سمعت صوته وهو يقول لميناتو، بنبرة لا مبالاة:
“سآخذه في نزهة بسيطة…
ليتفهّم الأمر من منظور أفضل.”
ثم شعرت بيده تمسك ذراعي.
وفي لمح البصر،
اختفى السجن.
⸻
كنّا في مكانٍ مفتوح…
أشجار كثيفة تحيط بنا من كل جانب،
أرض مغطاة بطبقة خفيفة من الضباب،
وصمت ثقيل… لا يشبه الصمت.
أردت أن أسأله…
أن أصرخ…
أن أُهدد.
لكن…
الختم منعني من الكلام.
تقدّم هو، بخطى بطيئة، وقال بهدوء غريب:
“يجب أن تفهم معنى أن تكون رايكاجي.”
اللعنة
…
هل تظن نفسك قادرًا على تعليمي؟
أنت، من لم يخرج من ظل الهوكاجي إلا للتنفس؟
ثم صوته اخترق أفكاري، كأنه سمعها:
“أعلم ماذا تفكر،
وألعن ما تقول.”
توقف أمامي، ثم أكمل:
“الرايكاجي…
ليس أقوى رجل في العالم،
بل المسؤول عن حياة كل روح في قرية السحاب.
هو من يحمي…
لا من يستعرض.”
⸻
كلماته دخلت أذني…
لكن لم تدخل قلبي.
إلى أن قال:
“حسنًا…
الآن ستفهم قصدي.”
⸻
مدّ يده، وفتح الختم على فمي.
ثم، بحركة برق أرجواني لم أرَها من قبل،
كسر الأختام التي قيدتني.
شعرت بالشاكرا تتفجّر داخلي.
ضحكت:
“والآن؟
من سيمنعني من قطع لسانك الطويل؟”
⸻
فعلت درع البرق الكامل.
شعرت بالزمن يتباطأ كما اعتدت،
ثم اندفعت عليه بكل قوتي.
لكن…
تفاداني.
ببساطة…
كأنه رأى الهجوم قبل أن أبدأه.
حتى ميناتو… كان يحتاج للانتقال كي يتفادى هذا الهجوم.
أما هو؟
فقط تحرّك.
هاجمت.
مرة، مرتين، عشرة.
وفي كل مرة…
يتفادى.
ثم قال:
“هل هذا كل ما لديك؟”
⸻
جنّ جنوني.
جمعت كل شاكراي في إصبع واحد،
هجوم الرعد القاطع، أقوى ما أملك.
اندفعت بأقصى سرعة…
لكن عينيّ وقعت على معصمه.
كان هناك وشم أسود وأحمر، يتوهج.
شاكرا تتصاعد منه كأنها مخلوق حي.
ثم…
تفاداني مجددًا،
وأمسك معصمي.
“كيف؟!”
كيف تحمّل درع البرق؟!
هذا مستحيل!
ثم…
انكسرت يداي.
لم أفهم.
ألم؟
نعم.
لكن الألم الحقيقي كان في السؤال:
ماذا فعل؟ كيف فعل؟
⸻
ارتفعت شاكراه فجأة…
شعرت بها تلتف حولي كأنها جدار ينهار على جسدي.
ثم سمعته يتكلم، بصوت لم يعد بشريًا:
“أنا من أخضعت الزمن لسلطتي.
أنا من قتل الإله بسيفه.
أنا… من بيده مصير هذا العالم.”
صوته لم يكن فقط يُرعبني…
بل جعلني أشعر أن حياتي لم تعُد لي.
أن العالم بأسره… ليس لنا.
شعرت بالموت.
شعرت بالخوف،
لأول مرة في حياتي.
رأيت وحشًا ،
لا بشرًا.
لم أصدق…
لكنني صدّقت.
⸻
بصوت مكسور،
لم يعد يشبه صوت الريكاجي،
قلت:
“ماذا… تريد؟”
⸻
هدأت شاكراه فجأة،
كأن كل ما كان إعصارًا… عاد لنسيم.
