من

منظور

سامورو

خرجت من مقر الجذر،

لكنّه لم يخرج مني.

كأن الدم الذي غطّى يديّ تسلّل إلى أعماق عيني.

كنت أترنّح…

ولم يكن السبب التعب.

**

عيني…

واحدة تحترق كأنها جمر،

والأخرى…

بدأت تنطفئ.

المانجيكيو…

أثمن ما أملك،

وأغلى ما يدفع.

بدأ الظلام يتسلّل من أطراف بصري،

كأن العالم ينكمش نحوي…

وأنا عاجز عن إيقافه.

أغمضت عيني،

نفضت الدم عن أصابعي،

ثم استشعرت أحد الأختام.

**

الهراشين.

نقطة في قصر هاتاكي…

قفزت إليها.

**

وصلت…

لكني لم أره.

عرفت أنني أمام الباب،

لكن الجدران كانت ضبابًا.

دخلت.

قدماي تلمسان الأرض…

لكن كأنني أسير على حافة هوّة.

ذهبت مباشرة إلى الحمام،

خلعت قناعي،

وركعت أمام الحوض.

الماء البارد صفعني،

لكنه لم يوقظني.

غسلت الدم عن رقبتي، عن وجهي،

لكن كل ما فعلته… هو نشره.

**

نظرت إلى المرآة.

لم أرَ سوى نصف وجهي.

الأخرى… اختفت.

**

حاولت ضماد الجروح.

الساق، الكتف، الحروق التي خلفها جهدي الزائد.

لكنها لم تتوقّف عن النزف.

بدأت أفقد التوازن،

يدي ترتعش،

أنفاسي تختنق.

ثم…

**

“نيسان؟”

تجمّدت.

صوت…

طفولي… بريء…

كاكاشي.

سمعت صوته عند الباب.

نظرت حولي،

لكن كل شيء كان أسود.

**

لا، لا يجب أن يراني هكذا.

ركّزت…

استشعرت ختمًا آخر…

**

الهراشين!

انتقلت بسرعة إلى النقطة التالية…

بيت ميناتو.

لكن قبل أن أستقرّ تمامًا،

وقعت عيناي – التي بالكاد ترى – على النافذة.

كوشينا.

تطل من الداخل.

“اللعنة عليكِ…”

همستها دون صوت،

ثم انتقلت مرة أخرى.

**

ختم آخر.

قريب من حيّ الأوتشيها.

ثم ختم…

أعرفه جيدًا.

باب منزلها.

**

طرقت.

يدي بالكاد ترتفع،

نظري مشوش،

قلبي يخفق في صدري كأنه يحتضر.

سمعت صوتها.

“من هناك؟”

ثم فُتح الباب.

**

رأيتها…

أو خُيّل لي أنني رأيتها.

وقلت، بصوتٍ لا يشبهني:

“هاي، كاتي… اشتقتِ إليّ؟”

ثم…

أتى الظلام.

لكن هذه المرة، لم يكن مجازًا.

فتحتُ الباب بهدوء،

ما إن انفتح حتى سمعت صوته،

خفيفًا… متشظّيًا:

“هاي، كاتي… اشتقتِ إليّ؟”

ثم رأيت جسده يترنّح.

سقط، كما تسقط الشجرة القديمة بعد أن تنتهي آخر قطرة مطر.

“سامورو!!”

ركضتُ نحوه،

ويدي سبقتني لاحتضانه قبل أن يرتطم بالأرض.

لم يكن مغشيًا عليه…

لكن لم يكن حاضرًا.

تائه، متعب، مائل للسقوط أكثر من الوقوف.

**

نظرتُ إليه بسرعة…

وجهه…

كما كان.

صامد، سليم، حتى الآن لم تجرؤ الحرب على خدشه.

لكن جسده…

كان شيئًا آخر.

دماء كثيفة،

من كتفه حتى خاصرته،

ذراعه اليسرى مغطاة بكدمات بنفسجية،

صدره يشبه خريطة من الجروح المفتوحة والمغلقة.

نظرتُ إلى عينه الوحيدة… اليمنى.

