نهض سامرو من السرير ببطء، عينيه المتعبة بالكاد تلتقط الضوء المتسلل عبر ستارة الشرفة. الفراغ بجانبه كان باردًا… خالٍ.
مدّ يده تلقائيًا… لكنها لم تلامس شيئًا.
حدّق في الوسادة الفارغة، ثم زفر بصمت.
“يارا…” همس باسمها، ونهض.
خرج بخطى هادئة من الغرفة، تجاوز الممر المظلم حتى لمح ضوءًا خافتًا في الصالة. اقترب أكثر، خطواته تبطؤ حين سمع صوتًا ناعمًا… ضحكة طفل.
توقف عند باب الصالة.
كانت يارا جالسة على الأرض، وشعرها الأسود القصير، الذي بالكاد تجاوز أذنيها، يتمايل مع كل حركة خفيفة. بجانبها، جلس طفل صغير، لم يتجاوز الخامسة من عمره، بشعر أسود كثيف، وقميص رمادي يحمل شعار عشيرة الأوتشيها.
تجمّد سامرو في مكانه، عينيه تتعلقان بالصغير. ملامحه… لم تكن غريبة.
تقدّم بهدوء، جلس على الحافة المقابلة، ناظرًا إلى الطفل دون أن يقطع الصمت.
“يارا…” قال أخيرًا، “من هو هذا الطفل؟”
نظرت إليه يارا بابتسامة دافئة، وضعت يدها على شعر الصغير وقالت:
“اسمه شيسوي. أوتشيها شيسوي.”
شهق سامرو بصمت. الاسم… الشبه… العيون، كل شيء فيه صرخ باسم شخص لم ينسه.
“هل هو…” تردد، ثم سأل بنبرة منخفضة، كمن يخاف من الجواب:
“هل هو حفيد كاجامي سينسي؟”
نظرت إليه يارا فجأة، وقد توسعت عيناها بدهشة.
“…كيف عرفت؟”
⸻
“…كيف عرفت؟”
لم يجبها على الفور. نظر مرة أخرى إلى الطفل، إلى عينيه اللامعتين، إلى الطريقة التي كان يحدّق بها نحو يارا بثقة طفولية…
نفس النظرة… ذات البراءة المختلطة بالحكمة، التي اعتاد رؤيتها في عيني كاجامي.
قال بصوت منخفض:
“إنه يشبهه… في كل شيء. حتى طريقة جلوسه.”
أومأت يارا برأسها ببطء، ثم ربّتت على رأس الطفل دون أن تتكلم.
تمتم سامرو وقد بدأ صوت عتابه يعلو:
“لماذا لم تخبريني عنه من قبل؟”
رفعت يارا نظرها نحوه، وقالت ببساطة هادئة:
“ولِمَ أخبرك؟”
تراجع خطوة، عقد حاجبيه وقال بنبرة مشوشة:
“ماذا تعنين؟”
أجابت بنبرة ثابتة:
“إنه قريب لي، وهو يتيم… فقد والديه في الحرب الأخيرة.”
ثم أضافت وهي تنظر إلى الطفل بحنان:
“وقد تبنيته.”
حدّق بها سامرو وكأن الكلمات علقت في حلقه، شهق بصوت خافت وقال:
“متى… متى قرّرتِ ذلك؟ هل كان لي رأي في هذا الأمر؟”
رمقته يارا بنظرة مستقيمة، وقالت دون تردد:
“منذ أن رأيته، قرّرت. لا، لم يكن لك قرار… عليك أن تتكيف مع الأمر.”
ثم ابتسمت بهدوء، وكأنها أنهت الحوار، وأكملت اللعب مع الطفل، ترسم له على الأرض بأطراف أصابعها شجره عائلتنا ، فيما كان يبتسم بانسجام.
في تلك اللحظة، انفتح باب الصالة، ودخل أوبيتو وهو يحمل كيساً صغيراً من الحلوى. وما إن وقعت عيناه على الطفل حتى تهلّلت ملامحه وقال بمرح:
“شيسوي! كيف حال الأكاديمية؟ لم أرَك منذ زمن!”
