داخل القاعة الحجرية،
ضوء أزرق خافت يغمر الطاولة المستديرة،
وصوت الشعلة على الجدران يملأ الفراغ الهادئ.
جلس الثلاثة في أماكنهم:
ياهِيكو بهدوئه المستتر،
كونان بنظراتها الثاقبة،
ناغاتو بصمته الثقيل.
دخل سامرو بعدهم بثوانٍ،
وقف عند رأس الطاولة،
ووضع يده فوق الخشب الأملس وقال:
“قبل أن نبدأ الاجتماع…
أحب أن أُقدّم لكم ضيفَين من نوع خاص. ”
⸻
فتحت الأبواب بهدوء.
خطوتان سُمعتا.
ثم ظهرا…
الهوكاجي الرابع – ميناتو ناميكازي.
وإلى جانبه، يسير بثقلٍ وقوة:
الريكاجي الثالث.
⸻
ساد الصمت.
ياهِيكو رفع رأسه بحدة، وكأن صاعقة مرّت بعينيه.
كونان اتسعت عيناها ببطء، نظرتها تنتقل من سامرو إلى ميناتو.
أما ناغاتو …
فلم يتكلّم،
لكن تلك الرعشة الطفيفة في طرف عينه، لم تُخفَ عن أحد.
⸻
ابتسم سامرو بخفة، ثم أشار إليهم:
“الهوكاجي الرابع…
ميناتو ناميكازي.
والريكاجي الثالث… كضيف مراقب لاجتماع السلام.”
أكمل بنبرة واضحة:
“ميناتو…
كان تلميذًا مباشرًا لـ جيرايا-سينسي.
تمامًا كما أنتم.”
⸻
توقّفت أنفاس ياهيكو للحظة.
كونان نظرت إلى الأرض، كأن ذاكرة قديمة سُحبت منها بالقوة.
أما ناغاتو…
فتح فمه أخيرًا، وقال بهدوء:
“إذاً… أنتم أيضًا،
تحملون وصيّة ذلك الرجل.”
ميناتو لم يُجب فورًا.
لكنه اقترب بخطوات واثقة،
ووضع يده على الطاولة وقال:
“أجل.
لكن يبدو أن طرقنا كانت…
مختلفة قليلاً.”
⸻
أومأ سامرو بهدوء،
ثم جلس على مقعده،
وقال:
“فلنبدأ…”
⸻
جلست في مقعدي،
وأنا أُراقبهم واحدًا تلو الآخر.
ياهِيكو… يزن كلماتي.
كونان… تبحث عن التناقض بين العبارات.
ناغاتو… لا يتكلم، لكنه يُفكّك روحي بنظراته الرمادية.
ميناتو صامت، كعادته في اللحظات التي تكون فيها كلمتي هي الميزان.
⸻
قلت بهدوء، وأنا أنظر إلى وسط الطاولة:
“تعترضون على الحديث عن السلام…
بينما لا تزال القرى تحتفظ بالبيجو، والرهائن، والمخالب.”
سكتُّ لحظة.
ثم نظرت إلى الطرف الأيمن من الطاولة، حيث جلس بشموخه المعتاد، رغم الألم.
“لكن اسمحوا لي أن أقدّم لكم… دليلي.”
رفعت يدي وأشرت إليه.
“ الريكاجي الثالث.
لم يعد رهينة.
لم يعد تحت ختم.
لم يعد سجينًا.”
نظرت إلى ناغاتو تحديدًا:
“بل هو… ضيف.
ضيف شرف، لا على طاولة الاجتماع فقط،
بل على كونوها بأكملها.”
رأيت الصدمة تُرسم على وجه ياهيكو.
كونان لم تُحرّك حاجبيها، لكنها بلعت ريقها دون أن تشعر.
أما ناغاتو… فقد نطق أخيرًا:
“أطلقتم سراحه؟ دون ضمانات؟”
هززت رأسي:
“بل أطلقناه بثقة.
فمن يسعى للسلام…
لا يطلب الضمانات، بل يصنع الظروف التي لا يحتاجها فيها.”
⸻
نظرت للريكاجي، فبادلني النظرة.
لم يتكلم.او لمّ يتجراء
لكن صمته كان اعترافًا.
ثم قلت:
“كونوها لا تحتاج إلى أقنعة.
ولا تخشى من كشف قوتها، ولا من كشف ضعفها…
لأننا نعرف من نحن.”
أسندت ظهري، ثم أنهيت:
“فليكن هذا الاجتماع…
نقطة البداية.”
⸻
وساد الصمت…
لكنّه لم يكن صمت قلق.
بل صمت أول خطوة على طريق لم يُمشى فيه من قبل.