تلمع…

لكنها ثقيلة.

محمّلة بتعبٍ لا يُقال.

أما اليسرى…

فمغطاة بضمادة بيضاء مألوفة.

أعرف قصتها… أعرف صمتها.

سحبته إلى الداخل،

أغلق الباب برجلي،

وسندته إلى الحائط.

يداي ترتجفان وأنا أتمسّك به،

ليس لأنه ثقيل…

بل لأنه لا يجب أن يكون بهذه الحالة.

**

“سامورو… أنا هنا، تنفّس… فقط تنفّس.”

أمسكت بطرف سترته الممزقة،

فككتها بهدوء.

لم يعترض.

بل كأن جسده نفسه كان يطلب النجدة.

**

نزعت عنه الرداء بحذر،

وسرعان ما تلطخت يداي بالدماء الدافئة.

تجاعيد من التعب تحت عنقه،

وخدوش ملتوية على جانبه.

حروقه القديمة فوق كتفه ما زالت بلونٍ داكن،

لكن الجديد…

أكثر مرارة.

كأن جسده أصبح ورقة عُذّبت بالحبر الأحمر.

كل خطوة منه إلى هنا…

دفعت ثمنها من جلده ولحمه.

فتحت حقيبة الإسعافات الخاصة بي،

بلّلت المنشفة،

وبدأت أُمرّرها على صدره.

كل ضغطة… تُخرج أنينًا مكتومًا.

كل نقطة دم…

كأنها تعتذر عن خروجها.

لم أتوقف.

حتى عندما بدأت عيناه تغلقان،

حتى عندما ثقلت رأسه على كتفي،

حتى حين سقطت قطرات من جبينه على يدي.

**

ضمّدت صدره،

ذراعيه،

جانب بطنه.

ثم لفيت حوله البطانية،

وجعلته يستند إلى الأريكة.

جلست أمامه،

أخذت نفسًا عميقًا…

وأخيرًا سمحت لقلبي أن يهتز.

مددت يدي إلى شعره،

ومررت أصابعي بلطف بين خصلاته الفضية.

ثم قلت له همسًا:

“إن كنت لا تعرف كيف تهتم بنفسك…

فأنا سأفعل ذلك عنك.”

في تلك اللحظة…

تدفقت أنفاسه بثقل،

وأحسست بجسده يهدأ… ولو قليلاً.

نظرت لعينيه…

عينه الوحيدة…

كانت تلمع بشيء غريب.

الظلام؟

الاعتراف؟

أم مجرّد ارتياح لوجودي؟

لا أعلم.

لكني رأيت فيه…

سامورو الذي أعرفه.

الذي يتعذب بصمت،

ويُحبّ دون كلمات،

ويعود دومًا… مهما ابتعد.

منظور يارا

كان الفجر قد بدأ يتسلّل،

لون رمادي خفيف يزحف من خلف النافذة.

الضوء الباهت لامس وجهه أولًا،

ففتحت عيناه بصمت… دون أن ينبس بكلمة.

استقام ببطء،

يده امتدت إلى جبينه،

ثم إلى الضمادات التي تغطي صدره.

وجهه ساكن…

لكنني كنت أعرف ذلك الوجه.

هذا الصمت ليس راحة.

بل ثقل.

سحب اللحاف قليلًا عن جسده،

جلس،

ولم يكن عليه سوى الضمادات البيضاء…

تغطي صدره وكتفيه.

العضلات المرتجفة تحته تخبرني…

أن الألم ما زال ينهش منه.

“أخيرًا استيقظت…”

قلتُ بهدوء، وأنا أجلس على الطرف الآخر من الغرفة.

رفع رأسه،

صوته خرج منخفضًا، لكن حادًّا:

“مجرد انتقام.”

تجمدتُ.

“انتقام؟”

سألته وأنا أتقدّم خطوتين نحوه.

نظر إليّ،

عينه الوحيدة لم تهرب من نظري.

“نعم… لسينسي.”

شعرت أن قلبي هبط.

كأن جملة قصيرة أعادت فتح باب نسيت قفله منذ زمن.

