مرّت أربعة أشهر…

تبدّلت خلالها أشياء كثيرة،

لكن أكثر ما تغيّر… كان إيقاع البيت.

لم يعد صخب الأطفال، ولا تقارير الأنبو، ولا زيارات القادة…

هو ما يُحرّك أيامي.

بل كانت خطوات يارا البطيئة ،

ويدها التي لا تفارق بطنها،

وصوتها كل مساء حين تسألني:

“هل شعرت بالحركة اليوم؟”

في تلك الليلة…

كنتُ أجلس على الأرض،

أقرأ سجلًا قديمًا عن تاريخ عشيرة الهاتاكي،

بينما هي استندت على الوسائد خلفها،

تراقبني بصمت.

ثم بصوت ناعم كسحر منتصف الليل، قالت:

“كاتي…”

رفعت نظري إليها، ابتسمتُ.

“همم؟”

سألت وهي تمسح على بطنها:

“هل فكّرت…

بماذا ستُسمي الطفلين؟”

أجبت تلقائيًا:

“نعم، أنا أفكر ب—”

ثم توقفت.

حدّقت بها لثانيتين.

ثم قلت ببطء:

“انتظري… الطفلين؟”

ابتسمت يارا، نظرة خبيثة في عينيها:

“أوه…

نسيت أن أخبرك؟”

رفعت حاجبيّ، واقتربت منها:

“يارا…!”

ضحكت بخفة، ثم قالت:

“توأم، فتى وفتاة.”

توقّفتُ.

كأن العالم صمت للحظة.

أخفضت نظري إلى بطنها…

ثم عُدت لأنظر في عينيها.

همست:

“توأم…؟”

أومأت.

“اثنان…

اثنان منك ومني.”

مررتُ يدي على شعرها،

ثم أمسكتُ بيدها، وقلت بهدوء:

“وكيف لم تخبريني؟”

ردّت وهي تضحك:

“كنتُ أنتظر اللحظة المناسبة.

وأعتقد… هذه اللحظة هي المناسبة.”

ثم تنهدت:

“لكن…

الاسماء…

أنت من ستختارها.”

سكتُّ.

شعرت بشيء ثقيل في صدري…

لكنّه لم يكن خوفًا.

بل شيء يشبه الامتنان.

نظرتُ إلى السقف للحظة،

ثم عدتُ لأنظر إليها.

“سأختار اسمًا يحمل إرثي كامحارب

أومأت، وأغلقت عينيها بسلام.

أما أنا…

فبدأت أفكّر بجدية لأول مرة منذ زمن طويل.

كانت الليلة هادئة،

صوت المطر يتسلل من خلف النوافذ،

وفي الغرفة لم يكن هناك سوى ضوء خافت،

وصوت صفحات تتقلّب ببطء…

وصوتي.

“هاه… ماذا عن ريو ؟”

نظرت إليّ، ورفعت حاجبًا:

“ريو؟ كأنه اسم تنّين في رواية أطفال.”

تنهدت، وعدت للورقة.

“طيب… هاكو ؟”

هزّت رأسها:

“كأنك ستُسميه قطعة ثلج.”

غمغمت:

“هو فعلاً كان مستخدم جليد…”

قاطعتني بنظرة.

“ماذا عن سورا ؟”

“مبالغ فيه. كأنك تنادي السماء نفسها.”

تنفست بعمق:

“ شين ؟”

“قصير. بارد. لا.”

“ إيتو ؟”

“يُشبه اسم دمية.”

“يارا…”

“نعم؟”

“ساعديني.”

ضحكت، ثم قالت:

“أكمِل، أريد أن أسمع عشرًا على الأقل.”

أكملت بعناد:

“ كازويا ؟”

“مستهلك.”

“ رين ؟”

“اسم محايد، لا أحب الحيرة.”

“ تاكيرو ؟”

“كأنه محارب من القرن الماضي.”

“ يوتا ؟”

“سيبدو كسولًا.”

