8 - التدريب قبل الحرب

مرَّ شهر منذ المهمة الأخيرة، ومنذ أن أزهقت آخر نفسٍ لجاسوس في أرض النار. شهر كامل قضيته بين صمت الغابة وهمسات السيف، أحاول إتقان التقنية التي طاردتني في أحلامي ويقظتي على حد سواء.

سيافة الوهم… فكرة ولدت من سنوات. لم تكن مجرد دمج بين الجينجتسو والسيافة، بل حلم، فلسفة، طريقة لإنهاء القتال في لحظة واحدة… دون استنزاف، دون إراقة دماء غير ضرورية.

لكن، رغم التدريبات المكثفة، رغم الدماء التي سالت في ساعات الفشل، كنت دائماً أصل إلى جدار لا يمكن تجاوزه. الوهم يظهر قبل الضربة، يكشف نفسه قبل أن يقع الخصم فيه. تقنية عظيمة… لكنها ناقصة.

ميناتو هو من قدّم لي المفتاح الذي جعلني أواصل. لم يكن معلمي، لكن… أحياناً، الصديق يفعل ما لا يستطيع أن يفعله أي معلم.

في صباح ذلك اليوم، كنا نقف في الغابة الشرقية، حيث تلاشت أوراق الشجر تحت أقدامنا وبدا المكان ساكناً، كأنه بانتظار شيء مهم سيحدث.

كنت أضبط سيفي، تشاكرا الوهم تنساب على طول النصل. لم تكن مستقرة. كنت أشعر بتذبذبها تحت أصابعي، كما لو كانت ترفض الانصياع.

ميناتو كان على بعد خطوات، جالساً على صخرة عريضة يرسم أختاماً معقدة على لفافة طويلة. عرق يتصبب من جبينه رغم برودة الصباح.

قال دون أن ينظر إليّ: “الوهم يظهر مبكراً جداً.”

زفرت. “أعرف.”

نهض، مسح يديه وتقدم. عيناه الزرقاوان كانتا صافيتين كما هي عادته، لكن خلفهما ذكاء لا يمكن تجاهله.

“متى تُطلق التشاكرا؟”

“قبل الضربة بثانيتين تقريباً.”

“ثانيتان؟!” رفع حاجبه. “هذا عمر كامل في القتال.”

أخفضت نظري. “إذا انتظرتُ حتى اللحظة الأخيرة، يتأخر تفعيل الوهم ولا يكتمل.”

ابتسم ميناتو، تلك الابتسامة الماكرة التي عادةً ما تعني أن لديه فكرة. “أتعلم… ما مشكلتك؟”

“نوّرني.”

“أنت تعامِل التشاكرا كالسيف. تريد إطلاقها قبل الهجوم كي تعطيها وقتاً للعمل.”

“وهل هذا خطأ؟”

“في حالتك؟ نعم.”

جلس القرفصاء ورسم خطين متقاطعين على التراب. “أنظر، أنا أتعلم الآن تقنية الانتقال الآني. كل شيء يعتمد على اللحظة المثالية. التأخير يعني الموت. الاستعجال يعني الفشل.”

“تابعتُ محاولاتك.” ابتسمت. “وكنتُ أظن أنك تبالغ في تقدير صعوبة التقنية.”

“اسمع.” أشار إلى الخطين. “أنت تحتاج لأن تجعل وهمك ينفجر في نفس لحظة الضربة، لا قبلها ولا بعدها. لا تحذر العدو. لا تمنحه فرصة حتى للشك.”

تأملتُ كلامه. كانت فكرة بسيطة، لكنها غيّرت كل شيء.

“لحظة الضربة…” تمتمت.

ميناتو وقف مجدداً، نظر إلي بعين الجد: “المقاتلون العظماء لا يطيلون القتال، سامورو. ضربة واحدة. لحظة واحدة. هذا كل ما تحتاجه.”

أومأت. “لقد منحتني الإجابة التي أبحث عنها.”

“طبعاً.” ابتسم، “أنا عبقري، ألم أقل لك ذلك منذ كنا أطفالاً؟”

“بل قلتَ ذلك بعد أن جعلتكِ يارا تتدرب حتى أغمي عليك.”

ضحك. “ذكريات أليمة.”

استعددتُ للتجربة الجديدة. أوقفت تدفق التشاكرا على السيف. هذه المرة، لن أطلق شيئاً قبل الضربة. سأترك التشاكرا كامنة، كالصقر الذي ينتظر اللحظة المثالية للانقضاض.

ميناتو وقف على بعد خطوات، ذراعيه متقاطعتان. “أنا أراقب.”

أومأت.

تقدمت نحو الهدف الخشبي. كل خطوة كانت محسوبة، هادئة. ركزتُ على تنفسي، على تشاكراي التي جمعتها بهدوء في السيف.

“لحظة واحدة.” همست لنفسي. “لحظة واحدة فقط.”

اندفعت. السيف تحرك كوميض برق. وفي نفس اللحظة التي لامس فيها النصل الهدف، أطلقتُ التشاكرا. الوهم انفجر داخل دماغ الخصم المفترض في جزء من الثانية. لم يكن لديه فرصة للرؤية أو التصدي.

الهدف الخشبي انقسم إلى نصفين.

ميناتو صفق بخفة. “نجحت.”

ابتسمتُ. شعرتُ بأن عائق السنوات قد انهار أخيراً.

