من
دخلت الغرفة التي طالما أحببتها…
هادئة، ضيقة، تحمل عبق الحبر، والخرائط، وسكونًا يشبه صاحبها.
ميناتو كان خلفي.
أغلق الباب بهدوء،
ثم جلس في الزاوية المقابلة، دون أن يتكلّم.
جلسنا بصمتٍ… كما كنا دومًا.
ثم قطعتُ الصمت:
“ما سأقوله الآن… لن يُقال مرّتين.”
رفع عينيه إليّ،
وتلك النظرة الهادئة… لم تتغير.
قلت:
“الزمن الذي نعرفه… سينكسر.”
لم يبدُ عليه الذهول،
بل قال ببساطة:
“تابع.”
سحبت لفافة صغيرة من ردائي،
وضعتها أمامه.
“هذه نسخة من النقوش التي قرأتها في الضريح الثاني… ضريح كاجويا.”
فتحها بعناية،
ومرّر عينيه عليها.
قال:
“هذا… لا يشبه شيئًا رأيناه من قبل.”
أومأت، ثم تابعت:
“ما نحن عليه اليوم…
كل هذه القرى، هذه الحروب… لا تعني شيئًا أمام ما سيأتي.”
سأل، بصوت منخفض:
“وما الذي سيأتي؟”
نظرت إليه،
نظرة من يعرف…
ومن لا يريد أن يعرف.
قلت:
“السماء ستسقط، يا ميناتو…
والكوكب سيُطالب بثمنٍ تأخّر كثيرًا.”
•
صمت.
ثم قال بهدوء:
“أخبرني كل شيء.”
⸻
بسطتُ اللفافة بهدوء فوق الطاولة الخشبية.
الصورة ظهرت تدريجيًا أمام ميناتو…
رسم من زمن لا يخصّنا، لكنه يراقبنا من بعيد.
ملكٌ يجلس على عرشٍ حجري،
وجهه مخفي،
وعيناه تحدّقان في المجهول بصمتٍ مكسور.
من خلفه، سيف غُرس في ظهره.
وتحت العرش…
انحنى أولئك الذين يُفترض أن يحموا التاج،
لا للملك، بل للقاتل.
•
حدّق ميناتو طويلاً.
عيناه قرأتا أكثر مما يُقال.
ثم قال، بصوت منخفض:
“هذا… ليس نقشًا فنيًّا.”
قلت:
“بل نبوءة منحوتة.
خيانة.
طعن في ظهر القيادة… وسجودٌ للخيانة نفسها.”
سكتُّ قليلًا، ثم أضفت:
“ما رأيته في الضريح ليس مجرّد تاريخ…
بل تكرارٌ ينتظر لحظته.”
•
رفع عينيه إليّ، وسأل:
“إذن… ما القادم؟”
أجبت بهدوء:
“السماء، يا ميناتو…
السماء ستنزل بثقلها على هذا العالم.
وهذا العالم لن يحتمل،
إن لم نكن مستعدين.”
•
أومأ برأسه مرة واحدة،
ثم قال:
“ما هي الخطة؟”
رفعت نظري،
وتحدثت بنبرة محسومة:
“أولاً، سأتحالف مع أوروتشيمارو.”
تغيّرت تعابير وجهه،
لكنه لم يقاطعني.
أكملت:
“أحتاج إلى وسيلة لزيادة سعة التشاكرا داخلي.
المانجيكيو التي أملكها… ليست كأي مانجيكيو.
حتى دون تفعيلها…
قدرتها تنهكني. تُستنزفني دون إذن.”
•
“ثانيًا،”
تابعتُ،
“يجب توحيد القرى.
أو على الأقل، تحقيق سلام حقيقي بينها.
الأمر سيّان…
لكن يجب أن يتوقّف نزيف العداء الداخلي.”
•
ميناتو سأل، بصوت أكثر جدية:
“وثالثًا؟”
نظرت إليه نظرة صريحة، لا غموض فيها:
“يجب أن نخترق حدودنا، يا ميناتو.
حدود التفكير، حدود التدريب، حدود ما نسمّيه مستحيلاً.
العالم القادم… لا يعرف الشفقة.”
•
ساد الصمت.
ثم، بهدوء،
قلت كمن يُخرج سلاحه الأخير:
“وأخيرًا… وصيتي.”
رأيته ينتبه فورًا،
كأن كلمة “وصية” وحدها تشق صمته.