نظرت إليها بوجه فارغ:

“لقد وصلت إلى عشرة…

هل تُريدين قتلي ببطء؟”

ضحكت بصوت منخفض،

ثم قلتُ وأنا أرفع الورقة باستسلام:

“حسنًا… غشّشيني.

ما الاسم الذي يدور في رأسك؟”

رفعت نظرها إليّ،

وظهرت تلك الابتسامة الخبيثة التي لا تبشر بالنجاة.

ثم قالت، وكأنها تلقي تعويذة:

“ماذا عن…

رينجي للفتى؟

و أيومي للفتاة؟”

صمتُّ للحظة.

كرّرت الأسماء في رأسي.

رينجي… أيومي…

ثم نظرت إليها:

“وهل رأيي سيغيّر شيئًا الآن؟”

أجابت، وابتسامتها اتسعت:

“لا.

لأنك أنت من اخترت الأسماء .”

ضحكت، وألقت الوسادة الخفيفة نحوي.

وقلتُ وأنا أستسلم للمصير:

“إذن… رينجي وأيومي،

أهلًا بكما في حياتنا.”

وفي تلك اللحظة،

لم أكن قائدًا، ولا ظلًّا، ولا قاتل آلهة.

كنت فقط…

أبًا يستعد لمقابلة المستقبل.

الهواء كان ساكنًا.

ساكنًا بشكلٍ يشبه لحظة ما قبل أول صرخة…

لكنها لم تكن صرخة حرب.

بل كانت صرخة حياة.

وقفتُ هناك،

عند طرف الغرفة…

لا سيف في يدي،

ولا ختم على ذراعي.

فقط أنا،

أنظر إلى طفلين صغيرين ملفوفين ببطانيات بيضاء،

نائمين بهدوء،

كأن العالم كله لم يَولد بعد… إلا بهما.

اقتربت.

نظرت أولًا إلى الفتى.

شعره أسود داكن…

ينسدل بنعومة،

تمامًا كأنّه نسخة مصغّرة من يارا.

ثم إلى الفتاة…

شعرها فضي، ناعم،

يلتقط ضوء الغرفة ويعكسه ببريق غير أرضي.

ضحكت، ثم التفتُ إلى يارا،

التي كانت ممددة على السرير، تتنفس بهدوء مُنهك.

قلتُ بصوتٍ ناعم:

“يبدو أننا… كنا على حق، نحن الاثنان.”

فتحت عينيها المتعبتين، وابتسمت:

“ألم أقل لك؟

ابن يشبهني… وابنة تشبهك.”

جلستُ إلى جانبها، وضعت يدي على يدها.

“رينجي… وأيومي،”

همستُ،

“العالم ينتظركما…

لكنه سيكون مختلفًا هذه المرة.”

ثم سمعنا خطوات خلف الباب.

وما إن فُتح، حتى دخلوا…

ميناتو أولًا، وجهه يلمع بابتسامة واسعة،

كوشينا بجانبه، عيناها تشعّان فرحًا.

ثم دخل كاكاشي بخطاه المترددة،

يليه أوبيتو وهو يهمس بشيء لكوريناي فتضحك.

وفي الخلف، شيسوي، يحمل هدية ملفوفة بورق أخضر، ولا يعرف إن كان عليه الكلام أو الصمت.

تجمّعوا حول السرير.

نظروا إلى الطفلين كأنهم يرون شيئًا نقيًا في هذا العالم للمرة الأولى.

قال كاكاشي:

“هذا الفتى… سيجعل كونوها تعمل حسابها من اليوم.”

ردّت كوشينا بابتسامة:

“وهذه الصغيرة… ستقود قلب والدها من الآن، أراهن على ذلك.”

ضحك الجميع.

أما أنا…

فجلستُ هناك،

أنظر إليهم جميعًا.

أسرتي.

أصدقائي.

وطفلاي…

وقلت في داخلي:

“ما كل هذا الهدوء؟

أهو السلام…

أم مجرد حلم أخير قبل المعركة القادمة؟”

ثم أجبت نفسي:

“لا.