ميناتو اقترب، عاين آثار الضربة بعناية. “التقنية الآن لا تخلق وهماً فقط، بل تجعل الضحية يتصرف كما تريد أنت، حتى لو لثانية واحدة.”

“هذه هي الفكرة. أريد أن أجعل الخصم يرى العالم كما أراه، لا كما هو.”

“فلسفة خطيرة.” ابتسم. “لكنها مناسبة لرجل الظلال.”

ضحكتُ. “ظلال كونوها، كما يسميك الهوكاجي.”

“وأنت كذلك.”

ميناتو جلس على الصخرة مجدداً، أخرج لفافة صغيرة وعاد يرسم أختام الهيرايتشين. راقبته للحظة ثم قلت:

“بالمناسبة… وجدتُ تقنية جديدة ليارا.”

رفع نظره، ابتسامته تحمل شيئاً من المكر هذه المرة. “حقاً؟ أم تحاول فقط إيجاد أعذار لقضاء وقت إضافي معها؟”

شعرتُ بأن فخاً نُصب للتو. “إنها تقنية قتالية. أريدها أن تكون قادرة على حماية نفسها.”

ابتسم ميناتو، ثم قال بنبرة متعمدة للاستفزاز:

“أوه… إذن التقنية هذه… أهي فقط لحمايتها؟ أم لكي تحميك فتاتك؟”

عبستُ. “ميناتو…”

“ماذا؟ مجرد سؤال بسيط.” ثم ضحك وأضاف: “تعلم، أظن أن التقنية مجرد عذر. الحقيقية أنك تريدها أن تكون قادرة على حماية محبوبتك.”

حاولت الحفاظ على وجهي جامداً، لكنني شعرت بحرارة تصعد إلى خدي.

ميناتو اقترب أكثر، وبتلك النبرة التي يستخدمها فقط حين يحاول استفزازي قال:

“لماذا هذا الصمت؟ أنت الذي تريد ان تعلمها، أم نسيت؟”

ابتسمتُ، ثم تمتمتُ بصوت منخفض، مستعيداً فجأة تصرفات شاب صغير في ذاكرة بعيدة…

“ما شابه أباه فما ظلم.”

ميناتو نظر إليّ مستغرباً، وجهه يحمل ابتسامة بريئة. “ماذا قلت؟”

رفعتُ رأسي، النظرة في عيني أصبحت ماكرة مثل نظرته، وأطلقتُ الهجوم المضاد:

“وتقنيات ختم الأوزوماكي… تعلمتها من أين يا عبقري؟”

تجمدت الابتسامة على وجهه لثانية، ثم حاول أن يخفي توتره بحك رأسه. “آه… هذا مجرد تدريب خاص. لا شيء مهم.”

“مجرد تدريب؟” قلت بسخرية.

ثم، لم أتمالك نفسي. ركعتُ على الأرض من كثرة الضحك. ضحكي لم يكن فقط لأنني أمسكت به، بل لأن ملامحه الآن تذكرني بشخص آخر… ناروتو. نفس التصرف، نفس الإحراج، نفس محاولة التهرب المكشوفة.

“إذا كنت تريد أن تهاجم، فعليك أن تهتم بالهجوم المرتد.” قلت وسط ضحكي.

لم تمر ثانية حتى سمعنا خطوات سريعة تقترب.

“ما هذا الضجيج؟!” صوت مألوف ناداني.

استدرت فرأيت يارا تقترب بخطوات سريعة، تليها كوشينا التي كانت تمسك بخصرها، نظراتها مليئة بالفضول والقلق.

يارا وضعت يدها على خاصرتها ونظرت إليَّ بعبوس واضح. “سامورو، لماذا أنت على الأرض تضحك كالطفل؟”

كوشينا رفعت حاجبها وهي تنظر إلى ميناتو الذي كان يحك رأسه ويبتسم بارتباك. “ما الذي يحدث هنا؟”

تنفست بصعوبة، حاولت أن أتماسك. “لا شيء… مجرد حديث بسيط عن التدريب.”

كوشينا لم تقتنع. “حديث بسيط يجعلك تركع وتضحك بهذه الطريقة؟”

رفعت رأسي، وابتسامة واسعة ارتسمت على وجهي. نظرت إلى كوشينا مباشرة وقلت بمكر:

“أنتِ المضحكة.”

لم تمر ثانية حتى شعرت بيد قوية ترتطم بخدي. لم تكن صفعة، بل لكمة سريعة دقيقة. الهواء خرج من رئتي وأنا أحدق فيها بدهشة.

يارا وضعت يدها على فمها، تحاول كتم ضحكتها.

ميناتو حك رأسه بتوتر، يحاول أن يتصرف وكأنه لم يرَ شيئاً.

بعد دقيقتين، وبينما كنت أفرك خدي، التفتُّ إلى ميناتو.

ابتسمتُ بخفة، ثم همست له بنبرة ساخرة:

“ميناتو، يبدو أنك لن تصبح رجل البيت أبداً.”

انفجر ميناتو بالضحك أخيراً، وكوشينا عبست لكنها لم تستطع منع نفسها من الابتسام.

حتى يارا لم تتمالك نفسها، وشاركتهم الضحك.

في تلك اللحظة، وسط ضحكنا، شعرت أن العالم رغم كل ظلاله ما زال يحمل لحظات من النور… نور الأصدقاء والعائلة.

2025/05/08 · 74 مشاهدة · 1019 كلمة
m6
نادي الروايات - 2025