مددت يدي إلى صدري،
ولم أخرج شيئًا.
بل وضعت إصبعي على عيني اليسرى…
العين التي أراها الآن…
والتي لا يعرف أحد حقيقتها الكاملة.
قلت:
“إن مُتُّ…
أريدك أن تزرع هذه العين في كاكاشي.”
اتسعت عينا ميناتو قليلًا،
لكنه لم يتكلم.
أكملت:
“إنها ليست مجرد مانجيكيو.
هي شيء… أبعد من أن أصفه.
إن وصلت إلى كاكاشي…
حتى إن انتهى العالم، سيبقى واقفًا.”
•
مرت لحظة طويلة.
ثم قال:
“هذا وعد ثقيل.”
نظرت إليه نظرة أخيرة، وقلت:
“ولهذا أخبرك أنت… وحدك.”
سكتنا.
أنا وميناتو.
تلك اللحظة بعد الوصية…
لم تكن تحتاج إلى كلمات.
كنت أشعر بها تثقل الغرفة،
تملأ الهواء بشيء يشبه الوداع، دون أن يُقال.
لم يقل شيئًا، وأنا لم أُضف شيئًا.
صمت الرجال الذين يعرفون أنهم على مشارف حرب لا تُشبه ما مرّ من قبل.
•
ثم…
صوت طرقٍ خفيف على الباب.
“ني-سان؟”
صوت كاكاشي.
تنفّست، وقفت، وفتحت الباب.
كان واقفًا بابتسامة طفولية،
وقال:
“العشاء جاهز.”
نظرت إلى ميناتو،
ثم خرجنا معًا.
في الخارج، رأيت يارا تقف في ساحة الحديقة،
شعرها الأسود يتمايل مع نسيم المساء.
نظرتُ إليها… وابتسمت.
فردّت بابتسامة هادئة، كأنها تفهم كل شيء… دون حاجة لشرح.
ثم التفتّ إلى كاكاشي وقلت:
“أهلاً، كاكاشي… ما الأمر؟”
قال:
“العشاء جاهز!”
ضحكت، وربتُّ على رأسه:
“حسنًا… فلنأكل.”
•
جلسنا حول طاولةٍ دافئة،
خمس كراسٍ،
أصوات أوعية تُحرك، وروائح تعيدني إلى أيامٍ كنت فيها مجرد سامورو… لا أكثر.
تذوّقت أول لقمة، ثم قلت بصوت مرتفع:
“كوشينا… طعامك هذا خطير.
أشعر أنني سأبكي،
ليس من الطعم… بل من الخوف أن ينتهي!”
انفجر الجميع ضاحكين.
حتى ميناتو ابتسم، وكأنه نسي الحرب للحظة.
كوشينا رمقَتني بنظرة مليئة بالتهكم:
“لا تحاول لعب دور الرومانسي…
عُد إلى شخصية سامورو المغفّل!”
ضحك الجميع بشدّة.
وكأن كوشينا بصراحتها أنقذت الجميع من التفكير الثقيل.
•
بعد العشاء،
كنت أنا وميناتو في المطبخ… نغسل الصحون.
قال ميناتو بابتسامة جانبية:
“يبدو أننا لن نصبح رجلي البيت أبدًا.”
ضحكت بقوة:
“لا أعتقد…
فهؤلاء الوحوش خلفنا.”
وفجأة،
صفعة مزدوجة من يارا وكوشينا على ظهري.
“من تقصد بالوحوش؟!”
ارتبكت، فكرت كثيرًا…
ثم رفعت إصبعي وقلت:
“أقصد الأطفال!
كاكاشي هو من يمنعنا من أن نكون رجال البيت!
فلذا… هو الوحش!”
الجميع صمت.
نظرت كوشينا إلى يارا، ويارا نظرت إليها…
ثم انفجرتا بالضحك معًا.
**
كوشينا صاحت:
“كاكاشي!
شاهد عمّك يتنمّر عليه من قبل الوحوش!”
وانهال الضحك مرة أخرى.
وأنا؟
كنت أبتسم…
وفي قلبي شيءٌ لم يكن موجودًا منذ زمن:
الدفء.
•
انتهى الفصل،
لكن لم ينتهِ المساء…
ولم تنتهِ تلك اللحظة التي جعلتني أشعر… أنني لم أعد وحدي.
⸻