قال:
“يبدو أن ميناتو كان متساهلًا معك.”
ثم اقترب، وأكمل:
“شرطي الوحيد…
قريتك لن تشارك في أي حرب قادمة.
العصر القادم ليس لكم.
حروب الشينوبي ستنتهي. ”
ثم استدار، وقبل أن يرحل، قال:
“ماتاتابي… ستكون لي.
ولا تقلق…
أنت لن تحتاجها.”
⸻
لم أجب.
لم أصرخ.
لم أهدد.
فقط…
شعرت أن السماء أصبحت ضيقة على أنفاسي.
⸻
أمسكت بذراع الريكاجي،
وقد هدأت شاكراه أخيرًا بعد “نُزهتنا البسيطة”،
ثم فعّلت ختم الانتقال، وعدت به مباشرة إلى الزنزانة.
في لحظة، تبدّلت الأشجار والهواء،
وعدنا إلى برد الحجر وحديد الأختام.
كان ميناتو ينتظرني هناك،
واقفًا، ذراعه خلف ظهره،
كعادته حين يكون بين دور الهوكاجي والصديق.
لكن وجهه…
كان جادًا.
نظر فورًا إلى يدي الريكاجي المكسورتين ،
ثم نظر إليّ، وقال بنبرة هادئة، لكنها واضحة:
“هو كاجي قريته، سامرو.
هل كان يجب أن تصل معه إلى هذا المستوى؟”
نظرت إليه.
عينيه تحملان اللوم الصامت،
لكني أجبت بأبسط نبرة في الدنيا،
وكأنني أصف نزهة بعد الغداء:
“كان حديثًا سلميًا جدًا،
ويداه؟ عضّتهما بعوضة صغيرة، لا أكثر.”
تنهّد، لكنني لم أتركه يكمل تفكيره.
أضفت، وأنا أتحرّك نحوه:
“ثم… لو أنك لم تتساهل معه كثيرًا،
لكان كل شيء انتهى منذ أيام،
وبدون الحاجة لتدخلي.”
⸻
تقدّمت خطوة، نظرت إلى كلا الكاجيين ،
ثم قلت بصوت واضح:
“الريكاجي الثالث… سيبقى في كونوها لمدة أسبوع.
ضيف شرف على اجتماعنا القادم.”
وقبل أن يرد ميناتو،
رفعت يدي بخفة،
ثم التفتت إليه وأضفت بابتسامة صغيرة:
“ضيف…
أي بلا ختم، إن كنت تتساءل.”
⸻
وقبل أن يسأل أو يُكمل أي شيء…
اختفيت.
⸻
على حدود كونوها،
حيث تنتهي الأشجار وتبدأ الأرض المنبسطة،
وقفوا.
ياهِيكو، كونان، وناغاتو.
ثلاثتهم في ثياب داكنة لا تحمل شعارًا،
لكن العالم كله يعرف من هم.
الأكاتسكي…
منظمة نشأت من رماد الألم،
والآن… تدخل أرض النار كحلم للسلام،
أو كقنبلة تنتظر من يفككها دون انفجار.
⸻
خطوات خفيفة قادمة من وسط الغابة.
لم تكن كثيرة،
لم تُصدر صوتًا إلا ما يكفي لتُشعر الجميع أن القادم… يعرف من هم.
خرج من بين الظلال،
مرتديًا عباءته الرمادية المعتادة،
وشعره الفضي يلامس الضوء.
سامرو.
وقف على بعد خطوات،
دون حراسة.
دون أنبو.
دون إعلان رسمي.
فقط هو… أمام ثلاثة من أقوى من أنجبتهم أرض المطر.
تقدّم بخطوة، ثم قال:
“ياهِيكو، كونان، ناغاتو…
أهلًا بكم في كونوها.”
⸻
لم يكن صوته عاليًا،
لكنه حمل شيئًا غريبًا…
هدوءًا يجعل العبارات حادّة أكثر مما يجب.