إنه السلام… لأننا صنعناه.”

كنت أظنني ذقت كل شعور في هذا العالم.

الحب…

الفقد…

الغضب…

الندم…

حتى الشعور بالفراغ.

لكنني تلك اللحظة…

تعرّفت على الخوف الحقيقي .

كان رينجي نائمًا في ذراعي،

وجهه الصغير يشبهني،

شعره الأسود ينسدل بنعومة،

وكأنه اختار منذ ولادته أن يطمئنني أنه منّي.

أما أيومي ،

فقد كانت بين ذراعي يارا،

شعرها الفضي يعكس نور الغرفة،

تغمض عينيها وكأنها حلمٌ لم ينتهِ بعد.

ضحكت يارا، وهمست لي:

“لقد فاز كلانا، أليس كذلك؟”

كنت على وشك أن أجيب…

لكن الوقت…

انكسر.

كل شيء توقف.

الصوت.

الحركة.

الهواء.

كوشينا بقيت في منتصف جملة،

ميناتو تجمّد وهو يضحك،

والشعلة على الجدار… توقفت عن الاهتزاز.

حتى أنفاسي…

لم أعد أشعر بها.

ثم… أحسستُ به.

الفراغ نفسه ارتعش .

ومن الظلال خلف الضوء، خرج هو.

نيمو.

لا صوته كالبشر.

ولا حضوره كالضيوف.

هو حضور لا يطلب إذنًا… بل يفرض الخضوع.

اقترب منّا.

أعين الجميع مجمدة.

يارا لا تتحرك.

أطفالي لا يعلمون…

لكنني أنا… أعلم.

قلبي بدأ ينبض بعنف.

لكنني لا أتحرك.

شفتي ارتجفت.

لكني لا أتكلم.

وهو… يقترب.

رفع يده.

كأن الزمن نفسه ينحني لها.

ثم…

وضع إصبعه على جبين رينجي .

شعرت بأن شيئًا كُسِر داخلي.

“لا…”

صرخت داخلي.

لكني لم أستطع النطق.

ثم انحنى نحو أيومي ،

ووضع إصبعه عند حاجبها.

ابتسم… وقال:

“هذه هديتي لهما.”

في تلك اللحظة،

لم يكن الخوف من الموت.

ولا من فقد.

ولا من نبوءة.

كان الخوف… من المجهول الذي زرعه داخل أطفالي.

نظرت إليه…

وعيناي تهتزّان من الرعب.

لكنه ابتسم لي.

“اهدأ يا سامرو.

لم أقتلهم…

أنا فقط أعددتُهم.”

ثم اقترب،

وهمس بصوت مبحوح… كأنه لا يخرج من فم:

“في غضون شهر…

ستأتي معي.”

واختفى.

انفجرت اللحظة.

عادت الأنفاس.

عادت الضحكات.

عادت الحياة.

لكنني…

لم أعد نفس الشخص.

نظرت إلى رينجي في ذراعي،

إلى أيومي النائمة،

ولم أعد أراهم كما كانوا قبل لحظة.

شعرت بشيء مظلم… يختبئ خلف ابتسامتهم.

وكأن علامة نيمو ستبقى…

حتى بعد أن أنسى شكله.

ولأول مرة،

أردت أن أهرب.

لا من عدو…

بل من قدرٍ لا أستطيع حمايتهم منه.

مرت ساعات منذ اختفائه…

لكن أثره لم يختف.

ضحكات الأطفال،

كلمات يارا،

زيارات الأصدقاء،

كلها صارت ضوضاء باهتة تحت جمجمة تغلي بالأسئلة.

انتظرت حتى نام الجميع.

لم أعد أتحمل.

دخلت الغرفة،

كان رينجي نائمًا في مهده،

وصدره الصغير يصعد ويهبط ببطء.