⸻
سكت الجميع بعد كلمتي الأخيرة،
لكن داخلي…
لم يسكت.
نظرت إلى الثلاثي الجالس أمامي — ياهيكو، كونان، وناغاتو.
ثم قلت بهدوء:
“ما نحن فيه الآن…
ليس سوى البداية.”
رفعت عيني إلى ياهيكو:
“لذلك، فكرت أن تكون منظمتكم… الأكاتسكي،
هي الوصلة الرسمية بين القرى.
حلقة السلام، لا أداة الحرب. ”
رأيت دهشة صامتة في وجه كونان.
ناغاتو حرّك حاجبه،
وياهيكو فتح فمه، لكن لم ينطق.
فأكملت:
“اجتماع كل سنة…
تحت رعاية الأكاتسكي.
تُحضره كونوها… وقريبًا، السحاب أيضًا.”
قالها ياهيكو أخيرًا، بصوت بين الجدية والذهول:
“كونوها… والسحاب؟!”
أومأت.
“أجل.
تم الاتفاق مع الريكاجي.
وسينضم رسميًا لاجتماع السنة القادمة.”
⸻
الثلاثة تبادلوا نظرات مذهولة.
ثم قال ياهيكو ببطء:
“لكن… كيف ستُقنع باقي القرى؟
الصخور، الضباب، الرمل…؟”
ابتسمت، ونظرت إلى شعلة الحائط للحظة.
ثم قلت:
“ما إن تنضم القرى الخمس الكبرى…
ستنضم الصغرى دون مقاومة.
السلام له جاذبية أقوى من الحرب… إذا ظهر أنه حقيقي.”
ياهيكو ضغط على كلمته التالية:
“وكيف… ستقنع القرى الكبرى؟”
رفعت بصري إليه،
وقلت بنبرة ساكنة:
“سأتكفّل بذلك.”
ثم نظرت للريكاجي،
وجلست بارتياح أكبر على الكرسي.
“بنفس الطريقة التي أقنعت بها الريكاجي…
سأقنعهم.”
⸻
لمعت عينا ياهيكو،
ثم التفت نحو الريكاجي:
“هل هذا… صحيح؟”
الريكاجي الثالث صمت،
نظر إليّ، ثم إلى ياهيكو…
ثم أومأ بصمت.
لكن في عينيه…
كانت الصدمة لا تزال واضحة.
فقال ياهيكو بنبرة مشوشة وهو يحدّق بي:
“كيف… بحق الجحيم،
يبدو بهذه البراءة؟!”
ضحكت بخفة، وقلت:
“لأن من يحمل النار…
عليه أن يبدو كمن يحمل الماء.”
ثم أسندت ظهري،
ونظرت إليهم جميعًا.
“والآن…
لنخطو إلى العالم الجديد.”
⸻
هدأ التوتر في الغرفة،
بعد أن وُضعت الخطوط الأولى لعهد جديد.
ياهيكو لا يزال متأملًا.
كونان متحفّظة، لكنها أقل تيقّظًا.
ناغاتو صامت… لكني شعرت أن نظرته لم تعد تحمل الصدام، بل التفكير.
رفعت رأسي، ثم قلت:
“اجتماعنا اليوم… كان خطوة أولى،
خطوة في طريق لا رجعة فيه.”
ثم نظرت إليهم واحدًا تلو الآخر،
وأضافت ابتسامة بسيطة على وجهي:
“لكن حتى الخطوات التاريخية…
يجب أن تنتهي بطبقٍ جيد.”
لم يفهموا ما أعنيه فورًا،
ثم أكملت:
“أدعوكم جميعًا…
أنتم الثلاثة، والهوكاجي الرابع، والريكاجي،
لحضور عشاء رسمي في قصر هاتاكي الليلة. ”
رفعت كوب الماء أمامي، وقلت:
“سنحتفل بنجاح الاجتماع…
ليس بالقرارات، بل بأننا جلسنا على الطاولة… دون أن نُخرج سيوفنا. ”
⸻
نظروا إلى بعضهم.
ياهيكو هز رأسه،
كونان لم تعترض،
وناغاتو اكتفى بالصمت.
ثم قال ميناتو من خلفي بهدوء:
“أعتقد أن كونوها… لم ترَ أمسية مثل هذه منذ سنين.”
ضحكت:
“إذا كان التاريخ سيُكتب،
فليُكتب فوق مائدة…
لا في تقرير سري.”
⸻
خرجنا من القاعة…
ونحو قصر هاتاكي،
حيث سيُفتح الباب… لا لتقرير حرب،
بل لمائدة سلام.
⸻