ردّ ياهِيكو ، بنبرة متماسكة:
“نتمنى أن يكون الاستقبال كما هو في نيتك… بلا فخاخ.”
ابتسم سامرو.
“كونوا مطمئنين،
فخاخي تُستخدم ضد من يأتون خلسة… لا بدعوة.”
نظرت كونان إلى عينَيه،
ثم أومأت ببطء.
أما ناغاتو ، فظل صامتًا،
لكنه لم يبعد عينيه عن سامرو للحظة.
⸻
أشار سامرو بخفة:
“دعونا لا نُضيّع هذه اللحظة بالتحديق.
الاجتماع ينتظر…
وكلمات كثيرة يجب أن تُقال.”
ثم استدار، ومشى أمامهم.
وسار الثلاثة خلفه،
دون كلمة.
لكن في تلك اللحظة،
كانت كونوها تستقبل الأكاتسكي…
لا كأعداء… بل كضيوف.
⸻
قادهم سامرو بصمت…
خارج حدود الغابة، وعلى الطريق الحجري الذي يؤدي إلى البوابة الشرقية لكونوها.
كانت الشمس تميل للغروب،
والضوء البرتقالي ينعكس على الأسطح الجديدة،
حيث أُعيد بناء القرية بعد الحرب.
قال سامرو بنبرة هادئة وهو يمشي أمامهم:
“على يمينكم…
ذلك المبنى الرمادي كان معسكرًا طبيًا خلال الحرب.
الآن… هو مركز تدريب خاص للأطباء النينجا.
كنا نحتاج من يُداوي أكثر مما يُقاتل.”
نظر ياهيكو إلى المبنى دون تعليق.
أشار سامرو برأسه نحو مجموعة أطفال يتدرّبون في ساحة صغيرة:
“الأطفال في هذا الجيل…
يتدرّبون على القتال بعد تعلّمهم القراءة.
لا العكس.”
توقّفت كونان للحظة، ونظرت إليهم…
شيء في وجهها ارتخى.
⸻
واصلوا السير، حتى دخلوا من البوابة.
رأوا الممرات العريضة المرصوفة،
والمتاجر التي عادت للحياة،
والسكان الذين ينظرون إليهم بفضول، دون ذعر.
قال سامرو دون أن ينظر إليهم:
“أهل كونوها اعتادوا رؤية الغرباء…
لكنهم لم يعتادوا رؤية الضيوف.”
⸻
انعطفوا يسارًا، أمام نُصُبٍ حجريّ محفور عليه أسماء.
توقّف سامرو لحظة، وأشار إليه:
“هذا…
لمن لم يعودوا.”
صمتُ ناغاتو هنا كان أثقل من خطواته.
أكمل سامرو السير،
وهم يمرّون بجانب قاعة الشرف الجديدة .
“قاعة الاجتماع في نهاية الطريق.
بُنيت فوق أنقاض مركز الاستخبارات القديم.
كنا نراقب العالم من هنا…
الآن، نحاول أن نفهمه.”
⸻
اقتربوا من قصر الهوكاجي،
لكن بدلاً من الدخول من البوابة الرئيسية،
اتجه سامرو إلى ممر جانبي، خلف الأشجار.
قال وهو ينظر إليهم بابتسامة قصيرة:
“المدخل الذي سنستخدمه اليوم…
كان نفقًا للهروب أيام الحرب.
الآن… طريق لاستقبال من لا نُريد لهم المرور بين الصفوف.”
فتح الباب الصغير، ونزل معهم عبر الممر الحجري.
كل خطوة، كانت تُبعدهم عن ضوء الشمس،
وتُقرّبهم من قاعة تحت الأرض، مضاءة بشعلات زرقاء باهتة.
⸻
وفي نهاية الدرب، وقف سامرو أمام باب خشبي ضخم،
ووضع يده على الختم.
نظر إليهم، وقال بهدوء:
“نحن هنا.”
ثم فتح الباب.
وفي الداخل…
كانت الطاولة المستديرة تنتظر.
⸻