بجانبه، أيومي ،

مغطاة حتى عنقها،

كأنها لا تعلم أن السماء ذاتها مرّت فوقها قبل ساعات.

وقفت صامتًا،

ثم رفعت يدي ببطء.

فعلت المانجيكيو شارينغان.

ظهر الضوء الدموي في عيني.

نبضت قواي…

لكن قلبي كان أضعف من أي يوم مضى.

نظرت أولًا إلى رينجي .

غصت في شاكراه، في مساراته الداخلية.

فراغات… لا أستطيع فهمها.

تيارات… لا تشبه شاكرا الأطفال.

ثم نظرت إلى أيومي …

ورأيت الصدى ذاته.

علامة.

هادئة.

لا تؤذي…

لكنها حيّة.

كنت غارقًا في تحليلي،

لم أسمع الباب يُفتح.

صوت غاضب خلفي قطع سكوني:

“ماذا تفعل؟!”

التفت ببطء.

كانت يارا ،

شعرها متناثر، عيناها نصف نائمة… نصف مشتعلة.

نظرت إليّ، ثم إلى عينيّ المتوهجتين…

ثم إلى الطفلين.

“لماذا تستخدم الشارينغان؟

على رينجي وأيومي؟!”

سكتُّ.

لم أستطع الكذب.

لكن الحقيقة أثقل من أن تُقال الآن.

اقتربت، ووجهها مليء بالقلق:

“ماذا حصل؟

قل لي، كاتي…

ماذا رأيت؟”

نظرت إليها…

ثم نظرت إلى توأمنا.

ترددت الكلمات في حلقي.

لكنها لم تخرج.

فقط همست:

“لا شيء.”

وقفت يارا أمامي، تنتظر.

لكنني لم أضف شيئًا.

أطفأتُ عينيّ،

وعدتُ إلى الصمت.

لكن داخلي…

كان يصرخ.

سكتّ.

وقفت أمامها…

عيناي مطفأتان،

والكلمات تعلّقت بين القلب واللسان.

يارا لم تبتعد.

نظراتها لم تكن حادة هذه المرة…

كانت منكسرة.

“سامرو…

أنت تخفي شيئًا.

أنا أعرفك.”

لم أجب.

تقدمت أكثر،

صوتها يرتجف:

“هل رأيت شيئًا في رينجي؟

في أيومي؟

هل هناك خطر؟”

صمتٌ.

ثم همست:

“كاتي… لا تفعل هذا بي.”

رفعتُ عيني إليها.

كل ما في داخلي كان يصرخ أن أخبرها…

لكنني لم أستطع.

فقلت، بصوت لا يشبهني:

“سأذهب… بعد شهر.”

تجمدت.

كأن ضربة صامتة صفعتها من الداخل.

“تذهب؟”

تقدمت خطوة.

الصوت في حلقها بدأ يرتفع:

“إلى أين؟”

سكتُّ.

“ولماذا؟”

أخفضت نظري.

“متى… ستعود؟”

ثم انفجر الصوت.

“جاوبني!!”

صرخة… لم أسمعها منها من قبل.

صرخة أمّ خائفة…

وزوجة مكسورة…

وصديقة تنزف من الخذلان.

وفجأة…

بكاء.

ارتفع صوت رينجي أولًا.

ثم أيومي.

ثوانٍ… وظهر شيسوي في الباب،

ينظر إلينا وهو يفرك عينيه بنعاس وقلق.

يارا وضعت يدها على صدرها،

تحاول أن تضبط أنفاسها، لكنها لا تستطيع.

نظرت إليّ بعينين غارقتين بالحزن:

“قل لي… فقط قل لي متى تعود…”

نظرت إلى الأرض.

أجبت أخيرًا.

صوتي مبحوح.

حقيقي جدًا.

“لا أعلم.”

وفي تلك اللحظة…

لم يكن ما كسرها هو الرحيل.

بل كان الجواب.

“لا أعلم.”

2025/05/16 · 16 مشاهدة · 1460 كلمة
m6
نادي الروايات - 2025