في ساحة التدريب التي يغمرها ضوء الصباح الناعم، خرج سامرو بهدوء من باب قصره، مرتديًا رداءً رماديًا خفيفًا، وكوب شاي بخارُه يتصاعد من يده.
جلس على العتبة الحجرية، وترك بصره يسرح في مشهد الطفلين أمامه.
رفع صوته دون أن ينظر إليهما:
“كاكاشي، تعال.”
اقترب الطفل بخطى متمهّلة، عاقدًا حاجبيه، وقال بنبرة ممتعضة:
“أنا؟ لماذا أنا؟ لِمَ لا تدربه أنت؟”
لم يردّ عليه سامرو، بل نظر إليه نظرة حادة جعلت كل تذمر يتبخر من على لسانه.
ثم قال، بصوت هادئ لكنه مشبع بالجدية:
“كاكاشي، درّبه.”
سكت الطفل، أحسّ بثقل الأمر، ثم تنفّس ببطء وأومأ:
“مفهوم، نيسان.”
•
ابتعد سامرو، جلس عند باب الصالة المفتوح، وضع كوب الشاي أمامه، وجلس القرفصاء، يراقب بصمت من مسافة… دون أن يتدخل.
بينما تقدّم كاكاشي نحو أوبيتو، وقف خلفه وبدأ بتعديل وضعه:
“لا، ذراعك مرتفعة جدًا… خذ هذه الوضعية، السيف يجب أن ينطلق من اللاشيء.
من لا يرى، لا يصد.”
أوبيتو حاول تقليد الوضعية، لكن توازنه كان فوضويًا.
ابتسم كاكاشي، لأول مرة في هذا الصباح، وقال بسخرية خفيفة:
“أنت بحاجة إلى أن تتوقف عن التفكير في السيف كعصا.
هو ظلّك… إن اختلّ، سقطت.”
في الداخل، رفع سامرو كوب الشاي بهدوء.
بدأ الإرث بالتسرّب.
⸻
جلس أوبيتو أمامي، وقد أنهكه التدريب الجسدي، لكنه كان يلهث بشيء آخر أيضًا…
الرغبة في القوة.
**
بسطت اللفافة أمامه.
نقش بسيط، دوائر صغيرة تتداخل كأنها رسم طفل، لكن خلف هذا الشكل… كانت تكمن البوابة.
قلت بهدوء:
“ما تراه أمامك يُدرّس في أول عام في الأكاديمية… تقنية من الرتبة D، اسمها: تشويش الإدراك البصري.”
رفع حاجبه وقال:
“تقنية بهذا الضعف؟”
نظرت إليه ببطء:
“نعم…
تقنية من الرتبة D…
لكنها حجر الأساس لتقنيتي القادمة، من الرتبة A.”
شهق بصوت خافت، وبدأت نبرته تتغيّر، كأنه فهم أن ما أمامه ليس مجرد تدريب عادي.
قلت وأنا أشير إلى الختم:
“هذه هي البذرة، أوبيتو.
لكن إن روّيتها كما أريد، ستنبت شيئًا لم يره أحد من قبل.”
**
أكملت وأنا أضع إصبعي على مركز الدائرة:
“هذا الأسلوب… ليس للعرض، وليس للاختبار.
بل سيكون أسلوبي الخاص، وربما لاحقًا… سيكون أسلوبك.”
اقتربت أكثر، وصوتي صار حادًا:
“حين أنتهي من تدريبك، ستستخدم هذه التقنية لإخفاء موتك إن أردت… أو لتُقنع جيشًا بأن قائده سقط… أو لتجعل خصمك يقاتل خيالًا حتى ينهار.”
**
صمت لثوانٍ، ثم قلت:
“لكن قبل أن تصل إلى هناك…
ستتعلم أول خيط من هذا النسيج.”
نهضت، واستدرت، تاركًا أوبيتو مع الختم واللفافة.
لكني قلت قبل أن أدخل:
“أوبيتو… أقوى النينجا هم من اخترعوا أسلوبهم.
وأنت… ستبدأ من هنا.”
**
جلس الطفل محدّقًا في النقوش، ثم تمتم:
“رتبة D… لكن تخفي شيئًا من الرتبة A؟
إذا أتقنت هذا…
لن أكون مجرد تابع.”
⸻
⸻
في ساحه قصر هاتاكي ، حيث الشمس قد بدأت تنكسر على حواف الأشجار، ونسمات الصباح تُداعب التراب المبلل بندى الليل.
سامرو يقف خلف الخط الأبيض، يداه في جيبيه، وعيناه تراقب.
“القتال بين كاكاشي وأوبيتو… يبدأ.”
**
[الثانية الأولى]
كاكاشي لم يتردد.
لم ينظر حتى إلى أوبيتو، بل أطلق ساقيه بهدوء تام نحو خصمه .
أوبيتو رفع سيفه الصغير بيد مرتجفة، ووضع الأخرى في وضعية دفاعية كما علمه سامرو، لكنه لم يكن مستعدًا للسرعة.
