لم تكن خطواتي نحو الساحة عادية.

كل حجر مررت عليه حمل ذكرى… كل زاوية شاهدت فيها صراخًا وتعبًا وضحكًا.

منذ شهر فقط، كان هذا المكان يعج بصراخ “جيل المشاغبين”.

أما الآن… فقد بدا كقصر سماوي.

الزهور غطّت الجدران، الأقمشة البيضاء تمايلت في نسيم المساء، والموسيقى الهادئة نسجت لي طريقًا لا يؤدي إلا إلى مصيرٍ واحد.

رأيت وجوهًا كثيرة… عائلات، رفاق، من كانوا جزءًا من طفولتي…

ومن صاروا جزءًا من مستقبلي.

أول من اقترب كان داي ، والد جاي.

ابتسم لي بوجه مشرق كعادته، ثم انحنى قليلًا:

“شكراً لأنك حملت ابني كعبءٍ جديد على كتفيك.”

ضحكت، وقلت: “هو أكثر من مجرد عبء… هو بركان طاقة لا ينطفئ.”

ثم جاء شينكو ، والد كوريناي.

وقف أمامي، عينه على ابنته التي تتحدث مع رين في الطرف الآخر.

قال بصوت واثق:

“سمعت أنك أخذتها كتلميذة، هل هذا صحيح؟”

“هي تلميذتي الثانية.”

ابتسم وقال: “إذن هي في يدٍ أمينة.”

حنَيتُ رأسي احترامًا، وكرر الحركة… صمتٌ قصير، وفهم متبادل.

ثم… بدأ المكان يتبدّل في عينيّ.

كل تلك الفوضى التي اعتدت رؤيتها هنا… اختفت.

الباحة التي كانت تضجّ بالركض والسيوف والأصوات… صارت بساطًا ناعمًا للحلم.

ضحكت بخفة، وأنا أتخيل أوبيتو وجاي وهم يركضون هنا محاولين تعليق زينة العرس، بينما كاكاشي يشرح لكوريناي أن هذا لا يدخل في مهامه كنينجا.

ثم تقدّمتُ، وخطواتي تبطئ كلّما اقتربت.

رأيت تسونادي ، واقفة بجوار جيرايا .

هي تبتسم لي كما لم تبتسم من قبل.

وهو يرفع كوبًا صغيرًا، يغمز لي من بعيد.

أومأت لهما، وانحنيت برأسي قليلاً، وهما ردّا الإيماءة معًا.

وميناتو… أمسك ذراعي برفق، وقال بهدوء:

“هل أنت مستعد؟”

نظرت إليه، وابتسمت.

لكنه شعر بما خلف ابتسامتي.

ثم التفتُ… فشاهدت الهوكاجي جالسًا بهيبته، وإلى جانبه أوروتشيمارو ، لا تزال ملامحه بين السخرية والاهتمام.

ألقيت التحية بصمت، وتقدّمت.

وهناك… وقف أخي، نيسان، ساكامو .

لا… لم يكن أخي فقط.

كان أبي… معلمي… سندي في هذه الحياة.

عيناه كانتا أكثر من فخر.

كأن روحي انعكست فيهما.

قال بصوته العميق:

“لقد كبرت يا سامرو… أنا فخور بك.”

شعرت أن كل وزن حملته على كتفيّ منذ الطفولة… خف فجأة.

وبجانبه… ميو ، السيدة التي علّمتني كيف أكون ابنًا، حتى عندما لم يكن هناك أم.

انحنيت لهما… انحناءة طويلة.

وكانت تلك التحية أثقل من أي كلمات.

ثم…

وصلت إلى المنصة.

وقفت.

انتظرت.

وفجأة…

انفتح باب القاعة الجانبي.

وخرج منه… ملاك.

يارا.

شعرها القصير، المُبلّل بنور الشموع، انسدل على وجنتيها كأنه خُلق من نسيم الجبال.

عيناها الداكنتان… لم تكونا تحدقان بي، بل إلى داخلي.

كانت ترتدي الأبيض… لكن ليس الأبيض العادي.

كان بياضًا يخجل منه القمر نفسه.

وبجانبها… كوشينا ، تبتسم بعفوية وتهمس لها، لكنها لم ترد.

كانت خطوات يارا لا تُسمع… وكأن الزمان هو من كان يحملها نحوي.

وحين وصلت…

قالت بصوتٍ منخفض، لا يسمعه أحد سوانا:

“اشتقت إليك، كاتي.”

رددتُ همسًا:

“وأنا أيضاً…”

لم أكن أرى إلا وجهها.

وجه من ستشاركني قدري.

يارا.

لم تكن المراسم قد انتهت تمامًا، بل كانت تلك البداية فقط.

أما الآن… فقد بدأ العرض الحقيقي.

