كنت قد قررت ألّا أؤجل.

الهدوء في داخلي لم يكن راحة،

بل استعدادًا.

استعداد لرؤية نظرات لن أفهم كيف أجيبها.

دخلت مكتب الهوكاجي،

كان ميناتو وحده…

ينظر إلى خريطة العمليات الجديدة في جبهة الجنوب.

رفع عينيه عندما سمع صوت الباب.

ابتسم… تلقائيًا.

لكن ابتسامته اختفت ما إن نظر في عيني.

“سامرو…؟”

لم أضِع الوقت.

قلت بصوتٍ خالٍ من التردد:

“سأغيب في مهمة،

المدة… غير معروفة.”

توقّف الزمن بيننا.

ليس كزمن نيمو…

بل الزمن الحقيقي،

زمن القلق.

وقف من كرسيه،

تقدّم خطوة واحدة،

عينيه لا تتركان وجهي:

“أي مهمة؟”

لم أُجب.

ظلّ يُحدّق بي…

وأنا أُحدّق به.

لحظات طويلة

كأننا نقيس بعضنا بنظراتنا.

ثم همست:

“لا أعلم…

حقًا.”

انكمشت تعابيره.

لأول مرة منذ عرفته…

رأيت في وجهه حيرة الطفل…

وليست حكمة الهوكاجي.

“ما… معنى هذا، سامرو؟”

تنفّست بعمق.

وأجبت، ببطءٍ يُكشِف ما خفي:

“في يوم ولادة رينجي وأيومي…

توقّف الزمن.”

خفض نظره قليلًا…

كأنه يعرف إلى أين أذهب.

أكملت:

“رأيته…

نيمو أوتسوتسوكي.

للمرة الثالثة.”

“وماذا قال؟”

“قال: ‘سآتي بعد شهر.’

لم يُخبرني لماذا.

لم يُفسّر إلى أين.

لكنه… لم يكن يطلب الإذن.”

سكت ميناتو.

وقف في مكانه،

كأنه يحاول فهم شيء لا توجد له معادلة.

أنا… أعلم أنني لا أطلب الإذن أيضًا.

لكن…

الوحيد الذي أردت أن أُخبره بالحقيقة،

كان هو.

رفعت نظري إليه.

“تبقّى لي…

أسبوع فقط.”

لم يجاوبني.

لكنه اقترب،

أمسك ميناتو بكتفي،

وصوته كان كمن يضع ثقله كله على جملة واحدة:

“أينما ستذهب…

أرجوك، عد.”

سكتّ لثانية.

ثم نظرت في عينيه مباشرة…

وأضفت:

“إن تأخّرتُ… أكثر من شهر،

فلتُخبر يارا بكل شيء.”

شهق أنفاسه قليلاً،

كأنه لم يتوقّع أن أفتح هذا الباب.

تابعت:

“لا تُكذب عليها.

ولا تُخفِ عنها أكثر مما فعلت أنا.

هي… تستحق الحقيقة.”

ثم، للمرة الأولى…

قلت ما لم أُجازه لنفسي أن أنطقه من قبل:

“لكن…”

نظرتُ إلى النافذة،

حيث كانت الأشجار تهمس بالريح،

“سأعود، ميناتو.

مهما كان…

سأعود. ”

وغادرت.

الساعة تمشي.

العدّ التنازلي بدأ.

وفي صدري…

وعدٌ أثقل من كل الحروب التي خضتها.

خرجتُ من المكتب بعد لقائي مع ميناتو،

والصمت يتبعني كما يتبع الظل صاحبه.

لم يتبقَّ الكثير…

وأنا أعلم،

هناك وداع لا يجب تأجيله.

مررت من فوق التل الصغير قرب ساحة التدريب الرابعة،

ورأيتهم هناك.

أوبيتو، كاكاشي، كوريناي…

يتبادلون الضربات والركلات.

كلٌّ منهم تطوّر بطريقته،

لكنهم… ما زالوا هم.

على الجهة المقابلة،

كان مايت جاي يصرخ بصوته الحاد وهو يعدّ تمارين الضغط،

و أسوما يقف واضعًا يده في جيبه، ويُراقب بتعب ساخر.

ابتسمت…

ثم رفعت صوتي:

“كاكاشي، أوبيتو، كوريناي—تعالوا.”

رفعوا رؤوسهم فورًا،

ثم أومأوا ببعضهم وانطلقوا نحوي كأن شيئًا في نبرتي أوقف الوقت.

مررت بعيني على جاي،

وقلت:

“أهلاً مايت جاي… ما زلت تصرخ بنفس الحماس؟”

رفع إبهامه عالياً، وعيناه تلتمعان:

“الشغف لا ينام يا سيد سامرو!”

ضحكت.

“ابقَ كما أنت… فأنت حجر توازن الفوضى.”

تقدّم الثلاثة، ووقفوا أمامي،

وجوههم مليئة بالعرق،

لكني رأيت خلف التعب… القلق الطفيف.

قال كاكاشي بصوت منخفض:

“نيسان… لماذا صوتك يبدو مختلفاً؟”

أجبت وأنا أنظر إليهم واحدًا تلو الآخر:

“لأنني أتيت لأودّعكم.”

صمتٌ فوري.

ثم نظرة من أوبيتو:

“تودع؟

إلى أين؟”

هززت رأسي بخفة:

“مهمة…

قد تطول قليلاً.”

كوريناي عضّت شفتها:

“لكننا ما زلنا نتدرّب تحت إشرافك.”

وضعت يدي على كتفها.

