عدت إلى القصر بعد غياب طال أكثر مما يجب.

الهواء كان دافئًا رغم برودة المساء،

والأصوات التي وصلتني من الفناء…

ليست صيحات قتال أو أوامر تدريب.

بل كانت الحياة.

أطللتُ من الممر المطل على الساحة الخلفية،

فرأيت أوبيتو واقفًا بشغف، يُدرّب شيسوي على رمي الشوريكن.

يده تتحرك بعنف، وصوته مزيج بين الحماس والمبالغة،

بينما شيسوي يحاول جاهدًا أن يثبت أنه لم يعد بحاجة لشرح،

لكنه لا يرد… احترامًا لأستاذه العجول.

في الطرف الآخر من الساحة،

جلست كوريناي على الدرج الخشبي،

إلى جانبها كاكاشي ، ساكنٌ كالعادة.

كانت تضحك، تحكي شيئًا عن بعثة تدريب،

وكاكاشي يكتفي بنظرة جانبية، وعبارة مقتضبة.

ابتسمتُ بخفة، وأنا أراقبه.

“يبدو أن أسوما… سيبقى أعزب في هذه الحياة أيضًا.”

تابعت بصمت حتى رأيت يارا .

كانت واقفة عند حافة الشرفة،

تراقب المشهد بهدوء،

ويدها تمسح على بطنها بخفة.

اقتربت منها دون صوت،

ثم وقفت خلفها،

وضممتها من خصرها برفق، وهمست قرب أذنها:

“مرحبًا… يا أيتها الأم.”

ابتسمت، ولم تلتفت.

“كيف حالك من دوني؟”

أجابت بنبرة محمّلة بالمشاكسة:

“كاتي… تعلم أنني أستطيع العيش من دونك،

ما دمتُ أملك هذا البيت… وهؤلاء الأطفال.”

ضحكتُ، وضغطتُ ذراعي حولها أكثر.

“يبدو أن الحياة هنا أكثر إثارة من الاجتماعات…

اشتقت إليها.”

سكتت لثوانٍ، ثم قالت:

“ثلاثة أشهر…

وجعلتك تتحدث وكأنك شيبَت فجأة.”

ضحكتُ، ثم تنهدتُ قائلاً:

“سيأتينا اليوم ضيوف مهمّون،

العشاء سيكون هنا.”

توقفت، ثم أضفت:

“أخبري الخدم أن يُجهّزوا خمس مقاعد إضافية.

نحتاج مائدة…

تليق بشيء يشبه بداية السلام.”

استدارت إليّ ببطء،

نظرت إليّ بعينيها… وابتسمت:

“حسنًا.”

ثم قبلتني على وجنتي بخفة،

وغادرت بخطوات هادئة، كما تفعل دومًا.

نظرت إلى الساحة مجددًا.

أوبيتو يصرخ، شيسوي يضحك، كوريناي تُراقب، وكاكاشي يتمتم.

رفعت بصري إلى السماء.

“نعم… من الجيد أن أعود.”

غابت الشمس،

لكن ضوءً آخر كان يُضيء قصر هاتاكي تلك الليلة…

ضوء الشموع،

وضوء الهدوء النادر، الذي لا يشبه صمت الخوف،

بل صمت ما قبل البداية.

كان القصر مضاءً بنعومة،

زُيّنت الممرات بالورق الأبيض،

والساحة الخلفية تحوّلت إلى مجلسٍ خشبي مفتوح على الحديقة،

تحيط به الأشجار والبخور الهادئ.

الخدم يتحرّكون بصمت،

والمائدة الكبيرة في المنتصف قد امتدّت عليها أطباقٌ من كل مطبخ.

كنت أقف عند مدخل القصر،

أرتب ياقة عباءتي حين شعرت بهم يقتربون.

فتح البوابة الخشبية القديمة ببطء،

ودخلوا…

ياهِيكو، كونان، ناغاتو،

يُرافقهم ميناتو ،

وفي الخلف، يسير الريكاجي الثالث … بصمتٍ أثقل من خطواته.

رأيت تعابير وجوههم تتغير فور دخولهم.

هذه ليست قاعة عرش، ولا خيمة حرب،

بل منزل…

يُنبت فيه الأطفال، وتُطبخ فيه الحياة.

تقدّمت، مددت يدي إلى ياهيكو:

“مرحبًا بكم… في قصر هاتاكي.”

صافحني، نظر حوله، ثم همس:

“هذا… ليس ما توقعته.”

أجبت بابتسامة صغيرة:

“السلام… لا يُوقّع بالحبر فقط.

بل يُشارك الطعام، وتُكسر الحواجز بين الأيدي، لا بين الأسلحة.”

كونان كانت تراقب الحديقة،

ثم قالت بصوت ناعم:

“رائحة الشاي… تشبه الأمكنة التي تُنسى فيها الحرب.”

أما ناغاتو…

فكان ينظر إلى كاكاشي وأوبيتو وهم يجلسون مع شيسوي،

ثم سأل بهدوء:

“هؤلاء… تلاميذك؟”

أجبت:

“أبنائي… بطريقتي.”

جلسنا جميعًا حول المائدة.

على يميني يارا، تحمل طفلتنا التي لم تولد بعد.

وعلى يساري ميناتو، يتناول الطعام ببطء وهو يراقب كل شيء كأنما يُخزّنه للذكرى.

الريكاجي لم يتكلّم كثيرًا…

لكنه أكل.

وتلك… كانت علامة كبيرة.

ضَحك أوبيتو من طرف الطاولة على نكتة قالها كاكاشي،

فأرسلت يارا نظرة تحذير قصيرة جعلته يُعدل جلسته فورًا.

