"حتى وأنا مجرد شعلة، فلا يزال من واجبي الذهاب والقتال لأجل عشيرتنا"

- "قريتنا هي عشيرتنا."

"وقريتنا تابعة لعشيرة شينغ الكبرى أيها المتحاذق"

- " إذا دعنا ننفصل عنهم، سنصنع عشيرتنا الخاصة"

" احمق هل جننت؟ هل تعلم مالذي سيحدث إذا سمعك الشخص الخطئ تتفوه بهذا الهراء.. دعنا من هذا انظر لقد وصلنا "

غير أخاه الأكبر الموضوع مشيرًا إلى المقبرة أمامهم. في الليل، بخلاف حفيف الأشجار بفعل الريح وأزيز الحشرات، كانت الغابة صامتة كما هو الحال دائمًا. لم تكن الأشجار كبيرة أو كثيفة بما يكفي لحجب ضوء القمر، ما جعل التنقل أسهل.

بخطوات سريعة، سار شاب رفيع القامة، نحيل البنية، مرتديًا ثوبًا أبيض فضفاضًا يشده عند خصره حزام أسود. انسدل شعره الأسود الطويل حتى كاد يلامس مؤخرته، متجاوزًا الحزام حول خصره.

إلى جانبه، تحرك فتى أصغر وأقصر، يشارك أخاه نفس العيون الخضراء. ارتدى الثوب ذاته، لكن شعره لم يتجاوز عنقه، بينما برزت عظام وجنتيه، مضيفة سحرًا لملامحه الناعمة.

"كما أخبرتك، قم بتحطيم الجمجمة أولًا واحرص على إبقاء المسافة بينكم. على عكسنا، فهم ليسوا بحاجة لتلامس جسدي لامتصاص الجوهر، لذا فمداهم أطول." قال الأخ الأكبر.

كانت هذه هي المرة الأولى لريزان في جلب عظام الهياكل، عادة ما تكون مهمة أخيه.

لقد مرت ثلاثة أسابيع منذ دفنهم جثث المجرمين مع إضافة كمية كبيرة من الديدان الحمراء التي سرعت من تحللهم.

بحلول الآن، كانوا على الأرجح قد استيقظوا كهياكل عظمية وبدأوا في امتصاص جوهر بعضهم.

لم يسبق لريزان رؤية هيكل عظمي حي من قبل، كل ما يعرفه عنهم أنهم بلا عقل، ويُعاملون كماشية تُربى لأجل عظامها التي تُستخدم كأسلحة بسبب صلابتها عند امتصاصهم جوهر بعضهم.

مؤخرًا كان يقوم بالعديد من الأشياء للمرة الأولى. منذ استيقاظ جوهره في سن أبكر من أخيه الاكبر بثلاث سنوات واتضاح إمكانياته، تغير تعامل الأشخاص من حوله معه بشكل كبير، ابتداءً من صديقته التي بادرت لتقبيله عند اختلائهما وحدهما قبل بضعة ايام، نفس الفتاة التي كانت تدعي العفة وتختلق مختلف الأعذار في كل مرة حاول فيها ريزان الاقتراب منها.

عند تفكيره بها، رفع أصابعه إلى شفتيه مستذكرًا طعم شفتيها. كان مذاقها حلوًا كالخوخ، الشيء الذي لم ينل منه الكفاية..

"هل ما زلت معي؟"

أخرجه صوت أخيه من أفكاره.

"نعم، لا أقترب منها كثيرًا وأقوم باستهداف الجمجمة."

بفتور، ردد تعليمات أخيه التي كان يتلوها عليه طيلة الأيام الماضية. لم يفهم قلقه المبالغ فيه.

لسبب ما، لم يعد متحمسًا كثيرًا للأمر منذ اختبار المواهب الذي جرى الأسبوع الماضي كما هو الحال كل عام. بدلاً من ذلك، أراد تذوق صديقته مرة أخرى، أو بالأحرى حبيبته الآن، وربما زوجته المستقبلية؟

"هل أقوم بالمبادرة وأمرر لساني المرة القادمة؟"

اعتلت وجنتاه حمرة خفيفة عند تفكيره بالأمر.

"الأطراف التي تستطيع توصيل الجوهر إليها حاليًا هي ذراعك اليمنى وقدمك اليسرى، صحيح؟"

"نعم..."

بالنسبة لشعلة مثل أخيه الأكبر، القادر على توصيل الجوهر لجزء واحد فقط من جسده، كانت موهبة ريزان شيئًا لطالما تطلع وسعى إليه، سواء عند خوضه اختبار الاستيقاظ سابقًا وحتى بعده، حيث كان يتدرب بجد كلما أتيحت له الفرصة، إلا أنه لا يزال يفشل في إيصال جوهره إلى مناطق أخرى خلاف ذراعه اليمنى. لكن ريزان، على الجانب الآخر، عندما يصبح بسنه لن يكون من المبالغة القول أنه سيخطو عتبة الذروة كمتوهج.

