طاب صباح كونوها.

كان الضوء الخافت يتسلّل من خلف الستائر الثقيلة، يتلاشى تدريجيًا على أرضية الصالة الواسعة.

كنت وحيدًا.

استيقظت دون حلمٍ، دون ذكرى، دون صوت.

فقط… الصمت، يتسلّقني كحبلٍ من رماد.

نهضت ببطء. قدماي لا تزالان ثقيلتين. خطواتي تُحدث صدىً لا يسمعه أحد.

وصلت إلى الصالة.

وهناك… كان بانتظاري.

ميناتو.

يجلس على الكنبة، ظهره مائل للأمام، ويداه متشابكتان بين ركبتيه، ينظر إلى الأرض كأنها تحمل ما فُقد.

كان يحمل شيئًا لا يظهر على وجهه دائمًا… الحزن.

نظرت إليه بصمت.

رفع بصره نحوي، وقال:

“هل كلهم… بهكذا قوة؟ هل سيعودون؟”

لم أجب.

اقتربتُ، وجلست بجانبه. أشعلت الموقد، وتركت الماء يغلي.

ثم قلت، بنبرة خافتة:

“اجلس جيدًا، يا صديقي… سأحدثك عن كل شيء.”

أخبرته عن العرس.

عن نيمو.

عن الطريقة التي ظهر بها… كأنه ظلّي الذي لم يولد معي.

أخبرته عن اللعنة.

عن الرينغان التي اختزنتها في ختم محكم، عن عينه… عيني التي زرع فيها الضوء الأخضر، عن الرؤية التي لا تفارقني.

ثم سألني ميناتو بصوت خفيض:

“عين الرينغان التي انتزعتها… معك الآن؟”

هززت رأسي بالإيجاب.

“ومن ستعطيها؟”

“لا أحد الآن. لا أحد يستحملها. حتى أنا… بالكاد أقاوم تأثيرها.”

ساد الصمت.

“ماذا سنفعل الآن؟” سأل.

أغمضتُ عيني، ثم قلت:

“لا يمكننا أن نبقى هكذا. لا يمكننا الانتظار حتى يسقط شيء آخر.”

صوت خطوات خفيفة قاطع أفكاري.

يارا.

دخلت علينا بهدوء، شعرها القصير يتمايل بخفة، والسكينة في عينيها رغم الألم الذي نحمله جميعًا.

“صباح الخير، ميناتو. صباح الخير، كاتي.”

ابتسمتُ… أول ابتسامة حقيقية منذ أسبوعين.

اقتربت مني، وضمّتني من الخلف، وضعت جبينها فوق رأسي… كما كانت تفعل في أصعب لحظاتي.

“ميناتو، شاي؟” سألت.

“نعم، من فضلك.” قال بابتسامة باهتة.

نظرت إليه مجددًا وقلت:

“ميناتو… أنت ستصبح الهوكاجي الرابع.”

تجمّد للحظة، ثم قال:

“وأنت؟”

أجبته بهدوء:

“سأكون سيفك، وظلك إن لزم الأمر… أنت من يحتاج العالم أن يراه الآن.”

رد بصوتٍ مرتجف:

“لكن… الناس ينظرون إليكم أنتم، يارا وسامرو… أبطال الحرب. أما أنت… فأنت قاتل الإله.”

ابتسمت، لكنها لم تكن ابتسامة سخرية… بل يقين:

“ليظنّوا ما يشاؤون… لكن من سيحمل عبء القرارات ليس من قاتل الآلهة، بل من يستطيع منعهم من العودة.”

أخفض عينيه، تمتم:

“إذن… سندخل مرحلة جديدة.”

نظرت إلى يارا، كانت تُحضّر الشاي بهدوء.

ثم إلى ميناتو، وقد بدا لأول مرة… كبيرًا بما يكفي ليرى عبء الهوكاجي، لا مجرد حلمه.

في صمت اللحظة تلك، عرفت أننا خرجنا من الحرب…

لكننا دخلنا شيئًا أعمق:

زمن الظلال، زمن الحقيقة، وزمن البداية الجديدة

ثلاث سنوات…

ثلاث سنوات مرت، كأنها عمر كامل.

جلستُ فوق رأس تمثال ميناتو، الهوكاجي الرابع.

لا، ليس ميناتو صديقي… بل ميناتو الهوكاجي.

الفتى الذي عرفته أصبح رجلاً قبل أوانه.

كما كنا جميعًا.

تأملت كونوها من الأعلى.

القرية… كانت هناك.

نفس الشوارع، نفس السُطوح، نفس الألوان…

لكنها لم تكن نفسها.

أعيد بناؤها فوق رفات الموتى.

كل حجر في سورها يحمل اسمًا لم يُذكر.

كل طريقٍ فيها… دُفع ثمنه بدم.

ابتسمت.

ابتسامة ساخرة، باهتة… كأنني أضحك على نفسي.

هل نجونا؟ أم فقط تظاهرنا بالنجاة؟

ندبة موت ساكامو… لم تندمل.

