من

منظور

سامرو

استيقظت فجأة.

لم يكن حلماً.

كان إحساسًا…

كأن أحدهم يراقبني من بعيد، أو يهمس باسمي من وراء الجدران.

رفعت رأسي ببطء،

أول ما رأيته…

شعر يارا ينسدل على الوسادة.

كانت نائمة بعمق،

تنفّسها هادئ، يدها على صدري.

وللحظة… نسيت كل شيء.

انحنيت، وقبّلت جبهتها برفق.

همستُ دون صوت:

“سامحيني… لكن العالم لا ينتظر.”

نهضتُ بهدوء، لم أرتدِ شيئًا سوى السروال والضمادات على كتفي.

خرجت إلى ساحة المنزل، الهواء البارد يضرب جلدي،

وقبل أن أتحرّك خطوة…

ظهر أمامي اثنان من الأنبو.

كأنهم خرجوا من ظلال الصباح.

قال الأول، بصوت آلي:

“الهوكاجي يطلب رؤيتك… فورًا.”

رفعت حاجبي.

“أخبراه أنني سأتأخر قليلاً.

أحتاج إلى فنجان شاي… وربما حياة كاملة.”

قال الثاني، بتحفّظ:

“دانزو ميت، والمجلس يتحرّك.

الأمر عاجل، ولا يحتمل التأخير.”

لم أجب.

استدرت ببساطة…

ورسمت الختم بذهني،

وانتقلت.

في لحظة، كنت في قصر هاتاكي.

دخلت غرفتي بخطوات هادئة.

فتحت خزانة الملابس، بحثت عن السترة السوداء ذات الحواشي الفضية.

بينما كنت أرتديها،

دخل ساكامو من الباب، ملامحه جامدة.

“هل ما حدث… من صُنعك؟”

أجبت دون أن أنظر:

“نعم، نيسان.

أنا مَن قتل دانزو… وكل الجذر.”

تقدّم خطوة، عينيه تتفحّصني كأنه يبحث عن ندبة في ضميري.

“هل… الوضع طبيعي الآن؟

هل أخبرك أحد أن ما فعلته سيشعل المجلس؟”

أغلقت الزر الأخير في السترة،

ثم نظرت إليه بابتسامة نصف مستهترة:

“سأذهب الآن… لأبتز الهوكاجي والمستشارين، وأعود للعشاء.”

تجمّد ساكامو في مكانه.

“ها؟!”

ربّتُّ على كتفه، وهمست:

“وداعاً، نيسان.”

ثم اختفيت.

ظهرتُ أمام مكتب الهوكاجي.

لم أطرق الباب.

فتحتُه ببساطة… ودخلت.

وكان الصمت هناك أثقل من أي شيء آخر.

——

دخلت إلى مكتب الهوكاجي دون طرق.

فتحت الباب، ودخلت بخطوات ثابتة.

كان الهوكاجي الثالث جالسًا،

وعلى جانبيه… مستشاراه القديمان:

• ميتوكادو هومورا

• أوتاتاني كوهارو

ثلاثتهم كانوا في انتظاري.

وقفت أمامهم، دون أن أنحني،

لكنني قلت باحترام واضح:

“ساروتوبي-ساما… أقدّر دعوتك لي، وجئت فوراً.”

أومأ الهوكاجي برأسه، ولم يتحدث بعد.

لكن المستشارة كوهارو قطعت الصمت، وقالت بصرامة:

“هل صحيح ما بلغنا؟

هل أنت من قمت بعملية الاغتيال داخل مقر الجذر؟”

أضاف هومورا ، بنبرة لا تخلو من الاتهام:

“هل تدري كم هددت توازُن القرية بهذا العمل؟!”

نظرت إليهما…

صمتُ للحظة.

ثم تقدّمت خطوة للأمام،

وصوتي خرج… ساكنًا، حادًا:

“أنا احترمتكما لكبر سنكما…

واحترمتك، يا ساروتوبي-ساما، لمكانتِك في قلبي… وفي قلب معلمي.”

ثم التفت إليهم بحدة:

“لكن إن أنزلتم من شأني،

فسأمزق أقنعتكم جميعاً…

وسأبدأ بتصريح مهم.”

أخرجت لفافة من ختم في معصمي.

فتحتها.

فيها ملفٌ واحد، وعليه ختم الجذر القديم.

مكتوب عليه بخط أسود:

كاجامي أوتشيها – المصنف: مغلق سري للغاية

وضعت الملف على الطاولة.

دفعته بهدوء نحوهم.