تجمّد سامرو في مكانه، ملامحه مليئة بالدهشة.
“…هاه؟”
تلفّت إليه وسأله بصوت متعجب:
“أوبيتو… هل تعرفه؟”
أجابه أوبيتو ببساطة، وهو يرفع كتفيه كأنما يصرّح بأمر بديهي:
“نعم، أزور اليتامى في حي الأوتشيها باستمرار… أراه هناك دائمًا.”
ظل سامرو يحدّق في الجميع، وكأن الحقيقة قد اجتمعت حوله دون أن يُستشار.
وبعد لحظات، انفتح الباب مجددًا، ودخل كاكاشي بهدوء، يحمل كتابًا صغيرًا في يده. ألقى نظرة عابرة على الطفل، ثم تابع سيره متجاهلًا ما يجري، وجلس بالقرب من الباب دون أن يتفوّه بكلمة.
نظر إليه سامرو بجمود، وتمتم ساخرًا:
“بالطبع… أنت الوحيد الذي لن يستغرب شيئًا.”
⸻
“يارا… أريد التحدث معك.”
قالتها عيناي قبل لساني. كان هناك شيء بحاجة للخروج… بصوت مسموع، لا مجرد نظرات.
نظرت إليّ بهدوء، ثم التفتت إلى شيسوي وربّتت على رأسه قائلة:
“انتظرني هنا، حسناً؟ لن أتأخر.”
ابتسم الطفل الصغير وأومأ برأسه، بينما كانت نظراته تتنقّل بيني وبينها بفضول بريء.
نهضت من مكانها، وسارت نحوي بخفة معتادة، ومضينا معًا نحو إحدى الغرف الجانبية.
أغلقت الباب خلفنا، ووقفت مقابلي بصمت، وكأنها تنتظر ما سأقوله… أو ما لن أقوله.
لكنها سبقتني، كعادتها.
“هل لديك اعتراض على قراري؟”
قالتها بنبرة هادئة، دون تحدٍّ… لكن دون اعتذار.
نظرت إليها بتمعّن، ثم هززت رأسي ببطء:
“لا… ليس لدي اعتراض. حفيد كاجامي سينسي… هو بمثابة أخي.”
كأن شيئًا برق في عينيها حين نطقت تلك الكلمات، لكنها لم تبتسم. تقدّمت خطوة وقالت:
“لا، سامرو… سيكون بمثابة ابنك.
ستربيه كما رباك ساكامو.”
شعرت بشيء يشبه الحريق في صدري.
ساكامو… ذكراه لم تتلاشَ، بل ازدادت حضورًا في اللحظة التي قيل فيها اسمه.
أخفضت رأسي للحظة.
ألمٌ قديم عاد يطرق على أبواب القلب، بلا إذن.
ثم قلت، محاولًا كسر الصمت:
“على كل حال… هذا ليس سبب ندائي.”
رفعت نظرها إليّ بصمت، فأكملت:
“سؤال أخير فقط… هل تخططين لتبنّي طفل آخر؟ أم أن شيسوي سيكون الأخير؟”
ما إن أنهيت الجملة حتى رأيت زاوية شفتيها ترتفع بخفة.
قالت مبتسمة:
“كاتي… ألا تعلم؟ شيسوي صغير، وليس له أخ أصغر منه.
وفوجاكو وميكوتو لديهما طفل صغير… اسمه إيتاشي، لم يُكمل عامه الأول بعد.”
شعرت بشيء ما يتجمّد داخلي.
بدأت أفهم… لكنني سألت رغم ذلك:
“وضّحي مقصدك.”
اقتربت بهدوء، ثم مدت يدها وأمسكت برقبتي برفق، كأنها تلاعبني، وقالت بنبرة تجمع بين الدفء والجرأة:
“أريد أن يكون لدي هاتاكي صغير في المنزل.”
تسمرت في مكاني.
نظرت إليها مشدوهًا… ولم أدرِ:
هل ابتسم؟
أم أفرّ من الغرفة؟
أم أجيبها بما ينتظر منذ سنوات؟
⸻