم قلت بهدوء:
“نعم، ني-سان.”
•
ميو جلست بجانبه،
ثم التفتت إليّ، وسألت بصوتها اللطيف الذي افتقدته:
“وكيف حالك؟”
أجبتها:
“كنت بخير.”
فغمزت لي مازحة:
“لكن… كيف كانت مغامراتك مع يارا؟”
ابتسمت، وربما أول مرة أبتسم بهذا الشكل منذ زمن:
“كانت جميلة.”
•
وفجأة…
انفتح باب القاعة بقوة طفولية.
“ني-سان!!”
كاكاشي ،
دخل كأنه إعصار صغير.
ركض نحوي ووقف بفخر،
ثم أعلن كأنها مفاجأة مدوية:
“لقد أتقنت الهراشين!
تحت تعليم ميناتو-سينسي!”
ضحكت من قلبٍ لم يضحك منذ أشهر.
ثم مددت يدي وربّت على رأسه:
“أنت خليفتي يا كاكاشي.”
ثم نظرت إلى القناع الذي يغطي وجهه.
“لكن… ما أمر هذا القناع؟”
أجاب بثقة:
“النينجا لا يُظهر ملامحه يا نيسان…
هكذا أبدو غامضًا.”
ضحكت مرة أخرى،
ثم قلت:
“نعم… أنت شينوبي فخور.”
•
دار حوار خفيف بعدها بيني وبين ساكامو،
حديث مريح…
كأن الوقت توقّف عن الجرح،
وعاد ليمنحنا لحظة نقاء.
تحدثنا عن القرية، عن الحرب الباردة، عن الخطط الجديدة.
لم يضغط عليّ، لم يسأل الكثير.
فقط أنصت.
وحين انتهى الشاي،
نظرت إلى كاكاشي وسألته:
“هل تريد أن تأتي معي لرؤية ميناتو سينسي؟”
عينيه اتسعتا، وهزّ رأسه بسرعة:
“طبعًا!”
فوقفت، وقلت وأنا أنظر إليه:
“فالنذهب… لكن بدون الهراشين.”
شهق.
“أووووه!”
ضحكنا جميعًا.
لأول مرة، شعرت أن هذه القاعة…
ما زالت قادرة على احتواء قلبٍ مثقّل مثل قلبي.
⸻
كان جالسًا على كتفي،
رجلاه تتدلّيان أمام صدري،
وصدره الصغير مستقر فوق رأسي.
يضحك بين الحين والآخر،
ويمدّ يديه ليعبث بشعري،
كأنني جبلٌ يتسلقه للمرة الألف.
قلت، وأنا أتمايل عمداً لإخافته:
“إن وقعت، ستحاسبني ميو!”
ضحك أكثر،
ثم سكن فجأة،
وصوته نزل عليّ كنسمة في آخر الليل:
“ني-سان… هل اشتقتَ إليّ؟”
رفعت نظري، كأنني أنظر إليه دون أن أراه،
ثم قلت بهدوء:
“بالطبع، كاكاشي.”
لم أكن بحاجة لقول أكثر من ذلك…
فهو يعرف.
•
مرّت لحظة،
ثم عاد يسأل، بنبرة فيها شيء من الجدية:
“ني-سان، أريد أن أصبح أقوى منك.”
ابتسمت، وقلت بثقة:
“طبعًا، فأنت خليفتي.”
شعرت بيده تضغط على رأسي فرحًا،
كأنني أعطيته ختمًا ملكيًا.
•
لكن بعد برهة صمت،
نطق بسؤال لم أكن مستعدًا له:
“ني-سان… هل ستتركنا يومًا ما؟”
سكتُّ.
كانت هناك آلاف الإجابات،
لكن كلّها ناقصة.
فنظرت أمامي،
وقلت:
“كاكاشي… هذا أمر مستحيل.”
همس:
“هل تعدني؟”
“وعد.”
•
سار الوقت ببطء بعدها،
حتى قلت له، وأنا أمشي به:
“هل تتحدث مع أصدقائك كثيرًا في الأكاديمية؟”
ردّ ساخطًا:
“لا، إنهم أغبياء.
خصوصًا فتى اسمه أوبيتو… يتحدّاني دومًا، مع أنه يعلم أنه سيُهزم!”
ضحكت.
ضحكتُ بصوتٍ واضح،
من قلبٍ نسي الضحك منذ زمن.
ثم قلت:
“هل تعلم أن أوبيتو سيصبح قويًا في المستقبل؟”
صمت… ثم قال متشككًا:
“أنت تمزح، نيسان… أليس كذلك؟”
أجبت، والابتسامة لا تزال على وجهي:
“لا… لا أمزح.”
لكنني كنت أبتسم…
بصمتٍ ممتن، كأنني أرى صورة مختلفة للمصير…
وأشكر القدر على هذا الاختلاف.
⸻
أمام باب منزل ميناتو…
وقفتُ مع كاكاشي على كتفي،
وهو لا يزال يتأرجح كأن الرحلة لم تنتهِ بعد.
طرقت الباب بهدوء.
لم تمضِ ثوانٍ حتى انفتح الباب.
لكن من استقبلني لم يكن ميناتو.
كانت…
كوشينا.
ابتسامة واسعة على وجهها،
وشعرها الأحمر يتدلّى بحرية فوق كتفيها.
قالت، وهي تعقد ذراعيها:
“أخيرًا قرّرت أن تزورنا يا سيد الغموض.”
وقبل أن أرد، ظهرت من خلفها…
يارا.
كانت تقف عند المدخل، تمسك فنجان شاي،
وعيناها تتّسعان لحظة رأتني.
ثم ظهرت أخيرًا ملامح ميناتو،
واقفًا خلف الاثنتين، يلوّح بيده:
“سامورو… تفضّل بالدخول. لقد سبقتك الأخبار.”
**
دخلتُ.
وكاكاشي قفز عن كتفي دون أن أطلب منه.
ركض مباشرة إلى الداخل،
كأن المنزل صار له أكثر من القرية نفسها.
**
نظرت إلى كوشينا، ثم إلى يارا،
قلت بهدوء:
“لم أكن أعلم أن الاستقبال سيكون بهذا العدد.”
ردّت كوشينا وهي تضحك:
“لا تقلق، لم نُحضر فرقة موسيقية بعد.”
أما يارا…
فاكتفت بنظرة طويلة،
ابتسامة صغيرة في طرف فمها،
ثم قالت بصوت خافت:
“أهلاً بعودتك… كاتي.”
أخفضت رأسي قليلًا،
وتنهدت.
ثم نظرت إلى ميناتو:
“علينا أن نتحدث، أنا وأنت.”
ابتسم كعادته، وهزّ رأسه:
“الغرفة كما تركتها… إن كنت تتذكرها.”
⸻