نظرتُ إلى هومورا وكوهارو وسألت:

“هل لكما دخلٌ في هذا؟

هل علمتما بمقتله؟

هل سكتما عن خيانة دانزو؟”

لم يجبه أحد.

فتحت الملف الثاني، عليه ختم أحمر:

“ساروتوبي – خاص جدًا”

قلت، وأنا أفتحه أمام الهوكاجي الثالث:

“هذا ملف يعود لك، يا سيدي الهوكاجي.

فيه أسماء من عائلتك،

وفيه جميع التجارب التي أوقفتها حين كنت حاكماً عادلاً…

لكنها استُكملت من خلفك… باسمك.”

سادت الغرفة لحظة من الصمت…

لكنها لم تكن لحظة سلام.

بل لحظة قنبلة على وشك الانفجار .

نظرت إلى ساروتوبي مباشرة:

“ما سأقوله ليس تهديدًا…

بل حقيقة:

الذي قتل دانزو…

لا يخشى أحدًا في هذا المكان.”

ثم تابعت، بنبرة أخف، لكن أعنف:

“وإن أردتم إخفاء جرائم الماضي…

فأنا سأكون صوت أولئك الذين ماتوا في الظلال.”

سكتُّ.

الهوكاجي الثالث ظلّ ساكنًا…

عينيه لا تتركاني.

لكن المستشارَين…

لم يجدا ما يُقال.

تراجعت خطوة، ثم قلت:

“سأنتظر القرار…

لكن تذكّروا:

العدالة لا تُكتب بالحبر،

بل بالدماء التي نزفها من ماتوا بصمت.”

استدرت،

وخرجت بنفس الهدوء الذي دخلت به.

**

كان قصر هاتاكي غارقًا في صمتٍ مطمئن،

كما لو أن الجدران تستمتع ببعض الراحة بعد أسابيع من التوتر.

في تلك الظهيرة،

كانت أشعة الشمس تتسلل عبر النافذة الطويلة لتلامس أرضية الصالة الخشبية،

وترسم خطوطًا ذهبية على السجاد الغامق.

جلس ساكامو و ميو على وسادتين متقابلتين،

وبينهما طاولة شاي منخفضة،

فوقها إبريق من السيراميك الأبيض،

يتصاعد منه بخارٌ خفيف،

وعبَقان خفيفان: النعناع، والزنجبيل.

قالت ميو بهدوء، وهي تصب كوبين:

“الغريب… لم نرَ سامرو منذ عاد من مكتب الهوكاجي.”

ردّ ساكامو، وهو يرفع كوبه:

“يعرف طريقه إلى العاصفة، لكنه لا يتقن الخروج منها بهدوء.”

قبل أن تُكمِل ميو تعليقها،

انفتح الباب الخارجي بهدوء،

وسُمع وقع خطوات خفيفة على الخشب.

دخل سامرو .

لكن لا أحد من الاثنين لاحظه فورًا.

هو الذي كسر الصمت، بصوته العميق:

“نيسان… الأمر انتهى مع الهوكاجي.”

استدار كلاهما.

نظر ساكامو إليه بعينين تحملان مزيجًا من الارتياح والريبة،

بينما وضعت ميو الكوب ببطء على الطاولة.

كان سامرو يبدو منهكًا.

سترته السوداء غير محكمة الإغلاق،

وشعره الفضي متناثر بعض الشيء.

وجسده… يُخفي إرهاقًا لم يُشفَ منه بعد.

دون أن ينتظر دعوة، جلس قرب الطاولة،

ومدّ يده إلى الإبريق.

صبّ لنفسه الشاي ببطء…

لكن أصابعه ارتجفت،

قطرات صغيرة تساقطت على جانب الفنجان.

رفع الكوب إلى فمه…

لكنه لم يشرب مباشرة.

صمت طويل.

ثم قال بنبرة هادئة، لا تخلو من الخدوش:

“نيسان… عيناي لم تعودا كما كانتا.

اليسرى… لم أستعد بصرها منذ زمن،

أما اليمنى… بدأت أفقد رؤيتها ببطء.”

تبادل ساكامو وميو نظرة قصيرة.

قال سامرو، كمن يحاول أن يسبق السؤال:

“خلال رحلتي مع يارا… علمتُ بوجود شخصٍ

قد يمتلك علاجًا لهذه الحالة.”

وضع الكوب على الطاولة، وأخفض رأسه قليلًا:

“قررتُ أن أذهب إليه.

قريبًا.”

سكت ساكامو.

