غرزتُ النصل بهدوء في صدر الجاسوس. لم يصرخ. الموت أحياناً يأتي صامتاً، كأنه صفقة متفق عليها بين القاتل والمقتول.
انسحب جسده بثقل على الأرض، والدم نزف مثل خط مستقيم كأنه يرسم نهاية قصته.
سحبت سيفي ونظرت لوجهه للحظة. لم يكن مختلفاً عن العشرات الذين سبقوه… نفس العيون المرتبكة، نفس النظرة الأخيرة التي تحاول أن تفهم لماذا انتهت الحياة هنا، الآن.
تنهدت ومسحت سيفي بقماش مبلل أعددته مسبقاً. لا أحب أن أترك الدماء على نصل الهاتاكي. ليس احتراماً للخصم، بل لأن الدم ذكرى… وأنا أحاول نسيان بعضها.
نظرتُ إلى يارا، التي كانت تمسح العرق عن جبينها.
“هي، يارا… اذهبي وسلمي التقرير إلى العجوز.”
رفعت حاجبيها، نظرتها تحمل ذاك المزيج المعتاد بين الاستفزاز والغضب.
“أيها الوغد! أتحسب أني أعمل لديك؟”
لم أتمالك نفسي، ضحكت. نفس الجملة، في كل مهمة، وكأنها تعاويذها الخاصة.
ميناتو تقدم نحونا بخطوات خفيفة. فيه تلك الخفة التي تجعل المرء يشك أحياناً إن كان يمشي أو يطير.
“اهدئي يا شباب. يارا، ربما لديه أمر مهم… سأذهب أنا معك.”
أومأت له. ميناتو يعرف. هو دائماً يعرف. لست أتهرب من التقرير فقط، بل من اللقاء الطويل مع الهوكاجي، من الجدل السياسي، من النظرات التي تزنك كأنك ورقة على ميزان.
لوّحت بيدي قائلاً بابتسامة ساخرة:
“وداعاً، بيبيز.”
يارا عبست بقوة، يدها قبضت على مقبض كونايتها، لكنها لم ترفعها.
“وماذا مع هذه الكلمات الغريبة التي يقولها؟ أقسم أني أريد أن أعرف بماذا يفكر هذا الغبي.”
تركتهم خلفي، ومضيت.
الليل كان هادئاً بشكل مزعج. كونوها تغفو على إيقاع نسمات خفيفة، لكني أعرف… في مثل هذه الليالي، يتسلل القدر ليكتب ما لا يريد أحد أن يُكتب.
حين اقتربت من قصر الهاتاكي، شعرت بثقل القتال يتساقط عن كتفي. مهما كان العالم قاسياً، هنا على الأقل يمكنني أن أتنفس.
الخدم عند البوابة انحنوا بصمت. لم أحتج للكلام. هم يعرفونني جيداً.
مشيتُ في الرواق الحجري الطويل. الجدران مزينة بلوحات الأجداد. وجوه صارمة، عيون تحمل ذلك البريق الذي يعرفه من خاض معارك الحياة والموت. كنت صغيراً حين أقسمت أن أكون واحداً منهم.
الآن… لا أعلم إن كان ذلك قسماً أم لعنة.
في نهاية الرواق، رأيت ساكامو. أخي. كان يستند إلى الجدار، درعه معلق على كتفه، شعره الفضي مبعثر كأنه خرج للتو من معركة أو من ذراع زوجته.
رفع نظره عندما رآني.
“عدتَ؟ سمعتُ أن المهمة استغرقت أكثر من اللازم.”
“الجواسيس… كالصراصير. يختبئون جيداً.” تقدمت وضربت كتفه بقبضتي. “وأنت؟ سمعتُ أن أحد الجونين الجدد كاد يكسر ضلوعك.”
ضحك، ضحكته تلك التي تشبه صوت الحديد عندما يُشحذ.
“لم أكن أقاتلهم، كنت فقط أعلمهم تشكيلات القتال. لكن، نعم… واحد منهم كان عنيداً بما يكفي ليذكرني بشبابي.”
ابتسمت: “شبابك؟ أنت ما زلتَ شاباً، يا عجوز.”
“العجوز هو من يتهرب من كتابة التقارير، يا سامورو.”
رفعت حاجبي: “مراقب جيد كما هو متوقع.”
في تلك اللحظة، دخلت ميو، زوجته. شعرها الأسود الطويل ينسدل على كتفيها، عيناها تحملان سكون المرأة التي تعرف جيداً ما يعني أن تحب مقاتلاً.
“هل تأكل معنا الليلة، سامورو؟”
“ليس هذه الليلة. أحتاج إلى التفكير.”
ساكامو عقد حاجبه قليلاً. “تفكير؟ أم خطة جديدة للتهرب من الاجتماعات الرسمية؟”
هززت رأسي. “ليلة واحدة فقط أريد أن أكون فيها مع نفسي.”
ميو اقتربت بخطوات ناعمة. وضعت يدها على كتفي. “لا تبالغ في التفكير، يا سامورو. لم تعد فتى يواجه العالم وحده.”
“ربما… لكن هناك معارك لا يستطيع أحد خوضها نيابة عنك.”
ساكامو تمتم: “كاجامي قال نفس الجملة ذات يوم.”