سُرادقات الطعام فُتحت، والألحان علت في المكان، وبدأ الجميع يتجمّع حول الطاولات.

الضوء الذهبي للمصابيح الورقية عكس على الزينة، وكأنها نجوم سقطت لترقص على وقع الاحتفال.

**

جاءني أولاً جاي ، وهو يرتدي بدلته الرسمية بطريقة غريبة، أكمامه مختلفة الطول، والحذاء الأيسر بدون رباط.

صرخ وهو يرفع قبضته نحو السماء:

“سينسي! أنا منافسك الأبدي في الحب أيضاً! انتظرني في الزفاف القادم!!”

ضحك الجميع، وأنا رددت عليه بنبرة هادئة:

“إذا تزوّجت الفتاة قبل أن تهرب منك، سنحتفل بك لأسبوع كامل يا جاي.”

كاد يسقط من الضحك، أو من الحماس… لم أعد أفرّق.

**

ثم جاءت رين ، خجولة بعض الشيء، ووراءها كاكاشي الذي كاد أن يختنق وهو يشرح لها بروتوكول التهاني.

قالت وهي تنظر إلى الأرض:

“أوه… مبارك لكما، سينسي… وسينسي-ساما… أعني، آنسة يارا.”

همست لها يارا بلطف:

“نحن الآن عائلة، ناديني يارا فقط.”

ابتسمت رين حتى كادت تختفي في شعرها.

أما كاكاشي ، فاكتفى بأن يمد يده إليّ بهدوء، لكن عينيه… كانتا تقولان كل شيء.

“أنا فخور بك، نيسان.”

قلت له وأنا أضغط على كفه: “وأنا أثق بك، كاكاشي.”

**

وبالطبع… لا يمكن أن يكتمل الزفاف دون أوبيتو .

دخل وهو يحمل صحنًا ضخمًا من الأرز، جلس أمامي على الطاولة وقال:

“أحتاج هذه السعرات لتأدية رقصة هوكاجي المستقبل.”

ضحكت يارا وهمست:

“هل هذه الرقصة خطر على الأمن الغذائي؟”

وأنا… لم أستطع كتم ضحكتي.

**

ثم جاءت تسونادي ، نظرتها تحمل شيئًا نادرًا:

حنان، فخر، وسكينة.

ربّتت على كتفي، ثم قالت:

“لقد كبرت يا سامرو… وما زلتَ أحمقًا، لكنني سعيدة من أجلك.”

وراءها كان جيرايا ، الذي لم يُفوت الفرصة:

“هل أخبرتك أنني كنت السبب في تعارفكما؟ أم أنني فقط اخترعت ذلك لتبرير دموعي؟”

ضحكت، ووضعت يدي على كتفه:

“أنت سبب كثير من المآسي… دعني أعتبرك سببًا لواحدة سعيدة على الأقل.”

**

ميناتو اقترب، نظر إليّ نظرة عميقة، ثم قال:

“صديقي، أرجو أن تتذكّر دائمًا… أنت لست وحدك، في أي لحظة.”

أجبته بنبرة مماثلة:

“وأنت أيضاً، ابن الرعد… سنقف معًا حتى النهاية.”

**

ثم رأيت الهوكاجي الثالث قادمًا، وعلى وجهه ملامح الأب الحكيم.

أخذ يدي، وربّت على ظهري، وهمس لي:

“لقد قمت بما عجز عنه كثيرون. حافظ على ما بنيته، وكن جديرًا به.”

أومأت برأسي، ثم انحنيت احترامًا.

**

وفي غمرة هذا الفرح… التفتُ، فرأيت ساكامو يقف بجوار ميو ، يبتسمان، ويداهما متشابكتان.

اقتربت منه، همست:

“هل أنت فخور، نيسان؟”

أجابني، وصوته أقرب للهمس:

“أنت كنت دائمًا ما يجعلني فخورًا… لكن اليوم، أصبحت أعتمد عليك.”

رددتُ، بابتسامة خفيفة:

“منذ اليوم، لن تكون وحدك.”

**

كل شيء كان كاملاً.

كل الضحكات، الذكريات، الوعود، المستقبل…

كل شيء.

حتى اللحظة… التي لم أعد أسمع فيها شيئًا.

**

توقّف الصوت.

توقّف الضوء.

توقّف الزمن.

عيني التي كانت على وجه يارا… لم تستطع أن تومض.

يدي التي كانت تُمسك بكأس الشاي… توقّفت في الهواء.

لم يكن هذا “صمتًا”.

بل كان موت اللحظة.

كنت أبتسم.

لا زلت أبتسم.

كوشينا كانت تضحك على شيء قاله أوبيتو، ميناتو يردّ عليها بمزحة هادئة، تسونادي تسكب لنفسها كأسًا من الساكي، بينما يارا…

يارا كانت تراقبني من الجانب الآخر للطاولة، تبتسم بهدوء وهي تعبث بشريط شعرها القصير.