قلت له ببطء، بخوف:

“لكن… (أوجي-سان)… مات في مهمة، لم يُذكر كيف مات أصلاً…”

اقتربت خطوة أخرى.

“من… من قتلت؟”

لم يرد مباشرة.

بل رفع عينيه نحو النافذة.

ثم قال، بصوت هادئ، كأنه يخبرني أن الشمس قد طلعت:

“دانزو… والجذر.”

كأن الزمان توقّف.

شعرت بالفراغ… يتسع في صدري.

همستُ:

“دانزو… قتل (أوجي-سان)؟”

نظر إليّ،

وفي عينيه لم تكن هناك شفقة…

ولا ندم.

**

قال:

“نعم… وأنا أعدت التوازن.”

كنت أرتجف.

ليس من الخوف…

بل من الحقيقة التي لم أعرفها من قبل.

“أوجي-سان… لم يمت في معركة…”

قلت ببطء، ودمعة واحدة انزلقت من عيني.

“بل قُتل على يد من كنتُ أحترمه…”

نظرت إليه من جديد،

ولأول مرة…

رأيت سامورو كما لم أره من قبل:

عارٍ إلا من الضمادات،

بعين واحدة،

قلب مُثقَل،

وجريمة… لا تندم عليها روحه.

لكنني لم أكرهه.

لم أشعر بالخوف منه.

بل أردت أن أفهم.

أن أعرف… كل شيء.

كان الضوء خافتًا…

وأنفاسي ثقيلة.

ما زالت كلماته تُدوّي في داخلي:

“دانزو… هو من قتل خالك كاجامي وانا كنت متواجد"

جثوتُ على ركبتيّ،

كأن الأرض لم تعد تسندني.

“أنت… رأيتَه؟”

سألتُ، بصوت مرتجف، مكسور.

أومأ.

ثم قال:

“كنت هناك.

كان قد استشعر الخيانة…

وأوصاني أن أبقى في الظل.

رأيته يُطعَن أمامي،

لكنه في اللحظة الأخيرة…

انتزع عينه، ورماها لي.

أخبرني بنظراته أن أحملها…

وأكمل الطريق.”

غمرني الصمت.

دموعي سقطت دون خجل.

خالي… الذي ربّاني،

منحك عينه… لا أنا.

رأيت سامورو يمدّ يده نحو سترته.

فتح جيبًا داخليًا…

وأخرج زجاجة زجاجية صغيرة،

مختومة بعناية.

كان بداخلها…

عين.

شارينغان بثلاث توموي،

ساكنة… لكنها تحمل شيئًا أعمق من الحياة.

رفعها إليّ، وهمس:

“هذه… العين الثانية.

التي سرقها دانزو من خالك.

استعدتها… بعد أن طعنت صدره.”

أراد أن يسلّمني الزجاجة.

كأنه يُعيد لي شيئًا مُقدّسًا.

لكنني…

هززت رأسي.

وتراجعت خطوة.

“لا… لا أريدها.”

“ماذا؟” سأل، مصدومًا.

أجبته، وصوتي مكسوّ بالبكاء:

“أنت من تحتاج إليها.

أنت من اختاره خالي…

لا أنا.”

اقتربت منه،

وضعت يدي على صدره، على الجرح المغطّى بالضمادات.

“لقد حملت عينه الأولى داخل جسدك…

فلتكمل الطريق…

ولترَ الحياة بعينَيه.”

انكفأ وجهه للحظة.

صمت… طويل.

كنت أبكي،

بكيت خالي، وبكيتك…

وبكيت الحقيقة التي ظلّت مخفية.

همستُ وأنا أنظر إلى عينه الوحيدة:

“إن فقدتها يومًا،

سأكون أنا عينك.”

ثم وضعت جبهتي على صدره،

وبكيت بصمت.

ولم أدرِ…

هل كان قلبه يبكي معي أيضًا؟

أم أنه… اكتفى بالنظر إلى الحياة من مكانٍ لا نراه نحن؟

2025/05/14 · 26 مشاهدة · 1168 كلمة
m6
نادي الروايات - 2025