التزمتُ الصمت. اسم المعلم، رغم مرور السنين، ما زال ثقيلاً في الحلق.
توجهتُ إلى الجناح الخلفي من القصر.
فتحتُ باب المغارة الداخلية، البخار تسلل إليّ كما لو كان يستقبلني. الينبوع الساخن، المكان الذي لم يكن مجرد حمام بل مكان مواجهة النفس.
خلعت درعي ببطء. وضعت السيف جانباً بعناية كما لو كنت أضع طفلاً نائماً. سحبت القفازات عن يدي، وخلعت قميصي الداكن. الجروح القديمة رسمت قصصاً على جسدي، بعضها نسيتها وبعضها ينبض كأنها وُجدت بالأمس.
خطوت داخل الماء. حرارته تسللت إلى عضلاتي المرهقة. أغمضت عيني. لأول مرة منذ أيام شعرت أنني لست مضطراً لأن أراقب ظهري.
لكن راحة الماء لم تطفئ نار الأفكار.
المستقبل. ليس المستقبل الذي يتخيله الجونين الآخرون، ولا حتى الهوكاجي. مستقبل رأيته بوضوح مخيف. الحرب الثالثة. موت ساكامو. موت ميناتو. مذابح، تحالفات، أكاذيب. ثم حرب مادارا وأوبيتو. ثم حرب الأوتسوتسوكي. كاواكي. بوروتو. والنهاية… تلك النهاية المجهولة.
قبضت يدي تحت الماء حتى شعرت أن العظام تكاد تتحطم.
“لا. هذا المستقبل… لن يحدث. يجب أن أصبح الأقوى.”
في داخلي، غمرني يقين صامت. لم يكن طموحاً أو رغبة في التفوق… بل ضرورة. إن لم أصبح الأقوى، سيموت الجميع.
في تلك اللحظة، ترددت في ذهني كلمات لم يمحها الزمن، صوت معلمي كاجامي، الهادئ والحاسم:
“ليست الكثرة في التقنيات تجعلك الأقوى… بل أهميتها وكيفية استخدامها.”
ابتسمتُ بمرارة. “سينسي… حتى الآن ترشد تلميذك الفاشل.”
أنا الآن متقن لأربعة مجالات:
سيافة الهاتاكي.
أسلوب الوميض.
التحكم بالتشاكرا.
عنصر البرق.
لكن هذا لا يكفي.
لو أردتُ أن أكسر حلقات القدر وأغير النهاية، عليّ أن أعيد تعريف معنى القوة.
أحتاج لتطوير خمسة مجالات رئيسية.
سيافة الوهم. سأدمج فن السيف مع الجينجتسو، بحيث تصبح كل ضربة ليست مجرد هجوم جسدي، بل وهم. سأجعل الخصم يرى مسارات هجومي بشكل خاطئ، يضرب الهواء بينما تنغرس ضربتي الحقيقية في جسده.
التمويه ليس خدعة… إنه فن القتل الصامت.
ثم البرق الأرجواني. معظم الشينوبي يعتمدون على صيغ بدائية للبرق، يوجهونه كسلاح خام. البعض قد يفكر بتركيز البرق في نقطة واحدة لزيادة الاختراق، لكني أعلم أن تلك التقنيات مثل الشيدوري والرايكيري، رغم قوتها، غير مناسبة لي.
لا أمتلك الشارينغان، وتلك التقنيات تتطلب قدرة على قراءة تحركات الخصم بسرعة لا يستطيعها إلا من يملك العيون التي ترى الحقيقة.
لذلك، البرق الأرجواني ليس بديلاً… بل أسلوب جديد بالكامل. تيار كهربائي نقي، صامت، يضرب الأعصاب والقلب بدقة، يمكن توجيهه بدقة كافية لشطر الحواجز وتمزيق الدفاعات. لكنه يتطلب ترويضاً خاصاً.
ثم تقنية صاعقة الملك — رايريو أوغا. بدلاً من التركيز على السرعة فقط، سأبتكر صاعقة برق هائلة قادرة على شطر التحصينات وتدمير استدعاءات البيجو لو لزم الأمر.
ثم تقنية الانتقال الآني. سأتعلم أساسياتها من زميلي ميناتو، الذي بدأ حديثاً بتجربة المرحلة الأولى من الهيرايتشين. لاحظت كيف يرسم الأختام الصغيرة ويجرب التنقل لمسافات قصيرة. سأراقب، أتعلم، وأطوّر أسلوبي الخاص.
وأخيراً، تقنيات الأختام. سأتعلم الأختام الهجومية والدفاعية، وسأخترع أختاماً خاصة بي، حتى لو اضطررت لدمج تشاكرا البرق بالأختام لصنع مفاجآت لم يرها هذا العالم.
فتحتُ عيني وسط البخار.
إن أردتُ تغيير المستقبل، فلا بد أن أتجاوز كل من سبقني. ساكامو، ميناتو، يارا… الجميع يعتمد عليّ، حتى لو لم يعترفوا بذلك.
ضحكتُ بخفة. “سينسي… المعركة بدأت. تلميذك الفاشل سيصبح قاتل القدر.”
خرجتُ من الينبوع. ارتديتُ درعي وسيفي. في الغد ستشتعل الحرب. لكن الليلة… أنا فقط سامورو، ظل كونوها القادم.