همستُ ليارا:

“ما زالت عيناكِ حادة كالسيف.”

أجابت، دون أن تنظر إليّ:

“وأنت… ما زلت تهرب خلف المزاح.”

ضحكتُ بخفة.

ثم رفعتُ الكأس،

ونظرت إلى الجميع.

قلت بصوت واضح:

“قد نختلف في الطريق…

لكننا اجتمعنا هنا الليلة،

لا كمقاتلين، ولا كقادة…

بل كأشخاص، يتذوقون الطعام ذاته،

ويأملون… الأمل ذاته.”

نظرت إلى ياهيكو، ثم ناغاتو، ثم ميناتو:

“هذا العشاء ليس احتفالًا بما أنجزناه،

بل وعدٌ بأننا نستطيع إنجاز المزيد… معًا. ”

صمت الجميع للحظة،

ثم بدأوا يأكلون.

وكانت تلك أول مرة، منذ سنوات…

يُكسر فيها الخبز،

لا العظام.

استيقظ سامرو عند أول خيط للفجر،

تحت ضوء ناعم يتسلّل من زجاج الشرفة.

خرج بهدوء من غرفته،

وخطاه تنساب على الأرض الخشبية كأنها تنتمي لهذا الصمت.

وحين عبر الممر المؤدي للفناء،

سمع شيئًا لم يكن يتوقعه…

ضحك.

ضحك حقيقي، بسيط…

صادر عن أوبيتو و شيسوي ،

يلعبان في الحديقة الخلفية مع ياهِيكو و ناغاتو .

ناغاتو كان يراقب فقط، يبتسم،

أما ياهيكو، فقد كان يتسابق مع شيسوي في لعبة الشوريكن الخشبي.

سامرو وقف، ثم قال بهدوء:

“لم تناموا بعد؟”

التفت ياهيكو وهو يلهث:

“لا… لم نرِد أن نضيع وقتنا في النوم.”

اقترب بخطوتين، ومسح العرق عن جبينه بكمّه، ثم قال:

“وشكرًا لدعوتك لنا للبقاء هنا، سامرو.”

ابتسم سامرو، ويده خلف ظهره:

“قصر هاتاكي يرحّب بالأصدقاء… دائمًا.”

ضحك الأربعة،

ثم بدأت أجسادهم تتراخى،

واحدًا تلو الآخر…

حتى نام الجميع في الفناء،

تحت ضوء الصباح الرطب.

لكن ناغاتو… لم يذهب.

جلس على الدرج الحجري، يحدّق في السماء التي بدأت تتحول إلى ذهبية.

جلس سامرو إلى جانبه، بصمت.

مرّت لحظات،

ثم سأل ناغاتو بصوت خافت:

“سامرو-سان…

هل تظن أن السلام ممكن؟”

نظر إليه سامرو،

وابتسم بهدوء،

ثم أشار إلى صدره:

“بالطبع ممكن.

ما دمتُ أنا موجود…

سيتحقّق السلام.”

ابتسم ناغاتو…

ضحكة خفيفة، نادرة، كأنها خرجت من صبي لا يعرف الحرب.

لكن… في اللحظة التي ظهرت فيها ابتسامته،

ظهرت عيناه بوضوح.

رآها سامرو.

تجمّد.

ملامحه تغيّرت.

صوت أنفاسه اختفى.

تراجع خطوة واحدة…

عيناه اتسعتا كما لم يحدث منذ زمن.

ناغاتو لاحظ ذلك، وقال بخوف:

“ما بك؟ عنياي…؟”

ظن أنه أساء، أو كشف شيئًا صادمًا.

لكن سامرو… هدأ أنفاسه،

ثم قال، بنبرة باردة:

“لا شيء…

فقط… تذكّرت عدوًا قتلته ذات يوم…

كان يمتلك نفس عينيك.”

صمت ناغاتو، وقد اختفى الدم من وجهه.

“ماذا؟ من؟

هل هذا… حقيقي؟”

لم يُجب سامرو بالكلام.

بل استدعى… قنينة صغيرة.

شفافة.

ومغلقة بختم معقّد.

داخلها… عين رينغان.

أخرجها أمام ضوء الفجر،

فأصبحت الحقيقة أكثر وضوحًا من اللازم.

ناغاتو همس:

“لماذا… قتلته؟”

سامرو نظر إليه مطولًا،

ثم قال بهدوء مطحون تحت ذكرى:

“هل سمعتَ عن حادثة تدمير كونوها… قبل ثلاث سنوات؟”

أومأ ناغاتو برأسه، ببطء.

فأجاب سامرو:

“كان هو… من دمّرها.

من قتل أخي… ساكامو.

من قتل جيرايا…

ومن قتل والدتي… ميو.”

ثم فجأة…

ابتسم سامرو.

نبرة صوته تغيّرت،

هادئة، حازمة، لكنها ليست محطّمة:

“لكن ذلك…

كان الماضي.”

نظر إلى شيسوي النائم، ثم إلى كاكاشي داخل المنزل.

“أما الآن…

فنحن هنا لنُبني المستقبل… من أجلهم.”

لم يُجب ناغاتو.

لكنه لم يستطع أن يشيح بنظره عن العين داخل القنينة.

فقد رأى…

أن سامرو لا يصنع السلام بالكلمات فقط.

بل بالدماء التي قرّر…

أن لا يُسفك مثلها مجددًا.

2025/05/16 · 17 مشاهدة · 1023 كلمة
m6
نادي الروايات - 2025