كاكاشي خفض جسده فجأة ، وانطلق كأن الهواء لا يعيقه.
أوبيتو بالكاد لمح حركته.
**
[الثانية الثانية]
ضربة أولى، جانبية من كاكاشي على سيف أوبيتو.
أوبيتو رفع سيفه متأخرًا، واندفع سلاحه من يده وسقط في التراب.
لكنه لم يُعط فرصة للدهشة.
**
[الثانية الثالثة]
كاكاشي أدار جسده نصف دورة ، وبركبة دقيقة، ضرب أوبيتو في صدره .
أوبيتو فقد توازنه، ترنح، لكن لم يسقط.
مد يده ليعيد سيفه، لكن…
**
[الثانية الرابعة]
كاكاشي كان قد دار خلفه، وقبل أن تكتمل حركة أوبيتو،
ساقه امتدت كالسهم، وصفعته في كتفه.
أوبيتو سقط على الأرض… متكورًا مثل صخرة صغيرة فقدت التوازن.
**
صمت الساحة.
لم يُسمع سوى لهاث أوبيتو ، والغبار الخفيف من أثر الضربات.
**
سامرو ما زال واقفًا في مكانه، لم يتحرك.
أشار بإصبعه:
“أربع ثوانٍ.”
رفع نظره نحو أوبيتو، ثم قال:
“أنت الآن تعرف الفرق.”
نهض أوبيتو وهو يلهث، خدّه مغطى بالتراب، لكن عينيه لم تهتزّا .
قال بتحدٍّ، رغم الألم:
“سأجعلها خمس في المرة القادمة.”
**
كاكاشي التفت إليه أخيرًا، وقال ببروده المعتاد:
“أنت ثقيل جدًا، أربع ثوانٍ كادت تُزعجني.”
**
ضحك سامرو، للمرة الأولى منذ بدأ القتال.
اقترب منهم، نظر إلى أوبيتو، وقال:
“أوبيتو… اسمعني جيدًا.
الخسارة في البداية لا تهم.
ما يهم، هو أن تجعل من كل ثانية… سلاحًا.”
مد يده وساعده على الوقوف.
“غدًا… القتال سيستمر.
لكنك لن تسقط في أربع.”
—
كانت الليلة ساكنة.
هدوء قرية كونوها في هذا الوقت من الليل له طابع مختلف…
لا صوت سوى حفيف الأشجار، وصرير الليل الخافت.
كنت قد استيقظت دون سبب.
ربما قلبي هو من أيقظني…
أو ربما عيناي اللتان ما عادتا ترتاحان طويلاً.
ارتديت عباءتي الخفيفة، وخرجت من قصر هاتاكي بهدوء.
الريح الباردة لامست عنقي، وكأنها تقول لي: “ما زال في القلب شيء ينتظر أن يُقال.”
•
خطوت ببطء في الممر الحجري المؤدي إلى ساحة التدريب.
وفجأة…
صوت سيوف.
قاطع الليل كوميض برق، لم يكن عاليًا لكنه حاد.
اقتربت أكثر…
كان هناك ضوء خافت ينعكس من حافة سيف صغير.
في قلب الساحة… كاكاشي واقف، لا يتحرك.
أمامه أوبيتو، متعرقًا، يتنفس بقوة.
**
سمعته يقول وهو يُعدّ نفسه:
“مرة أخرى…”
كاكاشي لم يُعلّق، فقط استعد.
•
ثم اندفع أوبيتو.
ليس كالسابق…
حركته صلبة، أسرع… لكنها ما زالت خام.
**
خلال أربع ثوانٍ…
سقط.
لكن هذه المرة لم يكن سقوط ضعف، بل سقوط إرادة.
**
ضرب قبضته بالأرض، ونهض على الفور:
“أربع ثوانٍ… مجددًا.”
تنفس بقوة، ثم صاح:
“ما هو خطئي؟! أخبرني، مرّة أخرى!”
كاكاشي، بصوته البارد المعتاد، قال ببساطة:
“قدماك متباعدتان، وكتفك مكشوف.
تكرر هذا للمرة الثالثة.”
أوبيتو صمت، ثم تموضع من جديد…
•
أما أنا، فقد وقفت خلف الأشجار…
لم أتكلم، لم أتحرك.
فقط…
ابتسمت.
ابتسامة صغيرة… لا تشبه تلك التي تظهر في النصر،
بل تشبه ابتسامة أب يرى خطوات ابنه الأولى…
•
همست لنفسي:
“هذا هو الطريق يا أوبيتو…
عندما تعيد نفس السقوط ألف مرة…
فقط لتنهض مرة واحدة بشكل مختلف.”
**
الريح مرت خلفي بهدوء،
وعدت أدراجي دون أن يشعروا أنني كنت هناك.
لكن قلبي كان يعرف…
وخطاي على الأرض، كانت أخف من أن تُسمع.
⸻