رمقه بنظرة سريعة، إلا أنه سرعان ما كبح مشاعره وأعاد تركيزه للمهمة الحالية.

أزال اللوح الخشبي الذي يسد المدخل ودفع الباب. كما هو متوقع، الكثير من العظام متناثرة فوق التربة، لكن...

"أليست كثيرة أكثر هذه المرة؟"

تساءل وخطى أولى خطواته إلى الداخل. ألقى نظرة فاحصة بحثًا عن أسلحة القرية المستقبلية، وها هو يلمح أحدها عند الزاوية، واقفًا لحاله وبيده... عظمة؟

"هل استخدمها كسلاح لتدمير البقية؟" كانت هذه أول فكرة تبادرت لذهنه.

"يوجد واحد فقط، لقد أخبرتني أنه عادة لا يقل العدد عن خمسة..." تبعه ريزان من الخلف ملقيًا سؤالًا عابرًا.

"يبدو أن صديقنا هنا يتمتع ببعض الذكاء." سخر أخوه بينما التمعت نظراته على نحو عدائي وهو يحقن الجوهر بذراعه اليمنى.

في نفس اللحظة، وبخطوات واسعة بشكل مبالغ فيه، تقدم الهيكل ناحيتهم مقلصًا المسافة. كان هيكله أبيض حليبي وناهز بطوله طول الأخ الأكبر. عظام فكيه واسعة ومحددة، ونهايات أصابعه بدت حادة كأنها مخالب مفترس ما...

"يبدو مختلفًا قليلًا، لا شك أن عظامه الآن قد أصبحت صلبة كالجلمود نظرًا لبقائه هو فقط. ألا زلت تريد قتاله؟" سأل.

تأمل ريزان الهيكل قليلًا وكأنه يقيمه، ثم قال:

"إن لم أتمكن من سحق هيكل، فأنا لا أستحق لقبي كعبقري القرية"

جعل تصريحه أخاه يبتسم بتفائل.

ألقى بدوره بضعة نصائح إضافية، لكن ريزان استقبلها بإيماءة خاملة وهو يتحرك للأمام، لتصبح المسافة بينه وبين الهيكل بضعة أمتار، تاركًا أخاه الأكبر وراءه.

حتى وإن كانت عظامه صلبة، فهو يظل أبله دون عقل.

بدا واثقًا من نفسه وهو يمدد أطرافه، حتى إنه أغلق عينيه واستنشق بعمق. احتوى الهوائل رائحة عفنة جعلته يجعد ملامحه.

إلا أنه، وفي اللحظة التالية، شقت عظمة طائرة الهواء بسرعة عالية بما يكفي لئلا يتفاعل معها بالوقت المناسب بالرغم من تنبيه أخيه من الخلف، وقوية بما يكفي ليسيل خيط طازج من الدماء ملطخًا وجهه. أطلق صرخة مذعورة.

"الأحمق اللعين..."

لعن أخاه وأسرع باتجاه أخيه الأصغر الطائش. لماذا عليه أن يقوم بتلك الحركة الغبية؟ لقد حذره مرارًا وتكرارًا...

"ريزان، هل أنت بخير؟"

لا يبدو بخير، ليس بعد أن يصيبك شيء كهذا. كافح لاستعادة توازنه بالاتكاء على كتف أخيه الأكبر بجانبه.

"أبعد يدك، يمكنني القتال."

حاول التحرر من أخيه، مزيج من الإحراج والغضب اعتراه وهو ينهض، لكنه سرعان ما فقد توازنه وسقط مرة أخرى.

هيكل عظمي يهاجم عن طريق رمي العظام؟ يا لها من مزحة!

متى أصبح هؤلاء البلهاء بهذا الذكاء؟!

بام!

في لحظة تشتته، تلقى الأخ الأكبر عظمة طائرة أخرى أصابت وركه، ما جعله يطلق أنينًا متألمًا. أدار رأسه باتجاه الهيكل، الذي كان قد حمل عظمة ثالثة بالفعل وكان على وشك الرمي مرة أخرى.

"أيها المسخ اللعين!"

زمجر بشدة وهو ينطلق بأقصى سرعته، متفاديًا العظمة الطائرة نحوه ببراعة. كور قبضته المحقونة بالجوهر حتى كادت أظافره تخترق الجلد، ثم ألقى بضربة مباشرة لجمجمة الهيكل.

"هذا!"

لدهشته الشديدة، رفع الهيكل كلتا ذراعيه ليصد قبضته. أكان ما قام بضربه للتو عظم هيكل أم صحيفة معدنية؟ وما باله يصد لكمتي!

ابعد قبضته وأضاف ركلة إلى جانب الهيكل عندما لاحظ الشق الواضح الذي أحدثته قبضته على عظام ذراعيه. كما هو متوقع، أخفض الهيكل ذراعيه لصد ركلته، إلا أنه أوقفها بمنتصف الطريق وأعاد توجيه لكمة أخرى بنفس القبضة إلى جمجمته المكشوفة، متجاهلًا الألم بها.

"لن ينجو من هذا."

بام!

