الأوراق…
لم تعد تنتهي.
أسبوعان مضوا،
ولم تطأ قدمي عتبة المنزل.
لم أرَ وجه يارا في الصباح،
ولا ضحكة شيسوي عند المساء.
كنت في المكتب.
أتنفّس الحبر والختمات،
وأحاول فهم ما لم يُفهم من قبل:
كيف، بحق الجحيم، كان ميناتو ينهي كل هذا؟
أوراق المهمات، الموازنات، التقديرات الطبية، تحرّكات الفرق…
كان عقلي يعمل، لكن جسدي يريد أن ينسحب.
⸻
بينما كنت أقلب الملفات، وصلني ملف جديد،
عليه الختم الأحمر الخاص بالأكاديمية:
طلبات التخرج المبكّر – الدفعة الحالية
فتحت الملف، وقرأت.
أعمار الطلاب في الطلبات:
9 سنوات.
تنفست ببطء،
ثم كتبت بخط عريض: مرفوض.
لكن…
ثمّة ملفان لفتا انتباهي.
كأن أحدهم دسّهما بين الركام، وكأنه يعرف أنني سأفتح.
سحبت الملف الأول.
الاسم: أوتشيها شيسوي.
رفعت حاجبي.
الملف الثاني.
الاسم: يوغاو أوزوكي.
ضحكت.
ضحكة خرجت بلا رغبة،
ولا حتى سخرية…
بل شيء أقرب للحنين الساخر.
“اللعنة عليكم.”
وضعت الملفين جانبًا،
ثم كتبت على الورقة:
مرفوض. كلاهما.
⸻
تمتمت وأنا أستند إلى الكرسي:
“أنا لا أتّبع قضية ‘وقود الحرب’.
لدينا القوة… ولسنا مضطرين لرمي الأطفال في الجبهات.
لن أسمح بذلك.”
رفعت رأسي ونظرت إلى النوافذ.
كان الغروب يسحب نوره،
لكنني كنت واثقًا أن هؤلاء الصغار…
لن يُصبحوا رمادًا كما كنا.
⸻
كان منتصف النهار، والملفّات لا تزال مكدّسة…
لكنّ شيئًا واحدًا جعلني أبتسم في كل مرة أرفع رأسي عن الورق:
يارا.
كانت تجلس أمامي، تقرأ إحدى المخطوطات، لكنني لم أقاوم رغبتي في الحديث عنها.
“أتعلمين؟” قلت وأنا أضع القلم.
“أعتقد أن ابننا سيشبهك… شعره أسود، نظراته حادّة، لكن فيه طيبة خفيّة.”
رفعت رأسها ونفت بحزم:
“بل ستكون فتاة. وشعرها سيكون فضّيًا، مثل والدها المتغطرس.”
ابتسمت.
“متغطرس؟ من الذي كان يقول لي منذ يومين: لا أحد يستحق يدي إلا قاتل الآلهة؟”
رفعت حاجبيها، وبدأنا عراكًا لطيفًا بالكلمات ، كما اعتدنا…
لكن…
قبل أن أتم جملتي،
دخل أحد الأنبو من الظلال.
فجأة… تغير كل شيء.
شاكرا الغضب انفجرت حولي.
نظرت إليه بجمود، وقلت بنبرة هادئة لكنها تقتل:
“لماذا قاطعتنا؟ ألم أخبر الجميع بعدم الدخول؟”
كان وجهي جامدًا، لكن طاقتي كانت تُهدد بتمزيق الغرفة.
الأنبو… نظر إلى يارا كأنما يستنجد بها.
وأنا رأيت تلك النظرة.
ثم رأيت يارا ترمقني بنظرة تهديد صامت .
أخذت نفسًا، وخفّضت الشاكرا.
قلت ببرود:
“ماذا جاء بك؟”
تقدّم وسلمني لفافة صغيرة، وقال:
“من اللورد الرابع… ويطلب أن تصل بأقصى سرعة.”
أشرت له بيدي لينصرف، فاختفى في الظلال.
فتحت الرسالة…
قرأت أول سطرين،
ثم فجأة…
انفجرت بالضحك.
ضحكت…
ضحكت حتى مال رأسي إلى الوراء.
يارا نظرت إلي بقلق، ثم فضول:
“ما الذي يضحكك هكذا؟”
كنت أمسح دموعي من الضحك، بالكاد استطعت أن أتكلم:
“ميناتو…
أمسك بثلاثة من مستوى كاجي…
ويتكلّم كما لو أنه أوقف شجار أطفال في ساحة تدريب!”
ناولتها الرسالة، ثم قلت:
“تواجه مع الرايكاجي الثالث،
والجنشوركي الثماني أذيل،
ومعهم الجنشوركي ذو الذيلَين—رجل كبير في السن، لم يتبقَّ له سوى بضع سنوات.”
ثم أكملت وأنا أضحك:
“أسقطهم… ثم أطلق سراح الثماني أذيل،
وأبقى الرايكاجي مع الجنشوركي العجوز كرهائن.”
وضعت الرسالة جانبًا، وسحبت ورقة جديدة وكتبت:
إلى ميناتو،
أعد كتيبتك فورًا،
واصطحب معك الرايكاجي الثالث،
والجنشوركي ذو الذيلين.
ثم ابتسمت،
لأن الاجتماع مع الأكاتسكي اقترب …
وسيكون أول مشهد يرونه هو:
رايكاجي في هيئة أسير.
⸻
كان اليوم هادئًا…
بشكل غير مألوف.
آخر ورقة وضعت ختمي عليها،
آخر توقيع،
آخر تنهيدة مكتب.
غدًا، يعود ميناتو.
وغدًا… أعود أنا إلى مكاني،
في الظل الذي اخترته.
وقفت من مكاني، تنفست عميقًا،
ثم ابتسمت—ابتسامة طفل انتهى من امتحانه الطويل.
رفعت ذراعيّ للأعلى، تمطيت بكسل حقيقي،
كأن العالم كله صار أخف.
وفجأة… سمعت ضحكتها.
التفت، فرأيتها واقفة عند الباب، تضع يدها على خاصرتها، وتحدق بي كما لو كانت ترى مشهدًا نادرًا.
قالت وهي تضحك:
“يبدو… أنني وقعت في حب أبله.”
رفعت حاجبيّ، وقلت بفخر:
“وهذا بسبب حظك الجيد.”
اقتربت، وابتسمت بسخرية لطيفة:
“أشك بذلك.”
ثم…
ضحكنا.
معًا.
كما لم نضحك منذ زمن طويل.
في تلك اللحظة، لم يكن هناك أوراق، ولا جبهات، ولا قادة.
فقط…
نحن.
⸻