ولا ميو… صوتها ما زال يتردد في داخلي.

لكني الآن…

أنا الشخص الوحيد في حياة كاكاشي وأوبيتو.

أنا الأب، أنا المعلم، أنا الجدار الذي لا يجب أن يسقط.

لم يكن الضعف خيارًا… ولا التراجع طريقًا.

أغمضت عيني لحظة.

حين فتحتها… كنت في فناء بيت هاتاكي.

**

الصباح خفيف… والهواء دافئ.

في الساحة، ثلاثة أجساد صغيرة تتحرك.

أوبيتو، كاكاشي، كوريناي.

أطفال… نعم، لكن ليسوا كما كانوا.

ذوّاق الحرب يترك في النفس طعمًا لا يزول.

وقد ذاقوه.

الآن يعرفون معنى أن تكون قويًا، لا لتنتصر… بل لتحمي من تُحب.

راقبتهم بصمت.

رأيت كيف يتحرك أوبيتو بسيف الظل بثقة نادرة.

وكيف تتبع كوريناي خطواته، لكن بأسلوب خاص بها… أكثر رهافة، أكثر دهاء.

ثم كاكاشي…

كانت ضرباته بالبرق الأرجواني تحمل طابعًا جديدًا، كأن الشك انزاح، والحسم حلّ مكانه.

ابتسمت، لكن هذه المرة… ابتسامة حقيقية.

“لا زلتم أطفالًا… ومع هذا، يبدو أنني أستمد قوتي منكم.”

كل منهم أتقن التقنية التي علمته إياها قبل سنة.

ثلاثة أعمار صغيرة… بعمر التاسعة فقط.

لكنهم تخرجوا من الأكاديمية مُبكرًا.

فالضغوط الخارجية تتصاعد…

الحرب على الأبواب، والقرى الأخرى تتحرك.

والسلام… صار نكتة لا يضحك عليها أحد.

**

رفعت رأسي نحو السماء، تنفّست بعمق.

هذه لحظة سكون…

لكنني أعلم أنها ستنتهي.

ولن يبقى فيها إلا من يعرف كيف يقف… حين ينهار كل شيء.

كنت لا أزال أراقبهم يتدرّبون…

حين شعرت بذراعين تلتفان حولي من الخلف، وصوتها يأتي ناعمًا، مائلًا للسخرية:

“كأني ما زلتُ أراك تجلس فوق رأس ميناتو، سامورو…”

“هل جعلته هوكاجي فقط لتجلس فوق رأس تمثاله؟”

ابتسمت دون أن ألتفت، لكن قبل أن أرد، سمعت صوت الهيراشين يُفعل.

**

ثانية واحدة فقط…

وإذ بها أمامي، واقفة فوق رأس التمثال، كأنها كانت هنا قبلي.

نظرت إليّ بعينيها الضيقتين، ثم جلست في حجري بلا تردد، وأرخت رأسها على كتفي، وكأن هذا مكانها الطبيعي.

“هل المنظر جميل؟”

سألتها بصوتٍ هادئ.

أجابت، وعيناها ما زالتا عليّ:

“جميل.”

لكنها لم تكن تنظر إلى القرية.

بل… إليّ.

ضحكت بخفة، وقلت:

“أظنك أجمل من أي منظر هنا.”

هزّت رأسها، تمثّلت الجدية، ثم قالت:

“ليس لديك أي إبداع. هذه جملتي… حرفيًا.”

ابتسمت، ثم تماديت:

“أعرف، لكن أنا أقولها بوسامة أكثر.”

رفعت حاجبها، نظرت إليّ بنظرة مصطنعة من الاستهزاء:

“وسامة؟ وأنت من قعد يغمى عليه من حقنة في الكتف قبل شهر؟”

ضحكت:

“كانت إبرة كبيرة!”

“كانت لعلاج الحلق، أيها النينجا الفذ.”

**

ضحكنا معًا، بصوت خافت حتى لا يسمعنا من في الأسفل.

وفي لحظة نادرة… شعرت أن العالم كله توقف ليرانا نضحك.

يارا… كانت دائمًا أقوى من أن تُقال لها “أحبك”.

لكن جلوسها هنا… كان كافيًا ليشعرني أنني لم أعد وحدي.

**

نظرتُ إليها، وقلت:

“إن سقطنا من هذا العلو، أتعلمين ما سيحدث؟”

قالت بثقة:

“سأسحبك بالهيراشين ونحن في الهواء… وسأتركك تسقط وحدك.”

ضحكتُ، ثم ضممتها أكثر:

“هذا سبب كافٍ لأن أبقى متمسكًا بك إلى الأبد.”

**

الريح مرّت بلطف فوقنا.

والشمس بدأت تميل قليلاً نحو المغيب.

أما في الأسفل… فقد توقف الأطفال الثلاثة عن التدريب، وبدأوا ينظرون نحونا.

لكننا لم نكن نهتم.

اليوم… كان لنا.

2025/05/15 · 25 مشاهدة · 940 كلمة
m6
نادي الروايات - 2025