وعلى غرار المشهد حيث تطير جمجمته عشرات الامتار للخلف محطمة كليا، كانت لا تزال ثابتة في مكانها! أليس من المفترض أن جماجمهم هي أضعف جزء من هيكلهم؟ كانت قبضتي محقونة بالجوهر عندما ضربته!

كان الكفر وعدم التصديق جليًا على ملامحه.

كل ما تسببت به قبضته هو جعله يترنح متراجعًا بضع خطوات للوراء مع إحداث العديد من الشقوق المشوهة لمنظر الجمجمة.

"اللعنة على هذا..."

بمجرد سكونه لوهلة، اعتراه ألم حاد بقبضته. ألقى عليها نظرة... إنها مهشمة. عظامه واضحة وقد تلطخت بدماء جلده المفتوق. لا يفترض أن تكون الهياكل بهذه الصلابة! حتى وإن كان الماثل أمامه قد امتص جوهر جميع الهياكل الأخرى، فهناك شيء خاطئ بشأنه.

ابتعد الهيكل بضع خطوات للوراء، مبقيًا مسافة بينهما، وكأنه استوعب تفوق خصمه في القتال القريب. انخفض بصعوبة وحمل عظمة أخرى. كانت الأرض كلها مفروشة بالعظام التي كانت بمثابة ذخيرة بالنسبة له.

"ريزان، أحتاج مساعدتك!"

نادى على أخيه الأصغر، لكن دون رد.

بام!

اخترقت عظمة طائرة الهواء بسرعة أشد من سابقاتها، بالكاد تفاداها ملقيًا نفسه على الجانب.

"ريزان!"

صرخ مرة أخرى، مديرًا رأسه تجاه أخيه الأصغر، ليجده مستلقيًا على الأرض، ولم يتبقَ أي أثر للبياض على وجهه حيث غطت الدماء ملامحه بالكامل.

أدرك أنه استهان بقوة تلك العظام الطائرة وسوء جرح اخيه، إلا أنه سرعان ما استوعب...

"حتى أنا مع حقني للجوهر، ومع ذلك لا تزال يدي تتشوه هكذا، فمابالك به هو الذي كان غافلًا كليًا...؟"

"إنه خطئي، لماذا لم أتقدم معه!.. "

يلوم نفسه، فكرة الانسحاب في مواجهة هيكل مهينة بشكل مضحك، لكنه ليس الوقت المناسب للتفكير في هذا، على المرء معرفة متى يتخلى عن كبريائه.

بام!

إنها تخترق الهواء مُصدرة صفيرًا حادًا، لكن ليس باتجاهه، بل صوب ريزان هذه المرة، إلا أنها تخطئ الهدف وتصيب الأرض بجانبه بدلًا من ذلك، لتنثر التربة وتلطخ ثوبه الأبيض.

"إصابته عميقة..."

كان الجرح ينزف دون أي إشارة على توقفه قريبًا، حمل أخاه على كتفه مستغلًا انخفاض الهيكل لحمل عظمة أخرى، ثم اندفع بأقصى سرعته نحو المخرج.

لن يستطيع الهيكل اللحاق بي، قد تكون صلابته مرتفعة، لكن ليس خفته... صحيح؟

يفكر في داخله، لكنه ليس متأكدًا. بمجرد خروجه، ألقى نظرة سريعة وراءه، الهيكل... إنه جاثٍ على ركبتيه، هل كان حمله للعظمة السابقة مجرد تمثيلية منه؟

"لقد أضررت به، نعم، لا يعقل أن يصد مجرد هيكل عظمي قبضتي دون أن يحدث له أي شيء على الإطلاق."

فجأة، عادت ثقته بنفسه.

"هل أذهب وأستغل فرصتي لقتله؟ عظامه ستكون أسلحة قيمة للغاية، لكن ماذا إن كان يخدعني للاقتراب منه عند إدراكه نقص سرعته مقارنة بي؟"

لكنه سرعان ما ينفي الفكرة:

"كيف يعقل هذا؟ إنه مجرد هيكل غبي ولن يستطيع التفكير بشيء معقد كهذا."

"لكنه صد قبضتي وهاجم باستخدام العظام..."

"اللعنة..."

يقف عند المخرج حائرًا وأخوه بين يديه، لطخت قطرات دمائه ثوبه الأبيض. يلقي نظرة فاحصة على جرحه، حالته تزداد سوءًا.

للحظة، توقف هناك وعيناه تحومان تارة نحو الهيكل الجاثي داخل المقبرة، وتارة نحو أخيه الجريح. بعد تردد قليل، اتخذ قراره، وضعه بلطف على الأرض وأوصد الباب، قبل أن يحمله على كتفه مجددًا، متجاهلًا ألم قبضته الحارق، وانطلق بأقصى سرعته، شاقًا طريقه عبر الغابة باتجاه القرية.

-

-

-

إذا أعجبك الفصل أترك تعليقا فضلا وليس أمرا فهو يشجعني على الإستمرار.

2025/03/25 · 2 مشاهدة · 1489 كلمة
T
نادي الروايات - 2025