“أنتم لستم أطفالاً بعد اليوم.

كلكم أقوى مما كنتُ عليه في أعماركم.”

نظرت إلى أوبيتو،

ثم كاكاشي،

ثم كوريناي.

“كل واحد منكم… يحمل شيئًا بداخله.

شيئًا حقيقيًا.

إن فقدتموني فترة…

لا تفقدوا هذا الشيء.”

ثم أضفت وأنا أشيح بنظري:

“وسأعود…

فقط حافظوا على أنفسكم.”

استدرت، وبدأت أبتعد،

لكن سمعت أوبيتو يصرخ:

“نيسان!

هل أنت خائف؟”

توقفت.

ثم التفت، وقلت:

“نعم.”

سكت الجميع.

أكملت:

“لكن خوفي… ليس من الموت،

بل من أن لا أراكم تكبرون كما يجب.”

عدت للمشي.

الرياح هبّت خلفي.

وكانت تلك…

آخر مرة يرونني فيها كما كنت.

البيت كان هادئًا…

أكثر هدوءًا من المعتاد.

كنت أسير فيه ببطء،

كأن كل غرفة تريد أن تودّعني،

أو تُخبئني بداخلها لأتراجع.

لكني تابعت السير…

إلى أن وصلت إلى الباب الخشبي القصير،

حيث كانت الغرفة التي ينام فيها شيسوي.

فتحت الباب بهدوء،

ورأيت الطفل ذو الشعر الأسود مستلقٍ على فراشه،

لكن عينيه كانتا مفتوحتين.

“كنت أعلم أنك ستأتي، أوتوسان.”

ابتسمت.

جلست إلى جواره…

وضعت يدي على رأسه.

“ما زلت مستيقظًا؟”

“كنتُ أشعر أنك ستغادر.”

صمنا للحظة.

ثم قلت له، بصوت لا يشبه أوامر المعلم:

“شيسوي…

أريدك أن تتذكر شيئًا واحدًا فقط.”

نظراته ثبتت عليّ،

كأنه يخزّن كل كلمة إلى الأبد.

“أنت…

ستبقى ابني الأول. ”

رأيت كيف ارتعشت شفتاه.

لكنه لم يتكلم.

أكملت، ويدي ما زالت على رأسه:

“ورينجي وأيومي…

سيكبران،

وسيسألان عنّي،

وسينظران إليك…

كأخيهما الأكبر.”

هزّ رأسه بقوة، دون أن ينطق.

“لا أحد في هذا العالم يستطيع أن يحميهم مثلك.

ولا أحد يعرف قلبي… كما تعرفه.”

اقتربت منه،

وضممته إليّ.

كان صغيرًا…

لكنه احتضنني بقوة،

كأنه لا يريد أن ينسى ملمسي.

همست:

“أنا فخور بك، شيسوي.

و…

أحبك.”

شعرتُ بحرارة دمعة صغيرة عند عنقي.

لكنه لم يُصدر صوتًا.

نهضتُ ببطء،

وأغلقت الباب خلفي.

ثم مشيت إلى غرفة الأطفال.

فتحتها.

رأيت رينجي نائمًا على ظهره،

و أيومي تمسك طرف غطائها بيدها الصغيرة.

اقتربت،

جلست إلى جوار السرير.

نظرت إليهما…

لا كلمة خرجت.

فقط ابتسامة مشروخة.

مددت إصبعي…

ولمستهما بخفة.

همست بصوت يكاد لا يُسمع:

“ابقيا بخير…

من أجلي.”

وقفت.

خرجت.

ولم أعد التفت للوراء.

دخل الصالة.

كانت واقفة هناك،

يارا.

لا تتحرك،

تُحدّق في السماء من خلف النافذة الكبيرة،

حيث الغيوم تمضي ببطء،

كما لو كانت هي الأخرى تودّعه.

لم تتكلم.

لكنها شعرت به.

اقترب منها بهدوء…

ووضع يديه حول خصرها،

ضمّها كما اعتاد أن يفعل عندما كان يبحث عن السكون.

لكن يارا…

أمسكت بيده.

وحاولت أن تنزعها عنه.

كأن قلبها يصرخ:

“لا تلمسني…

إن كنت سترحل.”

لكنه لم يتركها.

بل همس، بصوت مكسور لا يشبهه:

“أرجوك، يارا…

اتركيني…

أودّعك… فقط.”

سكنت يدها.

ثم قالت، بصوت متهدّج اختنق بالبكاء:

“أتيت لتودّعني، إذن؟”

أجاب:

“نعم.”

سكتت لثانية.

ثم سألت…

والسماء ما زالت فوقها:

“هل ستعود؟”

ردّ مباشرة:

“نعم.”

لكن صوتها قطع الجواب كما يقطع السكين كذبة مُعتادة:

“كاذب.”

تابعت وهي تشهق خفيفًا:

“أنا أعرف متى تكذب.”

لم يتراجع.

لم يُبرّر.

فقط قال، بصوت ناعم جدًا:

“لا أعلم…

لكن…

سأعود، مهما كان. ”

اقتربت…

وضعت جبينها على عنقه.

ثم قبّلت رقبته ببطء،

ثم رأسه.

همست:

“إن لم تعد…

سأبحث عنك، حتى في السماء.”

لم يقدر أن يقول شيئًا.

ثم…

اختفى.

وترك في المكان…

نَفَسًا مكسورًا…

وامرأةً تُحدّق في السماء وحدها.

2025/05/16 · 16 مشاهدة · 1021 كلمة
m6
نادي الروايات - 2025