كل شيء… كان طبيعيًا.

حتى اللحظة التي توقّف فيها كل شيء.

لا، ليس مجازًا.

الصوت اختفى.

الضوء انطفأ.

الهواء نفسه تجمّد في رئتي.

وفجأة… ظهر.

**

رجل ببدلة سوداء. أنيق… أكثر مما يحتمل هذا العالم.

شعره أسود كالعدم، وعيناه لا يمكن وصفهما… لا تحملان لونًا بل وزنًا .

كأن العالم كله سُحق داخلهما.

اقترب بهدوء… كأنه كان بيننا منذ البداية، كأنه ضيف تأخر فقط في الدخول.

ثم قال، بنبرة ساخرة، كأنه يبارك فعلاً:

“مبارك لك، سامرو.”

وقفتُ… أو حاولت.

لكنني لم أتحرّك.

لم أستطع أن أصرخ، أن أتكلم، حتى أن أومض.

همست روحي:

“من… أنت؟”

ضحك.

ضحكة… كانت أشبه بطعنة في القلب.

قال:

“أنسيتني؟ لم آتِ في مظهري الحقيقي، فقط لأني لا أريدك أن تتجمّد كما فعلت في المرة السابقة.”

تجمّد الدم في عروقي.

قطرات العرق تساقطت من جبيني، رغم أن الزمن كان متوقّفًا.

ثم همست… ببطء، وكأن الهواء ثقل لا يُحتمَل:

“نيمو… أوتسوتسوكي.”

ضحك من جديد.

“لم تنسَني.”

همست:

“كيف أنساك…”

**

اقترب، ببطء.

مدّ يده نحو وجهي… نحو عيني اليسرى.

لم أستطع أن أتحرّك.

لم أستطع حتى أن أرتجف.

**

قال:

“سامرو… لم تستخدم لعنتي.”

همست داخلي:

“ما… لعنتك؟”

ضحك، ثم أمسك وجهي.

صوته كان هادئًا، مميتًا:

“لعنتي الأولى… إيقاف الزمن. لعنتي الثانية… رؤية المستقبل.”

ثم التفت عني، كأنه يتحدث إلى الفراغ:

“آه، ترى فقط لجزء من الثانية… مؤسف. لن تبقى حيًا في الهجوم القادم.”

**

صرختُ داخلي:

“من… من سيهاجم؟!”

لكن فمي لم يتحرّك.

جسدي كان جثة ساكنة… مع قلبٍ حيّ.

**

قال نيمو وهو يدير ظهره إليّ:

“لا تقلق… المنجل سيوقفه ابني، جاشين. أما الخادم… مستوى ضعيف، سيكون مهمتك.”

**

كلمات لم أفهمها.

من هو المنجل؟

من هو جاشين؟

من هو الخادم؟

كم عددكم؟

من أنتم؟

ماذا تريدون؟

**

لكن صوته تبدّل فجأة.

اختفى المرح.

بقي الرعب.

**

نظر إليّ… وقال ببرود كأنما يُصدر حكمًا إلهيًا:

“سامرو… كل أجوبتك ستعرفها، عندما تصبح أهلاً للسؤال.”

اقترب.

لم أستطع الهرب.

لم أستطع التنفّس.

**

مدّ إصبعه إلى عيني اليمنى… العين الجديدة.

زرع فيها ضوءًا أخضر قاتمًا.

**

وشعرتُ…

بالألم.

**

لم يكن ألمًا جسديًا.

كان شيئًا آخر.

كأن آلاف السنين ضُغطت في لحظة.

كأن خلاياي تصرخ بصوتٍ لا يُسمع.

كأن روحي تتمزق… وتُعاد حياكتها.

**

ثم… اختفى.

**

سقطت.

تدحرجتُ إلى الأرض، أتنفّس كأنني كنت أغرق.

**

الهواء عاد.

الصوت عاد.

الضوء عاد.

كل شيء… عاد.

لكنني… لم أعد كما كنت.

**

كنت أنظر حولي…

الناس يضحكون.

العرس مستمر.

لم يشعر أحد بشيء.

لكنّ عيناي تبكيان.

ورأسي يصرخ:

“أي نوعٍ من الكائنات… أبرم معي عهدًا؟

هل أنا… دمية؟

هل كنت كذلك دومًا؟”

**

همست لنفسي، وأنا أضغط على صدري:

“أوه، يارا… ليتك ترين ما رأيت ،لن اخبرها مايحصل معي"

لكنني لم أُخبرها.

لن أُخبرها.

ليس بعد.

2025/05/15 · 24 مشاهدة · 1382 كلمة
m6
نادي الروايات - 2025