ثم قال بنبرة صلبة، دون رفع صوته:

“هل هذا استئذان… أم خبر؟”

رفع سامرو بصره إليه مباشرة.

نظرة مستقيمة… لم تتبدل فيها ملامح القوة،

لكن خلفها كان شيء آخر:

الصدق.

“استئذان يا نيسان.

ما زلت تسبقني بخطوة… حتى في الصمت.”

طال الصمت قليلاً.

ثم تنهد ساكامو،

ورفع كوبه كأنه يعلن الموافقة دون قول:

“فلتذهب…

لكن عد سريعًا.”

ابتسم سامرو، تلك الابتسامة الشاحبة…

ابتسامة من يعرف طريقه، لكن لا يعرف ما سيجده في نهايته.

“حاضر، نيسان.”

ثم وقف.

ثبت سترته، وأدار ظهره ببطء.

لكن قبل أن يغادر، قال دون أن يلتفت:

“أخبري كاكاشي إن سأل… أنني سأعود قريباً ”

ابتسم ساكامو من خلفه.

بينما نظرت ميو إلى فنجانها،

ولم تقل شيئًا… لكنها شعرت بشيء يضيق صدرها دون تفسير.

وغادر سامرو،

بخطوات هادئة،

في طريقه إلى مصيرٍ جديد…

لكن هذه المرة،

ليس بدافع الانتقام،

بل بدافع… البقاء.

فتحتُ باب المنزل بهدوء،

كان الصمت يملأ المكان،

حتى أنفاسي بدت كأنها دخيلة عليه.

دخلت بخفة، أغلقت الباب خلفي،

ومضيت نحو الغرفة الوحيدة التي شعرت فيها دومًا بالسلام.

رأيتها هناك.

يارا.

نائمة فوق سريرها الخشبي،

شعرها المبعثر فوق الوسادة يشبه ظل الليل،

وأنفاسها منتظمة، لا تعرف قلقًا.

اقتربت منها أكثر…

وفي اللحظة التي كنت على وشك أن أجلس،

همست وهي ما تزال نائمة:

“كاتي…”

تجمّدت.

ابتسمت بصمت.

حتى في حلمها… ما زلتُ فيها.

جلست بهدوء،

مررت أصابعي بخفة على جبينها،

ثم على خدها.

لكن جفنيها تحركا…

ثم فتحت عينيها ببطء.

نظرت إليّ أولًا بذهول،

ثم ارتسم شيء من الارتياح في عينيها:

“متى جئت؟”

“قبل قليل.”

قلتُ بهدوء.

رفعت رأسها قليلاً،

ثم جلست، وغطاؤها ينزلق عن كتفيها.

“لماذا وجهك هادئ هكذا؟

هل تنوي الرحيل؟”

تنفّست ببطء،

ثم أومأت لها:

“أسبوع فقط.

رحلة قصيرة… لأجل عيني.”

صمتت للحظة.

ثم قالت بنبرة أقرب للشكوى:

“لم تقل لي شيئًا أمس… ولا حتى الليلة.”

“كنت سأقول، لكنك كنتِ نائمة.”

قلتُ وأنا أبتسم.

نظرت إليّ مطوّلًا…

ثم قالت:

“إذًا… ستتركني لوحدي لمدة أسبوع؟

أسبوع كامل؟”

“أوه… إذًا ستشتاقين لي؟”

قلتُ وأنا أرفع حاجبيّ، متظاهرًا بالدهشة.

أشاحت بنظرها ببطء،

لكن ابتسامة خفيفة على شفتيها خانتها:

“فقط لأني لا أريد أن يعمّ المكان بالصمت… لا أكثر.”

ضحكتُ بخفوت.

ثم نهضت من على السرير.

وقفت قرب الباب،

وقبل أن أخرج، قلت:

“لو تأخرتُ… فلا تقلقي.

سأعود حتى لو اضطررتُ أن أزحف من بين الموت نفسه.”

قالت:

“أفضل ألا تتأخر، كاتي.

و… لا تُصب من جديد.”

أومأت، ثم نظرت إليها طويلًا.

“عديني أنكِ لن تفتحي قلبك لشخص آخر خلال هذا الأسبوع.”

ابتسمت، وقالت ببرود تمثيلي:

“سأحاول.”

ضحكت.

ثم فتحت الباب، وخرجت بهدوء.

لكن قلبي بقي…

على وسادتها.

**

2025/05/14 · 20 مشاهدة · 1295 كلمة
m6
نادي الروايات - 2025